نخلد هذه السنة الذكرى المأوية لميلاد المفكر وزعيم التحرير علال الفاسي رحمة الله عليه. وفي هذا الإطار ستنظم عدة تظاهرات ثقافية تلقي الضوء على مسار حياة الزعيم وعلى مراحل نضاله وعلى فترة مهمه من تاريخ المغرب قبل الحماية ومرحلة الكفاح الوطني من أجل التحرر وفترة مابعد الحماية والدور الذي لعبه الزعيم الراحل والحركة الوطنية في هذا الباب. وقد انطلقت هذه الأيام بالندوة التي نظمت يوم السبت 13 فبراير 2010 بمؤسسة علال الفاسي والتي شهدت حضور أعضاء مجلس الرئاسة واللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال. وعدد كبير من المفكرين والمناضلين وزعماء الأحزاب السياسية. وقد افتتحت الندوة بالكلمة القيمة التي ألقاها الأمين العام لحزب الاستقلال ورئيس المؤسسة الأستاذ عباس الفاسي والتي رصدت فيها ملامح من حياة علال الفاسي المفكر والمناضل والإنسان. وقد قدمت خلال هذا اليوم عروض الأساتذة عبد الرحيم اونين حول الخطاب الكولونيالي المسيحي بالمغرب خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين ودور الوطنيين في التصدي له والأستاذ سعيد بن سعيد العلوي حول الحركة الوطنية وهاجس التنظير، والدكتور عبد الهادي التازي حول التاريخ الدولي للمملكة المغربية في مائة سنة، وعرض للأستاذة ثريا برادة حول الوضع في المغرب في القرن التاسع عشر وعرض للأستاذ محمد العربي المساري حول العمل الديبلوماسي للحركة الوطنية المغربية. وننشر اليوم الجزء الأخيرمن العرض الذي قدمه الدكتور عبد الهادي التازي حول موضوع : «التاريخ الدولي للمملكة المغربية في مائة سنة ».وسننشر باقي العروض التي قدمت في الأسابيع القادمة . يقول الملك الحسن الثاني في كتابه «التحدي»: ... وبعد حديث دار عن الحالة العامة بالمغرب أخذت المحادثة شكل حوار بين الرئيس ووالدي، وكان السيد المعمري يترجم للآخر ما يقوله الأول. وفي الواقع أكد الرئيس الأمريكي أن النظام الاستعماري قد عفى عليه الدهر..! وكان مما قاله تشورشيل محاولا أن «يغرق السمكة» كما يقول المثل الفرنسي، قال: بعد الغزو الفرنسي للجزائر كانت بريطانيا، خلال نصف قرن تقوم بوظيف الحارس لسلامة الإمبراطورية الشريفة... ولكن روزفلت عاد للموضوع ليقول: نحن لم نعد نتكلم عن ذلك الماضي.. وكذلك ليعبر عن تطلعه إلى رؤية اليوم الذي سيصل فيه المغرب إلى استرجاع استقلاله، متمنيا أن يكون هذا اليوم قريبا عندما تضع الحرب أوزارها... وأضاف مؤكدا أن الولاياتالمتحدة ستخص المغرب المستقل بمعونات اقتصادية متميزة». ولا شك أن الرئيس الأمريكي كان في غير حاجة لكي يتذكر وهو يتحدث ملك يحمل لقب محمد الخامس، كان في غير حاجة لكي يذكر أن الملك محمد الثالث جد هذا الملك الحالي، هو من اعترف بالولاياتالمتحدةالأمريكية قبل الدول الأخرى وهو من قام بمساعيه الحميدة لدى عدد من الدول الإفريقية من أجل تطبيع علاقاتها بالولاياتالمتحدة!! هذا اللقاء التاريخي بالبيضاء كان ضربة قاسية كما قلنا لبنود معاهدة الحماية التي كما قلنا صادرت حق المغرب في ممارسة عمله الدبلوماسي... ولقد أبدى العاهل رغبته في زيارة طنجة هذه المدينة التي كانت إلى الأمس القريب عاصمة دبلوماسية للمملكة المغربية. وفي طنجة حصل ما لم يكن بالحسبان: إن ما اتفق عليه في الرباط عند برمجة الرحلة أو ما قيل إنه اتفق عليه، وقع اختراقه، وهكذا وجدنا الملك يتحدث عن الاستقلال ويتحدث عن انتساب المغرب للجامعة العربية ووجدناه يتحدث عن رابطة العالم الإسلامي!! لكن ما كان ملفتا للعالم الخارجي هو استقبال العاهل لأعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي بطنجة ضاربا عرض الحائط ببنود الحماية التي تنص نصا على أن لا صلة بين الملك والدول الأخرى إلا عن طريق المقيم العام. سأكتفي بالإحالة على نصوص التقارير التي رفعتها القنصليات الأجنبية إلى دولها.. وكان من ردود الفعل التي تركتها الزيارة أن البطل المغربي محمد بن عبد الكريم رفع إثر لجوئه إلى مصر صيف 1947 رسالة إلى الملك محمد بن يوسف يعبر فيها عن اعتزازه بقراءة الخطاب الملكي بطنجة. ولكي تسترجع السلطات الاستعمارية هيبة فرنسا الضائعة على حد تعبير الصحافة الفرنسية، عينت الجنرال جوان مقيما عاما بهدف استعمال العنف! وهذا الجنرال هو الذي وجدناه يرفع تقريرا خطيرا وحارقا في ذات الوقت، بتاريح 16 شتنبر 1950 إلى الحكومة الفرنسية يكشف فيها عن المذكرة التي رفعها حزب الاستقلال إلى الملك وإلى القنصليات الأجنبية والصحافة الفرنسية... ولم يكن غريبا بعد كل هذه الانتفاضات المثيرة أن نجد القضية المغربية تأخذ طريقها عام 1950 إلى مبنى الأممالمتحدة في دورتها الخامسة في نيويورك. قفزة كبرى إلى قمة النشاط الدبلوماسي حيث تتعرض معاهدة الحماية إلى أكبر فضيحة على الصعيد الدولي. سوف لا أطيل الحديث حول ما كان يتردد في تلك الأرجاء من تنديد بالحماية الفرنسية وفضح لممارستها بالمغرب، لقد كان أعضاء المنتظم الدولي يسمعون بمحمد الخامس، يتساءلون هل كان هنا محمد الرابع؟ وأين هو محمد الثالث إلخ وماذا عن هذا المغرب قبل دولة هؤلاء المحمدين؟! وسأنتقل إلى القرار الذي اتخذته الحكومة الفرنسية بالسماح للصحافة العالمية بزيارة المغرب متوهمة أن الصحافة ستجاملها! وجاءنا الدكتور محمود عزمي أواخر مارس 1951 عن جريدة الأهرام، فتجلت الفضيحة الكبرى في تصريح مكتوب سلمه العاهل المغربي إلى المندوب المصري حيث اكتشفنا، فيما بعد، عن الاتصالات السرية التي كانت للملك مع قادة حزب الاستقلال، وظهرت الأجوبة على أول صفحة من جريدة الأهرام!! وحتى تكتم الإدارة الفرنسية أنفاس الوطنيين تقرر اجتماع الأممالمتحدة في دورتها السادسة عام 1951 بباريز بقصر شايو... حيث أثيرت القضية المغربية من جديد! لكن أخبار المتدخلين لصالح المغرب لم تتأثر باستضافة فرنسا للمجتمع الدولي، فكانت تصريحات المتدخلين تنزل بردا وسلاما على أبناء المغرب!! لقد فتحت لنا نافذة على العالم هناك، وكان طلبتنا في باريز ينقلون أخبار ما يجري في قصر شايو مستعينين بأحرار فرنسا ممن كانوا لا يرتضون السلوك الاستعماري! وأشعر بأنني مطالب بأن أكشف هنا عن حقيقة بقيت خافية.. كل التدخلات التحررية التي قيلت في شايو عن المغرب أتلفت بين وثائق الأممالمتحدة!! ويشعر الباحث وهو يقرأ بعض الصحف الباريزية على ذلك العهد وعلى رأسها جريدة «لوموند» أن هناك إيعازا بالتشغيب على الملف المغربي!! يجب أن نستحضر مثل هذه التصرفات الحقيرة في تلك الظروف التي كان فيها الملك محمد بن يوسف يعيش على صلة قوية ببعض من بقي من الوطنيين خارج السجون والمنافي. لقد جعل الاستعمار في صدر انشغالاته الرخيصة أن يطلب إلى الملك محمد بن يوسف أن يتبرأ من حزب الاستقلال!! حيث وجدنا أن الملك يضرب بمطلبهم عرض الحائط كما يقولون. ولا بد لي أمانة للتاريخ أن أفتح نافذة أخرى على التاريخ الدولي للمغرب ربما أهملها بعض المتتبعين بينما عشنا نحن لذائذها. النافذة نفتحها على بعض العناصر المتنورة من الفرنسيين الشرفاء الذين كانوا يرون في تصرفات الإقامة العامة تصرفات لا تشرف فرنسا! هذه الطائفة ظهرت أثناء هذه الأزمة المغربية الفرنسية، بداية الخمسينات من القرن الماضي، من أمثال جان فيدرين الذي كان يساعدنا بغير حساب!! سأحكي عن رحلة إلى فرنسا عام 1952 حيث ضمتني الأقدار مع العميد البروفيسور بيران سمع عن أنني كنت سجينا عام 1944، فتساءل عن الأسباب، وشعرت بأن الرجل كان يحس بالخجل وهو يصغي إلى... ولا أنسى في التاريخ الدولي أنه حتى في تلك الأيام الحرجة التي كان يعيشها المغرب كانت المؤسسة الملكية تعمل جاهدة على إبلاغ صوتها بشتى الوسائل للطرف الآخر... لابد من أن نشير إلى الرسائل التي كان ملك المغرب يرفعها إلى رئيس الجمهورية الفرنسية محاولا أن يساعده في إنقاذ الموقف!! وقد ظهرت المكانة الدولية للمغرب واضحة جلية عندما جرؤت السلطات الاستعمارية على ارتكاب أكبر حماقة في التاريخ عندما نفت العاهل المغربي إلى مجاهل الدنيا!.. لم أكلف نفسي عناء السفر لتتبع ردود الفعل في مختلف جهات العالم، وإنما اكتفيت بالاعتكاف بضعة أيام في «الكي ضورصي» بباريز حيث توجد نصوص مختلف التقارير التي كانت تتهاطل على وزارة الخارجية من مختلف السفارات الفرنسية في الخارج، بل ومن بعض المخبرين المحترفين... أعترف أنها كانت تقارير نظيفة تعكس وجهة النظر التي عرفناها للدبلوماسيين الأصلاء الذين يكاشفون لدولهم بالحقيقة التي عرفوها غير مكترثين بما قد يلحقهم جراء مخالفتهم لوجهة نظر وزرائهم!! معظم التقارير كانت تتذكر التاريخ الدولي للمغرب أيام كان يرسل سفراءه هو إلى أوروبا، وتتساءل عن الجواب الذي يمكن أن تقنع به تلك السفارات مختلف الذين يكتبون أو يعلقون أو يحتجون!!. وسأقترح عليكم أن تنتقلوا إلى أرشيف هيئة الأممالمتحدة لتسمعوا أيضا إلى المحاضرات والمداخلات، وقد اضطر الوفد الفرنسي عام 1953 و 1954 و 1955 إلى اتخاذ قرار بالغياب عن تلك الجلسات التي كانت تمرغ سمعة بلادنا في التراب!! ملف المغرب في الأممالمتحدة لا يعد بالأوراق، ولكن بالكراسات والأضابير ولا ينبئك مثل خبير!! ولقد أدركت حكومة الرئيس ادكافور منذ تشكيلها في يبراير 1955 مدى فداحة الخطأ الدبلوماسي الذي ارتكب في حق المغرب، فجددت الاتصال بالعاهل المغربي في المنفى بواسطة طبيبه السابق الدكتور ديبواروكير... وانتهى الأمر بعودة الملك محمد بن يوسف إلى المغرب بعد مقام في باريز حيث تم الاعتراف بنهاية عهد الحماية من خلال تصريح لاسيل سان كلو 6 نونبر 1956 (La celle - saint - Clond). وتحضرني نكتة طريفة سمعتها من الدكتور طه حسين، بعدما استقبله الملك محمد الخامس كانت تقام له عدة احتفالات في مختلف القواعد المغربية، وكان الرئيس علال الفاسي وصحبة محمد بوستة عندما يقدمون له الذين يحتفلون به في الدارالبيضاءوالرباط وفاس يقولون: أن صاحب هذا البيت كان في السجن محكوما عليه بكذا سنة!! كتب طه حسين يقول: لقد خيل إلي أنني كنت أعيش في جزيرة للمجرمين المنحرفين بمن فيهم ملكهم محمد الخامس!! * * * هنا أصبحت مدينة الرباط بعد استرجاع المغرب استقلاله كعبة لسفراء سائر الدول يتنافسون لكي يكونوا السباقين الأولين في تقديم أوراق اعتمادهم للملك محمد الخامس على نحو ما كانت تلك الدول تفعل في سابق الأيام مع ملوك المغرب... هنا تكونت مجلدات للدول التي فتحت لها سفارات بالمغرب ابتداء من اسبانياوفرنسا وانجلترا وبلجيكا إلى آخر دول أوروبا الغربية ثم الدول الشرقية وجامعة الدول العربية والقارة الأمريكية، ودول آسيا وأستراليا، ودول إفريقيا التي سعى المغرب إلى جمعها فيما سمي ابتداء (منظمة الوحدة الإفريقية)... مئات المعاهدات المبرمة، ومئات الوفود المتبادلة... عشرات المنظمات الدولية التي وجدت في المغرب أفضل ملاذ للمقام، ليس فقط المجال الدبلوماسي والسياسي ولكن كذلك المجال العلمي والثقافي حيث رأينا طائفة من أصدقاء المغرب من العالم الغربي والعالم العربي كذلك تفضل المقام بالمغرب! وبدوره أمسى المغرب عضوا في المنتظم الدولي بمقتضى ظهير يعتمد فيه العاهل الحاج احمد بلافريج رئيسا للدبلوماسية المغربية، وقد دشن هذا الحضور بالزيارة التاريخية التي قام بها الملك محمد الخامس لمبنى الأممالمتحدة يوم الاثنين 9 دجنبر 1957. كانت الأممالمتحدة اعتادت أن تسمع إسم العاهل المغربي من خلال الخطب والتدخلات التي كانت تسمعها في أرجاء المنتظم الدولي، ومن هنا نتصور مدى الشعور الذي كان يتملك أعضاء الهيئة الأممية الذين كانوا على موعد مع رؤية ذلك العاهل الأسطورة الذي ركل العرش واختار المنفى في مصلحة شعبه. لقد دوت القاعة بالتصفيق والملك يخطو نحو المقعد المخصص له بجلبابه الأبيض وهندامه الجميل.. كان في الحاضرين من حمل معه جهاز المكبر حتى يرى ملامح العاهل كاملة، وكان فيهم من حمل جهاز تصوير خاص به.. لقد أدرك الحاضرون جميعا أن هذا العاهل سيكون المفتاح لكل الذين يثورون من أجل الحرية في أية جهة من جهات العالم.. سيكون «بشرى الخلاص» لكل المعذبين في الأرض! وقف العاهل يلقي خطابه باللغة العربية وكان رئيس الجلسة هو السيد ليسلي مونرو Leslie Monro ليحمل الى جميع الأمم الممثلة «هناك، تحيات الود من شعب حظي في نهاية المطاف بالانضمام الى حظيرتكم» يقول الملك محمدالخامس حسبما ورد في الوثيقة الأممية في الجلسة العامة المنعقدة يوم الاثنين 9 دجنبر 1957 (16 جمادى الأولى 1377) في الساعة الثالثة، الدورة الثانية عشرة.. «وإذا كانت دولتنا تمتاز بأنها دولة فتية، فإنها في نفس الوقت تمثل أمة عتيقة متشبثة بعقيدتها وبقيم الإسلام السمحة التي كانت أسس حضارة شديدة الحرص على السلام والعدالة والمساواة.. ولما للمغرب من رغبة أكيدة من إقرار علاقات سليمة مع سائر الدول فقد آثر عن طواعية واختيار طريق المفاوضات لحل مشاكله.. إننا نعيش في عصر ينكر الانفراد ويأبى العزلة.. والتخريب في العصر الحاضر معناه القضاء المبرم على ألوان من الحياة الجديدة. وبما كان يتملكه، رحمه الله، من آمال في أن يرى بلاد المغرب الكبير وقد أصبحت جميعها حرة طليقة مستقلة تسهم في بناء المجموعة الدولية قال: ويؤلمنا ألما شديدا أن تجري في أرض جارتنا الجزائر الشقيقة معارك يتسع نطاقها يوما بعد يوم، وما أشد رغبتنا في أن تباشر مفاوضات بين جميع من يهمهم الأمر لتسوية النزاع القائم تسوية تتفق ومبادئ الأممالمتحدة!! لقد كانت آخر كلمة في خطاب العاهل أمام المنتظم الدولي: إن أملنا الوطيد في أن تصبح منظمتكم ملتقى لجميع شعوب العالم، ومثلا للتشاور والحوار حتى يسود السلام وتعم الحرية وتنتشر العدالة». *** وقد استمرت المسيرة بعد استرجاع الاستقلال.. وعرفت الخارجية المغربية الناشئة نشاطا ملحوظا منذ يوم تأسيسها بعدما تسلم السيد الحاج احمد بلافريج الظهير من يمين الملك محمد الخامس يوم 26 أبريل 1956. سأذكر في أبرز الأحداث التي عرفها التاريخ الدولي للمغرب قضية استكمال الوحدة التاريخية للمغرب، فإن من المعروف أن المغرب عندما كان يناضل من أجل استرجاع استقلاله لم يكن يقصد فقط الى استرجاع المنطقة الاسبانية، ولا المنطقة الدولية فقط ولكن المغاربة كانوا يقصدون أيضا الى كل المواقع التي كان الاسبان يبسطون عليها سيطرتهم في الشمال والجنوب، وفي هذا السياق نذكر خطاب الملك محمدالخامس في محاميد الغزلان يوم 15 يبراير 1958 وهو الخطاب الذي يسجل الى اليوم موقف المغرب من استكمال وحدته الترابية.. وسأذكر في الأحداث التي عشتها علاقة المملكة المغربية بحاضرة الفاتيكان.. ونحن نعلم عن دور الفاتيكان في المجموعة الدولية، ولهذا فلم أنس الخطاب الهام الذي وجهه الملك محمد الخامس الى المؤتمر الدولي الثقافي الذي انعقد بالمغرب، في تومليلين على مقربة من مصطاف إيفران بتاريخ 22 غشت 1956. لقدكان لهذا المؤتمر قصة مطرفة، ففي أثناء نفي الملك كانت، «الفاتيكان» تقوم بنشاطات مماثلة في هذه المنطقة، وعندما استرجع المغرب استقلاله أشاع بعض المغرضين أن المغرب المستقل سيعادي النشاطات المسيحية. لقد كان الملك يرى في ذلك المؤتمر استجابة لرغبة متغلغلة في صدره ألا وهي الدعوة الى التقارب بين الأديان والأجناس، وقد أشاد العاهل في خطابه الذي حضرته بالرباط، أشاد بالبروفيسور ماسينيون الذي، كلنا يعلم، كان له موقف مشرف من عودة محمد بن يوسف الى عرشه على نحو جاك فيدرين الذي أشرنا إليه. وسأذكر في جملة ما أذكر أن العاهل المغربي محمد بن يوسف أعلن منذ أبريل 1947 بطنجة عن انتمائه للجامعة العربية، وها نحن نرى المغرب المستقل يبادر للانضمام رسميا الى الجامعة العربية حيث أصبح عضوا عاملا منذ عام 1958 في سائر فروع الجامعة. وقد وجدنا أن العمل الدبلوماسي للمغرب يستمر بعد استشهاد الملك محمد الخامس 10 رمضان 1382 26 يبراير 1961 هناك شاهدنا مؤتمر القمة العربية الأولى، ينعقد بالقاهرة يوم 27 شعبان 1383 17 يناير 1964، حيث تميز حضور المغرب بحدث فريد من نوعه وهو تسليم الضباط المصريين الذين وقعوا في ضيافة الجيش المغربي أثناء الخلاف المؤسف بين الجزائر والمغرب حول الحدود الشرقية بين البلدين.. وأذكر أن ما تميزت به الرحلة الرسمية التي قام بها الملك الحسن الثاني للولايات المتحدةالأمريكية في ذي القعدة 1382 27 مارس 1963، مما تميزت به الخطاب الذي ألقي بواشنطن جوابا عن كلمة الرئيس كينيدي، حيث أعاد العاهل للذاكرة الصلات التاريخية التي كانت تربط بين المملكة المغربية والولاياتالمتحدة في شخص الملك محمد الثالث والرئيس جورج واشنطون. وبهذه المناسبة أهدى الملك الحسن الثاني نسخة من الدستور المغربي للرئيس الأمريكي، ونحن نذكر سلفا أن الرئيس جورج واشنطون كان أهدى وقتها للملك محمد الثالث نسخة من الدستور الأمريكي.. ولا بد أن لا أنسى هنا مما مر به التاريخ الدولي للمغرب، لا بد أن أذكر حدث العلاقات مع جمهورية الصين. لقد شاهدنا أول سفير للصين الشعبية بي رين Bay-Ren يقدم أوراق اعتماده يوم 29 أبريل 1959، وكان حدثا عظيما أن يجرؤ الملك محمد الخامس على الاعتراف بالصين بالرغم من الاعتراضات والضغوطات التي توالت عليها من كل جانب.. كانت مبادرة رائدة تذكر بما أقدم عليه الملك محمد الثالث، قبل أكثر من قرنين عندما اعترف بالولاياتالمتحدةالأمريكية، وهكذا أبرمت طائفة من الاتفاقيات بين البلدين وتبودلت الزيارات بين كبار الشخصيات.. ولقد كان مما تميز به التاريخ الدولي للمغرب في هذه الفترة ما دأبت عليه المؤسسة من المطالبة بحق المغرب في الالتحاق بالمجلس الأوروبي حيث احتفظنا بعدد من الرسائل المحررة باللغة العربية مما يجعلنا نقدر دور الأدب الإداري في العلم الدبلوماسي. ولقد كان مما تميز به التاريخ الدولي في هذه الفترة أن العاهل المغربي كان حريصا أشد الحرص على تفعيل ما يسمى في الاصطلاح الدولي بالدبلوماسية الموازية.. لم أستطع بكل صراحة أن أستوعب أنماط الدبلوماسية الموازية التي كان المغرب يبرع في استعمالها واستثمارها كذلك. وقد فوجئت ذات يوم وأنا في مستشفى (فال دوكراص) بباريز، بما أطلعني عليه الجنرال لوفيفر رئيس المستشفى: هناك كنيسة تحفة من التحف الفنية العالمية الرائعة. قال لي هذا الطبيب الرئيسي للمستشفى: إن تمويل هذا المعبد كان من المال الخاص للملك الحسن الثاني.. سألته عن السبب في هذه المبادرة من الملك، أجابني: إنه عرف الأسباب عندما سمع باعتراض قداسة البابا على صنيع لإسرائيل في بيت المقدس!! باب الدبلوماسية الموازية يمكننا أن نقضي الساعات دون أن نصل الى نهايته.. الملك الحسن الثاني هو الذي كان يقول: أن العمل الدبلوماسي كالمطر الذي ينزل على الأرض قد تستفيد منه في هذه الفترة أو الفترة التي تليها.. العمل الدبلوماسي الموازي استثمار قد يعطيك نتائجه هذه السنة أو بعد بضع سنوات!! وكم وقف المغاربة على أمثلة من هذه الدبلوماسية التي نسميها الدبلوماسية الموازية.. شاهدنا هذه الأمثلة في الميدان الرياضي في النشاط البرلماني، وفي التواصل الإنساني.. سأزود مؤسسة علال الفاسي بكل العناصر التي اعتمدت عليها في كتابة هذه الورقات من عرائض وصور ورسوم لتبقى شاهدا على التاريخ الدولي للمغرب طوال هذا القرن الراحل. وقد كان مما يسليني حقيقة وأنا أكتفي بذكر رؤوس المسائل وأهم المحطات أنني قدمت لأبناء بلادي بعض ما يذكرهم بماضي بلادهم، عساهم يبحثون عن ذاتهم في ذلك الماضي، وعلهم يضيفون لبنة جديدة لذلك البناء الشامخ، وقديما قالوا: استتمام المعروف خير من ابتدائه. ومن دون ما أن نفتح ملفات الحاضر التي تنطق بكل المفاخر أقترح العودة الى المجلدات الضخمة التي تحتضنها إدارة القضايا القانونية والمعاهدات لنقف على المنجم الغني الثري الذي تتوفر عليه الدبلوماسية المغربية في حاضرها المتحرك المتجدد المتنوع.. ذلك المنجم الذي يأخذنا الى أقصى بقاع الدنيا عموديا وأفقيا حيث نرى أن هذا المغرب لم يفرط في الرصيد العظيم الذي ورثه عن أسلافه، ورثه عبر رجاله ووثائقه، نرى أن ذلك الماضي حاضرا باستمرار، وعلى مختلف الصعد، ويكفي أن نستعرض الدليل الدبلوماسي لكل أمم العالم لنجد أن المغرب يجوب القارات والأقيوناسات مجددا للعلاقات بانيا للجسور والصداقات، الأمر الذي فرض على تلك الأمم أن ترحب بالمغرب كحليف متميز بين حلفائها، وكفاعل قوي في بناء السلام العالمي، وكعميد أصيل في الأسرة الدولية، يظل الأساس في الرأي والسياسة واتخاذ القرار..