في خطاب الأمين العام لحزب الاستقلال الأستاذ عباس الفاسي بمناسبة الذكرى 35 لرحيل زعيم التحرير علال الفاسي أكد الأمين العام لحزب الاستقلال الأستاذ عباس الفاسي أن إسم الزعيم علال الفاسي سيظل حاضرا متجذرا في الوعي الوطني. وأوضح في المهرجان الخطابي الحاشد الذي نظمه الحزب أمس الأحد بالمركب الثقافي والرياضي لهيئة المحامين بالسويسي في الرباط بمناسبة إحياء الذكرى 35 لرحيل زعيم التحرير علال الفاسي رحمه الله أن المسألة الدستورية كانت حاضرة دائما في اهتمامات حزبنا. وعبر عباس الفاسي عن اعتزاز مناضلي الحزب بما تحققه بلادنا من انتصارات في مواجهة خصوم وحدتنا الترابية بفضل ما يبذله جلالة الملك محمد السادس من جهود حقيقية مع قادة الدول دعما للدبلوماسية الرسمية والشعبية في الدفاع عن حقوقنا الثابتة والتعريف بأهمية مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب للمنتظم الدولي. ************* أيها السادة والسيدات؛ أيها الإخوة والأخوات؛ يُسعدنا أن نُخلد اليوم الذكرى الخامسة والثلاثين، لرحيل زعيم التحرير علال الفاسي تغمده الله بواسع رحماته، مكرسين بذلك هذه السنة الحميدة، التي درج عليها حزبنا، منذ وفاة هذا الرائد والقدوة والرمز المتعدد الأبعاد، وفاءً منا لروحه الطاهرة، وتقديرا لما بذله من أجل استقلال وطنه، وكرامة مُواطنيه، وصيانة حرمة دينه، وعزة أمته، وإكباراً لعطائه الفكري في مختلف مجالات المعرفة، وتثميناً لما قدمه من تضحيات جسام، من أجل بناء دولة المؤسسات. علال الفاسي إسم متجذر في الوعي الوطني إن إسم الزعيم علال الفاسي يُوقظُ الذاكرة، ويدعو الفكرَ إلى استحضار فيضٍ من الأحداث التي شهدها تاريخُنا المُعاصر، والتي طبعها بمواقفه ومبادرته، بشكل يستعصي على الحصر، ولا يستوفيه الاستقصاء، وبذلك يبقى اسمُه حاضرا، مُتجذرا في الوعي الوطني، بعطائه الفكري المتنور، علاوة على كون حياته، قد اقْترنَتْ بمسار الحركة الوطنية منذ نشأتها، إذ كان في مقدمة الماهدين الأوائل، الذين غرسوا بذْرَةَ الوعي الوطني، بين مختلف شرائح المجتمع في وقت مُبكر، فعمل، وهو في عنفوان الشباب، على تكوين طوائف من الشباب المناضل، المتشبع بروح الوطنية الصادقة، الهادفة الى تحرير المغاربة من كلِّ مظاهر الاحتلال، العسكري والسياسي والاقتصادي والثقافي، والتخلص من رواسب الاستعمار النفسي ولاستلاب الحضاري. كفاح دائم من أجل الديمقراطية والعدل والتضامن أيها الإخوة والأخوات؛ إذا كان كفاحُ حزب الاستقلال الذي حدد معالمَهُ وتوجهاته الزعيم علال الفاسي، مستمراً من أجل الدفاع عن كل القضايا، التي تهم مصلحة الوطن والمواطنين، منذ انطلاقة الحركة الوطنية، فإننا نُدرك أن هذه القضايا منها ما هو مرحلي، أو آني مرتبطاً بالزمان أو المكان، ومنها ما هو أبدي ودائم، لذا، فإن الشعارَ الذي اخترناه لهذه الذكرى: «كفاحٌ دائم من أجل: الديمقراطية، العدل، التضامن»، يطرح قضايا حيويةً، تتسم بارتباطها الدائم بحياة الفرد والجماعة، وتُشكل دعامةَ الأنظمة، وعليها تتوقَّف سعادةُ الشعوب، وتتحدَّد طبيعةُ الحكم السائد في كل بلد. وانطلاقا من هذه القناعة، استطاع الزعيم ورفاقه في كتلة العمل الوطني، والحزب الوطني، وحزب الاستقلال، أن يلائموا ويطوروا مسارهم النضالي، وفق ما تقتضيه كلُّ مرحلة، لِضمان الاستمرارية ومعالجة كلِّ القضايا، وفق ما تُمليه متطلبات الظرفية، الشيء الذي تجلَّى في التدرج الذي اتبعوه في مواجهة الاحتلال، فمن قراءة اللطيف في المساجد، وتكوين الزوايا الى تقديم مطالب الشعب المغربي، ثم المطالب المستعجلة، المُشتملَة على المبادئ الرئيسية للإصلاح، وصولاً إلى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، التي تُعتبر حدا فاصلا بين عهد المُطالبة بالإصلاحات، وعهد تصعيد النضال من أجل إنهاء وجود الحماية، والدخول في عهد الحرية والاستقلال. الزعيم علال الفاسي أدرك مبكراً خطورة المؤامرة الاستعمارية ولقد كان الزعيم، يرى أن الدفاع عن الاستقلال والوحدة، ينبغي أن يكونَ دائما في مفهومهما العام، الذي يشمل الشعب والوطن والعقيدة والأمة. وقد أدرك في وقت مُبكر، خطورة المؤامرة الاستعمارية، الهادفة إلى النيل من الوحدة الوطنية، من خلال سياسة التفريق بين مكونات الشعب المغربي العربِ والأمازيغ ودينه الإسلامي، فتصدى الزعيم ورِفاقه لما يُسمى بالظهير البربري، بالعمل على توعية الشعب بمخاطر الأهداف التي يرمي لها المستعمر، فانتفض سكان المدن والبوادي في الجبال والسهول، لإفشال المخطط الاستعماري، وتعزيز تماسك لحمة الشعب، وصيانة وحدته الوطنية، وبعد نيل الاستقلال قرر جلالة الملك ومعه مختلف مكونات الشعب إعطاء العناية الضرورية للغة الأمازيغية وثقافتها وتراثها، وقد كان الزعيم واعيا بأن ما أَبَانَ عنه الشعبُ من وحدةٍ وانضواءٍ في صفوف حزب الاستقلال، والْتفافه حول العرش، سيواجهه المستعمر بشتى المُناورات، لإجهاض الإنجازات التحررية، التي أصبحت قاب قوسين من التحقيق، تحت وطأة ثورة الملك والشعب، التي أرْغَمَتِ المُستعمر على الدخول في مفاوضات مُتعجلة، أعد ترتيباتها بما يخدم استراتيجيته، الشيء الذي تجسد في مباحثات «إكس لبيان» التي عارضها الزعيم ووقف منها موقفا حازما، لأنه كما قال: «يرى أن فرنسا لما وجدت نفسها مضطرة للاعتراف بالاستقلال، أرادت أن تلعب دورا يُتيح لها الفرصة للإبقاء على نوع من الهيمنة المعنوية، لتحمي به في نظرها استعمارها الاقتصادي ومصالحها، وقد تبين أنه في (إكس لبيان) صنع الفرنسيون التناقضات التي ظهرت في الحكومة الأولى للاستقلال». والتي ألقت بظلالها وتداعياتها السلبية على تطورات الأحداث اللاحقة. حكومة بلافريج دشنت المسار الديمقراطي وكان الزعيم حريصا على لفت انتباه رجالات الحزب، الى المخاطر المحتملة من المشاركة في الحكومة الائتلافية المكونة على ضوء تلك المباحثات غداة الاستقلال، والتي شكلت بداية ما عرفته البلاد لاحقا من أحداث، أعاقت سلاسة التطور الطبيعي للمسار النضالي الوطني، وفي هذا السياق، يقول الزعيم في كتاب «الديمقراطية وكفاحُ الشعب المغربي من أجلها» «إن المؤتمر الاستثنائي الذي عقده الحزب في الرباط، بصفةٍ ارتجالية، وزعيم الحزب ورجال المقاومة لم يدخلوا بعد، من المنفى الإجباري، تعجل بأخذ قرار بالدخول للحكومة مع ممثلي موائد إكس ليبان، على الرغم من إلحاحي بعدم الدخول في حكومة إلا إذا كانت منسجمة، من الحزب الذي كافح في سبيل الاستقلال وعودة الملك». ويُضيف مؤكدا أنه: «لو ثبت الحزب في هذا الموقف، لقبل منه ذلك قطعا، ولسهل عليه أن يكون أول عمل يقوم به اعلان قانون أساسي مؤقت وانتخاب مجلس وطني» . الشيء الذي كان يوليه الزعيم أهمية قصوى من أجل وضع البلاد على جادة الديمقراطية، التي يدرك تعلق الشعب المغربي بها على مر العصور، وقد كان حريصاً على أن يكون في مقدمة إنجازات الحكومة التي ترأسها المرحوم الحاج أحمد بلافريج، تدشين المسار الديمقراطي بإصدار ظهير 58 11 15 المتعلق بالحريات العامة وبحرية الصحافة وبضمان التعددية الحزبية والنقابية، وإنشاء جمعيات المجتمع المدني، في وقتٍ كانت ريحُ الأنظمة الشمولية والحزب الواحد تهُبُّ كلَّ دول العالم الثالث، ولقد شَكَّل الدفاعُ عن الحريات الفردية والجماعية، أحد الثوابت ذات الأولوية في نضاله المستمر، من أجل بناء مجتمع ديمقراطي، متضامن، تسوده العدالة، واعيا بحقوقه، ومدركا لواجباته. وفي هذا السياق، يؤكد على ضرورة ترسيخ وعي الأفراد والجماعات، بأهمية النضال من أجل تحقيق الحرية في كل ابعادها، وخاصة حرية الوطن من كل مظاهر الاحتلال الأجنبي، مؤكدا على أن استقلال الوطن، لايكتمل بدون ضمان الحرية الشخصية لمواطنيه، بتمكينهم من ممارسة حقوقهم، وأداء واجباتهم، في شتى المجالات: السياسية والاجتماعية والاقتصادية، في مناخ يضمن لهم حرية التعبير المسؤولة. معركة من أجل مغربة المشهد الاعلامي المكتوب وإدراكا منه بأن ذلك لن يتأتى إلا بوجود صحافة وطنية تتمتع بكامل الحرية، وتقدر مسؤوليتها وتضطلع برسالتها النبيلة في ترسيخ ودعم الأسس الديمقراطية، بالاسهام في تنوير الرأي العام، خاض الحزب وصحافته معركة مغربة المشهد الإعلامي المكتوب بمناهضة «صحافة ماص» الاستعمارية وواصل النضال لتحرير الصحافة من كل رقابة ماعدا رقابة الضمير المهني والحس الوطني. وقد تقدم الفريق الاستقلالي في أول برلمان بمقترح قانون يمنع الصحافة الاستعمارية وتمت المصادقة على المقترح. كما آمن بالدور الذي تضطلع به الأحزاب في الديمقراطيات الحديثة، في مجال تأطير المواطنين، وقدرتها على تكوين وتوجيه الرأي العام الحقيقي، لما يخدم المصلحة العليا للوطن، معبرا في ذات الوقت عن أنه لايخلو مجتمع أو شعب من وجود أطراف أو جهات قد ترى أن العمل الحزبي لايخدم مصالحها، إن لم يهددها، فتتحامل على الأحزاب ، وتطعن في مصداقيتها، وتسخر كل الوسائل المتاحة لتنفير شرائح من الرأي العام من العمل السياسي، والتشكيك في جدوائيته، ويبدو أن مثل هذه الأصوات مازال مع الأسف يسمح من حين لآخر تعبيرا عن عقليات تجاوزتها التحولات الإيجابية التي عرفها التطور الديمقراطي في بلادنا. فيقول في كتابه «الحرية»: «إن الأحزاب السياسية، ضرورة من ضرورات الديمقراطية، ولايمكن تصور حكومة ديمقراطية، ولا انتخابات حرة في بلد ما، إلا إذا كانت هناك أحزاب سياسية»، ويضيف: «إن الذين يبشرون بالدعوة الى إلغاء الأحزاب في بلد ما، إنما يبشرون بتخريب البلد، بإحداث الفراغ، فالجمعيات والأحزاب هي مظاهر الحريات السياسية، لوضع أفكار الأمة بين أياد مسؤولة مومنة بالوطن وقيمته. تحقيق الديمقراطية في إطار الملكية الدستورية وقد وضع حزب الاستقلال في مقدمة اهتماماته تحقيق الديمقراطية في إطار الملكية الدستورية، والدفاع عن القيم الإسلامية والثوابت الوطنية، لذا ظل على الدوام مستهدفا من خصوم هذه المبادئ، وأعداء هذه التوجهات، ليتمكنوا من النيل من ما بناه من دعائم المؤسسات الوطنية، وما يحرص على صيانته من مقومات الإنسية المغربية، وقد تجلى ذلك في أكثر من محطة منذ أيام الكفاح الوطني وغداة الاستقلال والى اليوم. ويتجلى من هذا، تجذر القناعة لدى الزعيم بالأولوية التي يكتسيها وضع دستور للبلاد، يضبط ويحدد الأسس التي يبنى عليها المغرب المستقل، الذي بشر به في كتاب النقد الذاتي، حيث قال: «إن الرغبة في إعطاء الشعب حقه في الرقابة والاقتراح، تستدعي تنظيما عاما للشعب، وتنظيما للهيئة او الهيئات النيابية التي تمثله ، مثلما يقتضي تنظيما حكوميا، قائما على الأسس الديمقراطية الصحيحة. ويمكننا أن نعتبر أنفسنا منذ الآن 1949 في الاتجاه الملكي الدستوري». وهو يدعو الى هذا التوجه بفكر متفتح على التجارب السابقة، دون أن ينسلخ من أصالته، فيؤكد على أنه يجب أن نستفيد من كل التجارب الإنسانية، إذ ليس في الدنيا نظام باطل كله، أو الأحق كله، وإنما هي مجموعة من ا لنظريات، أحدثتها عوامل الاجتماع والنفسيات، ودفاع الناس بعضهم بعضا، فينبغي ان نستفيد منها كلها وأن نعمل على الخضوع لعواملنا نحن، وما تقتضيه مصالحنا ومطامحنا». المسألة الدستورية كانت دائما حاضرة في اهتمامات الحزب أيها الإخوان والأخوات. أود بهذه المناسبة، التذكير بأن المسألة الدستورية كانت دائما حاضرة في اهتمامات حزبنا، ومعبرا عنها في مواقفه منذ فترة الكفاح الوطني، وبشكل مستمر في مؤتمراتنا، ومجالسنا الوطنية. يقول الزعيم في كتاب منهج الاستقلالية: «لم تكن الملكية الدستورية مشكلة لا بالنسبة للحركة الوطنية ولا بالنسبة للعرش المغربي، لأن جلالة الملك محمد الخامس مافتئ يتحدث عنها في مختلف بياناته، وخطبه وتصريحاته الرسمية. «وإن الملكية الدستورية التي يرمي اليها الحزب، هي التي تزيد النظام المغربي تثبيتا، وتضعه في مركزه اللائق به، من المفهوم العصري للنظام وللحكم. «إن الدستور لايقصد منه التحدي للملك، أو المساس باختصاصه كرئيس للدولة أو أمير المؤمنين» وهكذا أعلن المغفور له الملك محمد الخامس عن نيته في عرض مشروع الدستور على الاستفتاء الشعبي قبل نهاية سنة 1962، وقد وافت المنية الملك محمد الخامس قبل تحقيق وعده، وبعد تربع جلالة الملك الحسن الثاني على العرش غداة توليه الحكم شكل لجنة لدراسة المشروع المرتقب وفاء لوعد والده، تضم من بين اعضائها الزعيم علال الفاسي ومحمد بوستة ومحمد الدويري، فكان للحزب بقيادة الزعيم شرف المشاركة في إعداد أول دستور للمغرب الحديث، يخرج البلاد من وضع «اللادستور» الى الدخول في عهد الملكية الدستورية منذ تاريخ 7 دجنبر 1962 لتشهد البلاد إثر ذلك اول انتخابات برلمانية سنة 1963. أول انتخابات نيابية كانت مكسبا للمغرب ورغم الظروف التي مرت فيها اول انتخابات نيابية فقد اعتبرها الحزب مكسبا للبلاد وخطوة ولو متعثرة على المسار الديمقراطي المنشود ومع ذلك يقول الزعيم: «فقد قام ممثلونا بالمهمة التي عهدت اليهم، وفضحوا تلاعب الحكومة وكتلتها النيابية وبفضل صبر نوابنا، وثباتهم وموضوعيتهم، استطاعوا أن يحولوا الى جانبهم فريقا من خصومهم الذين أخذوا يصوتون مع فريق المشروعية والتعادلية حتى وصل الأمر حد تقديم ملتمس للرقابة فضاقت الحكومة بذلك ودبرت أمر إعلان حالة الاستثناء». وقد شكلت هذه المرحلة منعطفا أدخل البلاد في مسلسل من الانتخابات المزورة التي أعاقت المسار الديمقراطي وفوتت على بلادنا العديد من الفرص الشيء الذي واجهه الحزب على الدوام بالشجب والاستنكار والتأكيد على ضرورة العودة إلى الممارسة الديمقراطية السليمة. وأعلن حزب الاستقلال استنكاره لهذا الإجراء، واعتبره تراجعا خطيرا، وتعطيلا للممارسة الديمقراطية، واستمر في المطالبة بالعودة إلى الحياة النيابية، وقد رفعت فروع الحزب مئات العرائض ممضاة من مئات الأطر، والعمال والصناع والفلاحين والطلبة ورجال الأعمال، إلى جلالة الملك من أجل الاستجابة لمطالب الشعب بالعودة إلى الحياة الديمقراطية السليمة. ومنذ ذلك التاريخ، والحزب يتعاطى مع المسألة الدستورية وفق ما تتطلبه كل مرحلة، على قاعدة التنسيق مع الحلفاء، والتشاور مع جلالة الملك، وفق منهجية جادة ورصينة، أبانت عن نجاعتها فيما تضمنته دساتير 1972/1962 1992/ و1996. دورهام للكتلة الديمقراطية وهنا أود التذكير بالدور الذي قامت الكتلة الوطنية في هذا المضمار سنة 1972 وأيضا أشير إلى ما تضمنه التقرير الذي ألقيته في مؤتمرنا الأخير وهو: «أهمية الدور الذي قام به حزب الاستقلال والذي لعبته الكتلة الديمقراطية التي تأسست سنة 1992 وتقدمت بمذكرتين حول الإصلاحات السياسية والدستورية تم التجاوب معها من طرف جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني، من خلال تعديل الدستور مرتين، وتميز التعديل الأخير بالتصويت عليه بما يشبه الإجماع الوطني على مضامينه. وفي هذا السياق، ووفاء لنهج الزعيم والتزاما بالنهج الذي درجنا عليه، فإننا بقدر ما نؤمن بأهمية العمل المشترك والتفكير في مراجعة الدستور، وتنقيحه، وتطويره، فإننا أيضا نعتبر اتخاذ القرار بالمطالبة بها، يستمد نجاعته أساسا من المنهجية، والأسلوب، واختيار الظرف المناسب لطرحها. إثارة موضوع الإصلاح الدستوري في أجواء الانتخابات من شأنه خلق نوع من الإرتباك إننا نعتبر صادقين أن إثارة موضوع الإصلاح الدستوري، في غمرة انشغال المواطنين بأجواء الانتخابات الجماعية، من شأنه خلق نوع من الارتباك، والخلط في الاهتمامات، لدى الناخبين المنشغلين حاليا بتقييم حصيلة عطاء المجالس البلدية والقروية، والبحث عن أفضل المرشحين أو المرشحات، لتسيير الشأن المحلي للولاية المقبلة، وكذا أقرب البرامج الانتخابية من معالجة قضاياهم ومشاغلهم اليومية الأمر الذي ينبغي أن تتعبأ كل الجهود للتركيز عليه، ومناهضة ظاهرة العزوف، في الوقت الذي نتطلع جميعا إلى تضافر الجهود للحد من عواملها ومسبباتها. أيها السادة والسيدات؛ إن الكفاح الذي خاضه الحزب من أجل الاستقلال والديمقراطية كان دائما مقترنا بالتركيز على أن كل ذلك سيظل ناقصا إن لم يكن عديم الفائدة ما لم يكن محصنا بالعدالة النزيهة البعيدة عن الأهواء. رفع الظلم والتشوق الى العدل، عماد الديمقراطية وبالرجوع إلى الدوافع التي أذكت في فكر ووجدان الزعيم ورفاقه روح الانتفاض ضد المستعمر، نجد في مقدمتها رفض الظلم، والتشوق إلى العدل، الذي يشكل عماد الديمقراطية، والمعول عليه في صيانة الحريات وضمان الحقوق الفردية وهو الشرط الأساسي لكل تنمية اقتصادية واجتماعية، وقد ارتبط نضال الحزب بإدراك حقيقة جدلية الارتباط القائم بين الحرية، باعتبارها عماد الديمقراطية والعدل في مفهومه العام، إذ العدل هو المقوم الحيوي لصيانة الحريات، والضامن الأساسي لعدم انحرافها، وتحقيق المساواة بين المواطنين، يقول الزعيم في كتاب النقد الذاتي: إن الغاية الأساسية للقضاء هي إقامة العدل بين الناس، على قدر ما يمكن للإنسان أن يفعل، ولكن ذلك لا يتأتى إلا بإصلاح الإدارة التي تقوم به، لأن تحقيق العدل عن طريق القضاء يتوقف على إصلاح أداته قطعا، ولكنه متوقف كذلك على إصلاح الجهاز الإداري. توحيد القضاء ومغربته ويضيف: «ليست المحاكم والقوانين إلا وسيلة لتطبيق العدل المجرد بقدر المستطاع، وذلك ما يعني أن العدل ليس شيئا جامدا غير قابل للتوسع في مداولاته، أو ممتنعا على النمو إلى الغاية التي تقصدها روح الشرائع والأخلاق» وسعيا لبلوغ هذا الهدف أولى الحزب سلطة القضاء أهمية خاصة منذ فجر الاستقلال فتركز الجهد على تحقيق مبدأ توحيد القضاء ومغربته وهو مقترح قانون تقدم به الفريق الاستقلالي أمام أول برلمان والذي صادق عليه ومازال الجهد موصولا بإرادة صادقة من أجل ضمان استقلاله لتحقيق العدالة وبناء دولة الحق والقانون رغم الإرادات المعاكسة والصعوبات الماثلة التي نعقد العزم على التغلب عليها بفضل التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى فتح ورش إصلاح القضاء وما ترتب عنها من مشاورات جارية بشكل واسع لبلورة إصلاحات جوهرية تعيد للقضاء هيبته وتعزز مصداقية بلادنا في الداخل والخارج لما في ذلك من خلق مناخ من الثقة والطمأنينة لدى المواطنين على حرياتهم وممتلكاتهم. وقد كان الزعيم يرى أن الكفاح من أجل الديمقراطية وتحقيق العدل، يقتضي بالضرورة العمل على بعث روح التضامن بين شرائح المجتمع، يقول في النقد الذاتي: بعث روح التضامن بين شرائح المجتمع «فإن مصلحة الوطن وبنيته تقتضي صَهَرَ طاقاتِ الطبقة الحاكمة، والجماهير الشعبية ضمن قوة واحدة هي قوة الدولة المغربية المتحدة، المعتزة بالله وبالوطن المغرب، والمتضامنة في كل ما من شأنه أن يحفظ كيانها، ويرفع مستوى أفرادها في دائرة العدل الاجتماعي، والأمن النفسي، وازدهار الفرد وتحرره». ويرى أنه ينبغي مواصلة الجهد للتغلب على الصعاب التي تعترض هذا التوجه، والذي يرى أنه ليس من الصعوبة إلى الحد الذي يتصوره البعض، ويقول: «إن القضية قبل كل شيء، قضية بعث للضمير، وإحياء للنفس الكريمة، والخلق المستقيم، وتجديد الفكر، والإيمان بالعقل، والتشبث بالتضامن الإنساني، والأخوة البشرية القائمة على العدل، وتعميم الحريات، والديمقراطية بين الجميع». وتجدر الإشارة هنا، إلى أن التضامن الذي يدعو له، يؤكد أنه متجذر أصيل في طبيعة الإنسان المغربي، رغم تمسكه بخصوصيته وذاتيته الإقليمية، حسبما ورد في كتاب النقد الذاتي حيث قال: «ومع أن الذاتية الإقليمية شديدة الظهور في مجتمعنا، فإن ذلك لا يدل على حب الاستقلال المحلي أو القبلي، وإنما يدل على رغبة في لامركزية جهوية، أو بتعبير أصح على شوق إلى الاحتفاظ بالخصوصية المحلية، في دائرة الاستقلال القومي العام. وليس أوضح من حجة على هذا من كون الجهات كلها تتضامن كلما هجم أجنبي، أو دعا داعي الخوف من هجومه». لقد كتب ذلك الزعيم علال سنة 1949 ومازال موضوع الجهوية الموسعة مطروحا للنقاش إلى اليوم. التمسك بالوحدة المذهبية في إطار المذهب المالكي الوسطي ولقد كان الزعيم يدرك أن من أهم عوامل التضامن وتعزيز الوحدة الوطنية، التمسك بالوحدة المذهبية، في إطار المذهب المالكي الوسطي، البعيد عن كل مظاهر الغلو والتطرف، وكان يحذر من انجذاب بعض المثقفين أو السياسيين إلى المذاهب المتطرفة، وتقليدها، دون إدراك الأخطار التي ستجرها على الأمة، وذلك حرصا منه على إبقاء مجتمعنا متماسكا ومتضامنا. نضال متواصل لاستكمال الوحدة الترابية ولقد كان مفهومه لتماسك المجتمع وتضامنه ملازما لوحدته الترابية للوطن التي تشكل المجال الترابي لتواجد وتعايش هذا المجتمع لذا شغلت قضية الوحدة الترابية حيزا هاما من اهتمامه، وحمل همها طيلة حياته، لذا نراه غداة الاستقلال، يثير الانتباه إلى كون مباحثات إكس لبيان ومدريد لم تضع على الطاولة الخريطة المغربية في حدودها، الحقة، ووجه الالوكة التاريخية إلى مؤتمر الشبيبة الاستقلالية، المنعقد بفاس سنة 1956، يلفت انتباه الشباب، ومن خلاله الرأي العام الوطني والدولي، إلى أن الاستقلال مازال ناقصا، نظرا لأنه لم يشمل أجزاء هامة من وطننا، مازالت تحت نير الاحتلال الأجنبي، وظل يدعو إلى مواصلة النضال لاستكمال الوحدة الترابية، فضمن بذلك استمرار الوعي بهذا المطلب الوطني حيا في النفوس، إلى أن تم استرجاع أقاليمنا الصحراوية، الساقية الحمراء ووادي الذهب يفصل المسيرة الخضراء التي أبدعها وسهر على إنجازها جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني (رغم ما دبره الاستعمار والخصوم، وسنواصل الوفاء لخطه النضالي لصيانة مكتسباتنا الوحدوية، واسترجاع أطراف وطننا السليبة إلى حوزة الوطن الموحد. اعتزاز كبير بانتصارات المغرب ونود بهذه المناسبة، أن نجدد اعتزازنا بالانتصارات التي ما فتئت تحققها بلادنا، في مواجهة خصوم وحدتنا الترابية، بفضل ما يبذله جلالة الملك محمد السادس من جهود حثيثة مع قادة الدول، دعما للدبلوماسية الرسمية والشعبية، في الدفاع عن حقوقنا الثابتة والتعريف بأهمية المبادرة التي تقدمت بها بلادنا للمنتظم الدولي، والتي قال بشأنها مجلس الأمن: إن مبادرة الحكم الذاتي تتسم بالجدية، والمصداقية، في حين وصف الأطروحة المقدمة من طرف الجزائر والبوليساريو بأنها غير قابلة للتطبيق. وإننا إذ نسجل بارتياح تنامي تفهم المجتمع الدولي لمشروعية قضيتنا، وتقديره لمبادرة الحكم الذاتي، التي تشكل بالنسبة لبلادنا علاوة على كونها إطارا سياسيا لإنهاء التوتر المفتعل، تشكل خطوة متقدمة لتحقيق الجهوية الموسعة، التي تعتبر لبنة قوية لتعزيز بناء الصرح الديمقراطي، الذي يحرص جلالة الملك على ترسيخه، علاوة على كونها رافعة تنموية، ومحفزا على صيانة وتطوير الخصوصيات المحلية، في إطار من التكامل والتضامن بين مختلف الجهات، بما يعزز الوحدة الوطنية والترابية. أيها الإخوة والأخوات؛ استقلال المغرب وتعزيز وحدته وصيانة قيمه لقد كان الزعيم يرى في تحقيق استقلال وطننا، وتعزيز وحدته الوطنية والترابية، وصيانة قيمه الدينية والأخلاقية، عامل قوة لتعزيز مكانته في محيطه العربي والإسلامي، الذي سعى دائما إلى إشاعة الوعي بضرورة تعزيز العلاقات بين أقطاره، وصولا إلى تحقيق الوحدة الشاملة، مبرزا أهمية الوحدات الإقليمية، وخاصة بين أقطارنا المغاربية، لما في ذلك من تدعيم لاستقلال أقطارنا، وتوثيقا لعرى الإخاء بين شعوبنا، فقد عمل على تجسيد هذا المطمح في إقامة مكتب المغرب العربي بالقاهرة إبان الكفاح الوطني، وغداة الاستقلال اتخذ مبادرة الدعوة لبناء المغرب العربي، قبل انعقاد مؤتمر طنجة التاريخي، والذي مهد له باتصالات مكثفة، وحملة صحفية دشنها بنشر مقال بجريدة صحراء المغرب، بتاريخ 27 فبراير 1958 بعنوان «اتحاد المغرب العربي»، قال فيه: إنني لا أريد أن أتعجل البحث في شكل هذا الاتحاد إننا نضع هذه الفكرة من جديد أمام الرأي العام في المغرب العربي، ونضعها بصفة شخصية، ونهيب بإخواننا رجال العلم والصحافة أن يساعدونا في تأييد هذه الفكرة، حتى تأخذ طريقها الشعبي، ثم نضعها في أيدي المسؤولين، ويكيفوها بالطريقة التي تتفق مع مقتضيات الأوضاع الداخلية والخارجية، وإن عرقلتها أو الوقوف في سبيلها، لن يؤدي إلا إلى الأضرار بمستقبل المغرب العربي ومصيره». نداء لإخواننا الجزائريين لاستحضار الصفحات المشرقة من تاريخنا النضالي المشترك وفي هذا السياق، نجدد بهذه المناسبة النداء لإخواننا الجزائريين، ليستحضروا الصفحات المشرقة من تاريخنا النضالي المشترك، وما يقتضيه من واجب الوفاء لأرواح شهدائنا جميعا من أجل تخطي المعوقات الظرفية، التي عطلت مسار هذا الخيار الاستراتيجي، الذي يشكل مطمح كل الإرادات الخيرة في بلدينا وفي كل أقطار المغرب العربي، وحاجة ملحة لدعم مكانة اتحادنا ضمن محيطنا الإقليمي والدولي، لما في ذلك من خدمة لمصالح شعوبنا وتأمينا لمستقبل أجيالنا، وضمانا للتغلب مع إكراهات الحاضر، وربح ما يفرضه زحف العولمة من تحديات. أيها الإخوة والأخوات؛ أود في الختام أن أنهي كلمتي هذه بشهادة رفيق الزعيم في الكفاح من أجل كل ما ذكرنا المجاهد أبو بكر القادري أطال الله عمره حيث قال في كتاب رجال عرفتهم: «لقد خط علال الطريق، وبين الأهداف، وبذل الجهد بعد ما وضع النظرية، وشرع في التطبيق، وإذا كانت المنية عاجلته وهو في عنفوان النضج والحنكة وقوة الإدراك، فإنه ترك من بعده إخوانا له، وحواريين كانوا من حوله، حملهم إتمام الرسالة، وأداء الأمانة، أمانة الاستمرار في التبليغ والصدع بكلمة الحق، والتمسك بالمبادئ الاستقلالية الاسلامية، واتباع الطريق القومي في معركة البناء، ولعل الاقدار نطقت على لسانه، عندما قال في إحدى قصائد. المتأخرة، وكأنه يعني نفسه: ولئن قضيت على الطريق فحبذا ما نلت من شرف الشهادة في العمل ولسوف يكمل ما بدأت أحبتي فهم الضمان لكل خير يعتمل وشكرا على حسن إصغائكم والسلام رحم الله زعيم التحرير وكافة شهداء الاستقلال والوحدة والدفاع عن الديمقراطية.