في لحظة شديدة القتامة من المسار الثقافي الوطني، وفي ظل اغتراب يهدد الوعي ويحوله من الحقيقة إلى الزيف، اختارت جمعية أصدقاء الفلسفة بفاس أن تخرج عن صمتها، عبر «بيان من أجل الحقيقة»، لتكشف عن حجم الحصار والتهميش الذي يطال مهرجان «أغورا الدولي للسينما والفلسفة»، وتعلن بمرارة احتمال تأجيل دورته العاشرة، أو إلغائها، إلى أن يشرق فجر جديد يعيد للفكر مكانته. وجاء في البيان أن هذا القرار لم يكن إلا ثمرة طبيعية لسياسات الإقصاء، التي تغدق الدعم على مهرجانات نمطية، وتقصي مشاريع فكرية حقيقية. ويضيف البيان، إذا كانت بعض المهرجانات النمطية تحصل على دعم مدهش وتدعي التخصص ثم التأجيل، فماذا نقول نحن أمام هذا العدم المتعمد؟ هل هي نهاية المغرب العقلاني والفني؟ أم أن الفلسفة التي تنشر العقل في الواقع والتنوير في المجتمع، قد حان وقت الإعلان عن نهايتها بواسطة الحرمان من الحق في المال العام؟» البيان لم يكن صرخة استجداء للدعم، بل موقفا مبدئيا، رافضا لمنطق التزلف أو الاحتماء بالقطاع الخاص، ومصمما على الدفاع عن فكرة المهرجان باعتباره مشروعا ثقافيا تحرريا «ما يهمنا ليس البكاء على الدعم بالملايين وبدون جدوى، وتحويل النظر إلى القطاع الخاص والشكر والتزلف للداعمين…». واستنكر البيان ما وصفه بالمغالطات التي راجت خلال يوم دراسي نظمته جمعية نقاد السينما، حيث لاحظ المنظمون أن حتى بعض المهرجانات المدعومة تبنت خطابا احتجاجيا بلبوس المتصوفة، في مفارقة ساخرة. واستعرض البيان، بفخر لا يخلو من ألم، المسار النوعي الذي قطعه المهرجان منذ تأسيسه، مشيرا إلى أنه لم يكن مجرد تظاهرة فنية، بل ثورة فكرية وفنية حقيقية، يكفي أنها استضافت أعلاما كبارا من قبيل إدغار موران (مرتين)، جياني فاتيمو، جون فيراري، بين بينيتي، أفان كالتشيف، تشريا مدوليني، إلى جانب ثلة من الفلاسفة والمخرجين المغاربة. جدل الوعي التاريخي لا يرحم، فإما أنه يغير، وإما أنه يحطم، بهذه العبارة لخص البيان الوضع الحالي، مشيرا إلى أن الدعم الهزيل الذي يخصص للمهرجان بات لا يذكر، وأن حتى توفير الإقامة والتغذية للضيوف أصبح نوعًا من المستحيل، ما يدفع المنظمين أحيانا إلى ما وصفوه بالتسول الثقافي، عبر فتح البيوت الفاسية العريقة أمام الضيوف. وساءل البيان بمرارة،لماذا تحول الفن، الذي يقاوم العدمية، إلى لحظة من أجل الزوال؟ وكيف أضحى الممكن مستحيلاً؟ ومن المسؤول عن هذه التراجيدية الهوميروسية التي جعلت المستفيد وغير المستفيد في مسرحية واحدة؟ ومن هو المخرج؟» كما ذكر البيان بالدور الريادي الذي لعبه المهرجان، حتى في تحريك منظمة اليونسكو للاعتراف بالفلسفة، وإعلان اليوم العالمي لها، وتكريم مدينة فاس كعاصمة للفكر والفن في البحر الأبيض المتوسط، ثم صياغة بيان الاعتراف بخط إدغار موران، وتوقيع العشرات من المفكرين والنقاد والمخرجين. و لم تكتف الجمعية بالتشخيص، بل أشارت إلى محاولة فتح حوار مسؤول مع مجلس المدينة، والوالي، والجهة، وبعض الأعيان، لإيجاد مخرج مشرف للأزمة. لكنها في الوقت ذاته، لم تخف مرارتها من الحق المهضوم، قائلة، لقد راهنت جمعية أصدقاء الفلسفة المنظمة لربيع الفلسفة والمهرجان الدولي للسينما والفلسفة قد أضحى متأزما، بعد أن حرمت من الحق في الحق، نزولا عند رغبة أحد البيروقراطيين الذي انتقم من المهرجان بعد حرمانه من بطاقة سفر لعشيقته المصرية،وفق ذات البيان. واختتمت الجمعية بيانها بدعوة قوية إلى فضح المسكوت عنه، نحو تمزيق الحجاب عن الحقيقة وفضح المسكوت عنه، من أجل مغرب للجميع، مغرب الفكر والحرية والديمقراطية، التي تتحكم في توزيع الدعم على من يستحقه، وليس لتلك المهرجانات المدللة باسم الانتماء الحزبي أو المصلحي. معا من أجل المستقبل، لأن الحاضر مخيف،كما جاء في ذات البيان.