ترأس الأستاذ عباس الفاسي مساء يوم الأحد 10 ماي 2009 مهرجانا جماهيريا حاشدا تخليدا للذكرى الخامسة والثلاثين لرحيل الزعيم علال الفاسي ، احتضنه المركب الثقافي و الرياضي للمحامين بالرباط ، حضرته جموع من مختلف مناطق المغرب إضافة إلى ضيوف من بعض الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني . وقد أشاد مصطفي الكثيري المندوب السامي لرجال المقاومة وأعضاء جيش التحرير بما قدمه الزعيم علال الفاسي من أيادي بيضاء في سبيل عزة وطنه ونصرة قضايا أمته وإشاعة أسمى القيم والفضائل والمثل الإنسانية الخالدة ومكارم الأخلاق والشمائل . وقال الكثيري في كلمة وجهها إلى الجماهير الاستقلالية المحتشدة في المهرجان « تخالجني مشاعر فياضية بالإجلال والإكبار في هذا المحفل المهيب وأنا أشارككم باعتزاز غامر مراسم إحياء الذكرى الخامسة والثلاثين لرحيل الزعيم الوطني والقائد الرائد والسياسي الحكيم والمناضل الصامد قطب الحركةالوطنية والمقاومة وأحد رموزها الأفذاذ، العالم الجليل والفقيه الكبير والمفكر القدير والأديب المبدع الأستاذ علال الفاسي تغمده الله بواسع رحمته وشامل مغفرته وعميم رضوانه ..» وتحدث الكثيري عن الحياة الحافلة للزعيم الراحل ، مشيرا إلى أن مؤشرات نبوغ شخصية المرحوم علال الفاسي بدأت في الظهور منذ أن كان طالبا حيث لفت إليه الأنظار بفطنته وفصاحته وإتقانه لفن الخطابة، ودفعته غيرته الوطنية ومناهضته للوجود الاستعماري الى إنشاء جمعية أطلق عليها اسم «جمعية القرويين لمقاومة المحتلين» سنة 1927 تضم صفوة من الشباب الذين أخذوا على أنفسهم وعلى عاتقهم الإلتزام بالقضايا والمصالح العليا للبلاد والتصدي لكل ا لمؤامرات والمخططات التي كانت تستهدف استغلال الاستحواد على خيرات الوطن وتسخير سكانه والنيل من مقوماته وثوابته. وذكر أن عطاءات الوطني الرائد والعلامة المقتدر الراحل علال الفاسي سخية على كل الواجهات الوطنية والعربية والإسلامية والإفريقية وعلى المستوى الانساني عامة، مشيرا إلى أنه يمثل أحد أقطاب الفكر الإسلامي في القرن العشرين الذين انشغلوا بهموم وقضايا الأمة العربية والإسلامية وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني التي كان من أكبر المدافعين عنها في كل المحافل والمنتديات، مثلما ساهم بفكره وكتاباته ونضاله في وضع معالم الطريق من أجل تحرير البلاد من براثن الاستعمار والتبعية الثقافية والفكرية، وجمع بين العمل السياسي والجهاد في سبيل إعلاء راية الإسلام والحفاظ على مقدسات البلاد واستقلالها والدفاع عن وحدتها.مبرزا تضحياته الجسام في سبيل وطنه والحفاظ على هويته وصون مقوماته والدفاع عن مقدساته، ومن ذلك تصديه الحازم لما سمي بالظهير البربري سنة 1930 ضمن فعاليات كتلة العمل الوطني، وإسهامه بمعية رفاقه على إعداد وثيقة مطالب الشعب المغربي التي شملت أهم ما تستوجبه الحيا السياسية المغربية من إصلاح. وقال الكثيري إن الزعيم علال الفاسي كان من القادة الماهدين للعمل ولنشر الوعي الشعبي الذين أصدروا في الرباط بتاريخ 13 أكتوبر 1937 ميثاقا وطنيا طالبو فيه بحرية الصحافة وتأسيس الجمعيات واستنكروا فيه الممارسات الاستعمارية وهو ما تسبب له إلى الزعماء الوطنيين في الاعتقال ، حيث نقل في 3 نونبر 1937 الى الغابون ثم الى الكونغو بعيدا عن وطنه، وعندما أفرج عن الزعيم علال الفاسي بعد سنوات النفي المرير والإبعاد القاسي عاد الى المغرب حيث استقبله السلطان سيدي محمد بن يوسف، ليسافر متوجها الى فرنسا ومنها ميمما صوب القاهرة حاملا قضية وطنه في وجدانه ومبادرا الى كل أشكال النضال في سبيل التعريف بها وحشد الدعم لتقويتها، وتحدث الكثيري عن النضال الفكري للمرحوم علال الفاسي مشيرا إلى مؤلفه القيم «النقد الذاتي» الصادر سنة 1949 ، والذي يعتبر مرجعا أساسيا واسترشاديا للباحثين والمهتمين بالإبداع المغربي والذي يشرح فيه مشروعه الفكري حول تجديد وتحديث المجتمع المغربي مع الحفاظ على الأصالة التي تربط حاضره بماضيه، ثم انتقل إلى الحديث عن نشاطه السياسي في القاهرة، خلال أربع سنوات 1951 1955 ، حيث بادر بعد المؤامرة الاستعمارية الدنيئة في 20 غشت 1953 التي نفي على إثرها المغفور له محمد الخامس والأسرة الملكية خارج الوطن، بتوجيه نداء القاهرة من إذاعة صوت العرب ، داعيا فيه الشعب المغربي للتصعيد من النضال السياسي والانغمار في العمل الفدائي والمقاومة ضد الاحتلال . وقال المندوب السامي إنه غداة نيل المغرب لاستقلاله ورجوع الملك الشرعي حاملا مشعل الحرية، عاد المرحوم علال الفاسي الى أرض الوطن، واستأنف نشاطه، فتولى الأمانة العامة لحزب الاستقلال، وانتخب رئيسا للمجلس الدستوري وشارك في وضع الأسس الأولى لدستور سنة 1962، وواصل معركة الجهاد الأكبر من أجل توطيد صرح المغرب الجديد وبناء دعائم ديموقراطيته واستكمال وحدته وتعزيز مسيرة ارتقائه. وأعلن الكثيري في نهاية كلمته عن عزم المندوبية السامية على تخصيص مجلد من المجلدات العشرين حول الاعلام لموسوعة الحركة الوطنية والمقاومة بالمغرب لتدوين وتوثيق جوامع سيرته ومسيرته النضالية ومقاومته النوعية بالكلمة والقلم والاجتهاد والافتداء ، و إعادة طبع بعض اجتهاداته ومؤلفاته ومنها كتاب الحركات الاستقلالية في المغرب العربي ، مؤكدا أن المرحوم علال الفاسي سيبقى مرجعية كلما كان الحديث عن النضال والوطنية ، وسيظل منارة ومدرسة فكرية سياسية في خدمة للوطن والذوذ عن حماه والدفاع عن مقوماته ومقدساته.. وتناول الكلمة محمد شيبة ماء العينين عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال ، متحدثا عن بعض مقومات التضامن بين فئات المجتمع، كما يراها الزعيم علال الفاسي، مبرزا أن تحقيق المشروع المجتمعي الذي وضع أسسه النظرية الزعيم الراحل ، في كتابه القيم النقد الذاتي، لن يتم إلا إذا توجهت الإرادة الجماعية للمفكرين، والسياسيين والأسرة، والمدرسة لبناء وتكوين الإنسان الواعي بمسؤولياته تجاه نفسه ومجتمعه، وتعليم الأمة حقائق الأشياء، وحب التضحية في سبيل المثل العليا، والعقيدة، وإسعاف البائسين، وإنعاش الأعمال الوطنية التي تعود نفعها على الفرد والجماعة. واستشهد شيبة ماء العينين بمجموعة من كتابات الزعيم علال الذي كان مقتنعا بكون تعميم الوعي بأهمية التفكير الحر في الأمة، هو سبيل نهضتها وتحررها، وتظافر جهودها لمواجهة كل القضايا التي تستقطب اهتمامها، والتضحية في سبيل ذلك إن اقتضى الحال، مشيرا إلى أن الزعيم علال الفاسي يرى أن حرية التعبير هي خير وسيلة لتحرير مجتمعنا، وتعبئة الجهود لتطوير مواطنينا في الحواضر والبوادي إلى جانب مواصلة الجهد لإشاعة التعليم بين مختلف فئات الشعب، حتى يتكون لدينا رأي عام وطني متعلم، ومتنور متشبع بقيم الحرية وأسباب التضامن، والتكاثف والاهتمام بالشأن العام، مؤكدا على الدور المركزي للأسرة في تنشئة المواطن، نظرا لأهمية الأسرة في حياة الأفراد والجماعات، باعتبارها الخلية الأولى لبناء المجتمع، والمظهر المهم للأمة، الشيء الذي يحتم علينا النظر قبل كل شيء إلى الأسس التي تدعم وجودها، وتجعلها جديرة بأداء دورها الاجتماعي، واعتبارا لأهمية دور الأسرة في التضامن بين مختلف شرائح المجتمع، فإنه ينبغي العمل على الحد من العراقيل، التي تحول بين فئات عريضة من الشباب مع الزواج، وفي مقدمتها غلاء المهور، وذلك من أجل بلوغ الغاية الاجتماعية المتمثلة في تنشيط الإقبال على الزواج، وتشجيع التكوين العاجل للأسرة على أساس من البساطة، وروح التضامن، والإخلاص. وأشار شيبة ماء العينين إلى أن الأسرة في منظور علال الفاسي تسهر على تربية الأجيال الصاعدة، وتشترك مع المدرسة في تعليم الناشئة، وتدريبها على حب الوطن، والإخلاص له، والعمل من أجله وحب مواطنيهم، والسعي لما فيه خيرهم، وتعزيز تضامنهم ، موضحا أن الزعيم علال يرى أن فضيلة التضامن هي في الواقع متجذرة في فكر ووجدان الإنسان المغربي منذ أن كان، ولا تتناقض مع ما نلاحظه في مجتمعنا من حب للحفاظ على الخصوصيات المحلية في كل جهة، الشيء الذي يعتبره لا يعدو أن يكون تعبيرا عن رغبة في لامركزية جهوية، في دائرة الاستقلال العام للبلاد، ذلك الاستقلال الذي كلما تهدده خطر خارجي، يهب الشعب من كل الجهات للدفاع بشكل متضامن، عن صيانة وحدة الوطن وصد المعتدي، فبمجرد وقوع الخطر في آخر حصن من حصون البلاد يهز أقاليم القطر كلها ومراكزها بأسرها. وخلص ماء العينين إلى القول بأن الزعيم يدعو إلى عولمة التضامن من أجل خير الإنسانية، وجعل حد للحروب والصراعات التي يعاني منها العالم، وخصوصا العالم العربي والإسلامي، الذي أولاه كل جهده وفكره، من أجل تحقيق الوحدة بين أقطاره، وتعزيز روابط الأخوة والتضامن بين شعوبه التي نسجتها أواصر القربى. وتناول الكلمة عبدالإله البوزيدي عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، مذكرا بالدلالات العميقة لاحتضان مدينة الرباط تخليد الذكرى الخامسة والثلاثين لوفاة زعيم التحرير القائد الرّمز علال الفاسي أسكنه الله فسيح جناته، مرحبا بجميع المناضلات والمناضلين الذين حجوا من مختلف ربوع المملكة وبضيوف حزب الاستقلال في هذا المهرجان الوطني للذكرى زعيم التحرير، الذي نضم تحت شعار: «كفاح دائم من أجل الديمقراطية العدل التضامن.» وأبرز عبدالإله البوزيدي أن المغزى الذي ظل حزب الاستقلال وفياً له في تخليد ذكرى الزعيم علال رحمه الله، هو استحضار معطيات الذاكرة الوطنية الرصينة بكل تجلياتها التي أسس لها علال ورفاق دربه في النضال الوطني الرصين، وأيضا تقييم ما تحقق من تطورات بخصوص محتوى وثيقة المطالبة بالاستقلال، ووثيقة التعادلية الاقتصادية والاجتماعية، والوقوف على حصيلة التزامات وبرنامج الحزب تجاه الشعب المغربي في مختلف المحطات الانتخابية . وقال البوزيدي «إننا أبناء مدرسة علال الفاسي، الذي تعلمنا منه قيم الديمقراطية والحرية في التعبير عن الرأي وأسس بناء مجتمع العدالة الاجتماعية وركائز التضامن المنبثقة في جوهر الشريعة الإسلامية السمحة، المبنية على الوسطية والاعتدال..» مشيرا إلى نماذج تؤشر لقيمة الفكر المستقبلي الذي تمتع به الزعيم علال الفاسي رحمه الله، وأول هذه النماذج كتاب ا النقد الذاتي الذي يعتبر بمتابة خارطة طريق لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتطوير الإنسان المغربي، موضحا أن النقد الذاتي وبعد 35 سنة على رحيل علال الفاسي ر يعبر اليوم عن فكر حي متستمر في الزمان، وكأن علال رحمه الله كتب هذه الوثيقة الأمس فقط. وتحدث البوزيدي عن نماذج أخرى ترتبط بالتأطير والانضباط الحزبي وتربية الشبيبة على فضيلة الحوار، وتقدير المؤسسات الحزبية، وإعطاء الأولوية لاستكمال الوحدة الترابية وضمان سيادة وطنية على كافة الأراضي المغربية . وقال إن أبناء علال وحاملو رسالته الفكرية والوطنية، مطوقون بأمانة الدفاع عن كل المكتسبات، و مطالبون بضرورة التصدي لكل المخططات الهادفة الى نسف مكتسبات بلادنا، والاقتناع بأن ثوابت الوطن لا مزايدة فيها وهي الملكية الدستورية وإسلام الوسطية والاعتدال والوحدة الترابية ، و استحضار جهود علال الفاسي من أجل بناء المغرب المستقل على أسس الديمقراطية وتحقيق العدالة وإشاعة روح التضامن بين كافة شرائح المجتمع.