وسيط المملكة يثمّن منشور أخنوش الداعم للتعاون بين الإدارات ومؤسسة الوسيط    المنتخب المغربي يعبر إلى نهائي مونديال الشيلي محققا إنجازا تاريخيا غير مسبوق لكرة القدم المغربية    إنجاز تاريخي.. أشبال المغرب يبلغون نهائي كأس العالم للشباب لأول مرة    تركي آل الشيخ يهنئ الملك محمد السادس والشعب المغربي بتأهل أشبال الأطلس إلى نهائي كأس العالم    ريتشارد ديوك بوكان.. رجل ترامب في الرباط بين مكافأة الولاء وتحديات الدبلوماسية    فعاليات مغربية تحتفل وسط العاصمة بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة    الاتحاد المغربي للشغل يعقد حوارا اجتماعيا مثمرا مع كاتب الدولة المكلف بالصناعة التقليدية    بنعليلو يأمر بوقف "صفقة مشبوهة"    قصص عالمية في مهرجان الدوحة    عشية زيارة بوريطة، موسكو تعتبر المغرب "شريكا مهما" لروسيا في القارة الإفريقية    هذا الموريسكي..ما يكتبه الماء لن يقرأه أحد (3)    هشام الدكيك يستدعي 23 لاعبا للمشاركة في وديتي المغرب ضد إسبانيا    ريتشارد ديوك بوكان الثالث يحل بالمغرب سفيرا جديدا لواشنطن... ذو خلفية اقتصادية ومقرب من ترامب (بروفايل)    طقس الخميس ..امطار متفرقة مرتقبة بالريف    لقاء يجمع ولد الرشيد ببرلمان "سيماك"    أحكام ثقيلة ضد مثيري الشغب بسوس    منتخب الفتيات ينشد التألق المونديالي    محكمة الإستئناف بتونس تصدر أحكاما في قضية اغتيال شكري بلعيد منها حكمان بالإعدام    رئيس مجلس النواب يتباحث مع الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالمغرب    نشرة إنذارية: زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بهبات رياح مرتقبة غدا الخميس بعدد من مناطق المملكة    بسبب المهاجرين غير النظاميين.. تشديد المراقبة الأمنية بمحيط الفنيدق    طنجة.. نهاية مطاردة مثيرة لمتهم فرّ من الأمن خلال إعادة تمثيل جريمة قتل    استخراج جثة الطفل الراعي بميدلت    تحذير أممي من زيادة ثاني أكسيد الكربون في الجو    الذكاء الاصطناعي الدامج يفتح آفاقاً جديدة للشركات في الاقتصادات الناشئة    تجدد المطالب لأخنوش بالحد من خسائر تعطيل التكرير بمصفاة "سامير" والحفاظ على حقوق الأجراء    «تمغرابيت».. عمل فني جديد يجسد روح الوطنية والانتماء في الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    عبد الله ساعف يحاضر حول «العلوم الاجتماعية في المغرب» بتطوان    «مغربيات ملهمات» لبنحمو بالمقهى الثقافي بالرباط    طنجة تتربع على عرش السياحة بالمغرب سنة 2025..    لقاء بنيويورك يعزز التعاون اللامركزي بين جماعتي الداخلة وغريت نيك الأمريكي    وهبي: سنلعب أمام فرنسا بأسلوبنا وقوتنا المعتادة    علامة الأزياء العالمية «GUESS» تحتفل بالذكرى الخامسة والأربعين بمؤتمر «عالم واحد، علامة واحدة» في مراكش    "ذاكرة السلام" شعار الدورة 14 لمهرجان سينما الذاكرة المشتركة بالناظور    بركة: الموسم الفلاحي المنصرم سجل تحسنا نسبيا    أسعار الذهب ترتفع قرب مستوى قياسي جديد    في ‬مفاهيم ‬الخطاب ‬الملكي:‬ من ‬تأطير ‬المواطنين ‬إلى ‬ترسيخ ‬ثقافة ‬النتائج    نزهة بدوان: "سباق التناوب الرمزي المسيرة الخضراء" ترسيخ للمحلمة الوطنية    الدين بين دوغمائية الأولين وتحريفات التابعين ..    هل يمكن للآلة أن تصبح مؤرخا بديلا عن الإنسان ؟    إسرائيل تستعد لإعادة فتح معبر رفح للسماح بدخول شاحنات المساعدات إلى غزة    وليد الركراكي: التصفيات الإفريقية المؤهلة لمونديال 2026..المنتخب المغربي يواصل استخلاص الدروس والتحسن استعدادا لكأس أمم أفريقيا    أمني إسرائيلي يعلن التوصل بجثة رهينة "خاطئة"    أزيد من 36 ألف شاب دون 40 سنة استفادوا من برنامج دعم السكن منهم 44.5 في المائة من النساء الشابات    برلماني يسائل تدبير مؤسسة في وجدة    واشنطن.. صندوق النقد الدولي ومحافظو بنوك مركزية إفريقية يجددون تأكيد التزامهم بالتنمية المستدامة في إفريقيا    تتويج جمعية دكالة ضمن أفضل جمعيات المجتمع المدني بالمغرب في اليوم الوطني لمحاربة الأمية    كرة القدم: 16 فوزا متتاليا.. رقم قياسي عالمي جديد من توقيع أسود الأطلس    414 مليار درهم قيمة 250 مشروعا صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمار    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    دراسة يابانية: الشاي الأخضر يقي من مرض الكبد الدهني    المغاربة متوجسون من تداعيات انتشار الأنفلونزا الموسمية خلال فصل الخريف    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المدينة العتيقة لطنجة تواجه المستقبل بحنين إلى الماضي
نشر في المساء يوم 02 - 09 - 2008

تعكس المدينة القديمة الوجه الآخر لمدينة البوغاز، بأزقتها الضيقة الملتوية ومعالمها التاريخية الشاهدة على حضارتها، لقد كانت عاصمة موريتانيا الطنجية في عهد الرومان وهدية «غيلينا» ملكة البرتغال للأمير شارل الثاني، التي شكلت رفقة بومباي جوهرة التاج البريطاني. وكانت أيضا مكان أول بناية أمريكية خارج الولايات المتحدة، إنها تراث عالمي بكل المقاييس.
شوارع مزدحمة وحركة مرور كثيفة وبنايات تنتشر كالنار في الهشيم بجوانب المدينة تلتهم ما تبقى من مساحات فارغة، هذه بعض مظاهر طنجة في ثوبها الجديد، فتطور المدينة في العشر سنوات الأخيرة واتساع أوراش الشغل فيها جعل منها قبلة يؤمها المغاربة من كل الأقاليم، إما بحثا عن العمل والاستقرار أو لانتظار فرصة للوصول إلى أوربا. هذا التدفق السكاني والحركة العمرانية أثرا بشكل كبير على المدينة التي لم يكن يتعدى عدد سكانها سنة 1950 المائة وخمسين ألف نسمة منها عشرون ألفا من الإسبان.
لكن العمل أو الهجرة ليسا وحدهما دافع القدوم إلى طنجة، فسحر المدينة وتاريخها وشهرتها المتنامية أسالت لعاب العديد من الأوربيين ودفعت بهم إلى التوجه للمدينة من أجل الإقامة أو للحصول على منزل يرتادونه أثناء الصيف، وغالبا ما تكون الوجهة المفضلة هي المدينة القديمة «لأنها أكثر دينامية حيث الأطفال يلعبون في الزقاق والناس طيبون والحياة أكثر متعة» تقول مونيك، إحدى الفرنسيات اللائي اخترن شراء منزل في المدينة القديمة، هربا من «فرنسا الحزينة حيث العمل والناس لا يخرجون من البيوت»، حسب مونيك التي كانت تحتسي فنجان قهوة بمقهى سنطرال وسط المدينة القديمة بساحة السوق الداخل.
نكهة تقليدية في مدينة عصرية
تعكس المدينة القديمة الوجه الآخر لمدينة البوغاز، بأزقتها الضيقة الملتوية ومعالمها التاريخية الشاهدة على حضارتها، لقد كانت عاصمة موريتانيا الطنجية في عهد الرومان وهدية «غيلينا» ملكة البرتغال للأمير شارل الثاني، التي شكلت رفقة بومباي جوهرة التاج البريطاني. وكانت أيضا مكان أول بناية أمريكية خارج الولايات المتحدة، إنها تراث عالمي بكل المقاييس.
من طنجة أيضا كان انطلاق الفتوحات نحو الأندلس على يد طارق بن زياد، كما جعل منها المرابطون والموحدون معقلا لتنظيم جيوشهم وحملاتهم، ودخول الإسبان والبرتغاليين وكذا الإنجليز إلى طنجة ترك بصمات واضحة بالمدينة كالأسوار والكنائس، قبل أن تسترجع دورها الدبلوماسي والتجاري كبوابة على البحر المتوسط فشيدت الأبواب والحصون وازدهرت الحياة فبنيت القصور والنافورات والقنصليات والإقامات الخاصة بالمقيمين الأجانب، حتى أصبحت طنجة عاصمة دبلوماسية بعشر قنصليات وخمسة مكاتب بريد دولية بالإضافة إلى 50 بنكا مختلف الجنسيات.
بموقعها المطل على الميناء وعلى مرمى حجر من إسبانيا تتميز المدينة العتيقة بطبيعة عمرانها الذي يعكس الطابع الدولي للمدينة، فخلافا لبعض المدن العتيقة الأخرى كفاس ومراكش التي تتميز منازلهما بأبوابها الصغيرة ونوافذها الضيقة، يغلب الطابع الإسباني على منازل طنجة العتيقة، حيث النوافذ الكبيرة المطلة على الخارج والشرفات (البلكونات) التي لا وجود لها في أي مدينة عتيقة أخرى، ويرجع ذلك إلى الاحتكاك الأوربي خاصة الإسباني. «الإسبان كانوا يفرون من المجاعة في أندلوسيا ويأتون إلى طنجة حيث الرواج والرخاء، وهؤلاء المهاجرون أثروا على معمار وهندسة طنجة»، يقول أحد أبناء المدينة القديمة.
الزخرفة لا تقتصر على المنازل بل تشمل السكان أيضا، فصفة التعددية كانت و لا تزال أصل المدينة وهذا يظهر جليا من خلال بعض أسماء الأزقة مثل زنقة الشرفاء وزنقة المسيحيين وعقبة فرانسيس، وغيرها من الأسماء التي تشهد على مظاهر التعددية الثقافية والتعايش بين سكان من مختلف الأديان والثقافات، هذا التعايش الذي كان يطبع المدينة ولا يزال، يبرز أكثر من خلال المسجد الذي لا تفصله سوى أمتار قليلة عن الكنيسة، وكذا من خلال هندسة بعض المنازل والدروب التي لا يتعدى اتساعها المتر الواحد حيث من الممكن لنافذة بيت أن تطل على غرفة في البيت المقابل.
مدينة متعددة الجنسيات والمعالم
في ساحة السوق الداخل، القلب النابض للمدينة القديمة، تتجسد بوضوح معالم طنجة الدولية، فبين مقهى «سنطرال» ونزل «فوينتيس» المقابل ومقهى «طودو سييمبري» في الجهة الأخرى ينتشر عشرات الأجانب من جنسيات مختلفة لتناول الفطور أو للاستراحة واحتساء كأس من الشاي تحت نغمات طرب الآلة الأندليسة أو إحدى روائع العندليب الأسمر، وتجدهم بين الفينة والأخرى يلتقطون صورا لما بقي من أطلال شاهدة على تاريخ المكان.
«أجانب من إسبانيا وفرنسا وألمانيا وحتى من أستراليا يأتون إلى هذه الساحة»، يعلق نادل بمقهى سنطرال وهو يحرك حزمة النقود المربوطة في الجانب الأيسر لسرواله وعيناه تذهبان يمينا ويسارا لمراقبة زبون متردد في الجلوس ليرحب به بكلمات بكل اللغات، بينما تمر أسراب السياح بين الفينة والأخرى جيئة وذهابا من أمام المقهى في اتجاه زنقة الصياغين حيث المنتوجات التقليدية، أو نزولا في اتجاه المسجد الأعظم أو الجامع الكبير، هذا المسجد الذي بني في موقع معبد روماني تحول إلى كنيسة إبان الاستعمار البرتغالي ليصبح مسجدا من جديد سنة 1684، وعرف عدة أعمال ترميم وتوسيع كانت آخرها عقب زيارة الملك محمد السادس لطنجة وصلاته بالمسجد سنة 1999.
«طنجة جات فحال القنطرة.. اللي ماشي لأوربا كيدوز منا ولي ماشي لإفريقيا كيدوز منا».. يردف النادل بالقول في الوقت الذي ترتفع فيه نغمات أغنية أندلسية تطالب الصبح بالاستمرار «أحسنت يا صبح في تآلفنا.. لله يا صبح طول وزد وزد».
تتميز ساحة سوق الداخل أو سنطرال كما يحلو للبعض تسميتها بتاريخ خاص. ففي مقهى فوينتس كان يجلس أنصار فرانكو إبان الحرب الأهلية الإسبانية ويقابلهم معارضوه في الجهة الأخرى، أي في مقهى سنطرال، وتجدهم إما أصدقاء وإما أعداء يتبادلون الشتائم بحسب الأخبار القادمة من الضفة الأخرى، حيث تشتد أوزار الحرب. كما كانت هذه الساحة تحتضن مكاتب البريد الفرنسي والإسباني والإنجليزي، كما كانت بهذا المكان دار النيابة حيث كان نائب السلطان الذي عينه محمد بن عبد الله لتركيز البعثات الأجنبية في طنجة ومنع تسربها إلى داخل البلاد، والآن تحولت هذه البناية إلى مقاطعة.
مثل المدن التاريخية الأخرى تحيط بطنجة العتيقة أسوار من كل الجهات تلف الأحياء الخمسة للمدينة، القصبة ودار البارود وجنان القبطان وواد أهرضان و بني إيدر. هذه الأسوار التي يحتمل أنها بنيت فوق أسوار المدينة الرومانية «تنجيس» عرفت عدة أشغال ترميم منذ الفترة البرتغالية لتحصين المدينة من الأخطار الأجنبية أضيفت إليها في عهد مولاي إسماعيل وسيدي محمد بن عبد الله أربعة أبراج، كما فتحت بها 13 بابا من بينها باب البحر وباب العسة وباب المرسى.
وفي الجهة الأخرى للمدينة تتموقع القصبة أو دار المخزن، حيث بني قصر السلطان مولاي إسماعيل على أنقاض القلعة الإنجليزية «يوبير كاستل» وكانت ترتكز فيه العديد من المرافق الأساسية للمدينة كبيت المال والسجون، وكانت تمثل المنطقة العسكرية الإدارية قبل أن يتم تحويل البناية إلى متحف لطنجة سنة 1938.
من بين أشهر المعالم في المدينة العتيقة بطنجة نجد السفارة الأمريكية، التي تعتبر أقدم بناية في ملكية الولايات المتحدة خارج التراب الأمريكي، بعد أن أهداها السلطان مولاي سليمان للجمهورية الشابة سنة 1821، واستعملت كسفارة أمريكية بالمغرب لمدة تزيد عن 130 سنة لتصبح سنة 1976، في الذكرى ال200 لاستقلال الولايات المتحدة، متحفا للفن المعاصر ومركزا ثقافيا يشتمل على معرض للوحات فنانين مغاربة كما يضم مكتبة تتوفر على مراجع نادرة.
وعلى بعد أمتار قليلة توجد معلمة هي الأخرى لها تاريخ خاص ويتعلق الأمر بالكنيسة الإسبانية التي اشتراها السلطان محمد بن عبد الله من عائلة يهودية وأهداها إلى الحكومة السويدية لتؤسس بها أول قنصلية لها بالمغرب سنة 1788، وبعد ذلك استغلها الحاكم الإسباني وجعل منها إقامة للبعثة الكاثوليكية، فبنى بها كنيسة سماها على السيدة مريم أم المسيح عليه السلام، لكن منذ ثلاثة عقود لم يعد يتردد المسيحيون على الكنيسة وأصبحت تعنى بأنشطة اجتماعية مختلفة.
حضارة يطالها الإهمال
إذا كانت بعض المعالم أنصفها التاريخ ومازالت صامدة أمام المد الذي طال المدينة، فهناك من البنايات والمعالم من طالها الإهمال وتركت عرضة لوابل الأيام، منها من ذهب إلى مزبلة التاريخ ومنها ما هو في الطريق إليها، فبرج السلام المطل على الميناء تحول إلى مرآب تقف فيه سيارات الوافدين على أحد الفنادق، ومن أراد إلقاء نظرة فوقية على الميناء فيجب أن يأخذ إذن الحارس، والبريد الإنجليزي تحول إلى متجر، أما بنك الدولة المغربية في الفترة الدولية فأصبح بازارا. «هناك العديد من المعالم التاريخية التي تتلاشى كالباب الرومانية بدار البارود وباب برتغالي قرب الزاوية الدرقاوية، وكلما دعت جمعيات إلى إنقاذ هذه المعالم لا تجد مساعدة حقيقية»، يصرح رشيد التفرسيتي، رئيس جمعية البوغاز وأحد أبناء المدينة القديمة.
ومن النماذج الشاهدة على الإهمال مسرح سيرفانتس، هذه البناية التي تؤرخ لمرحلة العصر الذهبي لطنجة، حيث كان ملتقى للمفكرين والمبدعين من مختلف بقاع العالم منذ تأسيسه سنة 1911. وخلال 50 سنة استمر مسرح سيرفانتيس في احتضان العديد من روائع الفن المسرحي سواء منها العربية مثل مجنون ليلى وصلاح الدين الأيوبي، أومسرحيات عالمية مثل روميو وجولييت وعطيل للكاتب الشهير ويليام شكسبير، كما كان المسرح قبلة للعديد من المغنيين حيث يقومون بإحياء سهرات وأمسيات جعلت من طنجة مدينة لها وقعها في الساحة الثقافية الدولية، فلولا مساعدة عاجلة من الحكومة الإسبانية لترميم المسرح لاستمرت الرياح في تقاذف تراب جدرانه.
من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من تراث المدينة العتيقة تقوم بعض الجمعيات بشراكات مع مؤسسات أجنبية بترميم بعض المعالم والمحافظة على بعض من تاريخ المدينة العتيقة، كما هو الشأن بالنسبة إلى جمعية البوغاز التي عقدت شراكة مع الخارجية الإيطالية وبعض الهيئات لتحويل منزل العلامة عبد الله كنون إلى مركز ثقافي وإعادة ترميمه مع الحفاظ على طابعه التقليدي وهندسته. لكن الأمر يبقى محدودا، فعدد من المنازل الأخرى مازالت تعاني الإهمال والتهميش مثل منزل محمد بنعلي الرباطي، أول رسام مغربي يعرض لوحاته بأوربا، الذي تحول إلى خراب.
لطفي الشرايبي الكاتب العام لجمعية «البوغاز»: لا يعقل ألا تتوفر المدينة القديمة على مكتبة أو مركز ثقافي
- كيف ترى طنجة بين الأمس واليوم؟
< عندما نتحدث عن ماضي طنجة فإننا نقصد طنجة في الفترة الدولية، ومن جهة أخرى نتحدث عن طنجة في السبعينات والثمانينات مدينة منسية حيث كل شيء بها عشوائي.
وحتى لا تكون لنا نظرة نوستالجية يمكن القول بأن طنجة تمثل الآن قاطرة المغرب الجديد بحكم المشاريع الكبرى التي تشهدها المدينة، على رأسها مشروع الميناء المتوسط وبعض المشاريع السياحية الضخمة، لكن ما أصبحنا نفتقده في طنجة هو الجانب الثقافي، فالمدينة تعرف توسعا عمرانيا شرسا وهذا أمر طبيعي بما أنها في تطور، لكن المشكلة هي أن هذه النهضة العمرانية لا تواكبها نهضة سوسيوثقافية مع العلم أن المدينة تتوفر على ذاكرة حية ألهمت العديد من الشعراء والفنانين المغاربة والأجانب، كما أصبحت المدينة تفتقد منتوجا سياحيا محليا تنفرد به لأن السائح يبحث دائما عن شيء يتذكر به المدينة، وإذا أردنا منتوجا محليا يجب رد الاعتبار للمدينة العتيقة.
- ماذا تمثل المدينة العتيقة؟
< المدينة العتيقة هي فضاء مشحون بالذاكرة، والتاريخ يشهد على ذلك. وطنجة كانت عبر العصور ملتقى الثقافات والحضارات بحكم موقعها، ومع الأسف لم نعط لهذا الفضاء الاعتبار الذي يستحقه، فعندما نتحدث عن الحفاظ على التراث لا يعني أن نتركه مغلقا ولا نلمسه، بل يجب إحياؤه كما هو الحال في العديد من المدن الأوربية حيث تقام في المعالم التاريخية أنشطة مدرة للربح وفي نفس الوقت يحافظ المكان على رونقه التاريخي، فطنجة يمكن اعتبارها متحفا في الهواء الطلق ويمكن الاستفادة من الأمر إذا أحسن استغلال معالمها.
- من الأمور البارزة في المدينة العتيقة كثرة الأجانب الذين يختارون الاستقرار بها، هل يمكن أن تتحول طنجة إلى مراكش أخرى؟
< لا أعتبر الأمر استعمارا جديدا لكنها ظاهرة مغربية بامتياز، نحن لن نمنع الأجانب من القدوم إلى المدينة العتيقة، لكن في الوقت نفسه يجب ألا نترك المدينة تتحول إلى فضاءات مغلقة خاصة بالأجانب كما هو حاصل في مراكش ومدن أخرى، فالمدينة العتيقة تحتاج إلى مشروع متكامل يأخذ بعين الاعتبار الجانب الاجتماعي والاقتصادي والثقافي ونعطي الفرصة لساكنة المدينة العتيقة لتتأهل اجتماعيا واقتصاديا لكي يبقوا في مساكنهم ويحافظوا عليها ولا يبيعونها للأجانب. ماذا نجد في المدينة العتيقة الآن؟ شباب عاطل، مخدرات، فساد.. ومع الأسف هناك فتور في العمل الجمعوي وتركت المدينة لحال سبيلها، والمواطن عندما لا يجد أنشطة ومرافق يذهب للجلوس في المقهى.
- ما هو في رأيكم السبب وراء هذا الفتور الثقافي الذي تعرفه المدينة؟
< السبب الأساسي هو اندثار العديد من المراكز الثقافية والمكتبات، فلا يعقل ألا تتوفر المدينة القديمة بتاريخها العريق على مكتبة أو مركز ثقافي. هناك بعض الجمعيات التي تهتم بالمدينة العتيقة لكنها لا تتوفر على الإمكانيات الكافية وتبقى قوة اقتراحية. كما تفتقد الجمعيات التكوين الكافي والموارد البشرية المؤهلة.
- أين يبرز دور السكان؟
< المواطن الطنجي بصفة عامة لا يعرف مدينته جيدا، وفي هذا الإطار يدخل دور المدرسة، لأنه من الرائع أن يقوم بعض الأساتذة بتنظيم جولات يعتبرونها عملا تطبيقيا ليطلعوا التلاميذ على بعض المرافق والمعالم لتعريفهم بتاريخ مدينتهم ويحسسونهم بالحفاظ على المكان لأن الشخص عندما يعرف قصة المكان يحافظ عليه.
- كيف جاءت فكرة تحويل منزل عبد الله كنون إلى مركز ثقافي في الذكرى المئوية لميلاده؟
< يدخل هذا المشروع في إطار إعادة تأهيل المدينة العتيقة بشراكة مع جمعية «كوسبي» الإيطالية وبتمويل من وزارة الخارجية الإيطالية. بدأ الإعداد للمشروع سنة 2002 بمدينة فينيزيا الإيطالية. ويهدف المشروع إلى النهوض بالعمل الثقافي داخل المدينة من خلال إعادة تأهيل بعض المعالم المهمة في المدينة العتيقة، وفي نفس الوقت تأهيلها اقتصاديا عبر إحياء بعض الحرف التقليدية.
- لماذا اختيار منزل عبد الله كنون؟
< أولا لغياب مراكز ثقافية وطنية بالمدينة، والسبب الأهم هو الاعتراف بشخص عبد الله كنون كمفكر ورجل سياسة ورجل دين كما تشهد سيرته على ذلك، وهو شخص أعطى الكثير للمغرب. ولو قمنا بنفس الأمر مع مجموعة من رجال المغرب فأظن أننا سنكون في القمة.
بالنسبة إلى المنزل سيكون بمثابة متحف صغير يعرض بعض أثاث عبد الله كنون، وسيكون في نفس الوقت فضاء جمعويا يحتضن مقر جمعية «البوغاز» ومؤسسة عبد الله كنون، وتقام فيه أنشطة لفائدة المواطنين لتشجيعهم على الانخراط في العمل الثقافي بالمدينة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.