لقد سبقت الإشارة في مجموعة من الحلقات السابقة إلى شروط الحديث الصحيح حين ناسب ذِكرُ كلِّ واحد منها حسب سياقه العلمي والتاريخي الذي نضج فيه. وهذه الشروط هي: 1 عدالة الراوي. 2 ضبطه لمروياته. 3 اتصال السند. 4 عدم الشذوذ. 5 عدم العلة. وقد سبق شيء من التفصيل في بيان الشرطين الأولين المتعلقين بالراوي وهما عدالته وضبطه عند الكلام على نشوء الجرح والتعديل، وسيأتي تفصيل الشروط الأخرى إن شاء الله. فقد تقرر إذن أن كل حديث جمع هذه الشروط الخمسة فهو المسمى بالحديث الصحيح، فهل ما نقص فيه أحد هذه الشروط يصير حديثا ضعيفا مردودا أو ماذا ؟ هذا هو الأصل فما ليس بصحيح فهو ضعيف، إلا أن أمانة المحدثين في إصدار الأحكام وسعة استقرائهم منعتهم من إرسال بعض هذا الحديث إلى دائرة الضعيف وتركوه في دائرة أوسع من دائرة الصحة ألا وهي دائرة القبول. فكل حديث صحيح مقبول ولا عكس، أي ليس كل حديث مقبول صحيحٌ، ومعنى كونه مقبولا غير صحيح، أنه يجب العمل به في الأحكام العملية وأن يُتعبد به وأن يعتقد أنه شرع ثابت. قال ابن حجر(852ه) في «نزهة النظر»: «المَقْبولُ: وهو ما يَجِبُ العَمَلُ بِهِ عِنْدَ الجُمْهورِ». إن الحديث الصحيح قد حاز أعلى درجات القبول، فهو الأقوى عند التعارض. فكيف يسمى الحديث المقبول غيرُ الصحيح ؟ له اسم مشهور هو الحديث الحسن. فتًلًخَّص لنا إذن أن الحديث المقبول نوعان، أحدهما أقوى ثبوتا من الآخر، فالأول الصحيح والثاني الحسن. وسيأتيك مزيد بيان لهما إن شاء الله تعالى. فما السر في اتساع دائرة القبول ؟ لو تأملت شروط الحديث الصحيح لأدركت أن واحدا منها دائرته واسعة ومراتب التفاوت في تحققه كثيرة، ألا وهو الضبط، فالراوي قد يصل إلى درجة الضبط التام، بحيث لا يخطئ في روايته إطلاقا، وقد ينقص عن درجة الضبط التام، بحيث يخطئ أحيانا، فليس من العدل أن ترد جميع مرواياته لأدنى خطأ، خصوصا إذا ورد مثلها عن راو آخر، ولكن الأمانة تقتضي أن ينزل عن درجة الصحيح. وعند الاستقراء وُجد أن الحديث المقبول أربعة أقسام هي: الصحيح لذاته، والصحيح لغيره، والحسن لذاته، والحسن لغيره. وفي الحلقات المقبلة بيان ذلك إن شاء الله.