بوريطة: المغرب ينتظر من الاتحاد الأوروبي إثبات التزامه بالشراكة عن طريق الأفعال وليس الأقوال    بعد رفض المحامين الدفاع عنه.. تأجيل محاكمة "ولد الشينوية"    انتخاب عمدة طنجة، منير ليموري، رئيسا لمجلس مجموعة الجماعات الترابية "طنجة تطوان الحسيمة للتوزيع"    "الكونفدرالية" تقرر تسطير برنامج احتجاجي تصعيدي ضد التراجعات التشريعية للحكومة وإخلافها لالتزاماتها    استئنافية فاس تؤجل محاكمة حامي الدين إلى يناير المقبل    نظام الجزائر يرفع منسوب العداء ضد المغرب بعد الفشل في ملف الصحراء    البنك الدولي: المغرب يتصدر مغاربيا في مؤشرات الحكامة مع استمرار تحديات الاستقرار السياسي    الاتحاد الإفريقي يعتمد الوساطة المغربية مرجعًا لحل الأزمة الليبية    وسط صمت رسمي.. أحزاب مغربية تواصل الترحيب بقرار المحكمة الجنائية وتجدد المطالبة بإسقاط التطبيع    برنامج الجولة الخامسة من دوري أبطال أوروبا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    الشرطة توقف مسؤولة مزورة بوزارة العدل نصبت على ضحايا بالناظور        الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز 'بوينغ 787-9 دريملاينر'        توصيات لتعزيز التمكين النقابي للمرأة    بورصة البيضاء تفتتح تداولات بالأخضر    العالم يخلد اليوم الأممي لمناهضة العنف ضد النساء 25 نونبر    جماعة أكادير تكرم موظفيها المحالين على التقاعد    صنصال يمثل أمام النيابة العامة بالجزائر    أرملة محمد رحيم: وفاة زوجي طبيعية والبعض استغل الخبر من أجل "التريند"    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء        تقرير: جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل عشر دقائق في العالم    تيزنيت: شبان يتحدون قساوة الطبيعة وسط جبال « تالوست» و الطريق غير المعبدة تخلق المعاناة للمشروع ( فيديو )    لماذا تحرموننا من متعة الديربي؟!    النفط يستقر عند أعلى مستوى في أسبوعين بدعم من توترات جيوسياسية    إيرادات فيلمي "ويكد" و"غلادييتور 2″ تفوق 270 مليون دولار في دور العرض العالمية    أسعار الذهب تقترب من أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع    "الكاف" يقرر معاقبة مولودية الجزائر باللعب بدون جمهور لأربع مباريات على خلفية أحداث مباراتها ضد الاتحاد المنستيري التونسي    مدرب مانشيستر يونايتد يشيد بأداء نصير مزراوي بعد التعادل أمام إيبسويتش تاون    أونسا يوضح إجراءات استيراد الأبقار والأغنام        استيراد الأبقار والأغنام في المغرب يتجاوز 1.5 مليون رأس خلال عامين    مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر    تقرير : على دول إفريقيا أن تعزز أمنها السيبراني لصد التحكم الخارجي    6 قتلى في هجوم مسلح على حانة في المكسيك    رياض مزور يترأس المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بالعرائش    تحالف دول الساحل يقرر توحيد جواز السفر والهوية..    تصريحات حول حكيم زياش تضع محللة هولندية في مرمى الانتقادات والتهديدات    الإمارات تلقي القبض على 3 مشتبه بهم في مقتل "حاخام" إسرائيلي        انطلاق حظر في المالديف يمنع دخول السجائر الإلكترونية مع السياح    بسبب ضوضاء الأطفال .. مسنة بيضاء تقتل جارتها السوداء في فلوريدا    جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخمليشي: آلاف الأحاديث خلقتها السياسة
نشر في هسبريس يوم 08 - 10 - 2008

يرى الدكتور أحمد الخمليشي، مدير دار الحديث الحسنية بالمغرب، أن المشكلة في تعدد قراءات نصوص السنة راجعة إلى عدم تطبيق قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38]، وعدم اهتداء المسلمين إلى وسيلة تحسم في الآراء المختلف حولها، وأنه في مناقشتنا لموضوع السنة نجد آلاف الأحاديث التي خلقتها السياسة، والتي خلقتها الاختلافات الفكرية، ونشأ ما نشأ عنها من خلافات. ""
ويؤكد الخمليشي أن الوقوف عند مرحلة المناقشة دون الحسم النهائي في مئات الآلاف من الأحاديث هو ما يؤجج الخلافات والصراعات بين الفرق الإسلامية، وهو ما يدعو إلى العمل كأمة واحدة، وأن نتفق جميعا على مستوى العالم الإسلامي في كل ما يهم شئوننا الدينية، مع احترام المقتضيات المحلية والظروف الخاصة بكل بلد.
ويوضح أن المشكلة التي وقع فيه البعض هو اعتماد بعض الآراء نصوصا للشريعة دون حسم صحتها أو ضعفها، محملا كل مسلم مسئولية البحث والإدراك لنصوص السنة دون الاتكاء على الآراء المملاة.
ويلفت الخمليشي إلى أن عمق المشكلة يتجلى في عدم التمييز بين الصنفين التشريعي والتدبيري في أقوال وأفعال الرسول الكريم، خاصة في الأمور العملية، داعيا إلى استثمار وسائل التواصل الحديث لحسم كثير من الأحاديث المختلف حولها.
السنة النبوية.. مشاريع متعددة
الدكتور أحمد الخمليشي، هناك عدد من المشاريع العلمية في قراءة السنة النبوية، ما هي دواعي تعدد هذه القراءات وأبعادها؟
- السر واضح جلي، وهو أننا منذ العهد الأول للرسالة السماوية كانت المشاريع متفاوتة وفردية؛ لأنه لم يكن هناك نظام استقر عليه العالم الإسلامي فيما يرجع إلى تعامله مع السنة النبوية، فكان أمرا طبيعيا أن تحدث هذه الانشقاقات، إذا صح التعبير، وأن يذهب كل فريق إلى الوجهة التي يراها أو يقابل بها التوجهات الأخرى.
وأعتقد أننا أخطأنا طريق البداية ولم نسن مبادئ وقواعد يجب الاحتكام إليها في موضوع السنة، وأول هذه المبادئ وأهمها قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38]، فالسنة من بين الأشياء التي كان يجب أن يكون النقاش فيها وفق هذا المبدأ القرآني لكي لا تنطلق الآراء الفردية شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.
وفي مناقشتنا لموضوع السنة نجد آلاف الأحاديث التي خلقتها السياسة، وآلاف الأحاديث التي خلقتها الاختلافات الفكرية، ونشأ ما نشأ عنها من خلافات؛ لأننا لم نؤسس مسيرتنا منذ البداية على مبدأ الشورى القرآني، الذي يسمح بالاختلاف في الرأي، وفي ذات الوقت يفرض تدبير هذا الاختلاف بالاحتكام إلى الوسائل التي يرتضيها الجميع لكي يكون هناك رأي للأمة الإسلامية، أما وقد ترك هذا المبدأ، فمن الطبيعي أن تنشأ الشيع والمذاهب، وأن تنشأ الآراء الفردية التي تنحو كل منحى وكل اتجاه.
استحالة رفع كل الالتباسات
بغض النظر عن مطلبكم بتطبيق الشورى في مناقشة أمور السنة، هل هناك آليات أخرى تقترحونها في هذا السياق؟
- أن نقول إنه بإمكاننا الآن أن نرفع كل لبس لحق بالسنة، فهذا في رأيي الشخصي يبقى أمرا مستحيلا؛ لأن البعد التاريخي الذي يفصلنا عن الفترة الأولى لازدهار السنة يجعل من الصعوبة والمتعذر فرز جميع الأحاديث، ونقول إن هذه المجموعة صحيحة والأخرى ضعيفة، لكن ربما يمكن العمل على تقييد التسيب في المجال بالاتفاق على طريقة العمل، وليس ترك كل فريق يعمل بما لديه.
ولنتكلم بصراحة ونقول إن كل منتمٍ للفرق الإسلامية اليوم يعمل على تشيع أو تعصب للأحاديث التي تنتسب إلى فرقته، ويطعن فيما هو موجود لدى الطائفة الأخرى، وهذا الأمر ليس خاصا بالسنة، بل أيضا يشمل الشيعة أيضا.
وهنا نستحضر مشكلة الشيعة والسنة حول حديث "الغدير"، فللشيعة أبحاثهم التي تقول إنه حديث ثابت بالتواتر، وللسنة أبحاث تقول بغير ذلك، وكل فريق ينحاز للأحاديث التي رواها من ينتسب إليه، ولو حسمنا هذا الحديث لانحسم الأمر.
وبعبارة أخرى، نتساءل: هل نحن مخلصون ومستعدون أن نرجع عن العمل المتوارث وهو أن يقول كل شخص ما يشاء وكل في واديه يهيم، أم أننا اليوم بحكم توفر وسائل التواصل وضبط شئون المعرفة يمكن أن ننشئ ثقافة جديدة في التعامل مع الشأن الإسلامي عموما والسنة النبوية خصوصا؟ وإذا توفر هذا التوجه فأعتقد أنه بالإمكان إذ ذاك أن نفحص هذه الأحاديث والوصول إلى مراحل متقدمة في التعرف على كثير من الأحاديث التي تحدث البلبلة الآن في مسيرة الأمة الإسلامية، لكن هذه الوسيلة لم تتيسر بعد بحكم الثقافة التي توارثناها؛ فهناك اليوم مجموعة من المجامع الفقهية منها المحلية والدولية، الحرة والأخرى التي أنشأتها الحكومات الرسمية، لكن كل طائفة من هذه الطوائف لا تعترف بعمل الطوائف الأخرى، فمثلا المجامع الوطنية تعمل في إطار محدد، وكذلك المجامع الحرة لا يعترف بها رسميا لدى هذه الحكومات.
وحتى المجمع الذي شكلته الدول الإسلامية، وأقصد المجمع الفقهي في جدة، لا يعترفون بقراراته، ونقرأ آراء تقول بضرورة ابتعاد المجامع عن الحكومات والاستقلال عنها.
والواجب أن نعمل كأمة واحدة، وأن نتفق جميعا على مستوى العالم الإسلامي في كل ما يهم شئوننا الدينية مع احترام المقتضيات المحلية والظروف الخاصة بكل بلد.
هل يمكن لنصوص السنة أن تستقل بالتشريع في الأحكام؟
- المشكلة ليست بهذا التعميم، وفي اعتقادي لا يوجد أحد من المسلمين ينكر على الرسول صلى الله عليه وسلم صفة التشريع ولو عقلا ببيان ما جاء في القرآن، هذا من حيث المبدأ، وبالمقابل قد يكون هناك نقاش في بعض الأحاديث التي تتعارض مع القرآن، ولذا فالأمر لا يتعلق بالمبدأ، وإنما يتعلق بجانب التطبيق؛ إذ يجب أن نتوافق على الوسيلة التي نقر بأن هذه السنة صحيحة وتشريعية وغيرها ضعيف، فهذه الوسيلة تجعلني كصاحب رأي أستسلم لرأي المؤسسة أو الجهة التي يعود إليها تقرير الحكم وإن كان مخالفا لرأيي ولا أبقى مناديا بأن رأيي هو الشريعة، وهذا ما لم نتوصل إليه بعد.
أما مجرد مناقشة هل السنة تشرع أم لا؟ فهذا لا يفيد شيئا إطلاقا؛ لأن المبدأ لا ينكره مسلم، وبالمقابل لا يمكن أن نقول إن جميع الأحاديث الواردة هي أحاديث تشريعية، وبالأخص إذا علمنا أن أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم وأقواله تنقسم إلى أقوال وأفعال تشريعية وإلى أخرى تدبيرية بصفته رئيسا للأمة، مرتبطة بالتسيير الوقتي لشئون الأمة الإسلامية وقتها، فكثير من الأحكام المتعلقة بالحرب كانت مرتبطة بصفته رئيسا للدولة.
والمشكلة الموجودة هي في التمييز بين هذين الصنفين التشريعي والتدبيري لشئون الأمة، والتفريق بين أفعال الرسول كبشر، أو كقاضٍ، أو رئيس دولة، وهذا ما قال به السابقون، ولكن هل نحن قادرون على بحث وتحليل أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا التقسيم الذي أشار إليه السابقون وإن لم يطبقوه من الناحية العملية؟.
ضرورة التواضع حول معيار
هناك أقوال تقول إن السنة تضم أنواعامن الأحاديث الصحيحة والضعيفة والموضوعة وبالتالي لابد من العودة للقرآن لاستخراج الأحكام الشرعية، كيف تنظرون إلى هذا الرأي؟
- لا أعتقد أن الإنكار الكلي للسنة أمر مقبول منطقا أو واقعا؛ فوجود ضعيف في السنة وموضوع أمر معروف وقال به السابقون، وإنما المشكلة في كيفية الحسم.
وإذا طبقنا الآية {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] في أي حديث يمكن أن يدلي كل برأيه فيه، فهناك من ينكر وهناك من يضعف ومن يصحح ومن يحسن، ثم نأتي إلى وسيلة نحتكم إليها، فتقول في هذه الأحاديث الألف المطروحة: هناك خمسمائة حديث صحيحة وهناك 200 حديث ضعيفة، وهنا 300 حديث موضوعة ورقمها كذا وكذا.. وهذا القرار يلزمنا من الناحية العملية، أما من الناحية الفكرية فلا يلزم من لم يقتنع بذلك، غير أن هذه الوسيلة غير موجودة، ولذلك ندور في حلقة المناقشة والردود، وكل حزب بما لديه فرح، وزاد الأمر صعوبة تعدد الكيانات السياسية برغم تيسر وسائل التواصل والنشر، فأصبح كل واحد يهيم في واد.
لكن الواجب أن نتفق أن هذه الشريعة شريعتنا جميعا، وعندما نقول هذا الحديث من الشريعة وهذا ليس منها فلابد من وجود صوت فاصل في النهاية، وهذا ما لم نتوصل إليه، فالفتاوى تطلق باستمرار، والتيارات تتوالد.. وفي هذه الحالة نبقى نتقاذف الاتهامات: السنة لا ينبغي أن تكون كذا، والشريعة لا ينبغي أن تكون كذا، وبهذا نسيء للشريعة أكثر مما نحسن إليها.
وللخروج من هذه الدوامة لابد أن نغير ثقافتنا، وأن نكوّن جهة أو مؤسسة يحتكم إليها في الأمور المتعلقة بالدين، خاصة ما يرجع إلى المسائل العملية، أما بالنسبة إلى المسائل الاعتقادية والأخلاقية فمن الصعوبة بمكان أن تفرض على الناس، وفي مجال السلوك والمعاملات يجب أن نتساءل: هل العمل بهذا الحديث يجب أن يكون أم لا؟ وهل كان يتعلق بزمانه أم أن هناك ما يضعفه إما في متنه أو في سنده؟
ولكن اليوم نجد كل واحد يقول ما يشاء في الأمور العملية مما أحدث فوضى، وإذا أردنا أن نتناقش ونتحاجج حول السنة فيجب أن نغير طريقة المناقشة لنصل إلى النتيجة، وأما أن يتمسك كل برأيه فهذا يضر أكثر مما ينفع.
هناك من يؤاخذ على الاتجاه العقلاني في قراءة نصوص السنة النبوية إلغاءه لأحاديث الغيب؟
- أيضا تعميم الأمر بهذا الشكل لا يصح، فعندما تكون عندنا مجموعة من الأحاديث نختلف بشأنها تتعلق بالغيب أو التسيير اليومي للحياة وشئونها أو العلاقة بالآخرين، فلكل واحد الحق في الإدلاء برأيه، ولكننا للأسف نقف في مرحلة الطعن والتصحيح ويتشيع كل واحد لرأيه ولطريقته ولا نتجاوز ذلك إلى ما ينبغي أن يكون، أي بعد أن يقول الجميع رأيه كما يحلو له، فلابد أن تكون هناك وسيلة للاحتكام إليها.
وفي عهد الخلفاء، كان الخليفة يخطئ برغم مشورة أصحابه أو بلا مشورة، وكان المسلمون مطمئنين لقراره، وعندما قرر أبو بكر رضي الله عنه مثلا حروب الردة لم يكن عمر رضي الله عنه موافقا على القرار وبقي على عدم موافقته، وعندما توفي أبو بكر وتولى الخلافة أبطل ما قام به أبو بكر وأطلق جميع الأفراد الذين استعبدوا في تلك الحرب، وأرجع لهم حريتهم.
وهذا يعني لنا أنه كانت هناك وسيلة نظامية للحسم، برغم أن القرار يمكن أن يتخذ فرديا أو بمشورة، ونحن الآن مطالبون بالاحتكام إلى ما هو متفق عليه لدى الرأي العام، وبذلك تحل المشاكل ويعرف رأي المنكر وما هي أسبابه، ورأي المثبت وما هو سنده، لتقر الجهة في النهاية أن هذا ما يجب اتباعه في السلوك العام والحياة العامة.
أما مسألة الاعتقاد فهذا أمر آخر، فلا أحد يقول إن الله لم يكن يطلع الرسول صلى الله عليه وسلم على الغيب إطلاقا؛ لأن من يقول بهذا يحتاج إلى سند، ومن جهة أخرى هناك آيات قرآنية تنفي عنه العلم بالغيب من حيث المبدأ: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام: 50] ، لكن تبقى التفاصيل تفرض علينا الالتجاء إلى وسيلة للحسم، وعندما نجد حديثا غيبيا نتساءل: ما موضوعه؟ وما سنده ومتنه؟ وهل له علاقة بالحياة العامة أم هو أمر مجرد اعتقاد أو أخلاق؟ يجب أن تدرس كل الأمور على حدة.
عندما يتعارض النص الحديثي مع النص القرآني، ما الذي يرجح لنا الحكم، فهناك آيات تنفي عن الرسول الكريممعرفة أمور الغيب وأحاديث تصور مشاهد اليوم الآخر بتفصيل؟
- بالنسبة لرأيي الشخصي ما ينفيه القرآن هو مبدأ العلم بالغيب، ولا ينفي كل شيء، فليس هناك تعارض بين السنة والقرآن، والقرآن ينفي العلم المطلق بالغيب، لكن ليس هناك دليل يمنع إطلاع الله لرسله على بعض أمور الغيب، والقرآن يقول: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51])، وقوله: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ} [آل عمران: 179]). ومشكلتنا عندما نقف في مناقشتنا على هذه المبادئ يتعصب كل لرأيه.
في نظركم ما أسباب سوء الفهم للسنة النبوية، والتي أنتجت الشقاق بين الاتجاه التقليدي والعقلاني؟
- السبب أنه لم يتم الاختيار لنصوص السنة منذ البداية حتى أصبح لكل رأي سند، وإن كان شاذا، واليوم نرى أن كل رأي مهما يكن شاذا يستطيع أن يستدل بحديث من السنة، في كلا الاتجاهين، فالذين ينكرون السنة يستدلون بأحاديث منها: «أنتم أعلم بشئون دنياكم».. وأصبحنا نجد في السنة الشيء وضده وهذا ما عمق المشكلة.
والحل يكون بالاستعانة بما قاله السابقون، ويضاف إليه ما تيسره التطورات الإعلامية من جمع المعلومات وتسجيلها، فعندما نتحدث عن راوٍ تكون حياته مسجلة في الحاسوب، ونستطيع أن نعرف أنه عاش في القرن كذا والمكان كذا بينما الراوي عنه يمكن أن يكون في مكان آخر ولم يتيسر اللقاء بينهما، وقد نحتكم إلى سنه لتعضيد وسائل أسلافنا.
حملات وتشكيك
كيف تقرءون حملات التشكيك في نصوص السنة؟
- أرجو أن يكون الأمر واضحا في الأذهان، وكما قلت، من حيث المبدأ لا يوجد مسلم يقول بعدم وجود للسنة، أما مسألة ما هو موجود في السنة وما هو غير موجود، وهل هذه الأحاديث تتعلق بالتشريع أم بتسيير الشأن العام؟ فهذه أمور تفصيلية ينبغي أن تناقش كل حديث على حدة، ولا يمكن أن نقول هل السنة صحيحة أو مشكوك فيها؟
وشخصيا لا أقبل مثل هذا السؤال إطلاقا؛ لأن الكل يعلم أن القرآن نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يشرح ما يرد في القرآن وتصدر منه أوامر ويجيب عن أسئلة الناس، ولا يمكن تصور أنه صلى الله عليه وسلم كان طيلة عشرين سنة التي عاشها كان صامتا، وتبقى المشكلة: كيف نفرق بين مئات الآلاف من الأحاديث المسجلة في مختلف مراجعنا ومسانيدها؟ وهذا ما يتطلب من الأمة العمل المفيد والمنتج والمؤدي إلى نتيجة، وإلى الآن نحن لا نقوم بالعمل المنتج في هذا المجال؛ فإما الإنكار التام وإما التمسك المتعصب.
ما هي الضوابط الكفيلة باستثمار الحديث في الجانب الفقهي، خاصة أن لكم رأيا خاصا في مسألة الربا برغم وجود آية تحرمه؟
- الفقه معناه فهم نصوص الوحي، ومن بينها نصوص السنة؛ إذ لا فرق بين السنة والكتاب بالنسبة إلي، فالفقه هو فهم لهذه النصوص واستخراج الأحكام منها، ويبقى السؤال: هل بعض الفقه مبني على نصوص تحتاج إلى نقاش؟
أما الضوابط الموجودة فهي ضوابط استئناسية ومساعدة على الفهم، وليست ضوابط قاطعة أو عقلية أو منطقية؛ فالضوابط الموجودة في الأصول تبحث عن الدلالة اللغوية للنص لا أقل ولا أكثر، ومشكلتنا أن ما فعلناه مع السنة نفعله مع الفقه، أي أن الكل يدلي برأيه وليس هناك وسيلة لجمع هذه الآراء ليتقرر بها الحكم، وهذا هو الخطأ الأكبر الذي ارتكبناه في القديم وما يزال قائما؛ حيث يعتبر البعض الرأي الاجتهادي هو حكم الشريعة مباشرة، وبذلك تجاوزنا {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}، وأدى ترك هذا المبدأ إلى الوقوع فيما نحن فيه الآن.
وجميع الضوابط التفسيرية، سواء تعلق الأمر بالسنة أو الكتاب لابد أن نختلف حولها، وشخصيا لا أعرف حكما فقهيا موحدا في تفسير آية ظنية الدلالة؛ لأن الاجتهاد لا يكون في القطعي؛ إذ لابد أن تكون آراء مختلفة وهذا أمر طبيعي، لكن هذه مرحلة ينبغي أن تتلوها مرحلة تدبير هذا الاختلاف، وبذلك نشأت المشاكل باختلاف الآراء واختلطت الأمور، وبقينا متمسكين بآراء نقول عنها إنها صالحة للتطبيق برغم أن الزمان تجاوزها؛ لأن فطرة الله في خلقه هي التطور والتجدد.
أما عن موضوع الربا، فكلمة الربا كلمة عامة ومصطلح يجب أن نبحث عن حقيقته عندما نزل القرآن، وهذا أمر ليس قاصرا على العلماء؛ لأنه يتعلق بمسألة تاريخية.
وبعد فهم الربا تاريخيا يأتي تفسير الاجتهاد الأصولي لقوله سبحانه: {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]) ليفسرها الأصولي بأن الله تعالى حرم الربا؛ لأن النص قطعي.
في البداية يجب أن نفهم الربا كواقعة تاريخية وليس كمسألة اجتهادية، وأن نبحث عن عناصر هذا الربا وآثاره وكيف كان، وعن المعاملات التي نبحث عنها الآن لنقارن بين السابق والحالي.
وسنختلف بالتأكيد، لكن يجب أن تكون لدينا وسيلة لتجاوز مرحلة الآراء إلى التقرير؛ لأن الكل يدعي أن رأيه في الموضوع قد حسم، وأنه يقوم على الحجج التي لا مرد لها، وهذه هي الآفة التي نعاني منها.
وكيف يمكن التعامل مع النصوص السنية في ظل الشروط التي ذكرت أستاذ خمليشي؟
- لابد للمسلم أن يشعر بأنه مكلف؛ إذ يجب عليه أن يبحث ويدرك الشريعة وأحكامها، ولا يكتفي بالاستماع أو بالتلقي أو الفتاوى المطلقة، ومع الإقرار أننا متفاوتون في العلم والمعرفة فيما يخص نصوص الشريعة، إلا أن هذا لا يعني وجود إملاء وتلقٍ فقط، بل يجب على من يملي أن يبين سند ما يملي، ويجب على من يتلقى أن يفهم ما يتلقاه ويعلم أنه سيحاسب عن عمله ولا يكفيه أن يقول إن هذا ما أفتى به فلان أو فلان، بل يجب عليه أن يشعر بمسئوليته قدر الإمكان.
عن إسلام أونلاين.نت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.