وليد كبير: نظام العسكر غاضب على ولد الغزواني بعدما رفض الانخراط في مخطط لعزل المغرب عن دول الجوار    مجلس الأمن.. بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    ألمانيا.. توجيه اتهامات بالقتل للمشتبه به في هجوم سوق عيد الميلاد    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة        مقاييس الأمطار بالمغرب في 24 ساعة    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    رشاوى الكفاءة المهنية تدفع التنسيق النقابي الخماسي بجماعة الرباط إلى المطالبة بفتح تحقيق    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    العرائش: الأمين العام لحزب الاستقلال في زيارة عزاء لبيت "العتابي" عضو المجلس الوطني للحزب    سويسرا تعتمد استراتيجية جديدة لإفريقيا على قاعدة تعزيز الأمن والديمقراطية    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    هجوم ماغدبورغ.. دوافع غامضة لمنفذ العملية بين معاداة الإسلام والاستياء من سياسات الهجرة الألمانية    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود جلالة الملك من أجل الاستقرار الإقليمي    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع        دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وقفات مع الأستاذ الخمليشي في مقاله "مساءلة النفس ومراجعة الذات" 2/1
نشر في التجديد يوم 27 - 12 - 2008


لقد اطلعت على مقال للأستاذ المفضال الدكتور أحمد الخمليشي ـ حفظه الله ـ بعنوان مثير وجذاب مساءلة النفس ومراجعة الذات بمجلة (الواضحة) التي تصدر عن دار الحديث الحسنية (العدد الرابع).والمنشور في موقع الدكتور مع حذف طفيف لبعض الفقرات. وكنت أطمع أن أخرج من قراءته بمشروع استبصاري يرسم أسباب انحطاط ويحدد المحطات من حيث ينبغي أن يكون المبدأ في مشروع كبير. مثل هذا تتم فيه المراجعات الحقيقية للذات بمعنى الذات على مستوى الأمة أو على الأقل على مستوى جزء منها ولكنني في الحقيقة لم أقف على شيء من ذلك سوى ما يظهر أنه كشف للعوائق والحوائل دون النهضة واللحاق بالركب لأمم متقدمة سواء في الجانب الذي سماه الأستاذ التنظير والذي اكتفى فيه بإشارات إلى بعض القضايا العميقة في مجال الفقه وأصوله مع الإحالة إلى مراجع لا يظهر أنها مضان هذا النوع من الدراسات فضلا عن أن تكون محلا لها مثل:إحياء علوم الدين، زيادة على إشكالات متعلقة بمفاهيم النصوص الحديثية ضمن دائرة النقد العلمي المعروف عند أرباب هذا الشأن كما في مسألة حديث أبي ذر عند البخاري والذي سيكون لنا تعليق عليه في محله إن شاء الله. وكما سيظهر في باقي فقرات المقال أو البحث. الوقفة الأولى: بنية العلوم الإسلامية(2)أو العلوم الشرعية كما تصورها علماء المسلمين في السابق هي هيئة مركبة من مجموع ما يسمى بعلوم الأدوات و النتائج أو النهائيات ، وبطبيعة الحال يدخل فيها العربية بآدابها وعلومها إلى آخر علم دقيق في العلوم الشرعية، وعند ذلك العلوم الشرعية لا تقتصر على العلوم الفقهية وما يتصل بها بل ترجع إلى بنية مركبة. الوقفة الثانية: القول بالتنظير لهذه العلوم أو تحصيلها بالنسبة للأمة من جانب العقائد وأصول الدين ، ثم الاعتماد على الإحياء إحالة غير موفقة،(3) لأن الغزالي لا يتحدث في جانب الاعتقاد وإنما يتحدث في شيء آخر هو التقديم لنظريته إحياء علوم الدين. الجانب الثاني في المسألة هذه، حتى لو قلنا بأن الغزالي ينظر لهذه المسألة من ناحية العقائدية فإنه إنما يبين الجانب ألتكليفي فيها بالنسبة للأفراد أي: ما تحصل به الكفاية للناس في مكان معين وزمان معين حتى لا يأثم، والمعلوم أن الأمر بالنسبة للأمة برمتها غير ذلك تماما. الوقفة الثالثة: بناء على هذا التصور(4)فالأستاذ الفاضل مخطئ في إسقاط حالة المجتمعات المسلمة اليوم ـ باعتبار مقارنتها بالغرب أو بما عليه الغرب ـ على حركة تاريخ الأمة ، الشيء الذي يتبين خطأه نظريا وحتى منهجيا باعتبار أن النتاج العلمي الذي كانت تنتجه الأمة في جميع المجالات كان يدل على أنها متجهة بالضرورة نحو نشوء مراكز البحث المتخصصة التي ستفرضها بالضرورة تعقدات المجالات التقنية والحضارية والمجتمعية أيضا الشيء الذي حدث فعلا في حضارة الغرب بعدما أتيحت لها الظروف مع أنها كانت فقيرة إلى حد كبير. الوقفة الرابعة: التفريع الثاني(5)لا قيمة له لأنه مندرج تحت الأول الذي هو فرض كفاية الذي اعتمد فيه الأستاذ على علم كلام الغزالي الذي يبين في تصوره الإمام الغزالي أن ما يعتبر دقيقا وكمالا وزيادة ليس كفائيا وإنما هو فضيلة ، والملاحظ المدقق النظر يجد انه داخل في الكفائي باعتبار إنما يكون فضيلة أي تحسينيا باصطلاحات الأصوليين،قد ينتقل إلى حاجي وهذا بطبيعة الحال إنما تفرضه حالة الأمة ومسيرتها الحضارية، مما يؤكد ما قلناه في الملاحظات السالفة من غير الحاجة إلى زيادة ، وعليه فتفريع الأستاذ تفريع في غير طائل. الوقفة الخامسة: فقول الأستاذ في الفقرة الثالثة بأن جعلها قسما ثالثا سماه علوما منهيا عنها،(6) ولما واجهه إشكال التأصيل لم يجد سوى أن يعبر عنه بفريق غير قليل من المفكرين والفقهاء ثم ضرب له المثل بالمنطق والفلسفة والفلك، وهو يعلم أنه داخل العلوم الاسلامية يوجد مدرستان أو منهجان ، المنهج الذي يطلق عليه منهج المحدثين والفقهاء ،والذين وقفوا موقفا من المنطق واعتبروه مدخلا للفلسفة ، ومنهم ابن الصلاح والنووي وجماعة، وهؤلاء في الحقيقة يمثلون منهجا ومدرسة تقابلها مدرسة أخرى ومنهج آخر يرى أن العلوم جميعها لا محظور فيها أيا كانت حتى السحر. وهؤلاء يجب الحدبث عنهم بتسميتهم وتصنيفهم ضمن منهجهم ولا داعي للتعمية بعبارة فريق غير قليل الوقفة السادسة: ومما زاد الطين بلة ـ للأسف الشديد ـ هامش الأستاذ رقم ثلاثة حين حديثه عن تعليل الذين في زعمه أرادوا مواجهة مشكلة تعلم العلوم الفلكية باصطناع أحاديث مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجد أن يسوق سوى حديث أبي ذر عند البخاري (7)وهذا في الحقيقة من أكبر الغرائب التي يمكن أن يصاب بها العقل المسلم ، إن انتقاد التحجر لدى بعض الفقهاء المسلمين عبر التاريخ أمر مسلم به لكل مجتهد وباحث في العلوم الشرعية لكن أن ينبي عليه خلط في المفاهيم واندراج في سلك الملوحين بضرب المصادر الإسلامية مثل البخاري ،الذي أجمعت الأمة على صحته. ولكن دعونا نطرح السؤال ما السجود ؟ يكفي أن يثار هذا السؤال أمام الأستاذ لنرى كم تبلغ الحيرة في هذا المجال ، ألم يقل الرحمان تبارك وتعالى في سورة الرحمان والنجم والشجر يسجدان فبربكم خبروني كيف يسجد النجم؟ كيف يسجد الشجر؟ صدقوني لا خلاص من هذه المشكلة إلا إذا علمنا أن السجود معناه حركة كونية دائبة في سنة العبودية التي عبر عنها القرآن الكريم إن كل من في السموات والأرض إلا آت الرحمان عبدا وهو معنى وجود هذه المخلوقات في يد خالقها وطوع إرادته تسير حيث شاء وتتوقف متى شاء وهو الذي يشير إليه حديث الشمس ،لأنه يشير إلى شروقها من مغربها وهذا بعيد حقيقة عن تصور البسيط لحركة السجود الشكلية المأخوذة من صورة الإنسان في سجوده الشرعي لا الكوني إذ الحديث يتحدث عن سجود كوني وليس سجودا شرعيا. ولنلفت نظر الأستاذ إلى السعة الكونية التي تعلمها الإنسان المومن من توجيه القرآن والسنة النبوية ولسوف يجد أن هذا الكون السحيق غير خارج عن المعنى الذي ذكرناه، وبذلك نستغني عن اتهام المحدثين بالكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. هوامش (ü) أستاذ بالمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية فرنسا وعميد لاتحاد المسلمين بلوب فرنسا ـ سابقاـ وما يزال مستشارا لكثير من المراكز والمؤسسات التي تعنى بالمسلمين بفرنسا، ويعمل حاليا أستاذا بكلية الآداب جامعة محمد الأول ـ وجدة ـ 2 - يقول الدكتور الخمليشي.تحت عنوان: أ ـ التنظير: بالرجوع إلى الآراء المنظرة لموضوع العلم والمعرفة نلاحظ: أ ـ تقسيم العلوم إلى شرعية وغير شرعية وتم حصر الفئة الأولى في العقيدة والشعائر وعدد محدود من مجالات العلاقات الاجتماعية التي عنى بها الفقه وفقا لظروف الزمان والمكان، ويتم تناول ذلك بما اصطلح عليه بعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله. وما عدا هذا يدخل في الفئة الثانية أي العلوم غير الشرعية. 3 يقول الدكتور الخمليشي ب ـ من حيث مطالبة الأمة الإسلامية بتحصيل هذه العلوم والعناية بها، نجد التنظير في أصول الفقه يصنف تعلم ما زاد على أصول الدين إلى: أ ـ 1 ـ يقول فرض كفاية ويشمل العلوم الشرعية الزائدة على أصول الدين كما يشمل المحتاج إليه من العلوم غير الشرعية وبعبارة الإمام الغزالي: كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان، وكالحساب فإنه ضروري في المعاملات ... وأصول الصناعات أيضا من فروض الكفايات كالفلاحة والحياكة والسياسة بل الحجامة والخياطة فإنه لو خلا البلد من الحجام تسارع الهلاك إليهم 4 يقول وفرض الكفاية من أحكام التكليف التي يميزها أنها فردية يخاطب بها الفرد وليس المجتمع، وان الخطاب بها يكون بعد سن البلوغ أي الخامسة عشرة أو الثامنة عشرة حسب الآراء المذهبية في الموضوع. فالفرد بعد أن يتجاوز الخامسة عشرة ووفقا لرؤياه الشخصية، يقوم بتقدير وجود أو عدم وجود العدد الكافي من المتعلمين لكل فرع من فروع العلوم الشرعية وكذلك العلوم غير الشرعية المحتاج إليها. إذا تبين له وجود خصاص في فرع منها يكون مطالبا شرعا بتعلمه ... هذا التنظير الأقرب إلى الخيال هو الذي يفسر تطور المعرفة في المجتمع الاسلامي،ويشرح وجوده اليوم في في مؤخرة شعوب الأرض عند قراءة مؤشرات الأمية،وعدد المراكز العلمية والنسبة المخصصة للبحث العلمي من الدخل الوطني، وما تتخصصه الجامعات في العالم الإسلامي من ميزانياتها لهذا البحث مقارنة مع نظيراتها في الغرب وفي إسرائيل . 5 أ ـ 2 ـ غير مطالب به شرعا ويشمل العلوم غير الشرعية التي لا يحتاج إليها المجتمع وفق ما يفسر به كل فقيه مفهوم الحاجة ، وبشرط ألا تكون ضارة. 6يقول الأستاذ :ـ 3 ـ منهي عنه شرعا لدى فريق غير قليل من المفكرين والفقهاء مثل علوم المنطق والفلسفة، والفلك (الهيأة). 7 الذين رغبوا عن تعلم الفلك عللوا رأيهم بإمكان إضراره بالمتعلم الذي قد يعتقد تأثير النجوم والكواكب على حياة الإنسان وأفعاله أو استقلالها في خلق حركاتها في الأفلاك والبروج. ولكن العزوف عن البحث والمعرفة والاستسلام للجهل أغريا المغرمين بحب ادعاء المعرفة والجواب عن جميع الأسئلة، باختلاق أجوبة عن طريق وضع عشرات الأحاديث المكذوبة عن الرسول (ص) لم تخل منها حتى كتب الحديث التي وثقت بها الأمة. نكتفي بالإشارة إلى الحديث رقم 3199 من صحيح الإمام البخاري. عن أبي ذر قال: قال النبي (ص) لأبي ذر حين غربت الشمس أتدري أين تذهب؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيوذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يوذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى: والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم الوقفة السابعة: الممارسة فيها نوع من المغالطة الاستدلالية لأن الأستاذ عندما يتحسر على عدم وجود مراكز البحث العلمي وهو هنا بدون شك يقارن بالغرب. يتحدث عن المجتمعات المسلمة المعاصرة وحالتها من الأمية وما إلى ذلك، وهو في كل هذا محق وموفق وما يقوله صحيح ، لكن عندما يتعرض لأعداء الإسلام واتهامهم للإسلام بأنه ليس دين معرفة ،يوهمنا أنهم ـ أي: أعداء الإسلام ـ يقصدون هذه الحالة المعاصرة والأمر ليس كذلك، نحن نعلم أن الذين اتهموا الإسلام بعجزه في الجوانب العلمية يقصدونه جميعا عبر تاريخه. الوقفة الثامنة: التسامح والتعايش مع المخالف. يبدوا أنه وقع للأستاذ نوع من الخلط بينما يعتبر أحكاما قائمة في الفقه الإسلامي وبينما نشأ في عقول بعض الفقهاء على أنه أحكام فقهية بينما هو في حقيقة الأمر هو نوع من ردود الأفعال لحكام بني أمية أو بني العباس ضد بعض الحركات المسيحية وغيرها التي كانت تشارك في أ عمال الشغب والثورات ضد السلطان كتمييز أهل الذمة بلباس خاص حتى يصبحوا معروفين متميزين. وأما ما يخص مسألة الجهاد في الإسلام لدعوة الناس إليه فإن هذا في الحقيقة يعتبر من المعضلات التي كانت تحتاج إلى بيان معنى بعض الآيات الواردة في القرآن الكريم كقوله تعالى حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله إذ الكثير من المفسرين حملوا معنى على مطلوبية الجهاد رأسا لدعوة الناس إليه إلى الإسلام ، ويبدوا أن هذا من الأخطاء الواضحة التعارض مع أصول الاعتقاد في الإسلام ، ومما لا شك فيه أن المعنى المتناسب مع مثل هذه الآية أن الإسلام يدعوا إلى الجهاد لاستتباب الأمن ويدخل الناس تحت سلطان قيادة عامة يأمنون فيها على عقائدهم وأعراضهم وأموالهم ، وعند ذلك ينحل الإشكال الوارد في مثل كلام سحنون ـ رحمه الله ـ وعلى أية حال فنحن لا نرى أي استنتاج يمكن أن ينفع من إثارة هذه المسألة العميقة داخل الفقه الإسلامي وأصوله سوى ما بنا عليه الدكتور من اعتماد متطرفين معاصرين على مثل هذه الآراء داخل التراث الإسلامي ، وجعلها متكآ لهم في فتاواهم التحريضية ضد الآخرين ، ولكن يسمح لنا الدكتور أن نقول له إن هذه الظاهرة ناشئة في أوساط المسلمين بعيدة كل البعد عن أن تتعمق إلى هذا الحد في كتب التراث ، ولكن لو أراد أن يبحث لها عن جذور وأصول فإنها منغرسة إلى حد كبير في أكناف وأطراف التخلف والتشرذم الذي داهم الأمة راجعا بها إلى عقليات ردود الأفعال المنطلقة من الأحقاد العرقية والشعوبية ، وفي التاريخ كم هائل من الأمثلة على ذلك، فلا يحتاج إلى إسناده إلى حركة الفقه والفقهاء في الأمة لأن هذه الحركة هي أساس التنوير والمد بعوامل الحفظ والصيانة لضمير الأمة. الوقفة التاسعة: السلوك. فضيلة الدكتور يلفت نظرنا إلى الجانب السلوكي عند المسلمين وهو يربط هذا الموضوع بأساسه الكبير وهو مراجعة الذات ،ونحن هنا نطرح له سؤالا ، هذا السؤال مفاده، هو هل السلوك هو محدد مظاهر عملية تبدوا على الشخص أو الأشخاص في مجتمع ما. ونحن هنا نريد أن نلفت انتباه الأستاذ إلى أن السلوك ـ كما لا يخفى عليه ـ هو نتاج النهائي والأعظم لعقيدة ما وذلك لأنه تعبير عما يتكون في النفس ، ويرتسم في حركاتها منذ النشأة إلى آخر مراحلها وهذا الأمر بطبيعة الحال يتجلى في قسم منه على مستوى الأفراد بحكم أنهم لبنات اللازمة لوجود بناء مجتمع ، ولكن الشق الآخر هو هذا البناء كله ، وهو في حقيقته جملة من المؤسسات والهيئات ذات علاقة أو علاقات تكاملية في هذا البناء الضخم ، وهنا لا بد قبل أن نلقي باللائمة على هذا المغترب المسكين أن نقف وقفة متأنية مع منطلقاته من أين انطلق؟ وكيف كان؟ وإلى أي شيء يسعى؟ وماذا يحمل من زاد ؟ وهذه الأسئلة مستدرجة للأسف للكشف عن مجموعة من الانهزامات والترديات في تاريخنا على مدى قرنيين على الأقل ، كيف كانت مؤسسات الحكومية ومعها التعليمية والإرشادية ، ماذا وجد الاستعمار عندنا ، وعلى أي شيء دخل؟ وكيف تطور الاحتكاك به ؟ وماذا عن نتاج العلاقة به قبل وبعد خروجه،، وسوف نترك كل هذه الأسئلة في حجابها من غير أن نمس شيئا منها ، ولعل الدكتور ينورنا بدراسة تاريخية اجتماعية تكون الجواب الشافي المعبر عن وجود مثل هذه الاختلالات التي لاحظها سواء في الداخل أو عند المغتربين لأنهم ـ مع الأسف الشديد ـ في الكثير من الأحيان أسوأ من كان في الداخل. خاصة وأن الأستاذ في خلاصته يذكر لنا أننا في حاجة إلى مراجعة جذرية لنسق تفكيرنا المعطوب بعقدة التنظير واستعمال الألفاظ التي تملأ الآذان دون الاهتمام بالوسائل العلمية ونحن هنا نقول له هنا ممتاز ونعمة الدعوة ونعم النبراس ولكن من أين نبدأ ؟ وكيف؟ بغض النظر عما يخصه الأستاذ من مجموع النقاط المتعلقة بالعلوم ومناهج العلوم والتعليم وأدوات التعليم والاجتهاد ، بغض النظر عن كل هذا مع ما عليه من الملاحظات العلمية الدقيقة التي ربما سنحت الفرصة لإفراد الكتابة فيها، لكن نكتفي على الأقل بالقول للأستاذ الآن من أين؟ وكيف؟ 1 أستاذ بالمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية فرنسا وعميد لاتحاد المسلمين بلوب فرنسا ـ سابقاـ وما يزال مستشارا لكثير من المراكز والمؤسسات التي تعنى بالمسلمين بفرنسا، ويعمل حاليا أستاذا بكلية الآداب جامعة محمد الأول ـ وجدة ـ 2 يقول الدكتور الخمليشي.تحت عنوان: أ ـ التنظير: بالرجوع إلى الآراء المنظرة لموضوع العلم والمعرفة نلاحظ: أ ـ تقسيم العلوم إلى شرعية وغير شرعية وتم حصر الفئة الأولى في العقيدة والشعائر وعدد محدود من مجالات العلاقات الاجتماعية التي عنى بها الفقه وفقا لظروف الزمان والمكان، ويتم تناول ذلك بما اصطلح عليه بعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله. وما عدا هذا يدخل في الفئة الثانية أي العلوم غير الشرعية. 3 يقول الدكتور الخمليشي ب ـ من حيث مطالبة الأمة الإسلامية بتحصيل هذه العلوم والعناية بها، نجد التنظير في أصول الفقه يصنف تعلم ما زاد على أصول الدين إلى: أ ـ 1 ـ يقول فرض كفاية ويشمل العلوم الشرعية الزائدة على أصول الدين كما يشمل المحتاج إليه من العلوم غير الشرعية وبعبارة الإمام الغزالي: كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان، وكالحساب فإنه ضروري في المعاملات ... وأصول الصناعات أيضا من فروض الكفايات كالفلاحة والحياكة والسياسة بل الحجامة والخياطة فإنه لو خلا البلد من الحجام تسارع الهلاك إليهم 4 يقول وفرض الكفاية من أحكام التكليف التي يميزها أنها فردية يخاطب بها الفرد وليس المجتمع، وان الخطاب بها يكون بعد سن البلوغ أي الخامسة عشرة أو الثامنة عشرة حسب الآراء المذهبية في الموضوع. فالفرد بعد أن يتجاوز الخامسة عشرة ووفقا لرؤياه الشخصية، يقوم بتقدير وجود أو عدم وجود العدد الكافي من المتعلمين لكل فرع من فروع العلوم الشرعية وكذلك العلوم غير الشرعية المحتاج إليها. إذا تبين له وجود خصاص في فرع منها يكون مطالبا شرعا بتعلمه ... هذا التنظير الأقرب إلى الخيال هو الذي يفسر تطور المعرفة في المجتمع الاسلامي،ويشرح وجوده اليوم في في مؤخرة شعوب الأرض عند قراءة مؤشرات الأمية،وعدد المراكز العلمية والنسبة المخصصة للبحث العلمي من الدخل الوطني، وما تتخصصه الجامعات في العالم الإسلامي من ميزانياتها لهذا البحث مقارنة مع نظيراتها في الغرب وفي إسرائيل . 5 أ ـ 2 ـ غير مطالب به شرعا ويشمل العلوم غير الشرعية التي لا يحتاج إليها المجتمع وفق ما يفسر به كل فقيه مفهوم الحاجة ، وبشرط ألا تكون ضارة. 6 يقول الأستاذ :ـ 3 ـ منهي عنه شرعا لدى فريق غير قليل من المفكرين والفقهاء مثل علوم المنطق والفلسفة، والفلك (الهيأة). 7 الذين رغبوا عن تعلم الفلك عللوا رأيهم بإمكان إضراره بالمتعلم الذي قد يعتقد تأثير النجوم والكواكب على حياة الإنسان وأفعاله أو استقلالها في خلق حركاتها في الأفلاك والبروج. ولكن العزوف عن البحث والمعرفة والاستسلام للجهل أغريا المغرمين بحب ادعاء المعرفة والجواب عن جميع الأسئلة، باختلاق أجوبة عن طريق وضع عشرات الأحاديث المكذوبة عن الرسول (ص) لم تخل منها حتى كتب الحديث التي وثقت بها الأمة. نكتفي بالإشارة إلى الحديث رقم 9913 من صحيح الإمام البخاري. عن أبي ذر قال: قال النبي (ص) لأبي ذر حين غربت الشمس أتدري أين تذهب؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيوذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يوذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى: والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.