ها نحن لازلنا على عهدنا أيها القارئ الكريم، وها أنت لا زلت تدفعنا إلى مواصلة إصدار حلقات هذه السلسلة، التي خصصناها للتعريف بكتابات والدنا العلامة محمد المختار السوسي خصوصا المخطوط منها، مع الإتيان في بعض الأحيان بوثائق خزانته، حاولنا جاهدين أن ننشرها حسب المواضيع التي نتطرق إليها، ومحاولين في كل هذا التطرق إلى الجوانب العديدة التي كانت مبهمة عند العديد من القراء المواظبين على قراءة كل ما كتبه والدنا، وكذلك لأبناء هذا الجيل الذين لم يتمكنوا من قراءة كتبه المنشورة، للاطلاع على شخصيته العلمية والأدبية والتربوية ... بعد أن أتم العلامة محمد المختار السوسي فترة التكوين والتزود بالعلم والمعرفة حيث كما هو معلوم لم يكن تكوينه مقتصرا على بيئته السوسية، بل إنه بعد أن جال في مدارس عدة بسوس انتقل إلى السعيدات فمراكشففاس ثم الرباط وخالط بذلك مختلف الطبقات الشعبية مستفيدا منها ومن علمائها وشيوخها، وبعد اغترافه من معين العلوم وإحساسه بأنه أصبح ذا رصيد هائل من المعرفة حل بمراكش لأداء رسالته وواجبه على حد تعبيره... >حللت بالحمراء، وقد ألقيت فيها مرساتي. وأنوي أن أقضي الواجب علي لديني ولوطني ولشعبي، ما بين تلميذ يهذب، وبين درس وإرشاد يلقى، وأنا في جانب ذلك أناجي اليراع فيما عسى أن يرفع من شأن هذه الأمة من إحياء ما اندثر من آثار ماضيها، ومن المحافظة على العربية الفصحى التي أراها إذ ذاك في انهيار، ففي هذه الميادين الثلاثة قضيت أزمانا تكشف عن أعمال كان فضل الله علي فيها عظيما<. هذه الميادين خلدتها زواية والده بحي الرميلة قبالة مسجد باب دكالة حيث حولها إلى مدرسة اعتبرت من أولى المدارس الحرة بمراكش، وأصبح فيها هو المعلم الأستاذ الموجه المربي، المرشد التربوي، المكسب للعادات الحميدة والإرادة القوية... ولم تكن هذه المدرسة عادية فهي كانت شبه تكنة عسكرية في نظامها فالنوم والانتباه منه بالوقت، وملازمة الدروس بالوقت والمحافظة على الصلوات والمساواة في المأكل والمشرب والمبيت، وحتى التأديب فله طقوسه، فيقول رحمه الله عن هذه المسألة: >... وقد جريت في مسألة التأديب بذلك على مذهب المدارس الابتدائية الانجليزية والمجالس الجنائية التي ارتكزت على أن بعض النفوس ربما لا يفيد فيها إلا ذلك، وكنت كثيرا ما أعزم أن لا أرجع إلى ذلك، ولكن كان عندنا من درجوا في تربيتهم على هذه الطريقة فلا يسيرون بسواها، والحاصل أننا في ذلك لسنا أحرارا، فنميل مع رأي الفلاسفة لأن البيئة وطباعنا تجرنا، وإنما نقول إننا لا نقصد قط التنفير، ولا نريد إلا الخير... الالغيات 2 ـ 230,,. وستقرأ هنا أيها القارئ المجاذبة الشعرية التي حصلت بينه وبين بعض تلاميذه تخلفوا عن درس الفرائض ولتأذيبهم أمرهم بالسجن داخل المدرسة. لقد كانت مدرسة الرميلة فاتحة خير على أهل مراكش ونواحيها فقد تخرج منها عدد كبير من العلماء والأدباء والشعراء، ولا يمكننا في هذه العجالة أن نلم بكل جوانب حياة هذه المؤسسة، وإنما هدفنا هو أن نعرف بالعلامة محمد المختار السوسي الموجه المربي، وإن كان هذا الموضوع هو الآخر يحتاج منا لإضاءته من كل الجوانب إلى مئات الصفحات، ولكن سنحاول في حلقة هذا العدد أن نتطرق إلى هذا الجانب من خلال ثلاثة أشطر: شطر سنبين فيه كيف كانت معاملة والدنا لتلاميذه وكيف كان يوجههم ويوصيهم، وقد أدخلنا فيه الرسالة التي كتبها من منفاه الثاني بتنجداد في أوائل خمسينيات القرن الماضي أرسلها إلى ابن عمنا الفقيه الجليل الأستاذ سيدي عبد السلام بن أحمد لسان الدين حيث كان آنذاك هو خليفة والدنا في منزل الأسرة بالدارالبيضاء كما هو الآن عميد أسرتنا وزاويتنا حفظه الله، ويستشف من قراءة الرسالة مدى حرص وتتبع والد الأسرة أولاده وحث من هم القيمون عليهم أن يعتنوا بهم تربية ودراسة والحرص على سلامتهم، بل وحتى الاهتمام بمأكلهم ومشربهم.. والشطر الثاني سنأتي فيه بنماذج من رسائل تلاميذ والدنا ولن نطيل عليك بذكر محتوياتها فعند قراءتها ستتضح لك الرؤية وأخيرا سنأتي بنماذج من شهادات تلاميذه أيضا اعترافا وتقديرا لشيخهم عليهم وقد استقيناها كلها من كلمات التأبين للذكرى الأربعينية لوفاة والدنا. إننا تعمدنا للخوض في موضوع هذه الحلقة أن نأتيه بواسطة الرسائل، وقد عانينا كثيرا في اختيار هذه النماذج وتركنا العديد منها في نفس الموضوع (ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق) وحتى الذي نشرناه هنا تعمدنا إلى الإتيان به مقتصرا حتى يتسنى لنا نشر الكثير منها. رضى الله عبد الوافي المختار السوسي المكلف بنشر تراث والده للاتصال: 070469751 العلامة محمد المختار السوسي الموجه المربي خصلتان حميدتان سجلتا بمداد من الفخر على صفحات تاريخ العلامة محمد المختار السوسي، خصلة تركه لنا عشرات المجلدات في فنون معرفية شتى، وخصلة تربية النشء وتثقيفهم وتعليمهم وحثهم على التشبث بدينهم ولغتهم ووطنهم، ولا يسعنا في حلقة هذا العدد إلا أن نحاول تبيان جانب من إسهام العلامة محمد المختار السوسي المعلم الموجه المربي بنشرنا لوثائق تنشر لأول مرة تكشف عن هذا الجانب وكذا بشهادات بعض تلاميذه. نموذج من الرسائل التي كان يرسلها العلامة محمد المختار السوسي لتلاميذه لتوجيههم وتوصيتهم وحثهم على مواصلة التزود بالعلم بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه إخواني وفلذات كبدي عبد الرحمان وأبو القاسم وإبراهيم ومولاي مبارك بعد إهداء السلام إلى حضرتكم، أنبئكم بأنني دخلت الصويرة يوم السبت سالما، ثم أتوجه إلى إداوتنان إن شاء الله، وما أنتم يا إخواني فأوصيكم بعلو الهمة، وبالأنفة من أن يطلع لكم أحد على نقصان، واذكروا ما كنت أنشدتكم: فكن رجلا رجله في الثرى وهامة همته في الثريا فإن إراقة ماء الحياة د ون إراقة ماء المحيــــا واجتنبوا مكالمة الطلبة والاختلاط معهم، فإن ذلك يزيل هيبتكم ويرد بكم إلى أسفل السافلين، واشتغلا أنتما يا عبد الرحمان وإبراهيم برد خليلكما، وتذكرا الوقت الذي أرجع فيه فأبلوكم، فأما أن أجدكما كما أحب. ويحبه لكما كل من يرقى بكما إلى المقام الأسنى، وأما أن أجدكما متدهورين في هوة السقوط والانحطاط من عيني، ومن عيون كل من يهوى لكما التقدم والشفوف. لا تحسبا أنني أتجاوز لكما عن كسل رأيته وتأن ارتأيته، فلا وربكما، بل لابد أن أقول وأقول وأخاصم جهدي، وأعتب طاقتي وأعد ذلك من خير حسناتي التي أتقدم بها غدا، أمامكما وأمام الناس وأمام الله، يوم تعرفون ما أقول، وتشاهدان ما أنعت، كل شيء أطيقه وأصبر عليه إلا نسيان ما حفظتما، والتخلف عن الحزب ومخالطة الطلبة، بل ومخالطة أي رجل كان، ففي الذي شاهدتما مني حين رجعت من ذلك السفر الماضي عبرة لمن اعتبر (وما يعقلها إلا العالمون). عتبت وحق لي العتاب عليكم وما عتب الإنسان إلا ليرجعا لا أقول إنني ما رأيت فيكم قط ما يبهجني أو يسرني، بلى وحقكم، لقد رأيت والحمد لله منكم كل خير وكل جميل، ولن أبتغي فوق ذلك، فالمرء إن لم يزدد فهو مغبون، أيكفيني منكم ذلك وأنتم كل ذخيرتي وكنزي، أيكفيني ذلك، كلا كلا، فإني أحب فوق ذلك، ولا يقنع من الفرس اليعبوب إلا السبق يوم السباق، ولا من فارسه إلا إحراز الخصل في الميدان... ومن يضيع له شهر أو شهران أو عام أو عامان، كيف ينال العلم، وأي وقت يحصله، فالعلم كالمال، فكما أن المال يجمع بدرهم درهم فكذلك العلم إنما يجمع بمسألة مسألة، ومن اجتهد في أن لا تمر له ساعة إلا بفائدة، فهو قمر بالتفوق فيه، وجدير بالسيادة على الأقران... ... فاقرأوا هذه الرسالة وافهموها، فسأسألكم عنها جملة جملة، وسأجيز بجائزة حسنة من تفهمها، واستظهر ألفاظها، وفي وسط الرسالة 8 ريالا اشتروا بها الفحم. محمد المختار نقلنا بعضها من الأصل الذي تحت أيدينا ـ الناشر ـ رسالة أخرى للعلامة محمد المختار السوسي يبث فيها شوقه لطلبته ويوصيهم فيها ويحثهم على مواصلة تعليم العلم بعد أن شاءت الأقدار الابتعاد عنهم ... وقد استودعنا كل الطلبة كبارا وصغارا الله، وليبقوا في ذمة العلم وعهده، فلو عرفوا الطرق فليسلكوها، وسنت لهم السنن فليتبعوها، والنتائج أمام، وما اجتمعنا أمس إلا لنتفرق اليوم، وما نفترق اليوم إلا ليظهر عمل كل مساعيه غدا، فإلى العلم إلى العلم وإلى العمل إلى العمل (أودعكم وأودعكم حناني.. الخ) فأنتم يا إخواني أمام عيني دائما، ولن أنساكم... إن آسف على شيء هناك، فإنما آسف عليكم يا أولادي، ويا حشاشات كبدي، فأنتم طريفي وتليدي، وأنتم مفاخري في اليوم وفي الغد، أنا أعلم أن هذا الفراق سيؤثر فيكم تأثيرا كبيرا، وإن نأى أستاذكم الذي هو عندكم مبلغا عظيما، ولكن ما دمتم تقومون بما عليكم، وتؤدون لشعبكم ولدينكم ما هو فرض عليكم، فإن هذا الفراق كلا فراق، لابد أن نفترق اليوم، لأن الظروف اقتضت ذلك، ولابد أن نجتمع غدا، لأن الحال لا يدوم، وحذار حذار أن نلتقي غدا، فإذا بالبعض يدير عينيه في حجاجيه، كالزئبق في اليد الشلاء، فإن كل من لا يجعل المعالي أمام عينيه فنحن جميعا منه براء، أو ليس كذلك أيها الإخوان؟ وأخر وصاتي لكم أن كل من رأى منكم استعدادا لإتمام معلوماته على أي كان، وفي أية كيفية وفي أي وسط تيسر، وعند أي أستاذ، كان كل من فيه ذلك الاستعداد ـ وما كل رجل فيكم إلا فيه ذلك الاستعداد ـ ولم يتم فهذا آخر معرفتي به. والسلام عليكم ورحمة الله ـ محمد المختار ـ نقلنا هذا الشطر منها من الأصل الذي تحت أيدينا ـ الناشر ـ رسالة كتبها العلامة محمد المختار السوسي وهو في منفاه الثاني بتنجداد وهي مفيدة في بابها وتبين الطريقة التي كان يتبعها في تربية أبنائه، بل وتوجيههم حتى وهو بعيد عنهم في منفاه خليفتي في الدار الأستاذ سيدي عبد السلام بن أحمد، سلام تام عليك وعلى صنوك وفيصل وجميع أولادي... وعلى الطَّالْب وعلى المقدم وعلى ابن الفقيه، وعلى الأخ أبي زيد إن كان هناك وعلى كل من إلينا... والمهم أن توقنوا سلامتي واطمئناني هنا، حيث جعلتني الحكومة في تين جداد، مركز من مراكز تافيلالت، أشبه شيء بمراكش في صقالة الجو، إن صفا الهواء... وأنا إن دخلت من سني في ,55 أفليس من الواجب أن أتهيأ للحياة الدائمة، وأما أنتم، فلا يهمني منكم إلا أن تبلغوني اطمئنانكم وأنكم آمنتم بقضاء الله، وتلقيتموه بالرضى والفرح والابتهاج، كما هو حالة المومنين وديدن الفلاسفة المحقين، كما يهمني أيضا الاعتناء بأولادي، تربية وقراءة، فاذكر يا عبد السلام السن التي تركك أبوك فيها، ومقدار ما اعتنى به عمك حتى قرأت واستغنى شاربك عن المسح، وإذ ذاك ترد السلف في سعيد وإخوته بكل همة وعزيمة وشفقة، وقل مثل ذلك لسيدي إبراهيم ابن عمك ومن معه، وللسيد الحسين الأكلويي وابن ابراهيم ومن معهما، فالاعتناء بأولادي أن يوصلوا بنظام، ويعانوا حتى يبلغ الكتاب أجله... ولخال الأولاد مولاي مسعود وقل له الواجب عليه يعرفه، يشتري الخضرة ويدور بالصغار أحيانا في سيارته، بل وبأمهم مع سعيد ومعك يا عبد السلام، وأما المقدم فهو بركتكم فاستعينوا برأيه، وكل من كان معنا في الدار قبل فقد ودعناه في يد الله... وأوصي الطالْب أن لا يفارق الدار، وإن استطاع أن يبيت فليبت... ولا يشتغلن سعيد بالدراجة، وعين الطالب هي التي تكلأه بعد عين الله، وصنوه يواظب على مدرسته ويتفقد ذهابا وإيابا مع قراءته للقرآن إن رجع، وأوصيك يا عبد السلام على مدارسة سعيد في التلاوة والنحو والسيرة والإعراب والحساب والإنشاء، وأحمد بن صالح إن كان لا يزال يأكل في الدار يعطي (2000) ما كان قدرته له، وكذلك أحمد بن أبي بكر (2000) كذلك... والكراء يأخذه المقدم ثم يدفعه لخديجة، وعبد السلام يقيد ذلك... واللحم والخضر يشتريان بحسب ما تطلبه ربة الدار... وقفل الدار يبدل بذي مفتاح، ويقفل دائما من أجل عائشة، وهي تقرأ عند الطالب، وباب الوسط وباب المدارج العليا لا يغفل عن سدهما، والطالب يرد باله دائما حتى في الخميس والجمعة، والعار على الباقي، ويصلي بالجهر لأهل الدار، وأنتم في حفظ الله ورعايته، فالله خير حفظا وهو أرحم الراحمين، وانظر يا عبد السلام مقيد الكتب، فمن بقي عنده شيء من الطلبة يؤخذ منه ولو بالإرسال إليه. ... وهكذا تضبط حسابك يا عبد السلام، لأن علينا ديونا، وهذه ميزانية الدار الشهرية، فالذي يوخذ من عند ابن الفقيه: ـ قنطار الدقيق 6000 ـ 43 كيلو الدشيشة 2795 ـ 7 كيلو السميد 538 ـ الزيت 2500 ـ الفحم 2000 ـ الكاز 400 ـ السكر 2000 ـ الأتاي 2000 ـ القهوة والملح والأبازير 1000 ـ كذلك الصابون 700 ـ تدفع كل ذلك شهريا. والذي يدفع عن الدار توا: اللحم أحيانا 2500 ـ الخضر 3500 ـ الحليب أحيانا 800 ـ نصف كيلو زبدة للأسبوع 1200 ـ الضوء 700 ـ الماء 900 ـ مواد الحمام 400 ـ مياومة سعيد (3) وأخيه (1) 600 (مجموع الكل 32583)... .. اكتبوا إلي تحت هذا العنوان: الفقيه محمد المختار السوسي ـ تين جداد ـ تافلالت، فإن رئيس المركز يسلم إلي الرسالة، ولا تكتبوا إلا عن أحوالكم بإسهاب، واكتبوا كل أربعة أيام، وتجنبوا الجمعة والثلاثاء وأنا هنا إن شاء الله سأكتب إليكم كل أسبوع، وسعيد يكتب دائما معك في رسالتكم ليتدرب، وأوصي الطالب على سوره... والبريد يصلنا هنا الاثنين والأربعاء والجمعة، وتصلنا ستيام وما دفع فيها يصلنا، ويبقى البريد بين البيضاء وما هنا 3 أيام. تين جداد ـ 15 ربيع الثاني 1372هـ ـ محمد المختار ـ نقلناها بتصرف من الأصل الذي تحت أيدينا ـ الناشرـ مجاذبة شعرية بين بعض التلاميذ وأستاذهم العلامة محمد المختار السوسي الذي أمر بسجنهم في المدرسة بعد أن تخلفوا عن درس الفرائض ... وفي رمضان 1354هـ، امتحن تلامذة مدرسته الصغار في الفرائض، وبعد الامتحان علم حفظه الله أن أربعة منهم تخلفوا عن درس الفرائض في اليوم الذي قبله وهم: عبد العزيز بن منصور البزيوي، وأحمد البزيوي، وأحمد السي موح، وعبد السلام بن عبد الكريم الديلمي، فأمر بسجنهم في المدرسة، وأطلق سائر التلاميذ إلا هم، فكتبوا إليه رسالة هذا نصها: أيها الأستاذ فنحن اليوم كما قال عز وجل: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا إلى فيتوب عليهم) فكتب على ظهر رسالتهم باستعجال: أربعة فليسجنوا أبدا لأنهم يخرقون النظام عبد العزيز ثم عبد السلام وأحمد وأحمد والسلام فلما وصل إلى السجناء الصغار ما على ظهر الرسالة، تباروا في أبيات يستعطفونه بها أيضا على قافية البيتين وبحرهما، فصار كل واحد منهم يقول كلمة، حتى لفقوا عشرة أبيات في ظرف نحو العشرة دقائق فبعثوا بها إليه وهي: وأين منك العفو والمغفرة يا أيها المختار فوق الأنام منك السماحة ومنك النوى إذا فحكمك علينا على م فلتعف ولتصفح فليس على من تاب من ذنب جناه ملام بحق خلق كالنسيم به سموت فوق طبقات الكرام فالرب تائب على من جنى جريمة ما لم يكن من دوام ضاقت بنا الأرض على رحبها فاسمح لنا بفضلكم يا إمام بكم نلوذ قبلها ولكم نلجأ من هول لها واحتدام فقل لنا قولة يوسف إذ حفظ للأخوة تلك الذمام اليوم لا تثريب يا إخواني حتى ولو أذنبتم ألف عام ولتجد بالعفو علينا فلا نعود ولتدم لنا، والسلام وحيث أن قصده بالبيتين الأولين قدح زنادهم للنظم، فقد أجابهم في الحين بما يلي: سامحتكم فلتذهبوا بسلام لا تتبعوا من بعد عبد السلام فإنما أفعاله وحدها جرت لكم خرقكم للنظام أعيذكم أن تعتدوا لوما فليس غير الجهل حظ اللئام إن المثابرة في درسكم والحفظ والفهم له بالدوام ستضمن النجاح عن كثب والنجح مضمون لأهل اعتزام أليس بالعار تخلفكم حتى تلاقوا السجن والانتقام قد صرتم بؤما وقد كنتم من قبل من مطوقات الحمام والحر لا يرضى الدنايا وإن ألقى بجنبيه أمام الحمام متى متى تبغون ما أبتغي فتصبحوا للعلم أهل الأوام كيما تكونوا أنجما للعلى وأرؤسا في عصركم والسلام الموت خير من حياة بلا علم وذا نصحي لكم والسلام ـ أستاذكم محمد المختارـ ـ نقلناها من ديوان خاص بوالدنا ـ الناشر ـ نماذج من مراسلات تلاميذ العلامة محمد المختار السوسي أستاذي العزيز العلامة الجليل سيدي محمد المختار تحية خالصة من قلب عامر بحبك، وسلاما يعبر عما أشعر به نحوك من حب وتقدير، ثم إني توصلت برسالتكم على يد الأستاذ ناظر أحباس تزنيت السيد أحمد أعمو، وفيها أنكم تقبلون توبتي إذا رجعت، فلتعلم يا أستاذي، بأن ما أسديتموه إلي من المعروف لا أنساه أبدا، وما قدمتوه إلي من الجميل لا أضيعه، وكيف وقد وجهتني إلى الخير، وهديتني إلى الصواب، وأنقذتني من براثن الشيطان، إن ما غرسته من سويداء قلبي، وعاهدت نفسي على الوفاء به، لا يسمح لي بمخالفته لو كان ما كان، وإذا بلغك عني شيء، ولا أخاله إلا من حاسد لئيم، أو وشاية من حاقد أثيم، فإني أستغرفك وأنا على يقين من أن هذا الذنب مهما عظم صغير بجانب عفوك، وأن هذا الخطأ مهما كبر قليل بجانب حلمك، ولست أبالغ إذا قلت إن غضبك علي، قد جعلني أرى الدنيا أضيق من أن تسعني، وإني لأطمع وقد آتاك الله الحلم أن تغفر زلتي وتتجاوز عن خطيئتي<. وأخيرا، فهل تأذن لي يا سعادة الأستاذ، باسم صداقتنا الخالصة، أن أطالبك ببيان عما صدر مني، حتى لا تظن بي الظنون، فهاكم الكتاب من يد الحامل والسلام. يوسف بن الطاهر ـ ـ نقلناها من أصلها الذي تحت أيدينا وهي غير مؤرخة ـ الناشر ـ سيدي الأستاذ الجليل تحية طيبة أما بعد، فإني أعترف بذنبي وخطيئتي اللذين فعلتهما في هذا اليوم لأنني لم أستنظر إلا بعد أن وقع ما وقع، فندمت على ذلك كثيرا، وضاقت نفسي حتى لم يبق لخروج النفس إلا مقدار سم الخياط، وكادت أحشائي تتقطع، لأنني قد خذلت حتى كان الأمر كما ترى، فجمد الدم في عروقي وخرس لساني حتى أن أتكلم ولو بكلمة واحدة، فها أنذا أكتب هذه الكلمات ويدي ترتعش من الفرق والحزن، حتى كاد الدمع يسقط من عيني. سيدي، إني أستشفع عندك بكل ما تحب، وكل من جلس أمامك، وكل من تكلمت معه ولاعبته، حتى تلك الهرة الصغيرة التي تدير في غرفتك، في كل ساعة... والسلام. عبد السلام المذنب (الديلمي) ـ نقلناها من الأصل الذي تحت أيدينا، ووجدنا في ظهر صفحتها جواب أستاذه مؤرخ في 20 ـ 4 ـ 1354هـ ـ الناشر ـ من تونس الخضراء إلى مراكش الحمراء في 8 شعبان ـ 10 جوان أبو الروح وشفاء كبد المجروح، عوض والدنا، الأرض البركة المرتضى، أستاذنا وشيخنا العلامة، وسندنا الفهامة السابق إلى كل كريم من الخصال... عين بلدتنا وإنسانها، وإمام قريتنا ولسانها سيدي محمد المختار، فعليكم أفضل السلام وأزكى التحية والإكرام، هذا ولا زائد إلى الخير لله الحمد.. وأعترف لكم يا سيدي بذنبي، حيث قطعت الجواب... ولكن شأنكم السمح والإغضاء... وأيضا لا يخفى على علمكم الشريف ما تراكم علينا من امتحانات... والله وتالله وبالله لقد أثرت تلكم الوصية في نفسي التي وصيتني بها، جزاكم الله عنا أحسن الجزاء، وخلدت لنا آثارا حسنة في قطر تونس تتحدث بها أساتذتها وتلامذتها وجوامعها... بك نفتخر بين الأقران، وبك يفتخر قطرنا المفدى، ولازالت الخلدونية تفتخر بتلك الحفلة التي أقمتها فيها، وكانت تلك الليلة بين لياليها ليلة غراء، ولازالت المشائخ والتلاميذ يسألون عن أخباركم وأحوالكم منذ ذلك اليوم، ويقولون لي: هل أتاك الجواب من عند الشيخ المختار، وأنا خلدت لي مآثر حسنة، فصرت أدعى بصاحب الشيخ المختار السوسي... والحاصل يا سيدي أن الأحوال كلها بخير، وأريد من سيادتكم أن تساهمنا في دعائكم بفتح سريرتنا وتنوير بصائرنا... كما أريد منكم أن تشير إلينا بالكتب التي يصلح بنا أن نشتغل بها في فن الأدب، لأني ملت إليه كثيرا، بيد أني لا أدري هل أشتغل بمطالعة كتب القدامى أو الحديث، ولهذا أرغب من سيدي أن يكتب إلينا بما هو أليق... ولدكم الروحي التلميذ الزيتوني أحمد بن علي بن محمد الوجاني الآن بتونس ـ الزاوية التيجانية باب منارة نمرو 10 نهج سيدي الزواوي تونس ـ نقلناها بتصرف من الأصل ـ الناشر ـ أستاذنا المحترم العلامة الفاضل سيدي محمد المختار السوسي: تحية منبعثة من أعماق قلب ملؤه الإخلاص والمحبة، أيها الأستاذ، لقد توالت الشهور والأعوام ونحن ننتظر بفارغ الصبر ذلك اليوم الذي سترجع فيه المياه إلى مجاريها، ونحظى نحن بعودة الأستاذ، الذي طالما غدانا بمعارفه الجمة، التي لولاها لم نك شيئا مذكورا. ... أيها الأستاذ: إنه يجمل بي أن أبين لكم، أننا لم نزل على عهدنا القديم، متمسكين بالروابط التي جمعتنا منذ أزمان، نسعى بكل قوانا أن نستولي على التحصيل على المراد، غير مكترثين بما سيقف أمامنا من العقبات الجمة التي طالما حطمناها بعزائم فولاذية ...... أستاذي المحترم، إنني بعد فراقكم بسنة، قد سئمت حياة البطالة والتكاسل، وهتف بي شوق العلم إلى تعاطيه، فشرعت بكل شغف أجلس في كل الحلقات... غير أني لم أجد فيهم رجلا رشيدا يطفئ غلتي... فشددت الرحل إلى القرويين حيث وجدت بها بعض الشيء... ونرجو من الله تسديد الخطى حتى ندرك النهاية... تلميذكم سالم بن يعيش الرحماني الأربعاء 17 ـ 6 ـ 1359 هـ ـ نقلناها بتصرف من الأصل ـ الناشر ـ الحمد لله وحده تطوان 3 مايو 1956م أخي الأكرم، جامع المحامد والمآثر سيدي محمد المختار السوسي، بعد تقديم التحيات، وإبداء الأشواق أبلغكم إعجاب وشكر جمهور المستمعين الشماليين، لأحاديثكم الرمضانية، التي أيقظت قلوبا راقدة، ونبهت همما خامدة، لقد نصحتم يا أخي وبالغتم في النصح، جزاكم الله عن المسلمين خيرا، مما جعلنا نتمنى أن لو ضربنا معكم في ذلك بسهم، فيكتب لنا بعض ما كتب لكم في الصالحات، وإنما الأعمال بالنيات... أخوكم ابراهيم الإلغي حضرة صاحب المعالي الوزير المستشار بمجلس التاج الأستاذ الكبير السيد محمد المختار السوسي، أمنكم الله ورعاكم... إن كاتب الحروف من جملة تلاميذكم، الذين شملهم عطفكم الأبوي الحنون، والذين لا ينكرون فضلكم عليهم مدى الحياة، ولا غرو فإن حياتكم كلها بذلتموها لإسعاد هذه الأمة، ورائدكم في ذلك هو صالح المجتمع، وسيرى الله عملكم... ولنا فيكم الأمل الوحيد، ودمتم في رقي، أمد الله لنا في حياتكم، وعليكم نعمه، إنه على ما يشاء قدير والسلام. تلميذكم عبد الله الثعالبي يقبل راحتكم الكريمة ـ نقلناها من أصلها ـ الناشر ـ من المتدربين بقسم الحسابات الإدارية، بمعهد التوجيه المغربي، إلى صاحب السعادة الفقيه العلامة الحاج المختار السوسي، السلام عليكم ورحمة الله تعالى بوجود مولانا نصره الله وبعد، فالمنهى لعلم سعادتكم أن المتدربين بقسم الحسابات الإدارية، يشكرونكم على التوجيه الخالد في ذهننا، الذي فهتم به لنا، حيث ما كنتم مارين أمام المعهد المذكور، والمقصود من هذه الرسالة، الشكر لكم على اعتنائكم بشباب المغرب، الذي على أيديهم سيتم عملكم، وبالأخص، فالغرض كذلك من هذا الكتاب أن تحيوا باسمنا الخالص صاحب التاج والصولجان، سيدنا محمد الخامس، أدام الله علاه، وأبقاه جوهرة لجميع الأمم العربية، والسلام عليكم ورحمة الله. المتدربون: (15 اسما من أقاليم: الشاوية ـ مراكش ـ فاس ـ آسفي) الرباط في 9 ـ 1 ـ 1957م ـ نقلناها من الأصل الذي تحت أيدينا دون ذكر أسماء مراسليها ـ الناشر ـ عدد: 441 الحمد لله محبنا الأعز الأود، الفقيه العلامة المدرس الأحظى السيد محمد المختار السوسي، أمنكم الله ورعاكم وسلامه عليكم ورحمته، بوجود مولانا دام نصره، وبعد، فقد أحيط علم مولانا بنتيجة الزيارة لمدرستي الفلاح والنجاح الحسنيتين، وبالحل المتفق لمشكلة أجور العاملين، وقد أمرني مولانا بالكتب إليكم، لتمنحوا المدرستين اهتمامكم وتسديد عنايتكم، وتكونوا هيأة تحت إشرافكم للنظر في شؤون المدرستين من الناحية المادية رغبة في إبقاء صير التعليم منتظما محققا المرامي المحمودة، وأظن أن ذلك سيتحقق لا محالة بواسطتكم، لما عهد فيكم من العطف العلمي والاتجاه الاصلاحي، بارك الله فيكم وفي أمثالكم، وشكر صنيع الجميع، وعلى خالص المحبة، وكامل الاحترام، والسلام عبد السلام الفاسي في 16 قعدة الحرام 66 نقلناها من رسالة مرقنة وموقعة فوق طابع دائري كتب فيه (القصر الملكي العامر) الناشر ـ شهادات في حق أستاذ الجيل العلامة محمد المختار السوسي ... كان ذا رسالة في الحياة، عمل من أجلها وعاش لتحقيقها، وجعلها نصب عينيه طالبا مهاجرا، وأستاذا متنقلا وباحثا منقبا، وشاعرا وكاتبا ومؤلفا... لقد كانت رسالة المختار، رسالة إصلاح وتقويم ومحافظة واعية على المقومات الأساسية، في الدين والأخلاق والثقافة، ملكت عليه سمعـه وبصره ولسانه وقلمه، منذ شبابه المبكر، فخاض من أجلها الغمرات، واقتحم الصعوبات ليبلغها بأمانة تنكر الذات، وتتحدى المظاهر، وتمحو من حسابها عامل الأنانية والرياء... ففي المسجد وفي المدرسة وفي المنزل وفي الشارع، كان فقيدنا ـ رحمه الله ـ يتحدث إلى طلبته وأصدقائه، أحاديث ذات اتجاه خاص، هي في الدين غيرة وعقيدة، وهي في الأخلاق وفاء وسمو، وفي اللغة والتاريخ والأدب معين لا يغيض... فكان معلما في تواضع، ووطنيا في إيمان، وعالما في أناة، فلفتت هذه المكارم من كانوا يكيدون سرا وعلنا للدين والوطن والعلم، فنصبوا له شباك الوقيعة والمكر، وحالوا بينه وبين أداء رسالته: في تعليم الشباب، وتهذيب الأخلاق، وإصلاح المجتمع، وتطهير العقيدة... وإذا منع من الاتصال والاجتماع، فإن ذلك لم يكن ليطفئ جذوة نبوغه وعزيمته: فهناك الكتابة، وهناك البحث، وهناك التنقيب... أما الرسالة فلن نودعها لأنها خالدة في ضميرنا وضمير التاريخ، فرحم الله فقيدنا في الأحياء، ورحمه في الراحلين... والسلام. عبد القادر زمامة بارك الله في جهودك مختـــــــــــــــــار وأولت بفضلك المستحيلا كل ما قد غرست أعطى ثمارا وغدا الصعب في الطريق ذلولا كل ما قد بنيت أصبح صرحا رافعا قدرنا معزا منيلا إن يمت غيركم فإنك حي كيف يفنى من أوتي التبجيلا كيف يفنى من عاش للعلـــــــــــــــــــم والدين نصيرا وللصلاح كفيلا المخلص تلميذ الفقيد محمد عرفة الفاسي الفهري (من قطعة ضمت 77 بيتا ـ الناشر ـ) ... عرفتك يا شيخي مساء الخميس سنة ,1948 حيث التحقت بزاويتك، وأنا طالب علم غريب، فأدخلتني بيتك وآويتني، وقدمت إلي القرى بيديك وربت بهما على كتفي، مرددا عبارات الترحاب، فحسبت أنني نلت حظوتك بمفردي، ثم ماهي إلا بضع ساعات تمر، فإذا بي أمام صفوف من إخواني الطلبة الملازمين، ورعيلا من طبقة المريدين، فانتظمت في سلك الطائفتين، ولازمتك مدة قصيرة، قرأت فيها مقاصدك السامية، وأدركت فيها مراميك البعيدة، كما عرفت فيك أيضا بعض جوانبك الشخصية، فقد عرفت فيك يا شيخي: النصح للمسلمين، والحنو على المعوزين، والإيثار، والتواضع، والصفح عن الزلات، والتغاضي عن الهفوات، لا تكبر ولا تجبر، دهاء وحنكة، نبل وخفة، أريحية وعفة، نكت لطيفة، طرائف ظريفة، حكم بالغة، فوائد يانعة، صلابة في الحق، ثبات على المبدإ كراهة بالغة للتقليد، جهاد متواصل، وسعي في إصلاح مستمر... أحمد العدوي ... ولن ننسى يا فقيد العروبة والإسلام ما بذلتموه من مجهودات في سبيل إعداد وتكوين هذه الطائفة من العلماء الشباب، الذين يشرفون اليوم على هذا المشروع الثقافي الإسلامي بسوس ـ (المعهد الإسلامي بتارودانت) ـ فقد كنتم دائما تهيئونهم بمختلف الوسائل لهذه المهمة السامية، مهمة إيصال الخير إلى أبناء الأمة، وتفهيمهم واجبهم الديني والوطني، نحو ربهم وبلادهم وملكهم، وتركيز دولتهم وإحياء أمجادهم، والدفاع عن مقوماتهم، والتضحية في سبيل شرفهم وكرامتهم، والعمل المتواصل في سبيل إعلاء كلمة الله. ولن ننسى يا فقيد العروبة والإسلام محاضراتكم الوطنية، ودروسكم الدينية واللغوية والأصولية، وقصائدكم الحماسية، ورسائلكم التوجيهية، وسهراتكم الأدبية، وتضحياتكم المثالية، وإيثاركم التاريخي، وإيمانكم الكامل، وأخوتكم الصادقة، ومعاشرتكم الطيبة في أوقات السراء والضراء، فقد كنتم دائما تحيون القلوب، وتسعدون النفوس، وتلهبون الحماس، وتوجهون الأفكار بما تلقونه على الطلبة، من دروس متنوعة في أيام الهناء والاستقرار، وتكتبون من رسائل تاريخية في أيام المنافي وأوقات الأكدار... رحمك الله يا مختار المسلمين، ويا محامي الشباب ويا خير المربين. الحسين وجاجوطنية، ودروط