ما زلنا بصدد بيان الشروط الموضوعية التي أسست لبناء الجيل الأول ، جيل الصحابة رضوان الله عليهم،باعتباره جيلا فريدا لن يتكرر، روى البخاري عن عمرانَ بنِ حُصَينٍ رضي الله عنهما قال : قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: « خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، قال عمرانُ : لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعدُ قرنينِ أو ثلاثةً ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : إنَّ بعدَكُم قوماً يخونون ولا يُؤْتَمنونَ ، ويشهدون ولا يُسْتَشهدون ، ويَنْذِرونَ ولا يِفونَ ، ويَظْهَرُ فيهِمُ السِّمَنُ. « والغاية من هذا البيان أن يتحلى جيل الصحوة الإسلامية اليوم بشيء من الواقعية والموضوعية، وهو يقوم بعملية تقييم منجزات الإسلاميين على اختلاف اجتهاداتهم، سواء منهم من تصدى للعمل التربوي، أو لإعادة صفاء التوحيد الذي داخلته بدع اعتقادية مع مرور القرون والأجيال والفرق والمذاهب، أو تصدى للعمل السياسي باعتباره أحد أهم مداخل إعادة مجد الأمة وعزتها، أو تصدى للعمل الفكري أو الدعوي أو الثقافي الفني. بعد الربيع الديمقراطي، تصدرت الحركة الإسلامية في الدول التي أجريت فيها انتخابات حرة ونزيهة، المشهد السياسي، بنتائج متفوقة على القوى العلمانية الليبرالية التي حكمت المنطقة بالحديد والنار منذ الاستقلال، والواجب اليوم على الفصائل الإسلامية بمختلف تشكيلاتها سواء التي تمارس الحكم أو في المعارضة أن تعمل على إنجاح التجربة، لأن ذلك في مصلحة الجميع. ومن شروط إنجاح هذه التجربة، أن لا نحاكمها لنموذج الخلافة الراشدة التي بقيت عالقة بأذهان أبناء الصحوة الإسلامية، باعتبارها المثل الأعلى للحكم الراشد، وقد بينا فيما سبق أحد الشروط الموضوعية التي جعلت من ذلك النموذج في تنزيل الإسلام نموذجا متميزا عن سائر النماذج التي تروم تحقيق نفس المقاصد، وهو وجود شخص النبي صلى الله عليه وما يفيده من دلالات، وفي الحلقة المقبلة سنتناول بإذن الله الشرط الموضوعي الثاني لتفرد ذلك الجيل، وهو نزول القرآن منجما بحسب الوقائع والأحوال.