إن فصائل الصحوة الإسلامية السنية، على اختلاف مواقفها وأولوياتها وتباين توجهاتها، جعلت من الجيل الأول، جيل الصحابة، مثلها الأعلى، ونموذجا للإقتداء، وراهنت على إعادة مجد الأمة بقيادة جيل جديد يتميز بنفس خصائص جيل الصحابة، لأن آخر هذه الأمة لن يصلح إلا بما صلح به أولها. وإذ نثمّن اتخاذ هذا الجيل الفريد قدوة في السلوك، وفي تجريد التوحيد لله تبارك وتعالى والجهاد لنشر دعوة الإسلام، وفي زهده ونكران الذات، لا نرى من شروط النهضة بلوغ ذلك الكمال البشري في جيل الصحوة الإسلامية اليوم، لأن ذلك، بكل بساطة غير ممكن، كما سنبينه. جيل فريد لن يتكرر استطاع القرآن العظيم، بإشراف سيد المرسلين، أن يخرج جيلا فريدا من بني البشر، تميز بخصائص أهّلته لقيادة العالم في ظرف وجيز، ونشر القيم التي تشرّبها وتربى عليها في مدرسة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. لقد توفرت لهذا الجيل شروط لا تتكرر، بالرغم من وجود القرآن غير محرّف وصحيح السنة بين ظهراني الأجيال التي جاءت بعده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي : كتاب الله وسنتي"، وقال أيضا "تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك"، وقال صلى الله عليه وسلم "وسترون اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين من بعدي، عضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة". وقال تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ، فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا). لقد تعمدت أن أسوق مثل هذه النصوص الدالة على عصمة الأمة متى تشبثت بكتاب ربها وسنة نبيها، كي لا يفهم من عنوان المقال أن الخيرية اختفت من هذه الأمة بعد جيل القيادة، لا بل القرآن قادر على صياغة الأجيال على تعاقب الأزمان، وتحقيق الشهود الحضاري لهذه الأمة على باقي الأمم، متى نصحت للقرآن في التربية والتوجيه والهداية، وجعلت قيمه ومقاصده حاكمة على تصرفاتها في السياسة والاقتصاد والثقافة والإعلام. لكن هذه الصياغة في غياب المعلم الأول وانقطاع الوحي، لا يمكن أن تنتج نفس المنتوج بنفس المواصفات في ذلك الكمال الذي عرف به جيل الصحابة رضوان الله عليهم، لأسباب موضوعية سنذكرها إن شاء الله. ولعل هذا مغزى بكاء أم أيمن( حاضنة النبي)، فبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما: هيا بنا نزور أم أيمن كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزورها في حياته، فلما جاءها بكت، فقالا لها: يا أم أيمن ! أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسوله؟ قالت: بلى أعلم أن ما عند الله خير لرسوله، ولكني أبكي لانقطاع الوحي من السماء