طلعت علينا أسبوعية الأيام في عددها 475 الصادر في 13 ماي 2011 بموضوع /ملف مثير للغاية، يغطي غلافه الواجهة الرئيسية للجريدة، بعنوان بارز: الوجه الخفي للخلفاء الراشدين، مع وضع عناوين فرعية أكثر إثارة، من قبيل: أبو بكر اتهم باغتصاب الخلافة، وعمر شرب الخمر، وكان من أشد أعداء محمد صلى الله عليه وسلم قبل إسلامه، وعثمان أحرق القرآن، وعلي اتهم بإشعال الفتنة، ومن يومها تفرق المسلمون شيعة وسنة. ولما كان الأمر يتعلق بحقبة الخلافة الراشدة التي تمثل العصور الذهبية للإسلام، وبغض النظر عن السياقات التاريخية التي وردت فيها تلك الأحداث/العناوين وأن بعضها كان قبل إسلام أصحابها، ودون نخوض في تفاصيل هذا الموضوع/الملف وإسهاما منا في التنوير العلمي نكتفي بذكر أقوال العلماء من مختلف المدارس السنية في هذا الباب، ليقف القارئ الكريم على مكانة الصحابة في الإسلام والدور العظيم الذي قاموا به رضوان الله عليهم أجمعين. لقد أدرك أهل السنة والجماعة مكانة الصحابة رضي الله عنهم، ودورهم في حفظ الشريعة، وأن النيل منهم والطعن فيهم مدخل لهدم الدين من الداخل، ومن ثم رأيناهم يخصصون مبحثا في آخر مؤلفاتهم العقدية لبيان عقيدة أهل السنة في الصحابة، وتدبير الخلاف الذي جرى بينهم، والدعوة إلى فهم ذلك في ضوء الشرع الحكيم، وفي نطاق استحضار قيم الاختلاف المحمود الناتج عن الاجتهاد الذي وصفوا به جميعهم، على أن الأسلم للدين عدم الخوض في شيء من ذلك. لأنه كما قال بعض المعتبرين:" تلك دماء طهر الله سيوفنا منها، أفلا نطهر ألسنتنا." ( 1) وقد روى أبو عروة من ولد الزبير قال: كنا عند مالك بن أنس فذكروا رجلا ينتقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ مالك قوله تعالى": مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ" حتى بلغ " يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ" [الفتح : 29]": فقال مالك: من أصبح من الناس في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية. قال الإمام القرطبي: لقد أحسن مالك في مقالته، وأصاب في تأويله، فمن نقص واحدا منهم أو طعن عليه في روايته فقد رد على الله رب العالمين، وأبطل شرائع المسلمين." (2 ) لقد أجمع علماء الحديث على عدالة الصحابة رضي الله عنهم ولاشك في صحة جميع ما يروونه. كما اعتبر علماء الأصول قول الصحابي مصدرا من مصادر التشريع الإسلامي، ودليلهم على ذلك: • ثناء الله عليهم ومدحهم بالعدالة وما يرجع إليها كقوله تعالى" كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [ سورة آل عمران الآية: 110] وقوله:" وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً " [ سورة البقرة: 143] • إنهم الجيل الذي أكرمه الله تعالى بشرف الصحبة،... وقد شهد لهم الرسول بالخيرية قال عليه الصلاة والسلام « خَيْرُ اَلْقُرُونِ قَرْنِي، ثُمَّ اَلَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ اَلَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبَقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ ».( 3) • ما جاء في الحديث من الأمر باتباعهم، قال صلى الله عليه وسلم " ... عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ". • ما جاء في الأحاديث الصحاح من إيجاب محبتهم وذم من أبغضهم، وأن من أحبهم فقد أحب النبي صلى الله عليه وسلم ومن أبغضهم فقد أبغض النبي صلى الله عليه وسلم... وما ذلك إلى لشدة متابعتهم له وأخذهم أنفسهم بالعمل على سنته وحمايته ونصرته، ومن كان بهذه المثابة حقيق أن يُتخَذ قدوة وتجعل سيرته قبلة.( 4) • ما جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مُد أحدهم، ولا نصيفه." • قال الإمام أبو عمرو عثمان تقي الدين بن الصلاح ( ت 643 ه):" النوع التاسع والثلاثون: معرفة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين: الثانية: للصحابة بأسرهم خصيصة وهي أنه لا يسئل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه، لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة، قال الله تبارك وتعالى" كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ...[آل عمران: 110] قيل: اتفق المفسرون على أنه وارد في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال تعالى:"وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ ..." [سورة البقرة: 143] وهذا خطاب مع الموجودين حينئذ... وفي نصوص السنة الشاهدة بذلك كثرة، منها: حديث أبي سعيد المتفق على صحته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مُد أحدهم ولا نَصيفه". ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة ومن لامس الفتن منهم فكذلك بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع، إحسانا للظن بهم، ونظرا لما تمهد لهم من المآثر، وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح لهم الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة والله أعلم."( 5) • ويقول الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المعروف بالشاطبي (ت 790 ه) في كتابه" الموافقات":" المسألة التاسعة: سنة الصحابة رضي الله عنهم يعمل بها ويرجع إليها. والدليل على ذلك أمور: أحدها: ثناء الله عليهم من غير مَثنَوية ومَدحهم بالعدالة وما يرجع إليها كقوله تعالى" كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [ آل عمران الآية: 110] وقوله:" وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً " [ سورة البقرة: 143 الآية] ففي الأولى إثبات الأفضلية على سائر الأمم، وذلك يقتضي باستقامتهم في كل حال، وجريان أحوالهم على الموافقة دون المخالفة، وفي الثانية إثبات العدالة مطلقا، وذلك يدل على ما دلت عليه الأولى... الثاني: ما جاء في الحديث من الأمر باتباعهم، وأن سنتهم في طلب الاتباع كسنة النبي صلى الله عليه وسلم كقوله" ... عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ "... الثالث: أن جمهور العلماء قدموا الصحابة عند ترجيح الأقوال، فقد جعل طائفة قول أبي بكر وعمر حجة ودليلا، وبعضهم عد قول الخلفاء الأربعة دليلا، وبعضهم يعد قول الصحابة على الإطلاق حجة ودليلا، ولكل قول من هذه الأقوال متعلق من السنة. الرابع: ما جاء في الأحاديث من إيجاب محبتهم، وذم من أبغضهم، وأن من أحبهم فقد أحب النبي صلى الله عليه وسلم ومن أبغضهم فقد أبغض النبي صلى الله عليه وسلم ، وما ذاك من جهة كونه رأوه أو جاوروه أو حاوروه فقط إذ لا مزية في ذلك، وإنما هو لشدة متابعتهم له، وأخذهم أنفسهم بالعمل على سنته، وحمايته ونصرته، ومن كان بهذه المثابة حقيق أن يُتخَذ قدوة وتجعل سيرته قبلة، ولما بالغ مالك في هذا المعنى بالنسبة إلى الصحابة أو من اهتدى بهديهم، واستن بسنتهم جعله الله تعالى قدوة لغيره في ذلك، فقد كان المعاصرون لمالك يتبعون آثاره، ويقتفون بأفعاله، ببركة اتباعه لمن أثنى الله ورسوله عليهم، وجعلهم قدوة أو من اتبعهم رضي الله عنهم ورضوا عنه..." ( 6) معتقد الأشاعرة في الصحابة: إن معتقد السادة الأشاعرة في الصحابة رضوان الله عليهم لا يخرج عما قرره عامة أهل السنة والجماعة كما تدل على ذلك مقالاتهم، بدأ بالإملم أبي الحسن الأشعري نفسه: • قال الإمام الأشعري ( ت 342 ه) في كتابه" مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين": حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة: " ... ويعرفون حق السلف الذين اختارهم الله سبحانه لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ويأخذون بفضائلهم ويمسكون عما شجر بينهم صغيرهم وكبيرهم، ويقدمون أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم عليا رضوان الله عليهم، ويقرون أنهم الخلفاء الراشدون المهديون أفضل الناس كلهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم ..."( 7) • وقال في رسالته إلى أهل الثغر : " وأجمعوا – أهل السنة- على أن خير القرون قرن الصحابة، ثم الذين يلونهم على ما قال صلى الله عليه وسلم " خيركم قرني" وعلى أن خير الصحابة أهل بدر، وخير أهل بدر العشرة، وخير العشرة الأئمة الأربعة: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضوان الله عليهم...وأجمعوا على الكف عن ذكر الصحابة عليهم السلام إلا بخير ما يذكرون به، وعلى أنهم أحق أن ينشر محاسنهم، ويلتمس لأفعالهم أفضل المخارج، وأن نظن بهم أحسن الظن، وأحسن المذاهب...وأجمعوا على أن ما كان بينهم من الأمور الدنيا لا يسقط حقوقهم... " (8 ) • وقال أيضا في كتابه" الإبانة عن أصول الديانة: " الكلام في إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه... وإذا وجبت إمامة أبي بكر رضي الله عنه، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب أنه أفضل المسلمين ... وإذا ثبتت إمامة الصديق رضي الله عنه ثبتت إمامة الفاروق رضي الله عنه، وكان أفضلهم بعد أبي بكر رضي الله عنهما. وثبتت إمامة عثمان رضي الله عنه بعد عمر رضي الله عنه... وثبتت إمامة علي رضي الله عنه بعد عثمان رضي الله عنه... هؤلاء هم الأئمة الأربعة المجمع على عدلهم وفضلهم رضي الله عنهم أجمعين... فأما ما جرى من علي والزبير وعائشة رضي الله عنهم أجمعين فإنما كان على تأويل واجتهاد وعلى الإمام. وكلهم من أهل الاجتهاد. وقد شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة والشهادة، فدل على أنهم كلهم كانوا على حق في اجتهادهم، وكذلك ما جرى بين سيدنا على ومعاوية رضي الله عنهما فدل على تأويل واجتهاد. وكل الصحابة أئمة مأمونون، غير متهمين في الدين، وقد أثنى الله ورسوله عليهم جميعهم. وتعبدنا بتوقيرهم وتعظيمهم وموالاتهم. والتبرئ من كل من ينقص أحدا منهم رضي الله عنهم أجمعين."( 9 ) • قال الإمام أبو عبد الله عبد الرحمن بن أبي زيد القيرواني ( ت 386 ه) في الرسالة" باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات " ... وأن خير القرون القرنُ الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. وأفضل الصحابة رضي الله عنهم الخلفاء الراشدون المهديون: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين. ويجب أن لا يُذكَرَ أحد من صحابة الرسول إلا بإحسان ذكر، والإمساك عما شجر بينهم، وأنهم أحق الناس أن يُلتمس لهم أحسن المخارج، ويظن بهم أحسن المذاهب، والطاعة لأئمة المسلمين من ولاة أمورهم وعلمائهم واتباع السلف الصالح واقتفاء آثارهم والاستغفار لهم، وترك المراء والجدال في الدين، وترك كل ما أحدثه المحدِثُونَ... " (10 ) • قال القاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني ( ت 403 ه): في كتابه" الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به " ... ويجب أن يعلم أن إمام المسلمين وأمير المؤمنين ومقدم الخلق أجمعين من الأنصار والمهاجرين، بعد الأنبياء والمرسلين: أبو بكر رضي الله عنه... ثم من بعده على هذا أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لاستخلافه إياه ...وبعده أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه لإجماع المسلمين أنه من جملة الستة الذين نص عمر عليهم... وبعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه... والدليل على إثبات الإمامة للخلفاء الأربعة رضي الله عنهم على الترتيب الذي بيناه: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أعلام الدين، ومصابيح أهل اليقين، شاهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، وشهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم خير القرون فقال "خير القرون قرني" فلما قدموا هؤلاء الأربعة على غيرهم ورتبوهم على الترتيب المذكور، علمنا أنهم رضي الله عنهم لم يقدموا أحدا تشهيا منهم، وإنما قدموا من قدموه لاعتقادهم كونه أفضل وأصلح للإمامة من غيره في وقت توليه. ويجب أن يعلم أن ما جرى بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم من المشاجرة نكف عنه، ونترحم على الجميع، ونثني عليهم... ويجب أن يعلم أن خير الأمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفضل الصحابة العشرة الخلفاء الراشدون الأربعة رضي الله عن الجميع وأرضاهم، ونقر بفضل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك نعترف بفضل أزواجه رضي الله عنهن، وأنهن أمهات المؤمنين كما وصفهن الله تعالى ورسوله، ونقول في الجميع خيرا...( 11) • قال الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسن بن علي بن موسى البيهقي ( ت 458 ه) في كتابه" الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد" " القول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم: قال الله تبارك وتعالى: " مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ " . [الفتح: 29] فأثنى عليهم ربهم وأحسن الثناء عليهم، ورفع ذكرهم في التوراة والإنجيل والقرآن الكريم، ثم وعدهم بالمغفرة والأجر العظيم فقال: " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً " [الفتح: 29]. وأخبر في آية أخرى برضاه عنهم ورضاهم عنه، فقال: " وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ [التوبة : 100]. ثم بشرهم بما أعد لهم فقال:" وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " [التوبة : 100]. وأمر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالعفو عنهم، والاستغفار لهم، فقال:" فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ " [آل عمران : 159]. وأمرَه بمشاورتهم تطييبا لقلوبهم، وتنبيها لمن بعده من الحكام على المشاورة في الأحكام، فقال: " وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر ِ. فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ " [ آل عمران : 159]. وندب من جاء بعدهم إلى الاستغفار لهم، وأن لا يجعل في قلوبهم غلا للذين آمنوا فقال: " وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيم [الحشر : 10] . ... ثم إنه صلى الله عليه وسلم شهد بكونهم خير أمته فقال في رواية عبد بن مسعود عنه، وفي رواية عائشة وعمران بن حصين وأبي هريرة :" خير الناس قرني " وفي بعضها " خير أمتي القرن الذي بعثت فيه" ... عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله :" لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم انفق مثل أُحُد ذهبا ما بلغ مُد أحدهم، ولا نصيفه، ولا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر"... ( 12) • قال إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني ( ت 478 ه) في كتابه " الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد " فصل: الطعن في الصحابة" ... وقد كثرت المطاعن على أئمة الصحابة وعظم افتراء الرافضة وتخرصهم. والذي يجب على المعتقد أن يلتزمه، أن يعلم أن جلة الصحابة كانوا من الرسول بالمحل المغبوط، والمكان المحوط، وما منهم إلا وهو منه ملحوظ محفوظ. وقد شهدت نصوص الكتاب على عدالتهم والرضا عن جملتهم بالبيعة بيعة الرضوان، نص القرآن على حسن الثناء على المهاجرين والأنصار. فحقيق على المتدين أن يستصحب لهم ما كانوا عليه في دهر الرسول صلى الله عليه وسلم ..." ( 13) • قال الإمام أبو المظفر الاسفرايني ( ت 481 ه) في كتابه" التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين" : الباب الخامس في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة وبيان مفاخرهم ومحاسن أحوالهم :" ... وأن تعلم أن الإجماع حق، وما اجتمع عليه الأمة يكون حقا مقطوعا على حقيقته قولا كان أو فعلا... وأن تعلم أن من جملة ما اجتمع عليه المسلمون أن عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا من أهل الجنة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح، رضي الله عنهم أجمعين. وأجمعوا على أن نساءه وأولاده وأحفاده كلهم كانوا من أهل الجنة، وأنهم كانوا مؤمنين، وأنهم كانوا من أعلام الدين، لم يكتموا شيئا من القرآن ولا من أحكام الشريعة. وكذلك أجمعوا على خلافة الخلفاء الأربعة بعد الرسول وعلى أنهم لم يكتموا شيئا من القرآن والشريعة، بل ساروا على أحسن سيرة، ووفقوا بحسن السعي في تثبيت المسلمين على الدين... والأخبار في فضل الصحابة رضي الله عنهم أكثر من أن يحتمله هذا المختصر، والمقصود ههنا أن تعلم أن الخلفاء الراشدين كانوا على الحق، وأن جملة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا محقين، مؤمنين، مخلصين، صادقين، وكان تقديمهم لمن قدموه وتقريرهم في ما قرروه حقا وصدقا، وكلهم كانوا يقولون لأبي بكر رضي الله عنه يا أمير المؤمنين، وكانوا يخاطبون عمر وعثمان، وعليا، وكذلك علي رضي الله كان يخاطبهم بذلك وكان يخاطب بمثله في أيامه. "( 14) • قال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي ( ت 505 ه) في كتابه" الاقتصاد في الاعتقاد " الطرف الثالث: في شرح عقيدة أهل السنة في الصحابة والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم: " اعلم أن للناس في الصحابة والخلفاء إسراف في أطراف، فمن مبالغ في الثناء حتى يدعي العصمة للأئمة، ومنهم متهجم على الطعن بطلق اللسان بذم الصحابة. فلا تكن من الفريقين، واسلك طريق الاقتصاد في الاعتقاد، واعلم أن كتاب الله مشتمل على الثناء على المهاجرين والأنصار وتواترت الأخبار بتزكية النبي صلى الله عليه وسلم إياهم بألفاظ مختلفة... كقوله " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم" ... وما من واحد إلا وورد عليه ثناء خاص في حقه يطول نقله، فينبغي أن يستصحب هذا الاعتقاد في حقهم، ولا تسئ الظن بهم كما يحكى عن أحوال تخالف مقتضى حسن الظن. فأكثر ما ينقل مخترع بالتعصب في حقهم ولا أصل له، وما ثبت نقله فالتأويل متطرق إليه ولم يجز مالا يسع العقل لتجويز الخطأ والسهو فيه، وحمل أفعالهم على قصد الخير وإن لم يصيبوه ...هذا حكم الصحابة عامة. فأما الخلفاء الراشدون فهم أفضل من غيرهم، وترتيبهم في الفضل عند أهل السنة كترتيبهم في الإمامة." ( ) • وقال أيضا:" وأن يحسن الظن بجميع الصحابة، ويُثني عليهمن ، كما أثنى الله عز وجل ورسوله عليهم" . • قال الإمام العارف بالله أبي العباس أحمد بن محمد البرنسي المعروف بزروق (ت 899 ه) :" يعني في غير ما آية من كتابه، ومن أعظم ذلك وأجمعه قوله تعالى:" مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ [الفتح : 29] ... وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الله الله في أصحابي، فمن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه". وقال مولانا جلت قدرته:" إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً" [الأحزاب: 57،58] ولا خلاف في تكفير من رمى عائشة رضي الله عنها بما برأها الله تعالى منه، لتكذيبه القرآن"(15 ) • قال الإمام أبو الحسن علي بن أحمد بن خمير السبتي( ت 614 ه) فصل في فضل الصحابة والخلفاء ": وأما فضل الصحابة رضي الله عنهم فلا يتعدد ما جاء في فضلهم وتقدمهم، قال تعالى: " وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ " [التوبة : 100] ...فأفضل الصحابة المتقدمون، وأفضل المتقدمين البدريون، وأفضل البدريين أصحاب الشجرة الذين رضي الله عنهم، عند بيعة الرضوان، وأفضل العشرة الأربعة الخلفاء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفضل الخلفاء أبو بكر رضي الله عنه..." ( 16) • قال الإمام أبو الحسن علي بن محمد بن سالم المعروف بسيف الدين الآمدي ( ت 631 ه) في كتابه " غاية المرام في علم الكلام" : الطرف الثاني: في معتقد أهل السنة في الصحابة وإمامة الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين " ولا خلاف فيما بين أهل الحق أن أبا بكر كان إماما حقا، وذلك باتفاق المسلمين على إمامته، واجتماع أهل الحق والعقد على إمامته...وأما باقي الخلفاء الراشدين كعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين فالسبيل إلى إثبات إمامتهم، وصحة توليهم، واستجماعهم لشرائط الإمامة كإثبات ذلك في حق أبي بكر رضي الله عنه... فالواجب أن يحسن الظن بأصحاب الرسول، وأن يكف عما جرى بينهم، وألا يحمل شيء مما فعلوه أو قالوه إلا على وجه الخير، وحسن القصد، وسلامة الاعتقاد، وأنه مستند إلى الاجتهاد، لما استقر في الأسماع، وتمهد في الطباع، ووردت به الأخبار والآثار، متواترة وآحاد، من غرر الكتاب والسن، واتفاق الأمة على مدحهم، والثناء عليهم بفضلهم، مما هو في اشتهاره يغني عن إظهاره..." (17 ) • قال الإمام ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوي (ت 685 ه): "يجب تعظيم الصحابة، والكف عما شجر بينهم وعن الطعن فيهم فإن الله تعالى مدحهم وأثنى عليهم، ورضي عنهم ورضوا عنه" • قال القاضي عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي ( ت 756 ه) في كتابه " المواقف في علم الكلام" : " ... المقصد السابع: أنه يجب تعظيم الصحابة كلهم، والكف عن القدح فيهم، لأن الله عظمهم وأثنى عليهم في غير موضع من كتابه، والرسول قد أحبهم وأثنى عليهم في أحاديث كثيرة. ثم إن من تأمل سيرتهم، ووقف على مآثرهم، وجدهم في الدين ، وبذلهم أموالهم وأنفسهم في نصرة الله ورسوله، لم يتخالجه شك في عظم شأنهم وبراءتهم عما ينسب إليهم المبطلون من المطاعن، ومنعه ذلك عن الطعن فيهم، وأرى ذلك مجانبا للإيمان. ونحن لا نلوث كتابنا بأمثال ذلك..." ( 18) • قال الشريف علي بن محمد الجرجاني في شرحه لهذه الفقرة:" لأن الله تعالى عظمهم وأثنى عليهم في غير موضع من كتابه، كقوله:" وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة : 100] وقوله:" يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ [التحريم : 8] وقوله:" مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً [الفتح : 29] وقوله:" لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح : 18] إلى غير ذلك من من الآيات الدالة على عظم قدرهم وكرامتهم عند الله، والرسول قد أحبهم، وأثنى عليهم في أحاديث كثيرة، منها: قوله عليه السلام:" خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" ومنها قوله:" لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم وولا نصيفه"... • قال الإمام أبو عبد الله السنوسي( ت 895 ه) في كتابه " المسمى عمدة أهل التوفيق والتسديد" الشهير بالسنوسية الكبرى:" ... والصحابة رضي الله عنهم كلهم أئمة عدول بأيهم اقتديتم اهتديتم، نفعنا الله بحبهم وأماتنا على سنتهم..." ( 19) • قال الإمام أبو علي عمر بن محمد بن خليل السكوني المغربي المالكي ( ت 717 ه) : " مسألة: ومن لا علم لديه يرفع مقام الصحابة – رضي الله عنهم- وبعدالتهم وتزكية الله سبحانه لهم، وجميل مقاصدهم، فالكف عما شجر بينهم واجب عليه..."( 20) وقد أصبح هذا المعتقد من الأمور الراسخة والمحفوظة عند أهل السنة والجماعة قاطبة، كما احتفظت لنا بذلك متون التوحيد الأشعرية. يقول صاحب جوهرة التوحيد إبراهيم بن إبراهيم اللقاني (ت 1041 ه): وصحبه خير القرون فاستمع * فتابعي فتابع لمن تبع وخيرهم من ولى الخلافة * وأمرهم في الفضل كالخلافة يليهم قوم كرام برره * عدتهم ست تمام العشرة فأهل بدر العظيم الشان * فأحد فبيعة الرضوان والسابقون فضلهم نصا عرف * هذا وفي تعينهم قد اختلف وأول التشاجر الذي ورد * إن خضت فيه واجتنب داء الحسد ( 21) ويقول الحافظ أبو العباس أحمد بن محمد المقري المغربي المالكي الأشعري (ت 1041 ه) في منظومته المسماة "إضاءة الدجنة في عقائد أهل السنة": وأفضل الأمة ذات القدر = أصحاب مَن أعطي شرح الصدر إذ جاء في القرآن ما يقضي لهم = بالسبق في آي حوت تفضيلهم وكم أحاديث عليهم تُثني = كقوله خير القروني قرني معتقد الماتريدية في الصحابة: ونشير في هذا السياق إلى معتقد الماتريدية بدأ بالإمام أب حنيفة النعمان باعتباره صاحب الصياغة المنهجية لعقيدة أهل السنة والجماعة والتي لآلت إلى المدرسة الماتريدية: قال الإمام أبو حنيفة النعمان( ت 150 ه) في كتابه " الفقه الأكبر": وأفضل الناس بعد النبيين عليهم الصلاة والسلام أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب الفاروق ثم عثمان بن عفان ذو النورين ثم علي بن أبي طالب المرتضى رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، عابدين ثابتين على الحق ومع الحق كما كانوا. نتولاهم جميعا ولا نذكر أحدا من أصحاب رسول الله إلا بخير". ( 22) • قال الإمام أبو جعفر الطحاوي ( ت 321 ه) في عقيدته المسماة " بيان أهل السنة والجماعة" " ونحب أصحاب رسول الله، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان، ونثبت الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا لأبي بكر رضي الله عنه تفضيلا له وتقديما على جميع الأمة، ثم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم لعثمان رضي الله عنه، ثم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهم الخلفاء الراشدون، والأئمة المهديون..." (23 ) • قال الإمام أبو اليسر محمد البزدوي ( ت 493 ه ) في كتابه "أصول الدين" مسألة: الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ": قال أهل السنة والجماعة: إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان خليفة رسول الله بعد موته في تنفيذ الأحكام ومنع الظالم عن الظلم وإنصاف المظلوم... وكان خليفة حقا... وإذا ثبتت خلافة أبي بكر ثبتت خلافة عمر رضي الله عنهما بعده، فإن أبا بكر استخلفه وإذا ثبتت خلافته صح استخلافه... وإذا ثبتت خلافة أبي بكر وعمر ثبتت خلافة عثمان رضي الله عنهم بعدهما. فإن عمر لما قرُبَ من الموت اختار من جملة الصحابة خمسة نفر فيهم عثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم وجعل الخلافة فيهم ولم يختر واحدا منهم... – كما- ثبتت خلافة علي رضي الله عنه بعدهم باختيار عمر وإجماع الصحابة حين رضوا باختياره رضي الله عنهم... قال عامة أهل السنة والجماعة: إن أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد جميع الأنبياء والرسل - صلوات الله عليهم- أبو بكر الصديق ثم عمر ثم عثمان ثم علي."( 24) • قال الإمام نجم الدين أبو حفص عمر بن محمد النسفي ( ت 537 ه) في كتابه الموسوم" بالعقائد النسفية" " ونكف عن ذكر الصحابة، إلا بخير." ( 25) معتقد الحنابلة في الصحابة: • قال الإمام أبو الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز بن الحارث التميمي ( ت 410 ه) في كتابه " اعتقاد الإمام المنبَّل أبي عبد الله أحمد بن حنبل" ولا نبرأ من عين رأت رسول الله إلا أن يجمع المسلمون على التبرئ منها".( ) • قال أبو الحسن علي بن عبيد الله بن الزاغوني ( ت 527 ه) في كتابه " الإيضاح في أصول الدين:" فصل: ووجه اختيار الصحابة لأبي بكر أنه كان أفضلهم، وقد رويت له من الفضائل ما لم يشاركه فيها أحد. فصل: قد ثبت أن بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه حضرها جميع أهل العقد والحل، وأنه لم يختلف فيها اثنان من الصحابة. فصل: فأما الخلافة بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإنها كانت لعمر بن الخطاب بوصيته إليه، وكان قد وضعها في حقها. وكان عمر رضي الله عنه بعد موت أبي بكر أفضل الناس كلهم. فصل: فأما خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما جُرحَ جعل الخلافة في ستة رهط من المهاجرين، توفي رسول الله وهو عنهم راض: عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، وأقام في المحراب صهيب وقال للستة: من اجتمعتم عليه فهو إمامكم. فاجتمعوا بالرضا والاتفاق على عثمان، وأول من بايعه عبد الرحمن بن عوف، وعلي بن أبي طالب، وباقي الرهط وتتابع ذلك فلم يختلف في بيعته اثنان، وهذا يدل على أنها انعقدت له بالإجماع. فصل: فأما خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه فإنها كانت بالإجماع، وذلك أن أهل العقد والحل عقدوها لعلي بعد قتل عثمان، وكانت الخلافة في أهلهل ومستحقها، وكان أعلم الناس في زمان الخلافة... " ( 26) مجمل اعتقاد أهل السنة في الصحابة: إذا كان أهل السنة والجماعة مجمعين على عدالة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فإنهم مجمعون أيضا على بعض الأمور المتعلقة بهذا الباب: • يقرر أهل السنة أن الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار الأمة من أهل الحل والعقد وينتصب الإمام بنصبهم, • أن الخلفاء الراشدين قد جاء ترتيبهم في الأفضلية حسب ترتيبهم في الخلافة. • أنه لا معصوم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر أنبياء الله ورسله السابقين ولا عصمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد. • أن المعجزات لا يأتي بها أحد إلا الأنبياء عليهم السلام خلافا للروافض الذين جعلوا علامة الإمام عندهم صدور المعجزة منه، لأن الإمامة عندهم بزعمهم كالنبوة. • أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بين الدين كله وأعلن ذلك بين المسلمين، ولم يسر لأحد بذلك من شيء من الشريعة. • يرى أهل السنة أن أحددا من الأموات لا يرجع قبل البعث، فلا يرجع رسول الله صلى اله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة إلا يوم القيامة. • أنه لا يعلم الغيب إلا الله وحده لقوله سبحانه وتعالى:" قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل : 65]. • يرى أهل السنة وجوب محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولنهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.( ( • أن كل من أنكر إمامة أبي بكر من الروافض فهو منكر لإمامة عمر وعثمان. • أن أفضل الصحابة الخلفاء الراشدون ثم الستة الباقون بعدهم إلى تمام العشرة، وهم طلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح ثم البدريون ثم أصحاب أحد ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية.( 27) • من الواجب أن يحسن الظن بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يُكف عما جرى بينهم، وألا يُحمل شيء مما فعلوه أو قالوه إلا على وجه الخير وحسن القصد، وسلامة الاعتقاد. • أن ما جرى بين الصحابة رضوان عليهم أجمعين كان على تأول واجتهاد. • أن الأمة اتفقت على مدح الصحابة رضي الله عنهم والثناء عليهم بفضلهم مما هو في اشتهاره يغني عن إظهاره. • أن أكثر مما ورد في حقهم من الأفعال الشنيعة، والأمور الخارجة عن حكم الشريعة لا أصل له في الدين، بل هو مجرد تخرصات أهل الأهواء وتصنعات الأعداء كالروافض والخوارج وغيرهم من السفاسف. وأحب أن نختم هذا المقال بذكر أبيات من متن الشيبانية تلخص مجمل اعتقاد أهل السنة في الصحابة: ونشهد أن الله خص رسوله * بأصحابه الأبرار فضلا وأيدا فهم خير خلق الله بعد انبيائه * بهم يًقتدي في الدين كل من اقتدى وأقضلهم بعد النبي (محمد) * أبو بكر الصديق ذو الفضل والندى لقد صدق المختارَ في كل قوله * وآمن قبل الناس حق ووحدا وأفداه يوم الغار طوعا بنفسه * وواساه بالأموال حتى تجردا ومن بعده الفاروق لا تنس فضله * لقد كان للإسلام حصنا مشيدا لقد فتح الفاروق بالسيف عَنوة * جميعَ بلاد المسلمين ومهدا وأظهر دينَ الله بعد خفائه * وأطفأ نار المشركين وأخمدا وعثمان ذو النورين قد مات صائما * وقد قام بالقرآن دهرا تهجدا وجهز جيش المسلمين يوما بماله * ووسع للمختار والصحب مسجدا وبايعَ عنه المصطفى بشماله * مبايعة الرضوان حقا وأشهدا ولا تنس صهر المصطفى وابن عمه * فقد كان حَبرا للعلوم وسيدا وفادى رسول الله طوعا بنفسه * عشية لما بالفراش توسدا ومن كان مولاه النبي فقد غدا * علي له بالحق مولى ومنجدا وطلحتهم ثم الزبير وسعدهم * كذا وسعيد بالسعادة أُسعدا وكان ابن عوف باذلَ المال منفقا * وكان ابن الجراح أمينا مؤيدا ولا تنس باقي صَحبه واهل بيته * وأنصاره والتابعين على الهدى فكلهم أثنى الإله عليهم * وأثنى رسول الله أيضا وأكدا فلا تك رافضيا فتعتدي * فويل وويل في الورى لمن اعتدى فحب جميع الآل والصحب مذهبي * غدا بهم أرجو النعيم المؤبدا ونسكت عن حرب الصحابة فالذي * جرى بينهم كان اجتهادا مجردا وقد صح في الأخبار أن قتيلهم * وقاتلهم في جنة الخلد خلدا فهذا اعتقاد الشافعي إمامنا * ومالك والنعمان أيضا وأحمدا فمن يعتقده كله فهو مؤمن * ومن زاغ عنه قد طغى وتمردا فيا رب أبلغهم عني تحية * مباركة تتلو سلاما ممجدا قائمة المصادر والمراجع: ( 1) أبكار الأفكار في أصول الدين، للإمام سيف الدين الآمدي5/295. (2) حديث خير القرون... صحيح رواه الإمام البخاري من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال النبي "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، قال عمران: لا أدري أذكر بعد قرنين أو ثلاثا، ثم قال: إن بعدكم قوما يَشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤمنون وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن " أنظر صحيح الإمام البخاري، كتاب فضائل الصحابة، رقم الحديث: 3650. 2/554 بشرح فتح الباري. أنظر أطراف هذا الحديث في الرقمين:3650، 6428 من صحيح الإمام البخاري. كما ورد هذا الحديث بصيغة "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، البخاري 4/118، ومسلم 4/1963 والترمذي 3859، وابن ماجه 2362 من طريق عبيدة السلماني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. - أنظر الموافقات للإمام الشاطبي، ج 4 ص 48. أنظر. أيضا صحيح مسلم 7/108 كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم. (3) صحيح مسلم، باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم 7/188 (4 ) مقدمة ابن الصلاح ، النوع التاسع والثلاثون، معرفة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. (5 ) الموافقات للإمام الشاطبي، 4 / 48 - مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، للإمام الأشعري، ص 294. - رسالة إلى أهل الثغر، للإمام الأشعري، ص 299، 307. - الإبانة عن أصول الديانة، للإمام الأشعري، ص 251، 260 - باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات متن الرسالة في الفقه المالكي، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ص21. - الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به، للباقلاني، ص: 64،69 (6) الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد، للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، 437. (7) الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، للإمام الجويني، ص 432. (8 ) التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين، لأبي المظفر الاسفرايني، ص 177 ، 180 (9 ) الاقتصاد في الاعتقاد، للإمام الغزالي، 152. (10) شرح عقيدة الغزالي، للإمام العارف بالله أبي العباس أحمد بن محمد البرنسي المعروف بزروق ، الصفحة 198 دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 2006. (11 ) مقدمات المراشد إلى علم العقائد، لابن خمير السبتي، ص 384، تحقيق، د. جمال علال البختي. (12 ) غاية المرام في علم الكلام، سيف الدين الآمدي، ص328. (13) مصباح الأرواح في أصول الدين للإمام ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوي الصفحة:204 دار الرازي تحقيق سعيد فودة، بدون تاريخ. (14 ) المواقف في علم الكلام، للقاضي عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي، ص413. (15) كتاب المواقف للقاضي الإمام عضد الدين الإيجي بشرح السيد الشريف الجرجاني 3/ 643 دار الجيل، بيرت، الطبعة الأولى 1997 (16) شرح السنوسية الكبرى، المسمى عمدة أهل التوفيق والتسديد، للإمام أبي عبد الله السنوسي، ص 409. (17) التمييز لما أودعه الزمخشري من الاعتزال في تفسير الكتاب العزيز 1/177 (18) إبراهيم بن إبراهيم بن حسن القاني لها مؤلفات منها، " جوهرة التوحيد" منظومة في العقائد، على الطريقة الأشعرية. (19) رائحة الجنة بشرح إضاءة الدجنة في عقائد أهل السنة للحافظ شهاب الدين أبي العباس أحمد بن محمد المقري، الصفحة: 168 دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 2007 - الفقه الأكبر للإمام أبي حنيفة، تحقيق زاهد الكوثري، ص 621 ، ضمن كتاب: العقيدة وعلم الكلام من أعمال الإمام محمد زاهد الكوثري . - متن العقيدة الطحاوية. (20 ) أصول الدين، لأبي اليسر محمد البزدوي، ص: 183، 190. (21 ) العقائد النسفية بشرخ العلامة سعد الدين التفتزاني، ص 102. - اعتقاد الإمام المنبل أبي عبد الله احمد بن حنبل، ص 66. (22) الايضاح في اصول الدين، تأليف أبو الحسن علي بن عبيد الله بن الزاغوني، ص617، 629 مجموع مهمات المتون يشتمل على ستة وستين متنا في مختلف الفنون، مطبعة مصطفى الحلبي بمصر الصفحة : 37 الطبعة الرابعة