بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود صاحب الجلالة الملك محمد السادس من أجل الاستقرار الإقليمي    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    مجلس الأمن: بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة        دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    العرائش: الأمين العام لحزب الاستقلال في زيارة عزاء لبيت "العتابي" عضو المجلس الوطني للحزب    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    سويسرا تعتمد استراتيجية جديدة لإفريقيا على قاعدة تعزيز الأمن والديمقراطية    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    هجوم ماغدبورغ.. دوافع غامضة لمنفذ العملية بين معاداة الإسلام والاستياء من سياسات الهجرة الألمانية    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع        دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التصحيح قبل التقريب
نشر في هسبريس يوم 16 - 11 - 2010


(7)
مما لا شك فيه أن التجارب التي عاشها المسلمون، واجتهدوا في تنزيل أحكام الشرع والدين عليها لم تسلم من الخطأ والانحراف، وقد استوعبها تراثنا الفقهي والكلامي والسياسي، فهل نأخذ أقوال كل فريق في موارد الاختلاف المذكورة مأخذ المسلمات، أو الواجب هو عرضها على حقائق الكتاب والسنة الجامعة؟ والجواب هو أن فقه موارد الاختلاف لابد أن يتبع بعملية تصحيح1-أو نقد ذاتي كما يعبر البعض- تعد كفيلة بقطع أشواط عظيمة على صعيد التقريب.
ويروم هذا المقال توضيح مفهوم معين للتصحيح وهو: أن يتصدى عالم الرد على جملة من الآراء والأقوال التي يعتقدها أهل مذهبه، أو على أعمال يمارسونها لما يراه من مخالفتها للكتاب والسنة، أو إسرافها في التعمق والغلو، أو إضرارها بوحدة الأمة الإسلامية، أو الرد على مشاعر متطرفة في الحب والبغض (العواطف)، وفي كل ذلك يكون هاجس التقريب والتفاهم واردا لديه.
هواجم الفتن والانحراف والتحريف
لا مناص من أن يقر الشيعة وأهل السنة بضرورة التصحيح ،يدفعهم إلى ذلك الإقرار هواجم فتن وانحرافات وتحريفات الماضي والحاضر، بدليل الإخبار النبوي ، ودليل شواهد التاريخ والواقع.
الإخبار النبوي
ورد الإخبار عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بحدوث الفتن على نوعين:
1- إخبار إجمالي : يحذر من التلبس بالفتن، ويرشد المسلمين إلى التعوذ من مضلاتها2 .
2-إخبار تفصيلي بآحاد الفتن: كإخباره باستشهاد عمر وعثمان – رضي الله عنهما3 ،وإخباره باستشهاد علي – كرم الله وجهه4 ،وإخباره باستشهاد الحسين عليه السلام .5
وإخباره بخروج أمنا عائشة – رضي الله عنها- يوم الجمل(إلى ماء الحوأب)6 وإخباره باستشهاد عمار بن ياسر7 ،فصار عمار – بمقتضى هذا الإخبار- مقياسا لمعرفة الحق في حروب علي مع جيش الشام.
وإخباره بظهور الخوارج8 وإخباره بهلاك أمته على أيدي أغيلمة من قريش9
وثمة إخبارات أخرى، كالإخبار بمدة الخلافة الراشدة (ثلاثون سنة)،10 والإخبار بانتقاض عروة الحكم،11هذه الإخبارات يتعين الاهتمام بها قصد التأسيس لمنهج جديد في كتابة التاريخ الإسلامي.
شواهد التاريخ وأمثلته السائرة
لقد صدقت وقائع التاريخ الإسلامي تلك الإخبارات النبوية التي يلفت القدر المذكور منها النظر إلى أهم الأحداث التي أفرزت النزيف والانحراف في عقول المسلمين وعواطفهم،ومن تلك الأحداث ما أصبح مضربا للأمثال لخطورة نتائجه، وخلود آثاره:
الطاعة الشامية
أ- فمثلوا لشدة الانقياد والإسراف في الطاعة فقالوا: "طاعة شامية" تحدث عنها ابن تيمية فأشار إلى "اعتقاد كثير من قدماء الشاميين اتباع بني أمية أن الإمام تجب طاعته في كل شيء، وأن الله إذا استخلف إماما تقبل منه الحسنات، وتجاوز له عن السيئات"،12 وعندما نبه أبو العباس المقريزي (766 ه - 845 ه) على مثالب حكام بني أمية ذكر منها: "وجعلوا الرسول دون الخليفة".13
إنها طاعة تختزل ذهنية الولاء غير المشروط للسلطان، وتؤرخ لافتراق هذا الأخير عن القرآن، فحدث أن غلبت الطاعة الحرمة مرات ومرات:
- غلبت الطاعة حرمة الصحبة والصحابة يوم قتل المئات منهم في وقعة الحرة، عندما استحل يزيد المدينة المنورة ثلاثة أيام سنة 63 ه،14وقتل – قبل ذلك- الصحابي الجليل حجر بن عدي (53 ه).15
- غلبت الطاعة حرمة أهل البيت والقرابة يوم قتل الحسين بن علي في واقعة كربلاء، وغلبت في نفس الآن حرمة الزمان لما وقع قتله في الشهر الحرام.
- وغلبت الطاعة حرمة المكان يوم رميت مكة المكرمة وكعبتها بالمجانيق.16
الوجه الآخر لتلك الطاعة انبعاث عصبية قبلية كانت في طريقها إلى الاندثار زمن النبي – صلى الله عليه وسلم - والشيخين أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما- وطالما حذر عمر بن الخطاب من تلك العصبية بعد أن أعطى المثال من نفسه في التعامل مع قومه دون محاباة أو مجاملة، فيروي الإمام الطبري عن أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال: "رأيت عمر بن الخطاب حتى عرض عليه الكتاب، وبنو تميم على إثر بني هاشم وبنو عدي على إثر بني تميم، فأسمعه يقول: ضعوا عمر موضعه، وابدؤوا بالأقرب فالأقرب من رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فجاءت بنو عدي إلى عمر فقالوا: أنت خليفة رسول الله، قال: أنا خليفة أبي بكر، وأبو بكر خليفة رسول الله، قالوا: وذاك، فلو جعلت نفسك حيث جعلك هؤلاء القوم، قال: بخ، بخ بني عدي أردتم الأكل على ظهري وأن أذهب حسناتي لكم، لا والله حتى تأتيكم الدعوة، ولو أن تكتبوا في آخر الكتاب".17
الدمعة الشيعية
ب- ومثلوا لشدة الحزن والتأثر فقالوا: "أرق من دمعة شيعية"،18وغير خاف ما لهذا المثل من ارتباط واضح باستشهاد الحسين وكثير من رجال أهل البيت عليهم السلام، وسرى ذلك الحزن في النفوس يشكل سمة مصاحبة لفئة كبيرة من المسلمين (الشيعة)، ويرسم لهم رؤى وأفكار وعقائد وجد فيها الصحيح والمنحرف.
الحملة الخارجية
ج- ومثلوا لصلابة الموقف وشدته فقالوا: "أشد من حملة خارجية"، وانقرض الخوارج بسبب تلك الشدة والاندفاع، ولكنهم أثروا عقليا وفكريا ونفسيا يوم خلفوا وراءهم الجمود على الأشكال والمظاهر، والإسراع إلى تكفير المسلمين، ولقد أغرق الشيعة – ببيتيهم العلوي والعباسي- في طوفان دموعهم بني أمية، تؤازرهم رماح وسيوف الخوارج ليتسلم زمام الأمور والحكم بنو العباس.
سَمُّوا لنا رجالكم
وأدى التماس الشرعية لبعض الأحداث في أيام التاريخ الإسلامي الخالية، والتأول للأشخاص الذين صنعوا تلك الأحداث إلى ظهور الوضع والتحريف، واستشعر الصحابة والتابعون وأهل البيت وعلماء الأمة فداحة الخطب وخطورة الموقف، فدفعت الفتنة – بعد مقتل عثمان- العلماء إلى وضع قواعد ومقاييس لتمييز صحيح الأخبار والأحاديث من سقيمها:
1- يروي الخطيب البغدادي عن محمد سيرين أنه قال: "كان الناس في الزمن الأول لا يسألون عن الإسناد، حتى وقعت الفتنة، فلما وقعت الفتنة سألوا عن الإسناد".19
2- نقل الكشي في كتاب الرجال عند ترجمتة للمغيرة بن سعيد20 قول الإمام جعفر الصادق: "كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب على أبي (محمد الباقر) ويأخذ كتب أصحابه، وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبي يأخذون في الكتب من أصحاب أبي، فيدفعونها إلى المغيرة، فكان يدس فيها الكفر والزندقة ويسندها إلى أبي ثم يدفعها إلى أصحابه، ويأمرهم أن يبثوها في الشيعة (...) فكل ما كان في كتب أصحاب أبي من الغلو فذاك ما دسه المغيرة بن سعيد في كتبهم"،21وقال: -أيضا- : "إن المغيرة كذب على أبي فسلبه الله الإيمان، وإن قوما كذبوا علي ما لهم أذاقهم الله مر الحديد، فوالله ما نحن إلا عبيد الذي حلقنا واصطفانا، ما نقدر على ضر ولا نفع، والله ما لنا على الله من حجة ولا براءة، وإنا لميتون مقبورون، ومنشورون ومبعوثون، وموقوفون ومسؤولون، ويلهم مالهم لعنهم الله، فقد آذوا الله، وآذوا رسوله في قبره".22
3- ترتب عن الوضع والتحريف الذي لحق الروايات أعمال وسلوكات منحرفة تكرس التعصب المذهبي وتؤجج نيران الفتن: فيذكر ابن العماد الحنبلي في حوادث سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة (348 ه) خبر اتصال الفتنة بين الشيعة والسنة وهلاك خلق كثير،23وتعطلت الصلوات في الجوامع في السنة الموالية ببغداد (349 ه)،24 واتصلت الفتنة أواخر المائة الثالثة للهجرة ووقعت المغالاة في التعصب، فلما أظهر الشيعة الاحتفال بعيد الغدير المصادف ليوم الثامن عشر من ذي الحجة، لاعتقادهم أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - نص على ولاية علي في هذا اليوم، عمد أهل السنة وجعلوا بإزاء يوم الغدير يوم الغار عندما اختفى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - صحبة أبي بكر في الغار، كما جعلوا في مقابلة يوم عاشوراء يوم مصرع بن الزبير –رضي الله عنه-،25 ويورد ابن تيمية الخبر المروي عن مصعب بن محمد بن المنتشر عن أبيه قال: بلغنا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته" فيتعقبه بالقول: "وهذا بلاغ منقطع لا يعرف قائله، والأشبه أن هذا وضع لما ظهرت العصبية بين الناصبة والرافضة، فإن هؤلاء أعدوا يوم عاشوراء مأثما، فوضع أولئك آثارا تقتضي التوسع فيه، وكلاهما باطل".26
وفي سنة سبع وأربعمائة (407 ه) قتلت الشيعة بجميع بلاد افريقية،27جزت الشرطة عن احتواء فتنة أخرى بين السنة والشيعة ببغداد في ثمان وأربعمائة (408 ه)،28ثم تجددت سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة، فهدمت مشاهد الشيعة ونهبت، وأحرقت مدارس أهل السنة ودور الفقهاء،29 وهكذا تواصلت الفتن والخصومات المذهبية يذكيها الغلاة من الشيعة والنواصب من أهل السنة.
ولقد أصاب كلا من الشيعة وأهل السنة رشاش من تلك الانحرافات، فيحصي الأستاذ مرتضى المطهري أربعة أنواع من التحريفات لحقت مذهب الشيعة:
أولها: التحريف في القرآن، في تفسيره وتأويله.
ثانيها: التحريف في شخصية الإمام علي، كقصة الأسد الذي يظهر في كربلاء فتبين انه الإمام علي (!).
ثالثها: التحريف في تاريخ الإسلام، كالقول بأن الإسلام قد انتشر بثروة خديجة وسيف علي.
رابعها: التحريف في الشخصيات المعادية والشقية.
لذلك لم يجانب الصواب من رأى أن البدء – في التصحيح- بطرح أخبار وأحاديث النواصب والغلاة من التراث الإسلامي، كفيل بقطع أشواط عظيمة على صعيدي التقريب والتصحيح،30وقد كان الإمام علي قد حذر من الغلو والنصب في وقت مبكر:
- مرة بالقول عندما قال: "هلك في رجلان، محب غال، ومبغض قال".31
- مرة بالفعل عندما هم بتحريق وقتل من غالوا وقالوا فيه بالإلهية.32
ضرورات التصحيح
نستنتج مما عرضناه في المبحث السابق أن تاريخنا ينوء بحمل ثقيل من الفتن والانحرافات، مما ولد اليأس من أي تغيير أو إصلاح لدى فئات واسعة من المسلمين، فاستمرأت القعود وقبلت بالأمر الواقع، وقد تجدها عاتبة على كل من "يعكر صفو راحتها" من دعاة التصحيح والإصلاح، لذلك اصطدمت أولى محاولات التصحيح من علماء الشيعة وأهل السنة بعقليات ترغب عن فتح صفحات الماضي والنبش في تراثنا الإسلامي ومسائلته، فتوالت أعمال العلماء الفكرية والنظرية التي أقنعت الكثيرين بضرورة وجدوى عملية التصحيح.
في جانب أهل السنة
انصب اهتمام علماء أهل السنة فيما يتصل بالمسألة المذهبية على الإقناع بضرورة التصحيح داخل كل مذهب، واقتراح الحلول العملية.
وقد ساهمت النظرات التصحيحية في ثروة أهل السنة من الفقه والعقائد والأصول والأفكار للشيخ جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وحسن البنا ومحمد الغزالي –رحمهم الله- والدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور محمد سعيد رمضان البوطي وعبد السلام ياسين وآخرين في ترشيد الدعوة والعمل الإسلاميين وترسيخ الفهم السليم للمسألة المذهبية،سنكتفي هنا بذكر بعض هؤلاء الأعلام ،أما الآخرون فسيقع التنبيه على طرف من أفكارهم التصحيحة فيما سيأتي من مقالات حول مجالات التصحيح.
1. الشيخ محمد الغزالي:
يعتبر من الذين أثروا المكتبة الإسلامية بنتاجهم العلمي والفكري، الذي كان يرمي إلى التخفيف من حدة النزاع السياسي والتعصب المذهبي والتقليد الأعمى، وكان حربا على الاستبداد السياسي والفهم الظاهري لنصوص الدين وأوامره، داعيا إلى التفاهم بين الشيعة وأهل السنة، ونبذ الخلافات الموروثة المزمنة، والكف عن التكفير وتبادل التهم، وكانت اجتهاداته محل اهتمام وتقدير معتقدا أنه لا بد "أن تغربل الأفكار والمذاهب والأعراف والتقاليد التي سادت تاريخنا، فقدمها لا يعطيها حق البقاء، والاحترام للحق وحده".33
2. الدكتور ما جد عرسان كيلاني:
هذا الرجل تعقب بالنقد مقولة "عدم الخوض في ما اختلف عليه السلف"، وترك خلافاتهم إلى الله عز وجل، فيؤكد أن هذه المقولة ليست من منهج أهل السنة والجماعة كما يزعم أصحابها،34 ويستفاد من انتقاده أن تلك المقولة كان يراد منها الإمساك عن ذكر الاختلافات التي ارتبطت "بالتحول المصيري الذي أحدثته سياسات طلقاء مكة والأمويين في مستقبل الأمة المسلمة"،35ومما آخذ به الدكتور عرسان المقولة خلطها بين شيئين هما: اللعن المجرح والنقد الإيجابي، ويفيد أن المنهي عنه هو اللعن والسب، وأن المندوب إليه هو النقد الإيجابي "الذي يتناول الظواهر السلبية بالتحليل والتقويم بنية الوضوح، ودفع مسيرة البناء هو أمر مطلوب".36
3. الشيخ عبد السلام ياسين:
بدءا وحتى لا تُحمل نظراته التصحيحية داخل دائرة أهل السنة على أية مجاملة لفرد أو جماعة فهو يقطع بأن" داء إخواننا الشيعة هو سرطان الرفض"37،وأتبع هذه المقدمة العامة ببناء تلك النظرات؛
أولا: على قاعدة تاريخية
بالدعوة إلى فهم انعكاسات الفتنة الكبرى والانقلاب على الخلافة الراشدة ،"ففهم الانكسار التاريخي الذي حدث بعد الفتنة الكبرى ومقتل ثالث الخلفاء الراشدين ذي النورين عثمان رضي الله عنه ضروري لمن يحمل مشروع العمل لإعادة البناء على الأساس الأول، فهم طبيعة هذا الانكسار، ومغزاه بالنسبة لتسلسل الأحداث وتدهورها بنا إلى الدرك الذي نجد الآن فيه أنفسنا، فهم الذهنية التقليدية التي تدين بالولاء غير المشروط للسلطان، كيف نشأت، وكيف توارثها الخلف عن السلف، وكيف صنعت أجيالا يسوقها الحاكم المستبد سوق الأغنام"38،كما أن" فهمنا لحاضر الأمة ومستقبلها سيبقى مضببا بل مشوشا غاية التشويش إن لم ندرك أبعاد تلك الأحداث وآثارها على مسار تاريخنا وتجلجلها في الضمائر عن وعي في تلك العهود وبحكم تكوين المخزون الجماعي الذي توارثته الأجيال، رجَّة عظيمة،مزقت كيان الأمة المعنوي فبقي المسلمون يعانون من النزيف في الفكر والعواطف منذئذ، ويؤدون إتاوات باهظة لما ضعُف من وحدتهم وتمزق من شملهم وتجزأ من علومهم وأقطارهم"39
ثانيا:على قاعدة واقعية
تستحضر أهمية المسألة المذهبية وتنظر إلى المصلحة العليا للمسلمين، "فليس الشيعة أعداء السنة وما ينبغي أن ينفخ النافخون في النار المستعرة ليزيدوها ضراما. إن رجعنا، بالطمأنينة الإيمانية، إلى مبعث الخلاف وميلاد الفتنة بقصد العلم المؤسس لعمل يوحد ولا يفرق، يفتح الجرح ليضع فيه دواء لا لينكيه، فعسى نعلم ونعمل"40،ويلقي بمسؤولية إثارة الاحتقان المذهبي على كثير من الحكام والسياسيين المستبدين من" سلاطين العض قارونات العصر ويزيداته الذين ينفقون أموال المسلمين بسخاء المبذرين وحَنَق المَوْتورين لتُنْشَر كتب الثلب في الشيعة، ولتُحفَرَ الخنادق بيننا وبينهم، ولتُشعل نار الفتنة. وهكذا يجتَرُّ الكتبة الخلاف القروني وينظرون في كتب الطعن على الروافض ليبثوا الوقيعَة بين المسلمين، وليلتحموا مَع الشيعة في نزال دائم بعثوه من القبور، ونفخوا فيه البغضاء المتجددة فنعتوا الشيعة بالمجوسية"41،ويرى أن النهوض بأحوال أهل السنة لن تنفع فيه حملات تكفير الشيعة لأن
" المرض العضال الذي لا تزال الأقطار السنية تعاني منه، وهو مرض الحكم الجبري الجائر، لا تزيده الفتاوي الطائشة ضد إيران والشيعة إلا ترسيخا. داء إخواننا الشيعة سرطان الرفض في بعض الأفراد وفي بطون الكتب. فهل يجوز يا قوم أن نحكم بجرة قلم إرضاء للنزوات أو للحكام بفتاوي بئيسة يلتحم فيها الرفض الموروث بالأخطاء الثورية التحاما أبديا ليولد مخلوق بشع وليخلد في ديار السنة حكم الظلمة المارقين"42.
وكان الشيخ من الأوائل الذين أدانوا حملات التكفير التي تعرض لها رموز الثورة الإيرانية بعد قيامها من خلال "الفتاوى الطائشة ضد إيران "،تلك الإدانة لم تمنعه من إبداء رأيه حول بعض سياسات الثورة الخاطئة لاسيما ما ارتبط منها بالنزاع المذهبي القروني الذي مثل"صفحات كالحة من تاريخنا وتاريخ التشيع كان الأولى بالثورة الإسلامية الإيرانية أن تطويَها من موقع القوة وتمدَّ يَدَ التعاون مع الصادقين نابذة الخصوصية الطائفية. لكن إخواننا في نشوة الانتصار عانقوا طائفيتهم وحملوا مشعل "تصدير الثورة"،يقصدون بتصدير الثورة تصدير بضاعة الطائفية ملفوفة في ثياب الثورة على خلفاء يزيد. وهكذا اشتغلوا بتصفية الحسابات المتأخرة مع معاوية ويزيد، وأثاروا حفيظة كثير من الإسلاميين الذين صفقوا للثورة. بحماس، ثم غشيتهم الحيرة لما أسفرت الثورة عن وجه طائفي"43.
ثالثا:على قاعدة شرعية مفادها حِرمة تكفير أهل القبلة.
ويمكن أن نعتبر التمييز بين فترات الرشد والسفه في تاريخ الحكم الإسلامي من أهم معالم التصحيح النظري التي قام بها بعض علماء أهل السنة انطلاقا من المعايير التي أرستها تجربة الخلافة الراشدة، رغم أن ذلك التمييز كان يتم تغييبه في مراحل مختلفة لصالح نظريات التغلب والاستيلاء،مما يتطلب العمل على تأمين مكسب التمييز.
4. محمد بن المختار الشنقيطي:
تمحورت نظرات الشنقيطي التصحيحية حول تسديد القول في الخلافات السياسية بين الصحابة رضي الله عنهم،إذ ظل البحث في تلك الخلافات محكوما- في اعتقاد الشنقيطي- بنظرتين متطرفتين؛الأولى هي"الجبرية الأموية" والثانية هي"الكربلائية الشيعية"،وهكذا لاحظ أن " الانفعال السائد في الدفاع عن السلف قد أهدر قدسية المبادئ حرصا على مكانة الأشخاص، واستحال ردا للغلو بغلو، مع تعميم وتهويل يساوي بين عثمان وكاتبه مروان، وبين عمار وقاتله أبي الغادية"44 وأن "ردود الأفعال تحكمت في كثيرين ممن تعاملوا مع الخلافات السياسية بين أهل الصدر الأول، وسادت نزعة المراء والجدل...وهكذا كانت الردود على الشيعة تنحرف أحيانا لدى عوام أهل السنة وبعض محدِّثيهم وفقهائهم، فتتحول إلى نوع من "التشيع السني" الذي لا يقف عند الدفاع عن الخلفاء الراشدين ضد المتطاولين عليهم من جهلة الشيعة، بل يتجاوز ذلك إلى الدفاع عن انحرافات الملوك الأمويين وتبرير ظلمهم"45، وأفاد بأن الذين تحدثوا عن الفتنة من أهل السنة أصناف وأنواع ،و"سيجد مذاهب خمسة على الأقل:
1. مذهب الممسكين عن الخوض في الخلاف مطلقا، وهذا الذي عليه متكلمو أهل السنة، فهم أقل الناس خوضا وكتابة في الموضوع، رغم ولعهم بالجدل وتشقيق الكلام في مواطن أخرى.
2. مذهب الداعين إلى الإمساك عنه، مع خوضهم فيه، كالذهبي في "تاريخ الإسلام" و"سير أعلام النبلاء" وابن كثير في "البداية والنهاية". ويحمل خوضهم على أنه ترخص لغرض تعليمي، أو أن المراد بالخوض عندهم هو ما كان على سبيل الذم والقدح.
3. مذهب الخائضين في الخلاف مع التأول لكل الأطراف بأن كلا منها مجتهد مأجور، وهذا مذهب مشهور ذائع اتبعته جماهير الأمة عبر القرون، خصوصا غير المتمكنين من خلفيات الأحداث ومراميها.
4. مذهب الخائضين دون تأول، وقد اشتهر من أهله بعض علماء التابعين أمثال الحسن البصري والربيع بن نافع وغيرهما..
5. مذهب المغالين في الدفاع، المنفعلين بردة الفعل، المتأولين للصحابة وغير الصحابة، بحق وبغير حق. وهذا الذي أدعوه "التشيع السني". ويمثله ابن العربي وتلامذته المعاصرون.
وهذا المذهب الأخير هو الأعلى صوتا اليوم، والأقوى نبرة، لأسباب سياسية ومذهبية كثيرة"46
ولئلا يعلو هذا الصوت،ويعلو بدله صوت الحكم على الأشخاص بعلم وعدل أورد الشنقيطي اثنتي عشرة قاعدة تفيد في تحصيل فهم صحيح للخلافات السياسية بين الصحابة وهي: القاعدة الأولى: التثبت في النقل والرواية
القاعدة الثانية: استصحاب فضل الأصحاب
القاعدة الثالثة: التمييز بين الذنب المغفور والسعي المشكور
القاعدة الرابعة: التمييز بين المنهج التأصيلي والمنهج التاريخي
القاعدة الخامسة: الاعتراف بحدود الكمال البشري
القاعدة السادسة: الإقرار بثقل الموروث الجاهلي
القاعدة السابعة: "اجتماع الأمانة والقوة في الناس قليل"
القاعدة الثامنة: الأخذ بالنسبية الزمانية
القاعدة التاسعة: عدم الخلط بين المشاعر والوقائع
القاعدة العاشرة: الابتعاد عن اللعن والسب
القاعدة الحادية عشرة: الابتعاد عن التكفير وعن الاتهام بالنفاق
القاعدة الثانية عشرة: التحرر من الجدل وردود الأفعال
القاعدة الثالثة عشرة: إدراك الطبيعة المركبة للفتن السياسية
القاعدة الرابعة عشرة: التركيز على العوامل الداخلية
القاعدة الخامسة عشرة: اجتناب الصياغة الاعتقادية للخلافات الفرعية
القاعدة السادسة عشرة: الابتعاد عن منهج التهويل والتعميم
القاعدة السابعة عشرة: التمييز بين السابقين وغير السابقين
القاعدة الثامنة عشرة: اجتناب التكلف في التأول والتأويل
القاعدة التاسعة عشرة: التدقيق في المفاهيم والمصطلحات
القاعدة العشرون: التمييز بين الخطإ والخطيئة، بين القصور والتقصير
القاعدة الواحدة والعشرون: التمييز بين الخطاب الشرعي والخطاب القدَري
القاعدة الثانية والعشرون: الحكم بالظواهر والله يتولى السرائر
وخص الشنقيطي كل واحدة من هذه القواعد بأمثلة من التاريخ غاب في مناقشتها والحكم عليها ميزان الاعتدال إما لصالح"الجبرية الأموية" أو لصالح"الكربلائية الشيعية"،وأثبت لجميع الصحابة رضي الله عنهم عدالة الرواية،فلم يُنقل عن أحدهم اختلاق لنص ،في ظروف كان فيها أحدهم أحوج ما كان إلى ذلك النص كمعاوية، فوقعت المجادلة في التأويل ولم تقع في التنزيل،أما عدالة السلوك فتحفظ لجميع الصحابة مقام البشرية العادي،فتتفاوت الأعمال والدرجات والأخطاء والذنوب،ولا مجال أبدا لتنزيل معنى العدالة على معنى العصمة.
في جانب الشيعة
لما تنامى الغلو في عهد الإمامين محمد الباقر وجعفر الصادق – رضي الله عنهما- قام بمحاربته والرد عليه أئمة وعلماء الشيعة، وظهرت مصنفات جعلت موضوعا لها: الرد على الغلاة منها:
- الرد على الغلاة لإسماعيل بن علي بن أبي سهل بن نوبخت.47
- الرد على الغالية للحسن بن علي بن فضال.48
- الرد على الغلاة للحسين بن سعد بن مهران.49
- الرد على الغلاة للحسن بن موسى النوبختي.50
- الرد على الغلاة والمفوضة للحسين بن عبد الله الغضائري.51
- كتاب الرد على الغلاة لإسحاق بن الحسين بن بكران.52
- الرد على الغلاة ليونس بن عبد الرحمن.53
ولم يعد لهذه الفرق وجود بعد أن انقرضت واندثرت، ولكن جوانب من تراث الشيعة لم تسلم من الكذب الذي دسوه في الروايات عل الأئمة.54
وخطا الشيعة خطوات أخرى نحو التصحيح عندما تمكنوا من تنحية "الاتجاه الإخباري" والتمكين "للاتجاه الأصولي"55 الذي اقترب في الكثير من اجتهاداته من عناوين الدرس السني في الفقه والحديث والسياسة والكلام.
وتنضاف إلى هذه الجهود والأعمال التصحيحية المراجعات والتراجعات الفكرية والعقائدية التي نجدها متفرقة في مصنفات الدكتور علي شرعتي، والشيخ محمد حسين آل كشاف الغطاء، والشيخ عبد الحسين شرف الدين، والشيخ محمد جواد مغنية، والشهيد محمد باقر الصدر، والشهيد مرتضى المطهري، والشيخ محمد مهدي شمس الدين، والشيخ محمد حسين فضل الله، والشيخ هاشم معروف الحسني، وحسن العلوي والدكتور حسن عباس حسن وغيرهم.
وسنقتصر على ذكر النظرات التصحيحية لبعض هؤلاء من داخل مجال الحوزة ومن خارجه.
1.الدكتور علي شريعتي: "مثالب" التشيع الصفوي
استهل الدكتور شريعتي نظراته التصحيحية بالحديث عن فئات تضيق بالنقد والتصحيح ، لذلك رأيناه يخاطبهم قائلا: "لا ينبغي لنا أن نتجنب النقد، ويجب علينا السعي بهذا الاتجاه ما أمكننا السعي"،56 والسبب "أن الكثير من المسائل التي تحمل صبغة إسلامية في مجتمعنا يجب تصحيحها، والعودة في فهمها إلى منابع ديننا الأولى"،57 ويسمي الدكتور شريعتي هذا التصحيح إصلاحا، ليس بمدلوله في علم الاجتماع السياسي وفي مدارس الفكر الحديث، بل بمعناه في تراثنا الإسلامي حيث هو "ألصق بمعنى النهضة الإسلامية التي تجسد فعليتها عن طريق النضال ضد الخرافات والجمود (...) والنفي الحاسم لكل ما يطرح ويمارس باسم الإسلام والتشيع"،58 ويهدف من وراء ذلك الإصلاح إلى أمرين:
الأول: تعريف الأمة بالعناصر المنحرفة.
الثاني: تطهير الدين والثقافة والتشيع العلوي مما هو دخيل عليهم.59
وقد خص هذين الأمرين بكتاب كامل هو"التشيع العلوي والتشيع الصفوي" ،وجرت عليه الآراء الجريئة التي ضمنها في االكتاب انتقادت وصلت في بعض الأحيان حد الاتهام"بالوهابية والتسنن"،وحد التكفير من رموز التشيع التقليدي.
ربط شريعتي جميع الخرافات والتعصبات والانحرافات والبدع التي ظهرت في عالم التشيع بالتشيع الصفوي،ومما نبه عليه في هذا الباب:
1.غلو التشيع الصفوي في الأئمة:إذ "يتحول الإمام من عبد طاهر وقائد من جنس البشر إلى موجود غير بشري شبيه بالآلهة الصغار الذين يحيطون بالإله الأكبر في الأساطير وفي معتقدات الأديان الوثنية ولهذا الموجود خصائص إلهية كالخالق والرازق والمدبّر والمهيمن على مصائر الناس ، ويتمتع بولاية تكوينية على حدّ ولاية الله "60،
2.اختلاق "شعائر"الفُرقة: فعمل التشيع الصفوي "على تعطيل أو تبديل الكثير من الشعائر والسنن والطقوس الدينية وإهمال العديد من المظاهر الإسلامية المشتركة بين المسلمين . "61
3. سوء تدبير الاختلاف مع المخالفين: أظهر التشيع الصفوي هذا السوء" على شكل تهم وافتراءات وسباب وشتائم يأنف عنها أي إنسان .. وبذلك أصبح سائغاً جداً لدى الشيعي الإيراني أن يدع التركيز على الفضائل الأخلاقية والإنسانية لعليّ ،ويقتصر على اللجوء الى التنفيس عن عقده وأحقاده بلغة سوقية وألفاظ مبتذلة وافتراءات وأقاويل مقززة بحق الخلفاء ، ويعمد الى اختلاق فضائل وكرامات فارغة للأئمة توجب استغفال عقول الناس وتخديرهم"62
4. تكريس التعصب العرقي والقومي: إذ تم " توظيف المشاعر الصادقة وأحاسيس المذهب الشيعي في خدمة أهداف حركة شعوبية فرضت على إيران طوقاً من القومية عزلها عن العالم الإسلامي وأقامت بين الشعب الإيراني المسلم وسائر شعوب الأمة الإسلامية جداراً أسود من الحقد والضغينة وسوء الظن بالآخر والتهمة والافتراء والطعن واللعن والتحريف والتزييف والتفسيق والتكفير"63،
5.الاستقواء بالأجنبي: وفي هذا الباب وجد "نحو ارتباط بين الصفوية والمسيحية حيث تضامن الاثنان لمواجهة الإمبراطورية الإسلامية العظمى التي كان لها حضور فاعل على الصعيد الدولي أبان الحكم العثماني وشكلت خطراً جديّاً على أوروبا ، وقد وجد رجالات التشيّع الصفوي أنه لا بدّ من توفير غطاء (شرعي ) لهذا التضامن السياسي فعملوا على تقريب التشيّع من المسيحية ، وفي هذا الإطار عمد الشاه الصفوي إلى استرضاء المسيحيين من خلال دعوتهم للهجرة إلى إيران"64
6.افتعال الصراع بين أهل البيت والسنة: "الإسلام لدى التشيّع العلوي يقوم على دعامتين رئيسيتين : القرآن والعترة ، وكما هو واضح فإن التشيّع العلوي آمن بالعترة من خلال إيمانه بالسنّة ، وأن أصل ( العترة) ليس في مقابل السنّة ولا في مقابل القرآن ، بل ولا في مرتبتهما وإنما هي طريق مباشر ومأمون للوصول إلى القرآن والسنّة .. وقيمة ( أهل البيت ) في التشيّع العلوي لا يمكن أن تستمد وجودها من كونهم أهل بيت النبي فحسب... أما التشيّع الصفوي فالعترة عنده هي عبارة عن أسرة ، وهي وسيلة لتعطيل العمل بالقرآن وسيرة النبي وتشويه الوجهة الحقيقية للرسالة ولمبادئها الأولى كالتوحيد، وبالمقابل إرساء قيم مبتدعة تقوم على أساس العنصر والدم والوراثة"65
7. إشاعة مفاهيم خاطئة للعصمة: "في التشيّع الصفوي فإن العصمة عبارة عن حالة فسيلجية وبيولوجية وبار سيكولوجية خاصة لدى الأئمة تمنعهم من ارتكاب الذنوب والمعاصي ، حسناً إذا كنت أنا مخلوقاً كذلك فلن أستطيع ارتكاب الذنوب حينذاك فما قيمة تقواي إذاً ؟ ما قيمة التقوى الناجمة عن العجز عن ارتكاب المعاصي . إن الجدار وفق هذا المفهوم سيكون من أتقى الأشياء لأنه – بالطبع- لا يستطيع أن يذنب"66،
وهكذا وبهذا النفس الإصلاحي التصحيحي تناول علي شريعتي القضايا الأساسية في المذهب الشيعي من قبيل:الوصاية والتقية والولاية والشفاعة والاجتهاد والتقليد والغيبة والدعاء والانتظار.
ومن المعاصرين الذين يستلهمون تراث شريعتي الإصلاحي والتصحيحي الدكتور عبد الكريم سروش وآخرون في البيئة الفكرية الداخلية الإيرانية والبيئة الشيعية عامة.
2.حسن العلوي:
عمر وعلي المشاركة لا القطيعة
أكاد أجزم بأن عمر رضي عنه هو الذي نال ولا يزال القسط الأكبر من نعوت التكفير والتخوين والسب التي وجهها التشيع التقليدي لرموز أهل السنة، "فيحّمله ميراث التشيع الرسمي مسؤولية عدم الأخذ بحديث الغدير ومنع النبي (ص) من تدوين وصيته وأخذه بيعة أهل السقيفة لأبي بكر ومهاجمة بيت الإمام علي وكسر ضلع الزهراء وإسقاط جنينها"67. لذلك فإن تصحيح النظرة للعلاقة بين عمر وعلي – رضي الله عنهما- سينعكس إيجابا على مجمل العلاقة بين الشيعة والسنة،وقد تكفل بإنجاز هذه المهمة سياسي شيعي عراقي هو حسن العلوي في كتابه"عمر والتشيع" الذي اعتبره"كتابة مفتوحة الاتجاهات في عمر بن الخطاب،وفي سياسة الخطاب الشيعي إزاءه"68، ولاحظ:
1." إن الشيعي في فريق القطيعة قد يسُّبُ عمر على الشفاه، إذا كان من عامة الناس، ويسبُّه على مجلدات الأسفار إذا كان عالماً موسوعياً أو شاعراً أي شاعر، فيما يتحرك المتأثرون بنظرية المُشاركة وهم أقلية قليلة في المجتمع الشيعي على استحياء فيلوذون بالصمت..والسُنّي في ثنائية عمر وعلي لا يتعرض للإمام علي بسوء في رده على من ينال من عُمر، وإنما بفتح شهيته التاريخية على المرويات الفقهية لسَب الشيعة وليس إمام التشيع"69
2.إن فقه القطيعة بين علي وعمر يزري بعلي،فتغدو" لوحة الإمام علي في خطاب القطيعة هي دائماً هكذا... رجل منكسر ونفس محطمة، مسلوب الإمكانيات، لا يدافع عن نفسه ولا يدفع عنه شر خصومه مدةَ ثلاثة عشر عاماً. ويتكرر مشهده كلما رغب صانع الخطاب باستخراج قيح الكراهية والبغضاء بين أبي بكر وعمر فيجرده من عناصر القوة للاستدلال على رواية يخرج الفقيه منها رابحاً جمهوره المخدوع وإن خسر الإمام"70.
3.لم يغفل حسن العلوي الإشارة إلى الدور الذي يقوم به من يسمون "المستبصرون" (أي المتحولون من التشيع إلى التسنن) في تكريس فقه القطيعة بين علي وعمر،ونبه على ما لديهم من "شراسة ورغبة في استجماع روايات وأساطير لإنتاج المثالب وصبها على عمر بن الخطاب"71.
ويخلص حسن العلوي من عرضه لأمثلة من تلك الروايات إلى القول:" إن المثالبة إنما رأوا أنفسهم وتخيلوا مواقعهم في أسر سلطات قاهرة، وبإمرة سلطان معاصر، فكتبوا عن خوفهم إزاءه، وتصوروا حال الصحابة مع عمر، حالهم مع سلطان وقتهم، وإلاّ فلماذا لم ينشقوا على هؤلاء الحكام، ويفتحوا ملفات الفساد، ويطاردوهم على شاشات الفضاء، وفي الكتب المجلدة، فتركوهم وانصرفوا عنهم إلى محاكمة بناة الحضارة في ماضينا العادل؟"72.
ولا يسمح المقام لاستعراض كل أفكار السيد حسن العلوي،ونكتفي بذكر بعض العناوين التي رمى من ورائها التأسيس لفقه المشاركة:
علي المؤسس لا المستشار،في يوم السقيفة،الفقه المشترك،الإمام علي يقترح على عمر: التاريخ الهجري ،الإمام علي يؤيد مخصصات لعمر،علي ينصح بذهاب عمر إلى فلسطين،الإمام علي لا ينصح عمر بالذهاب إلى بلاد فارس ،عمر يبسط رداءه للإمام علي ،عمر يقبل رأس الإمام علي ،عمر للإمام الحسين: انتم على الرأس ،عطاء أهل البيت في عهده ،عمر والعلويين ضد الاجتثاث ،الإمام علي يرثي عمر.
3.محمد حسين فضل الله:الشك البناء
هو أحد مراجع التقليد الشيعة الكبار،ابن الحوزة،شاهد على ثقافة العصر،عارف بمسالك ومنعرجات السياسات المحلية والإقليمية والدولية،كاتب مكثر،نجا من عدة محاولات اغتيال،بسبب نظراته التصحيحة اعتبره بعض المنتسبين للمذهب من المنحرفين عقائديا،وخصصوا موقعا إلكترونيا للرد عليه،ودعوا لنزع صفة المرجعية عنه بالقول"محمد حسين فضل الله ضال مضل لا يجوز تقليده"73 ،دفعه الحرص على وحدة المسلمين إلى الشك في مجموعة من اعتقادات التشيع التقليدي التي تكرس الفرقة والنزاع المذهبي منها:
- في العصمة:" إننا لا نفهم المبدأ (العصمة) بالطريقة الغيبية التي تمنع عن الإنسان (حديثه عن خطأ موسى وهارون) مثل هذه الأخطاء في تقدير الأمور , بل كل ما هناك انه لا يعصي الله في ما يعتقد أنه معصية , أما أنه لا يتصرف تصرفاً خاطئاً فهذا ما لا نجد دليلاً عليه"74
- التقية: "التقية لا وجود لها عند الأنبياء الذين أرسلوا ليصدموا الواقع الفكري المنحرف"75،وتناول فضل الله بالتصحيح عددا آخر من القضايا ،فاتهم بالخروج عن ضروريات المذهب:كالتشكيك في روايات كسر ضلع فاطمة الزهراء رضي الله عنها،واعتبار "الإمامة" من المتحول وليس من ضروريات الدين،وإنكار الولاية التكوينية للأئمة أي تصرفهم بالكون.
وممن يعتبرون من رواد التصحيح الشهيد مرتضى المطهري لاسيما في معلمته المتألقة"الملحمة الحسينية" التي صحح بها الانحرافات والتحريفات التي طالت تقاليد تخليد ذكرى كربلاء واستشهاد الحسين رضي لله عنه،ومن أولئك الرواد أيضا الشيخ محمد بن الشيخ محمد مهدي الخالصي،ويسير اليوم على خطه التصحيحي نجله الشيخ جواد الخالصي نصير المقاومة العراقية،ولقد خبرتُ دماثة أخلاقه ،وسعة علمه،في المؤتمر الأخير للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بتركيا حيث أمدني مشكورا بعدد من أعماله الفكرية،وغيرهم لا يتسع المقام لذكرهم جميعا.
ويمنعنا من تخصيص حيز للحديث عن النظرات التصحيحية لأحمد الكاتب: أولا التزامنا بمفهوم معين للتصحيح وهو الذي يصدر عن علماء المذهب وإن كان هو يعد نفسه منهم،وثانيا لأن نظراته يفضي الأخذ بها إلى هدم النظرية الإمامية الاثناعشرية من الأساس بعدم الإيمان بوجود الإمام "الحجة الغائب" بأدلة وحجج من صميم"الصياغة المنطقية" الشيعية، وهو ما يعتبر خروجا عن ضروريات التشيع التقليدي،نعم يمكن إيراد أفكاره في مكان وسياق آخر يتعلق ببيان أسباب"تحوله" و"استبصاره السني".
وهكذا أطللنا بهذه المقالة من عل على أهمية تحقيق التصحيح قبل التقريب،وسننزل فيما يأتي من المقالات إلى أرض التفريع والتفصيل في مجالات وسياقات التصحيح.
***
الهوامش
1- قال الخليل بن أحمد: "الصحة ذهاب السقم، والبراءة من كل عيب وريب" (العين 3/ 14)، وقال الجرجاني: "التصحيح في اللغة: إزالة السقم من المريض" (التعريفات، ص: 73)، وقال أيضا: "الصحة حالة أو ملكة بها تصدر الافعال عن موضعها سليمة، والصحبح ما يعتمد عليه"، (التعريفات، ص: 114)، فالتصحيح إذا عمل على إزالة السقم والخطأ والانحراف الطارئ على الصحة.
2 - الجامع الصحيح، 9/ 84.
3 - المصدر نفسه، 5/ 83.
4 - مسند الإمام أحمد، 1/ 219.
5- مسند الإمام أحمد، 1/ 184- 185، وانظر: ابن أبي شيبة، المصنف، 7/ 478.
6- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان، 8/ 258.
7- المصدر نفسه، 8/ 260.
8 - المصدر نفسه.
9- صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب من رأيا بقراءة القرآن، 6/ 339.
10- انظر مسند الإمام أحمد، 8/ 215.
11- انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان، 8/ 253.
12 - ابن تيمية، منهاج السنة النبوية، 1/ 232.
13- أبو العباس المقريزي، النزاع والتخاصم بين بني أمية وبني هاشم، ص: 32.
14 - انظر: المسعودي، مروج الذهب، 3/ 78- 79، ابن قتيبة، الإمامة والسياسة 1/ 216.
15 - انظر: تاريخ اليعقوبي، 2/ 231، المسعودي مروج الذهب، 3/ 12.
16- انظر: المسعودي، مروج الذهب، 3/ 81.
17 - الطبري، تاريخ الأمم والرسل والملوك، 5/23 بيروت، دار الفكر، 1979 م.
18 - انظر: د.علي سامي النشار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، 2/ 24.
19 - الخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرواية، ص: 150.
20- قال عنه النوبختي، "المغيرة بن سعيد، مولى خالد عبد الله القسري، زعم أنه رسول نبي فاستتابه خالد فأبى أن يرجع، فقتله وصلبه (119 ه) فرق الشيعة، ص: 63.
21 - الكشي، الرجال، 4/ 401
22- المصدر نفسه.
23- انظر: ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب، 2/ 376.
24- المصدر نفسه، 2/ 379.
25 - انظر: المصدر نفسه، 3/ 130.
26- ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم، ص: 299- 300، بيروت، دار الفكر.
27- انظر: ابن الأثير، الكامل، 7/ 294- 295.
28- انظر: ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب، 3/ 186.
29 - انظر: ابن الأثير، الكامل، 8/ 59- 60.وما أشبه ليالي بغداد حيث القتل الطائفي المروع بما نقله المؤرخون البارحة.
30- انظر: صائب عبد الحميد، حوار في العمق، ص: 32.
31- نهج البلاغة، 3/ 178.
32- انظر: النوبختي، فرق الشيعة، ص: 22، ابن كثير، البداية والنهاية، 7/ 174.
33 - محمد الغزالي، دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين، ص: 9.
34- انظر: د.ماجد كيلاني، الأمة المسلمة، ص: 110.
35 - المصدر نفسه.
36 - المصدر نفسه، ص: 111.
37- الإحسان
38- عبد السلام ياسين،نظرات في الفقه والتاريخ ص 27
39- المصدر نفسه
40- نظرات في الفقه والتاريخ ص 29
41- عبد السلام ياسين،العدل ص
42- الإحسان
43- العدل ص
44- محمد بن المختار الشنقيطي،الخلافات السياسية بين الصحابة ص9
45- نفسه ص 44
46- المصدر نفسه ص55
47- انظر أحمد بن علي النجاشي، كتاب الرجال 1/ 25، إيران، مركز نشر الكتاب.
48 - انظر المصدر نفسه، 1/ 26.
49- انظر المصدر نفسه، 1/ 46.
50 - انظر المصدر نفسه، 1/ 50.
51 - انظر المصدر نفسه، 1/ 54.
52- انظر المصدر نفسه، 1/ 57.
53- انظر المصدر نفسه، 2/ 348.
54 - انظر: صائب عبد الحميد، حوار في العمق، ص: 31.
55- الاتجاه الإخباري، اتجاه تكون بفضل الذيوع والرواج الذي لقيته آراء عالم من علماء الإمامية هو الميرزا محمد أمين الاسترابادي (ت 1033 م) فيقطع هذا الاتجاه بصحة الأخبار المروية عن الأئمة، ولا يرون للعالم والفقيه في عصر الفيبة أن ينتقد الأحاديث، وأنكروا الاجتهاد مطلقا إلى غير ذلك، وعمل الاتجاه الأصولي على نقض مقالات الإخباريين، ونادى بالاجتهاد وتمحيص الأخبار والمرويات.
56 - علي شريعتي، الأمة والإمامة، ص: 19 (الهامش).
57 - المصدر نفسه، ص: 32.
58- المصدر نفسه، 12- 13.
59 - انظر المصدر نفسه، ص: 19- 20 (الهامش).
60- التشيع العلوي والتشيع الصفوي،علي شريعتي
61- نفسه
62- نفسه
63- نفسه
64- نفسه
65- نفسه
66- نفسه
67- حسن العلوي،عمر والتشيع ص8
68- نفسه
69- نفسه
70- نفسه
71- نفسه
72- عمر والتشيع
73- انظر موقع: www.mezan.net
74- من وحي القرآن 10/251
75- نفسه 9/164


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.