قال البيقوني رحمه الله: وَقُلْ غَرِيبٌ مَا رَوَى رَاوٍ فَقَطْ قال ابن حجر في "نزهة النظر": الغَريبُ هُو ما يَتَفَرَّدُ بِروايَتِهِ شَخْصٌ واحِدٌ، في أَيِّ مَوْضِعٍ وَقَعَ التَّفَرُّدُ بِهِ مِنَ السَّنَدِ.اه فقد يتفرد بروايته الصحابي، فلا يُعرف إلا من جهته، ولوتعددت الطرق إليه، ومثاله َحديثِ النَّهْيِ عَنْ بيعِ الوَلاءِ وعَنْ هِبَتِهِ(متفق عليه)؛ تفرَّدَ بهِ عبدُ اللهِ بنُ دينارٍ عنِ ابنِ عُمرَ. وقد ينفرد بروايته عن ذلك الصحابي تابعي واحد، كحديث شُعَبِ الإِيمانِ(متفق عليه)؛ تفرَّدَ بهِ أَبو صالحٍ عَنْ أَبي هُريرةَ، وتفرَّدَ بهِ عبدُ اللهِ بنُ دينارٍ عَنْ أَبي صالحٍ. وقد يستمر التفرد في جميع رواة الحديث أو أكثرهم. ولعلك أيها القارئ لاحظت أن الغريب يُعَرَّفُ بالانفراد، فبينهما تداخلٌ، وقد حرر الإمام ابن حجر(852ه) بَعْدَ بيانِه الأمثلةَ السابقة، أن الحديث الفردَ أعمُّ من الغريب، فالغرابةُ جزءٌ من الانفراد، لأن الانفرادَ نوعان، مطلقٌ ونسبي، والغريب هو الفرد المطلق، أي الذي انفردت روايته من جهة واحدة في جميع البلدان، بخلاف الفرد النسبي الذي يُنعت بالفردية، لكونِ التفرُّدِ فيهِ حصلَ بالنسبةِ إِلى شخصٍ معيَّنٍ أو إلى بلد دون غيره، وإِن كانَ الحَديثُ في نفسِه مشهوراً. وهذا مقصود البيقوني بقوله: والفَردُ مَا قَيَّدْتَهُ بِثِقة ... أَوْ جَمْعٍ أوْ قَصْرٍ عَلَى رواية أي يسمى فردا باعتبار أنه لم يروِ الحديثَ عن هذا الثقةِ إلا هذا الراوي الثقةُ، أو باعتبار أن الحديث لم يروهِ إلا أهلُ قبيلة أو بلد معين، كحديث عائشة(في الموطأ) أنه صلى الله عليه وسلم صلَّى على سهيل بن بيضاء في المسجد، قال الحاكم(405ه) في "معرفة علوم الحديث": تفرد به أهل المدينة. أو يسمى فردا باعتبار تفرد الراوي بالحديث عن راو، بأن لا يرويه غيره، وإن كان مرويا من وجوه أخرى عن غيره. قال الدكتور نور الدين عتر في "منهج النقد": الحديث الفرد هو ما تفرد به روايه بأي وجه من وجوه التفرد، فهو أعم من الغريب، تدخل فيه أقسامٌ لا تدخل في الغريب. وذكر ابن حجر رحمه الله أنه غلب إطلاق الفرد على الفرد المطلق، والغريب على الفرد النسبي. قال عتر: الفرد المطلق هو الغريب إسنادا ومتنا، والفرد النسبي هو الغريب إسنادا لا متنا. ثم قال: ومن هذا يظهر تقارب هذين النوعين من بعضها، حتى اختلف فيهما المحدثون هل هما نوع واحد أو نوعان مفترقان. والأَوْلَى جعلُهما نوعين، لما عرفت من عدم دخول بعض الأفراد في الحديث الغريب، مثل أفراد البلدان وأفراد القبائل.