أتيتُك بعد الموت شيخيَ راثيا قضاءً لبعض الديْن في ذمتي وقَر
أُقدِّمُ رجلاً في العزاءِ وأنثني بأخرى وتعروني المهابةُ والزوَر
ولكنني أُدلي بدلوي محاولا ومثلُك مَن أغضى ومثلُك مَن عذَر
عليَّ لكَ الفضلُ الذي ليس ينتهي ومني لك البِرُّ الذي ما به (...)
وما قُرئ القرآنُ إلا ذكَرْتُكم وأبحرتُ في تلك الشمائلِ والفِكَر
وخُيِّل لي القرآنُ يمشي مُجسَّداً على قَدَمٍ والآيُ تخطُرُ والسوَر
وأسفارُكَ اللائي حفظتَ متونَها كأنك في المرآة تُبصِرُ ما استَطر
وما حملتْ أُنثى بمثلكَ يافعاً تَضَلَّعَ في علمِ (...)
فياشيخي الغالي وشيخ بني الحمى وهم كنجوم الليل في كل محتَضَر
لقد كنتُ قبل اليوم آتيكَ زائرا إذا ما زمان القيظ بالقيظ قد قهَر
فأنزل في ظل وريف وبهجة وفي كنفٍ ضاف من الجود والحبَر
وشوقي إلى ذاكَ المُحيَّا يهزُّني "كما انتفض العصفور بَلَّلَهُ (...)
لقد جلَّ فيكَ الرُزْءُ حتى كأننا وُتِرْنا بكَ الأنجالَ والمالَ والنفَر
وفيكَ يجِلّ الأجرُ إذْ عظُم الأسى وعنكَ يجِلُّ الصبرُ لو هانَ مُصطَبَر
وما قدرُ ما تذرو عليكَ عيونُنا سينزِفُ دمعُ العين والحزنُ ما فتَر
وما فضلُ مَن يرثيكَ منا وقد بكتْ وناحتْ (...)
فكمْ قارئٍ مِن ثمَّ قدْ شَدَّ رَحلَه وقد غربتْ شمسُ المقارئ في الحُفَر
وكمْ طالبٍ قد حنَّ مِن بُعدِ أرضِه فقيل : تعَزَّ الآنَ قدْ فاتَكَ الوَطَر
فهيهات هيهات العقيق ومن به وهيهات من في لحده حلَّ واستَقَر
لنا الله يا شيخَ المشايخ والحمى قد انطمَسَتْ (...)
فلما قضى الرحمن فيك قضاءَه وحُمَّ مرادُ الله فيكَ بما قدَر
تغيَّرتِ الدنيا وأوحشَ حسنُها وأمسى جهادُ الأمس ذكرى من الذِّكَر
فياشيخنا الغالي فقدناكَ في الحمى فقامتْ حروفُ الذكرِ تنعيك في الأثَر
تذكِّرُ بالعهد العهيد وأهلِه وما كان فيه من جهادٍ ومن (...)
فوطَّدتَ للقرآن مجداً مُؤثَّلا وطار لك الذكْرُ الذي صِيتُهُ بهَر
عرفناك فيها منذ ستين ما وَنَتْ ولا اختلفتْ منك الخلائقُ والصوَر
مُكّباً على التنزيل دهرَك لا تُرى بغير الذي يعنيكَ تُشغَلُ أو تُسَر
فورشٌ وقالونٌ وبزٍّ وقُنبلٌ ودورٍ وسوسٍ والمجاميعُ (...)
وكم أحرزت أكنافه من مواهبٍ إلهيةٍ مأثورةٍ سرُّها ظَهَر
به أُقبر الإتقانُ والعلمُ والنُّهى به استُودع الإحسانُ والحلمُ والخفَر
تفَرَّدتَ في معناك في الفضل والحجا بحيث انتهى المضمار وانقطع الأثر
وفي الأدب السامي وفي الخُلُق الذي تسلسل كالشهد المروَّق (...)
أتاكَ من الأنباء ما فيه مُزْدَجَر وما فيه ذكرى للمنيب ومعتَبر
وجاءك من أقدار ربك ما قضى فلا تعترض فالأمر يجري لمستقر
وياناعياً أيقظتَ للوعي من وعى وللسعي قبل الفوت من كان في سَدَر
فيوشكَ أنْ تُدعى ويوشكَ أن تُرى يُعزَّى بكَ النادي ويبكيكَ مَن (...)
فيا طاهرَ الأنفاسِ حلَّقتَ في المدى فأعجزتَ في التحليقِ من هو طائر
وحُقَّ لأرضٍ أنجبتكَ بأن تُرى بذكراكَ تُزهى في الورى وتُفاخر
وتُحيي لكَ الذكرى بكلِّ ثنيةٍ وتُتلى بها مما بذلتَ المآثر
وتُثني عليكَ الخيرَ في كلِّ مجمَعٍ إذا استَفتَحَ السبعَ (...)
إليك نديَّ الفضل وافيتُ رافعا نَميقةَ شعري في عُلاك مسارعا
وبين يدي نجواي أُزجي تهانئي لرابطة العَلْيا أمينا وتابعا
أُلَبِّي نداء للمقاصد يبتغي سياقا لها في العصر يُثري المواقعا
عسانا إلى ا لإحياء والبعث ننتحي مناحي في التجديد تشفي المواجعا
فقد (...)
كيف كانت تحركهم كلمة، وتقض مضاجعهم كلمة، وتُزعجهم عن مسقط الرأس كلمة، من أجلها يفسخون من "الشرط" ما عقدوه مع الجماعة، ومن أجلها يقطعون المسافات، ويضربون في الفلوات، ويقضون في الغربة السنوات من أجل كلمة، ويغيرون مسار الجهة التي هم فيها من أجل كلمة، (...)
في حلقة ماضية من سلسلة "علو الهمة عند قرائنا" تحدثنا عن نابغة من نوابغ هذه البلاد، وباقعة من بواقع الكد والاجتهاد، والصبر على اللأواء واعتساف المجاهل في طلب القراءات وانتجاع حلقات المشايخ الكبار، ذلكم هو الإمام المقرئ العلامة شيخ الجماعة بفاس (...)
كان هذا الشيخ المقرئ أحمد بن إبراهيم بن سعيد البوجرفاوي السوسي الملقب بلقب "أَنجَّار" آية من آيات الله في علو الهمة وقوة اليقين، وكان قد ولد بقرية "أكرار" من قبيلة "آيت نِصْف" من قبائل "آيت باعمران" السوسية أواخر القرن الهجري الثاني عشر.
أخذ القرآن (...)
وفي أثناء تصدر الشيخ محمد بن عبد السلام بمدينة الصويرة حول عام 1195 ه ورد عليه من نجباء شيوخ بلاد الشياظمة من أبناء بعض زوايا رجراجة أبو محمد عبد الله بن علي السكياطي الرجراجي صاحب المدرسة الشهيرة بزاوية سكياط بالشياظمة على نحو ستين كلم شمال (...)
سطع نجم شيخ الجماعة محمد بن عبد السلام الفاسي في عهد السلطان المولى محمد بن عبد الله، وكانت للسلطان عناية بالغة به، ولذلك وقع اختياره عليه ليتحفه ويتحف به جوهرة الجنوب الجميلة وعروس البحر الساحلية مدينة الصويرة، التي كان السلطان قد تأنق في بنيانها (...)
قال د. عبد الهادي حميتو، عضو المكتب التنفيذي للرابطة المحمدية للعلماء، إن رواية ورش هي الرواية المفضلة عند المغاربة منذ أول المائة الثالثة من الهجرة، ولم تستطع رواية أخرى أن تزاحمها، وأشار إلى أن أكثر ما قوّى هذه الرواية وشد أزرها هو ظهور المؤلفات (...)
كانت الرحلة إلى الأندلس من لدن المغاربة في طلب القراءات وتحقيق الروايات أمرا معهودا، أمسى على عهد ازدهار العلوم في الفردوس المفقود من مظاهر علو الهمة في الطلب، والسعي إلى اقتعاد مناصب المشيخة والإمامة في الدين، ثم لم يلبث اتجاه الرحلة أن تحول إلى (...)
كانت مدينة إشبيلية في غرب الأندلس عاصمة بني عباد من ملوك الطوائف الذين تقاسموا ولايات البلاد التي كانت تحت الخلافة الأموية أيام ازدهارها أواخر المائة الهجرية الرابعة، فورثت مملكة إشبيلية مجدا علميا وحضاريا باذخا تمثل في استقطاب خيرة القراء والفقهاء (...)
كانت مدينة القيروان بإفريقية عاصمة المغرب قبل قيام الدولة الإدريسية بفاس، وكانت رحلة أهل الأندلس والمغرب إليها للأخذ عن قرائها وعلمائها، كما كان قراؤها يرحلون في طلب القراءات إلى المشرق حتى إذا عادوا إلى القيروان شدوا الرحال منها إلى الأندلس منتجعين (...)
تصدر أبو عمرو للإقراء منذ أن رجع من رحلته المشرقية فبلغ تلاميذه العشرات، ثم لمع نجمه أكثر بعد أن استقر به المقام بمدينة دانية في كنف أميرها الشهير مجاهد بن عبد الله العامري الذي كان ينافس ملوك الطوائف في تقريبه للقراء والعلماء.
وقد اشتهر أبو عمرو (...)