لم أكن متفقا مع أستاذ التاريخ والجغرافيا لما كنت في الباكالوريا في أواخر الثمانينيات، ولكن التشبيه الذي أقامه بين "الغشاش" في الامتحان واللص كان مثيرا فعلا. عند أي فرض في القسم كان يقول بصوته المهيب وثقة غريبة في النفس: النقّال بحال الشفار.. إلى نقل (...)
كان المقصف والساحة والقاعات والمدرجات، وحتى المساحات المهملة خلف المدرجات بالنسبة إليّ ولأقراني الطلبة، فضاءات للحرية المطلقة. لم نكن نكترث كثيرا للتعبير عن كل آرائنا المغرقة في الجرأة، وكان بعضنا لا يتوانى التنافس على الأكثر جرأة، والأكثر شجاعة (...)
بدا آلان جوبي، الوزير الأول الفرنسي السابق والمرشح القوي لتمثيل حزب "الجمهوريين" في رئاسيات 2017 بفرنسا، حذرا عند الحديث عن التوتر بين الرباط وواشنطن بخصوص ما تضمنه التقرير الأخير للخارجية الأمريكية حول المغرب. ولكنه مع ذلك، انتقد خلال لقاء مع (...)
لم تكن عندنا «خدامات» في حينا البسيط بدرب السلطان، لذلك ارتبطت لدي، لسنين طويلة، «الخدامة» بصورة واحدة صادفتها رفقة عدد من أقراني في حي للفيلات غير بعيد عن مسكننا: فتاة صغيرة بفولار أحمر شاحب وملابس فوضوية الألوان، وخصوصا حذاء قديم أكبر من قدميها (...)
تتناول رواية «هوت ماروك»، للكاتب والشاعر عدنان ياسين، حيوات مجموعة من الشخصيات المغربية التي عبرت بنقرة واحدة الهوة السحيقة التي تفصل عالمها الواقعي عن الكون الافتراضي، أسوة بما يقرب من 18 مليون مغربي، أي أكثر من نصف سكان البلاد بقليل. من هؤلاء (...)
رجل له شارب كث ونظرات صقرية تزيد من حدتها النظرات السميكة، يتقدم، مثل سلطان صغير، محاطا بأعوانه وبحفنة من "المخازنية" بزيهم الزيتي الداكن وأحذيتهم "البرودكان"، وخصوص ملامحهم المكفهرة دوما، والكل لا يملك سوى الانحناء لفظاظة لسانه وتجاوز يده وأيد (...)
ودعنا هذا الأسبوع الشاعر التونسي الشفيف محمد الصغير أولاد أحمد بعد أن أسمعنا- بكلماته التي كان يمتحها من معجم خفيف شفيف كجناح الفراشة ومنعش كماء بئر مهجورة- ذلك الصوت الخافت الذي يهمس فينا بكلام قد لا نسمعه، ولكننا نحسه. ودعنا أولاد أحمد بعد أن ترك (...)
لما كنا صغارا، كانت أذاننا تلتقط – خاصة في الصيف الذي تكثر فيه الأعراس- صوت مزماز وطبول فرق «الغياطة» من بعيد، فنرصد مكانها بدقة غريبة ونخف إليها ونحشر أنفسنا وسط الصخب الذي تثيره، ونسير خلف «الكارو» المحمل بقوالب السكر والأواني الصقيلة التي تلمع (...)
بعد كل هجوم إرهابي يستهدف أناسا عاديين مثلك ومثلي، كانوا منخرطين في تدبير شؤون متاهة يومهم (بفرح أو غضب أو غيظ أو قلق لا يهم)، في مكان ما من هذه "القرية الكونية"، صرت أجدني، في السنوات الأخيرة، منجذبا إلى تعقب التحاليل التي تحاول "تفسير" ما جرى، وفي (...)
قبل سنوات قليلة، قمت بزيارة إلى أمستردام، ضمن وفد من الصحافيين المنتمين إلى شمال إفريقيا والشرق الأوسط استضافتهم الخارجية الهولندية، وكان برنامج الزيارة يشمل لقاءات مع جمعيات مدنية كان ينشط فيها مواطنون هولنديون من أصول مغربية (المغاربة يشكلون ثاني (...)
وجدتني في وضع غير مريح بالمرة نهاية الأسبوع الماضي، لمّا علمت بما جرى في وجدة، وما تعرض له رئيس الحكومة عبدالإله بنكيران في ذلك اللقاء الذي نظمته إحدى مؤسسات التعليم العالي الخاصة. فلم أخف يوما تعاطفي، بل وتضامني مع مطالب مختلف الفئات الاجتماعية من (...)
… ودار العام في غفلة من البال والروح المنغمسين في دوامة حروبنا الصغيرة التي لا أول لها ولا آخر، مثل متاهة «ديدلاس».. دوامة أبدد فيها جهدا رهيبا للهروب من وحش اسمه «اليومي» يحاول التهامي كاملا تماما، كما كان أولئك الإغريق البسطاء يحاولون عبثا الهرب (...)
حاولت أن أتخيل مصير (أو بالأحرى مصائر) عبد الرحمن المكراوي، الذي تجرأ على إماطة اللثام عن بعض من الفضائح التي تنخر التدبير المحلي- خصوصا في الهوامش التي لا تأبه بها الأعين- لولا احتمائه بعباءة الشبكات الاجتماعية التي تعري كل شيء.
ولا أخفيك أن (...)
لم يفاجئني كثيرا ما قاله ذلك الإمام في خطبة الجمعة بسلا الجمعة الماضية أمام ثلة من المصلين، بخصوص الهزات الأرضية التي تضرب شمال المغرب منذ أيام، والتي ربطها بشكل آلي بغضبة إلهية على سكان تلك المنطقة «الغارقين في المعاصي»، ولا فاجأني ربط رئيس الحكومة (...)
أثارني ذلك التأويل الذي اعتبر أن وصول إلياس العماري، بشكل رسمي، إلى الأمانة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة، يكمل أضلع مربع الشعبوية، أما الأضلع الثلاثة الأخرى فهي طبعا: عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة والأمين العام للعدالة والتنمية، حميد شباط، الأمين (...)
لما كنت في الإعدادي لم نكن نصدق من يأتينا بخبر غياب أستاذ ما، إلا أن أقسم و»حلف» بأغلظ الأيمان. كنا نحس (حامل الخبر والمحمول إليهم على حد سواء) أننا في حاجة دائما إلى سند فوقي يدعم البشرى، ربما لقلة الأنباء السارة في تلك الإعدادية التي كانت مشهورة (...)
تخيلت لمياء، تلك الأساتذة المتدربة، التي تحول وجهها الدامي إلى رمز لما تعرض له زملاؤها من تنكيل على يد قوات الأمن قبل تسعة أيام في البيضاء ومراكش وإنزكان، وهي تدخل قاعة الدرس بوزرتها البيضاء على الأرجح، ومحياها الملطخ بالدم. وخامرني ظن – أشك أنه (...)
لم أكن أتقن سوى ترديد عبارة «أشتا تاتا تاتا»، ثم أخفي صوتي خلف الأصوات الحادة الأخرى وأعوض جهلي ببقية العبارات بحماس مبالغ فيه، وبالحرص الشديد على مسايرة إيقاع أقراني الذين يحفظون عن ظهر قبل ذلك النشيد الذي كان ينبت في ذاكرتي الصغيرة مثل عشب أخضر (...)
كل الذين سقطوا في الهجمات الإرهابية التي هبّت على باريس عاصمة الأنوار، مثل عاصفة صحراوية هوجاء، هم أفراد فريدون، لا يشبه فيهم الواحد الآخر.. منهم من كان في مطاعم المقاطعة الحادية عشر فقط، للتخفف من التعب بعد أسبوع من القفز من محطة متيرو إلى أخرى.. (...)
مرابطلم يفاجئني مطلب فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ومدير الميزانية في وزارة الاقتصاد والمالية، بمنع صحافي من الكتابة، بقدر ما نبهني مرة أخرى إلى تلك العلاقة المتوترة التي مازالت للكائن المغربي، في عمومه، مع الكتابة مهما كانت، (...)
ارتبط عندي المهدي بنبركة ب«صندوق لوقيد» (علبة الثقاب). فلما كنت صغيرا، ثم يافعا. لم يكن يذكر هذا الاسم حولي إلا وهو بطل لتلك الحكاية الجميلة التي كانت تتداولها ألسن الكبار بكثير من الإعجاب والانبهار.. تلك الحكاية التي تقول إن الرجل، الذي يحمل هذا (...)
ما أقدم عليه المجلس الوطني لحقوق الإنسان كان مفاجأة سارة بالنسبة إليّ، بغض النظر عن الحسابات السياسية أو غيرها التي قد تكون أو لا تكون خلف خطوته، وبالرغم من أنني أعلم جيدا أنه سيتم وأدها سريعا وحتى قبل أن تنهي صرختها الأولى، ولو إلى حين.
كانت مفاجأة (...)
نعم، لا أنكر أني أغتاظ كثيرا من جواز سفري الأخضر هذا كلما رمتني الظروف هناك، في أحد المطارات الغربية، لأن شرطي الحدود يمعن فيه وفيّ بنظرات تنضح ريبة.
وحدث في بعض المرات أن طلب مني، بحركة باردة وبملامح محايدة التنحي جانبا، حتى ينظر في أمر جوازي (...)
وجدت صعوبة في تذكر ملامح المعلمين الذين رمتني الأقدار بين أيديهم، في تلك المدرسة الخاصة المتواضعة في حينا المتواضع أيضا بالدار البيضاء، حين علمت بغتة في بداية الأسبوع أن العالم يحتفل باليوم العالمي للمدرس. فقد ضاعت قسماتهم وأسماؤهم في أخاديد ذاكرتي (...)
لم تفاجئني النتائج الهزيلة التي حصل عليها اليسار، أو بالأحرى حصل عليها الحزب الذي كان بالنسبة إليّ يمثل تلك القاطرة التي تجر وراءها كل العربات الأخرى لليسار.. تلك القاطرة التي كانت تحمل أحلام وآمال تلك «الجماهير الشعبية» الهلامية.. تلك القاطرة التي (...)