حاولت أن أتخيل مصير (أو بالأحرى مصائر) عبد الرحمن المكراوي، الذي تجرأ على إماطة اللثام عن بعض من الفضائح التي تنخر التدبير المحلي- خصوصا في الهوامش التي لا تأبه بها الأعين- لولا احتمائه بعباءة الشبكات الاجتماعية التي تعري كل شيء. ولا أخفيك أن ذاكرتي، الحبلى بالحكايا الرهيبة حول بطش السلطات والأمن في الماضي، أسعفتني بكثير من السيناريوهات كل واحد أكثر مأساوية من الآخر، تماما مثل روايات فرانز كافكا. بما أنه كائن مغربي بسيط في جماعة بسيطة، عادة ما يتمتع فيها رجال السلطة و»المنتخبين» بنفوذ وسطوة كبيرتين، ففي أسوأ الحالات، فربما وجد نفسه في مكان ما «وراء الشمس»، كما كان يحدث في الأمس القريب، ولربما تم استضافته في قبو مجهول لما تيسر من «تأديب/ تعذيب» لأنه تعدى على حدود «أسياده». أما أقل ما كان سيتعرض له، هو تطويقه بتهم ثقيلة ترمي به وراء قضبان أحد السجون لما تيسر من الوقت حتى «يتربى»، و»يتوب»، و»يحرم على نفسه» الاقتراب من «الكبار» و»شؤونهم»، وإن حدث ومر بالقرب منهم وأزكمته روائح شؤونهم، فسيسرع، على الأرجح، إلى وضع يده على أنفه والإشاحة بوجهه، ثم تسريع الخطى للابتعاد ما أمكن. ولعل هذا كان على وشك الحدوث، خاصة بعد أن ارتأى وكيل الملك بآسفي أن عبد الرحمان لم يفضح غشا في تزفيت تلك الطريق، بل اتهمه بإتلاف ممتلكات عمومية، وتعييبها. وفيما بين هذين الحدين، يمكنك أن تتخيل ماذا كان سينال – وربما كل المقربين منه- من تنكيل مادي ومعنوي. كل هذا لم يحدث. فمن حسن حظ عبد الرحمان أنه جاء في عصر أصبح فيه العالم الافتراضي يفضح كل ما يجري في «العالم الواقعي»، تماما مثلما يفشي الطفل الصغير الأسرار الصغيرة للأم أمام الأب، ويفضح لها تغزله في الجارة الجميلة. في بلد مثل بلادنا، حيث مازال القانون مظلة لا تحمي الكائن المغربي البسيط.. مازالت العدالة «عمياء» وتسمح لأياد، مجهولة أو معلومة، بتوجيهه، صار العالم الافتراضي المفتوح على المطلق ملاذا لهذا الكائن يصرخ فيه ألمه وشكواه، ويستمد منه الدعم والقوة، وهو الأعزال العاري في العالم الواقعي والأيادي النافذة للعالم الواقعي. مرة أخرى، كشفت حادثة فاضح الزفت المغشوش، أن العالم الافتراضي، وشبكاته الاجتماعية، صارت تلك الساحة التي يفضلها المغربي لنشر غسيل الواقع المغربي.. خاصة ذلك الغسيل الذي يحاول أصحابه إخفاءه ما أمكن.