يعد مصطلح الميراث الرقمي حديث العهد في التشريعات الغربية وبالأحرى العربية الإسلامية، ومن أهم التشريعات التي تصدت للإرث الرقمي إلى جانب الفقه، نجد القانون والفقه الأمريكي، والذين حاول تعريف الإرث الرقمي، وتحديد عناصره، وخصائصه، ومختلف القواعد المؤطرة لهذا النوع من الإرث، والذي بدأ يعرف انتشارا كبيرا وغير محدود، إذ أضحى مصير الحسابات الإلكترونية والصفحات والبريد الإلكتروني والاشتراكات، وما تتضمنه من نصوص ورسائل وفيديوهات وبرامج وصور وتطبيقات وكلمات مرور بعد الوفاة أمرا مهما، وبسبب ذلك ظهرت المشكلة القانونية الكبيرة في معرفة مصير الإرث الرقمي ومآله بعد الوفاة. وقد تعددت التعريفات الاصطلاحية للإرث الرقمي، حيث ذهب البعض إلى أنه :" تحديد الطرق أو الوسائل القانونية التي تبين مصير أو مآل الحسابات والصفحات والصور والنصوص التي يخلفها الشخص بعد وفاته، وهل يحكمها نظام إجباري أم اختياري؟". وعرف البعض الأخر الإرث الرقمي بأنه:" الأشياء الرقمية التي يتكون محتواها من قيم يغلب فيها الجانب الشخصي على الجانب المالي، أي يكون للاعتبار غير المالي أقوى من اعتبارها المالي، كما في صفحات التواصل الاجتماعي وما تحويه من تعليقات ومنشورات وإعجابات، والبريد الإلكتروني، ومقاطع الفيديو الشخصية، والصور، والكتب، والملفات، والرسائل الشخصية، ومحتويات الهاتف النقال، والنشاطات الفكرية والاجتماعية للشخص على الانترنت، وغيرها من الأشكال الأخرى، التي يحوزها الشخص طبقا لدافع عاطفي أو لذوقه الخاص، أو وفقا لمتطلبات الوظيفة أو المنصب الحكومي أو السياسي أو الإداري وغيرها من الدوافع الأخرى". إذن الميراث الرقمي يمكن إجماله في الأصول والحسابات الرقمية للشخص بعد وفاته، أو حتى إصابته بعارض عقلي، أو مرض يمنعه من استخدام حساباته، وتطبيقاته الإلكترونية، فتؤول هذه الحسابات للورثة، أو جهات معينة للوصول إليها وإدارتها، أو إلغائها بعد وفاة صاحبها. وبناء عليه فالإرث الرقمي يقصد به المآل القانوني للأصول والحسابات الرقمية للشخص بعد وفاته، وفيما إذا كانت هذه الأصول والحسابات تؤول هي ومحتوياتها لورثة المستخدم، أو يجري إلغائها من قبل مزودي الخدمات الرقمية، أو يصار إلى السماح لورثة المستخدم أو لشخص أو جهة معينة الوصول إليها وإدارتها مع الإبقاء عليها كما هي أو بعد تعطيل بعض خصائصها أو استنساخ محتوياتها قبل إلغائها. و تجدر الإشارة إلى أن أغلب التشريعات العربية تخضع قواعد الإرث للمرجعية الإسلامية، سواء فيما يتعلق بتصفية التركة وقسمتها وتوزيعها على الورثة كل بحسب منابه الشرعي، أما الميراث الرقمي المعنوي والذي لا يتعلق بالأصول الرقمية المادية، فيمكن من حيث المبدأ إلزام مزودي الخدمات والتطبيقات الرقمية الاحتفاظ بها لفترة معينة من الزمن، على أن يسمح للورثة للوصول إليها أو استنساخها عند الطلب خلال تلك الفترة قبل أن يصار إلى حذفها. إذن الميراث الرقمي ما هو سوى ميراث عادي ناتج لنا من أجدادنا وآبائنا قابل للتقويم المالي وهو يدخل في خانة الممتلكات غير المنقولة، ويمكن أن يكون ما نقل إلينا مستندا مهما، في إطار حماية أسرار الحياة الخاصة عند فحص طلبات الميراث الرقمي، لاسيما في مرحلة المراسلات للحصول على الميراث الرقمي، لأنه بكل بساطة يعتبر من التركة، والتي عرفتها المادة 321 من مدونة الأسرة بأنها:" مجموع ما يتركه الميت من مال أو حقوق مالية"، والإرث انتقال حق بموت مالكه بعد تصفية التركة لمن استحقه شرعا بلا تبرع ولا معاوضة حسب ما نصت عليه المادة 323 من مدونة الأسرة. وتجدر الإشارة إلى أن نص المادة 321 يدل أن المشرع المغربي قد تبنى رأي الجمهور في الفقه الإسلامي، فيما يتعلق بموقفه من معنى التركة أو الإرث، بحيث جعلت هذه المادة التركة بكل ما يخلفه المتوفى من أموال أو حقوق سواء مالية أو عينية أو شخصية، فهل يمكن اعتبار الميراث الرقمي صورة من صور التركة بشكل عام؟ إن قانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية نص صراحة في المادة الثانية في الفقرة الأخيرة على استثناءات متعلقة بصحة المحررات المعدة بشكل إلكتروني أو الموجهة بطريقة إلكترونية ومتعلقة بتطبيق أحكام مدونة الأسرة والمحررات العرفية المتعلقة بالضمانات الشخصية أو العينية، ذات الطابع المدني أو التجاري لا تخضع لأحكام القانون 53.05، ماعدا المحررات المنجزة من لدن شخص لأغراض مهنته، وبالتالي يمكن القول أنه لا يمكن تطبيق هذا القانون على أحكام مدونة الأسرة ومنها المتعلقة بالتركة، وبالتالي لا يمكن اعتبار الميراث الرقمي من مشتملات التركة بشكل عام حسب التشريع المغربي الحالي، الذي يحتاج بطبيعة الحال للتعديل والمراجعة. فالنص التشريعي المنصوص عليه في القانون أعلاه لم يكن موفقا، لأن النسق التشريعي لمدونة الأسرة يختلف تماما عن النسق التشريعي لقانون الالتزامات والعقود، فقواعد الإحالة في مدونة الأسرة لها خصوصيات مرتبطة بالطابع الديني لهذه الأخيرة. وقد كانت الولايات في أمريكا تعتمد على العقد المبرم بين الشركة المزودة للخدمة أو المرخصة والشخص المتعاقد معها المستخدم أو الزبون في تنظيم مسألة الإرث الرقمي، والمزود قد يكون متوفى إذا كان صاحب الخدمات الرقمية ومالك التطبيق وتوفي وقد خلف العديد من هذه الخدمات الرقمية، وقد يكون المتوفى مستخدم هذه التطبيقات ومستغلا لهذه الخدمات، ولكن بعد ذلك قامت 32 ولاية بإنشاء قوانين ترمي لحماية التركة الرقمية للأشخاص، ومنح ورثة الشخص أو أي مستحق وفق القانون، الحق في الوصول أو نقل أو نسخ هذه الحسابات، والمحتويات الرقمية وإدارتها بعد وفاة المالك، ولذلك تدخلت التشريع الوحيد في العالم الذي حاول تعريف الميراث الرقمي هو ما ورد في الفصل الأول من قانون الوصول الأمن للأصول والحسابات الرقمية في ولاية ديلاوير الأمريكية الصادر في يوليوز 2015، والذي حاول إعطاء تعاريف لكل المقتضيات الرقمية من خلال استعراض محتويات الإرث الرقمي، والتي تتضمن الأصول الرقمية، والتطبيقات القضائية، والحياة الرقمية، والوفاة الرقمية، والميراث الرقمي، واتفاقية الشروط والأحكام، وأخيرا حق الإنسان في أن ينسى. ويطرح الإرث الرقمي مسألة مهمة متعلقة بالحق في الخصوصية كأحد أهم المعيقات التي تقف في وجه الميراث الرقمي، لأن هذه التركة جل عناصرها معنوية ولها مكانة خاصة في حق صاحبها المتوفى. حيث تتوقف مسألة انتقال الميراث الرقمي في معرفة حدود احترام خصوصية الشخص وحياته الخاصة بصورة هادئة مستمرة دون قيود وعراقيل، حيث إن استفادة الخلف العام من التركة الرقمية، يستلزم منطقيا الاصطدام بالحق في الخصوصية. والإرث الرقمي انتهاك للخصوصية في المجال الرقمي، ولذلك قد يضطر الشخص بأن يدلي للشركات المزودة بمجموعة من المعلومات الشخصية والحساسة عن شخصيته، مما دفع ذلك إلى تشدد التشريعات وإلزام الشركات لوضع شروط تمنع من الاطلاع على البيانات الشخصية للمستخدم حتى بعد وفاته لئلا تتم انتهاكها. وهذا هو المبرر الذي صيغ من أجل خرق حق الخصوصية عند انتقال الإرث الرقمي المتسم بالطابع الشخصي، إذ يتميز محتوى هذه الصورة من التركات بخصائص جديدة لم تكن موجودة في غيرها من موجودات التركات الأخرى، ومن هذه الخصائص تضمنها كم كبير من المعلومات والأصول الرقمية الشخصية وأسرار خاصة تتعلق بالمتوفى، فلا يمكن تصور الانتفاع بالتكنولوجيا إلا بعد وضع جملة من البيانات أو المعلومات الشخصية التي تتسم بالسرية والحساسية، التي لا يرغب الكثير من المستخدمين من اطلاع الآخرين عليها، كالعمر والجنس والتوجه الديني والتوجه الجنسي والاسم المدني والتحصيل العلمي، فضلا عن سرية الحادثات والصور والفيديوهات وغيرها من آلاف البيانات السرية للمستخدم. ونعتقد أن العلاقة بين الحق في الخصوصية لدى المتوفى وفكرة الإرث الرقمي هي الانسجام والترابط وليس التعارض والتضاد، رغم أن انتقال الإرث الرقمي إلى الغير لا يتم إلا بعد الاطلاع أو التصرف بالبيانات الشخصية للمتوفى مما يترتب عنه انتهاك للخصوصية، إلا أن انتقال الإرث الرقمي لا يتم من طرف الغير وإنما من الورثة الذي يعتبرون من الخلف العام كالأبناء والزوجة وغيرهم من الورثة، والذين يحرصون أشد الحرص على إكرام المتوفى وخاصة لدى المجتمعات الإسلامية والمحافظة على الخصوصية، وأصلا هذه الخصوصية ليست سرية لأن الشركة الراعية لهذه المحتويات على علم بها، فهل تعلم بأن بث الفيديو مباشرة بين شخصين على الوتساب على سبيل المثال ينشر محتواه ومضمونه على منصة الواتساب، وبناء عليه لا يقتصر تحديد مضمونه بين هذين الشخصين فقط، وإنما كذلك موظفي شركة الوتساب على علم بها ويشاهدون هذه المحادثات عبر تقنية الفيديو وقد تتضمن مشاهد حميمية، فأين هي الخصوصية؟ فالورثة أولى من العلم بها إذن، كما أن هذه المحتويات الإلكترونية قابلة للتقويم المادي كالأكواد المتضمنة للمحفظات النقدية، فهذه ليست خصوصية وإنما مال قابل للانتقال للورثة كغيرها من الأموال الموجودة في الأبناك التقليدية، وحتى أن الأبناك حاليا هي إلكترونية، والمنطق يقتضي انتقال كل بيانات الرقمية للورثة حتى يتم الاستفادة منها. نستنتج بان انتقال الإرث الرقمي للورثة أمر حتمي في عصرنا الحالي الذي يتسم بالثورة الرقمية في كل تفاصيل الحياة، فهل نترك الإرث الرقمي للشركة الراعية للبيانات أم للورثة وخاصة إذا كانت أموالا طائلة؟ فالحصول على هذه الأموال الرقمية يقتضي منا معرفة المحتويات الشخصية للمتوفى، وهذا الأمر في اعتقادي لا يتعارض مع الخصوصية، بل العلاقة بين الحق في الخصوصية والإرث الرقمي هي الانسجام والتعاون، واعتبره حق إرثي قابل للانتقال، ويجب تضمين قواعده وفق المنهج التشريعي الذي يجب أن يستند للمرجعية الدينية وفق الشريعة الإسلامية الغراء، والذي يعتبر أمرا ملحا من أجل تنظيمه حتى لا يتم تفويت أموال طائلة على الورثة. ومعلوم أن وفاة الشخص تعدم الخصوصية، لأنه من المعلوم أن الإنسان إذا مات انقطع عمله ولا امتداد لشخصيته بعد الوفاة، وبالتالي كل ما خلفه المتوفى هو حق للورثة، وهذا ما تحظ به الشريعة الإسلامية، حيث جاء في حديث صحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. فالعمل في الإسلام يكون في الحياة باستثناء الأمور الثلاثة لأنه هو السبب فيها الصدقة وهي الخير المستمر، مثل أن يوقف الرجل بستانه على الفقراء أو يوقف عقاره على الفقراء، فإن الفقراء ما داموا ينتفعون بهذا العطاء أو ينتفعون بثمرة هذا البستان فإنه يكتب له وهو أجر حاصل بعد موته لكن هو السبب في إيجاده في حياته، والثاني العلم الذي ينتفع به بأن يعلم الناس ويدلهم على الخير وعلى فعل المعروف فإذا علم الناس وانتفعوا بعلمه بعد موته فإن له أجرهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء، لأن الدال على الخير كفاعل الخير وهذا دليل على بركة العلم وفائدته في الدنيا والآخرة، وأما الثالث وهو الولد الصالح الذي يدعو له بعد موته، فلأن الولد من كسب الإنسان وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث ( أو ولد صالح يدعو له)، لأن غير الصالح لا يهتم بنفسه فلا يهتم بأبيه أو أمه وفيه إشارة إلى أنه من المهم جدا أن يربي الإنسان أولاده تربية صالحة حتى ينفعوه في حياته وبعد مماته. نستشف بأن الإسلام يشجع على استمرار المحتويات النافعة سواء كانت تقليدية تعتمد على الدعامات الكلاسيكية كالكتب أو تلك التي تضم محتويات رقمية بعد الوفاة كميراث أو صدقة جارية دون الاستناد على حق الخصوصية لرفض انتقال هذا الميراث الرقمي. يتضح بأن انتقال الميراث الرقمي أصبح أمرا حتميا في عصرنا الحالي الذي يتسم بتطور التكنولوجيا، ولنا في الحبوة المقررة في الفقه الإسلامي لخير الدليل بأن الإسلام يجيز انتقال المقتضيات الشخصية الرقمية بعد موت صاحبها للورثة وبالأحرى المقتضيات المادية الرقمية، ويكون الفقه الإسلامي قد وافق القانون الأمريكي. كما يمكن الاستناد إلى القاعدة الفقهية بأن الأصل في الأشياء الإباحة، ولذلك فيمكن انتقال أي شكل مستحدث من أشكال التركات ومنها التركة الرقمية سواء كانت مادية أو شخصية، لأنه بمقتضى هذه القاعدة هو أن كل واقعة لم يرد نص قطعي في تحريمها، تبقى في حكم الإباحة، ومن ثم عدم ورود نص خاص في تحريم انتقال التركة الشخصية بشكل عام، والتركة الرقمية المادية والشخصية بشكل خاص، يجعلها محكومة بقاعدة الأصل في الأشياء الإباحة التي يمكن الاستناد عليها في الحكم بجواز انتقال التركة الرقمية المادية والشخصية. بداية يتبين أن الكثير من التشريعات على المستوى العالمي تغفل موضوع الإرث الرقمي، لأنه بكل بساطة أغلبها لا تنظم هذا الميراث الجديد والحديث على مستوى الترسانة التشريعية الوطنية والدولية، وفي نفس الإطار ذهب المشرع المغربي، رغم أن المشرع نص في المادة 321 من مدونة الأسرة على أن " التركة مجموع ما يتركه الميت من مال أو حقوق مالية"، وبدورها لا تعطي أي صبغة قانونية للتركة الإلكترونية، مادامت قد حددت التركة في الأموال سواء كانت عقارات أو منقولات، وفي الحقوق التي تقوم بالمال أو تكون تابعة له، مثل حقوق الارتفاق التابعة للعقار والخيارات المالية كخيار العيب وخيار الرهن. غير إنه بالرجوع للمادة 400 من مدونة الأسرة والتي جاءت فيها على أن" كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة، يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل و المساواة والمعاشرة بالمعروف"، وهو نفس المقتضى المنصوص عليه في المادة 343 من قانون الأحوال الشخصية الكويتي الذي جاء فيه " كل ما لم يرد له حكم في هذا القانون يرجع فيه إلى المشهور في مذهب الإمام مالك فإن لم يوجد المشهور طبق غيره، فإن لم يوجد حكم أصلا، طبقت المبادئ العامة في المذهب"، التي قد حددت مراجع الاجتهاد بالنسبة للنص القانوني المغربي في حالة عدم وجود نص في شموليته، بحيث يمكن الانفتاح على المذاهب الإسلامية الأخرى ( أي غير مذهب إمام مالك)، ولذلك يمكن القول أن الميراث الرقمي موضوع حديث يحتاج إلى دراسة فقهية عصرية تراعي قواعد الشرع الإسلامي، لكن فيما يخص موضوع المال الذي تتكون منه التركة، الفقه الإسلامي يعرف المال تعريفا واسعا، بحيث إن الجمهور يرى بأن المنافع تورث لأن المنفعة مال، بخلاف الحنفية التي ترى أن المنافع ليست مالا ومن ثم فإن الإجارة تفسخ بموت المستأجر، وكما أشرنا سابقا بالنسبة للحقوق الشخصية يمكن أن تنتقل للورثة كما هو الشأن بالنسبة للحبوة. وتجدر الإشارة بأن الفصل 24 من الدستور المغربي لسنة 2011 نص على أنه " لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة"، ويلاحظ أن المشرع المغربي في الدستور قد نص على حق كل شخص في حماية حياته الخاصة بصفة عامة دون قيد أو شرط، مما يستلزم اتخاذ كل الخطوات التشريعية لحماية هذه الخصوصية، وإذا قرأنا هذا النص الدستوري بصورة عابرة يتضح بأنه يسمح بانتقال هذه الخصوصية في ظل هذا النص الدستوري، لأنه من أجل حماية حق الخصوصية التي تتسم بالسرية والخلوة والابتعاد عن اطلاع أو فضول الآخرين كسرية المراسلات والصور وغيرها، أي بخلاف الإظهار والعلانية، لا يمكن السماح بانتقال الميراث الرقمي بما يتضمنه من حقوق شخصية خاصة، لأنه وفق منطوق الفصل الدستوري فإن حق الخصوصية يجب أن تقتضي السرية والكتمان، وبالتالي منع انتقال الميراث الرقمي لتعارضه مع حق الخصوصية. فهذا الحكم عام، بحيث إذا تمت قراءة هذا النص الدستوري بصورة معمقة وبمفهوم المخالفة، يمكن السماح بانتقال الحقوق الشخصية الخاصة الرقمية للمتوفى إذا كانت لا تتضمن أي محتوي يخالف النظام العام وحسن الأدب، لأن ما يخلفه المتوفي في العالم الرقمي لا يتسم بالخصوصية على إطلاقها، بحيث يمكن لإرادة الشخص أن ترفع القيد على مبدأ حق الخصوصية، ومن خلال هذا القيد يجوز لأي شخص كامل الأهلية أن يوافق على انتهاك خصوصيته، لذلك اعتادت الكثير من المواقع أو الشركات المزودة للخدمات أخذ رأي المستخدم المتعاقد معها في مسألة البيانات والمعلومات المتعلقة بالحياة الخاصة، ومدى موافقته في الإعلان عنها أو نشرها وتحديد شخص ينوب عنه بعد الوفاة، ومن هذه الشركات التي قامت بذلك شركة فيسبوك و أمازون، فقد وضعت شركة فيسبوك عام 2015 خدمة legacy account) ) بمعنى توريث الحساب بعد الوفاة من خلال اختيار صاحب الحساب شخصا آخر يحوز حسابه بعد وفاته، وكذلك استحدثت شركة أمازون وهي شركة تحميل أشهر المواقع لبيع الكتب في العالم، وضعت خدمة الترخيص المحدود للممثل الشخصي في توريث اشتراك المتوفى على أن يتم تزويد شركة الموقع بنسخة من شهادة الوفاة. ويخلص الكتاب إلى أن الميراث الرقمي من الموضوعات الحديثة التي برزت مع التطور التكنولوجي الهائل في مجال العالم الافتراضي، مما قد يخلف الشخص وراءه أموالا طائلة موجودة في الأنترنت قابلة لأن تصبح واقعية، وبالتالي من الممكن أن تدخل في إطار التركة، وان يرثها الورثة شأنها شأن العقارات والمنقولات والحقوق العينية والمنافع، ولكي لا تضيع هذه التركة الرقمية، يدعو صاحب الكتاب المشرع المغربي بسن الميراث الرقمي وفق أحكام شرعية اجتهادية تراعي تطور القانون العالمي. الدكتور جمال الخمار أستاذ باحث بجامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس