الخط : إستمع للمقال يبدو أن الرئيس الجزائري الصوري، عبد المجيد تبون، قد قرر أخيرًا التراجع عن واحدة من "الإنجازات الوهمية" التي طالما تبجح بها نظامه، عندما خرج قبل أشهر قليلة وبالضبط شهر نونبر المنصرم، ليؤكد أن الجزائر لن تحتاج إلى استيراد الماشية، وأن البلاد قادرة على تحقيق "الاكتفاء الذاتي" في توفير الأضاحي. لكن، وكما هي العادة مع وعود تبون دمية النظام العسكري، لم تمر سوى بضعة أسابيع حتى نزل الخبر كالصاعقة، فأعطى تبون بنفسه أوامر من أجل استيراد مليون رأس غنم لإنقاذ الجزائريين من أزمة خانقة، وكأن كلامه السابق لم يكن سوى مزحة ثقيلة! ففي الوقت الذي اتخذ فيه الملك محمد السادس قرارًا جريئًا بإلغاء شعيرة النحر هذه السنة بسبب أزمة القطيع الناجمة عن الجفاف، وجد عبد المجيد تبون نفسه عاجزًا عن اتخاذ خطوة مماثلة، رغم أن الأزمة في الجزائر أشد حدة،والسبب بكل بساطة، لأن النظام الجزائري لا يجرؤ على اتخاذ قرارات قد تفجر عليه غضب الشارع، الذي يعاني أصلاً من تدني مستوى المعيشة وغلاء الأسعار، فضلًا عن انعدام الثقة في السلطة الحاكمة. تبون، الذي يدّعي أن الجزائر "قوة اقتصادية"، لم يجد بديلًا سوى الاستيراد العشوائي لمليون رأس غنم، خوفًا من أن يتحول العيد إلى شرارة جديدة للاحتجاجات. فبينما استطاع المغرب اتخاذ قرار استباقي قائم على منطق التدبير الحكيم للأزمات، ظل تبون أسيرًا لحسابات سياسية ضيقة، يخشى أن يؤدي أي قرار غير محسوب إلى انفجار شعبي لا يستطيع احتواءه. فالفرق واضح بين دولة تواجه الأزمات بقرارات مسؤولة، وأخرى تراهن فقط على شراء السكوت المؤقت! فمع اقتراب عيد الأضحى، وجد النظام العسكري الحاكم في الجزائر نفسه أمام معضلة حقيقية، فبدلًا من توفير المواشي من الإنتاج المحلي كما يفترض في دولة تدّعي السيادة الغذائية، لجأ إلى فتح باب الاستيراد على مصراعيه، متحملًا تكاليف باهظة في سوق عالمية متقلبة. هذا القرار كشف ضعف المنظومة الفلاحية الجزائرية المزعومة وعجزها عن توفير احتياجات المواطنين، رغم الدعاية الإعلامية التي لا تنفك عن الحديث عن إنجازات غير موجودة إلا على الورق. تبون والتصريحات المتناقضة.. عادة جزائرية أصيلة في كل مرة، يخرج تبون ليقدم وعودًا رنانة، ثم لا يلبث أن يتراجع عنها بطريقة توحي وكأن شيئًا لم يحدث. فمنذ أشهر، قال إن الجزائر أصبحت "قوة اقتصادية إقليمية"، في وقت تعاني فيه البلاد من نقص في المواد الأساسية، وها هو اليوم يعود ليضرب بتصريحاته السابقة عرض الحائط، ويأمر باستيراد مليون رأس غنم وبشكل مستعجل، من أجل تفادي كارثة قد تشعل غضب الجزائريين قبيل عيد الأضحى. السيادة الغذائية ووهم الاكتفاء الذاتي.. شعارات للاستهلاك الداخلي منذ سنوات، يحاول النظام الجزائري تسويق فكرة أن البلاد تسير نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف المجالات، من الغذاء إلى الطاقة وحتى التكنولوجيا! لكن يبدو أن هذه الادعاءات تنهار أمام أي أزمة حقيقية. فمع تفاقم أزمة الجفاف وارتفاع أسعار العلف، وجد النظام نفسه في مأزق كبير، بعدما أدرك أن الإنتاج المحلي لا يكفي حتى لتغطية جزء بسيط من احتياجات المواطنين اليومية، فما كان منه إلا أن استنجد بحل لطالما اتهم دولًا أخرى باللجوء إليه، وهو الاستيراد! فهذا النظام المنهار يوم بعد يوم لطالما تغنى بشعارات من قبيل "السيادة الغذائية" و"الاكتفاء الذاتي"، محاولًا إقناع الرأي العام الجزئري بأن البلاد تسير على خطى الاستقلال الاقتصادي، بعيدًا عن التبعية للأسواق الخارجية. ولكن الحقيقة على الأرض تقول شيئًا آخر، فكيف لبلد يدّعي تحقيق السيادة الغذائية أن يستورد الأضاحي بهذه الكميات الضخمة؟ وكيف يبرر تبون والنظام الذي يسيره هذه التناقضات الواضحة التي لا يمكن تغطيتها بأي خطاب رسمي؟ إذا كان تحقيق الاكتفاء الذاتي شعارًا يتغنى به المسؤولون في الجزائر، فإن الأرقام والوقائع تسقط هذه المزاعم تمامًا، فبينما يزعم تبون وحكومته أن القطاع الفلاحي قادر على تأمين احتياجات السكان، نجدها تلجأ سنويًا إلى استيراد كميات ضخمة من الحبوب، اللحوم، وحتى الأضاحي، في مشهد يفضح زيف الدعاية الرسمية. فهل يمكن الحديث عن "سيادة غذائية" في ظل استمرار التبعية للخارج؟ مفارقة غريبة.. أين ذهبت الثروات (النفط والغاز والمعادن)؟ والمفارقة العجيبة أن الجزائر، التي تدعي امتلاك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، وإمكانات هائلة في المجال الفلاحي، تجد نفسها مضطرة إلى استيراد مواد أساسية يفترض أن تكون متوفرة محليًا، فالبرغم من توفر الجزائر على ثروات طبيعية هائلة من النفط والغاز إلى المعادن الثمينة، إلا أن واقع البلاد لا يعكس هذه الوفرة، فبدلًا من تحقيق نهضة اقتصادية وتنموية تليق بهذه الموارد، نجد الاقتصاد الجزائري يعاني من هشاشة بنيوية، حيث يعتمد بشكل شبه كلي على عائدات الطاقة، دون أي استثمار حقيقي في قطاعات إنتاجية مستدامة. فما الجدوى من امتلاك ثروات بمليارات الدولارات إذا كانت عائداتها لا تنعكس على تحسين مستوى عيش المواطن الجزائري؟ الأدهى من ذلك أن هذه الثروات، التي كان من المفترض أن تكون رافعة للاقتصاد الوطني، تحولت إلى مصدر للفساد وسوء التدبير، حيث تتبدد المليارات في مشاريع فاشلة، وتُهدر الأموال في سياسات ريعية لا تخلق تنمية حقيقية، بالإضافة إلى وضع كل إمكانيات الجزائر من أجل المس بالوحدة الترابية للمغرب من خلال دعم وتمويل جبهة البوليساريو الانفصالية. ففي الوقت الذي تستفيد فيه دول أقل موارد من طفرة اقتصادية، لا يزال الجزائري يُعاني من أزمات معيشية متزايدة، وكأن لعنة الفساد والتسيير العشوائي قد حكمت على هذه الثروات بأن تكون نقمة بدل أن تكون نعمة. الشعارات لا تُطعم الشعوب.. والنظام الجزائري عاجز ومستمر في الحلول الترقيعية لم يعد المواطن الجزائري بحاجة إلى سماع المزيد من الشعارات الجوفاء، فالأرقام والواقع اليومية يفضحان كل محاولات التجميل والتغطية على فشل السياسات الاقتصادية، خاصة إذا ما علمنا أن السيادة الغذائية لا تُقاس بالخطابات الرنانة، بل تُترجم إلى قدرة الدولة على تلبية الحد الأدنى من حاجيات مواطنيها دون الحاجة إلى استيراد الأساسيات. أما في الجزائر، فالوضع يبدو بعيدًا كل البعد عن هذه المعايير، ليبقى شعار "السيادة الغذائية" مجرد أداة للاستهلاك الداخلي، لا أقل ولا أكثر. وفي نهاية المطاف وفي ظل الوضع الحالي، تظل الجزائر رهينة سياسات متخبطة، تتسم بالكثير من العشوائية، فبعد إنكار الأزمة، يأتي الاعتراف بها، ثم تقديم حلول مؤقتة لا تعالج أصل المشكلة. وبينما يحاول تبون تصدير الوهم، يجد الجزائريون أنفسهم في مواجهة واقع أكثر قسوة، حيث يبقى الحل الوحيد أمامهم هو التأقلم مع الأوضاع، في انتظار أزمة جديدة تُكشف معها المزيد من زيف الادعاءات. فهل سيخرج تبون لاحقًا ليقول إن استيراد مليون رأس غنم كان "إنجازًا" و"انتصارًا اقتصاديًا"؟ في الجزائر كل شيء ممكن! الوسوم استيراد الأغنام الجزائر السيادة تبون فرنسا