لم يفاجئني كثيرا ما قاله ذلك الإمام في خطبة الجمعة بسلا الجمعة الماضية أمام ثلة من المصلين، بخصوص الهزات الأرضية التي تضرب شمال المغرب منذ أيام، والتي ربطها بشكل آلي بغضبة إلهية على سكان تلك المنطقة «الغارقين في المعاصي»، ولا فاجأني ربط رئيس الحكومة لهطول الأمطار ب»رضا الله». فقط، غمرني مجددا ذلك الإحساس المزعج والمؤلم بأنني معلق في الهواء، بين «وجودين». وجدتني أميل إلى الإيمان بضرورة إخضاع ما يحيط بي وما يتحرك حولي وداخلي من ظواهر، لإحكام منطق لا يخدش حياء العقل، وتفضيل خلاصاته، وإن لم تكن قادرة على تفسير كل شيء، على الاستسلام للتفسيرات الأخرى وإن كانت مريحة أكثر وتغني عن تشجم عناء التفكير. وما أحسه يسكنني ويعتصم بمنطقة حصينة ما في داخلي، ويحاول مرة تلو الأخرى استغلال الخوف الذي يعتريني والكسل الذي يغمرني، لدفعي إلى الانغماس في تفسير ما يستعصي عليّ وما يخيفني تفسيرا، دعني أسميه «غيبيا» أي: التخلي عما أسميه «الروابط المنطقية» لتفسير الظواهر والاحتكام إلى «ترابطات» أخرى. إن ما صدر عن رئيس الحكومة وإمام سلا، يعكس، في تقديري، نوعا من «الشيزوفرينيا» التي يتخبط فيها الكائن المغربي بين عالم الغيبيات وترابطاته وعالم العقل وروابطه، وإن كان يتملكه الأول أكثر من الثاني لأنه يسعفه في أمرين على الأقل: أولا، يغني علام الغيبيات عن التفكير، لأنه مؤلم ومضن. مثل السير على رمال ساخنة ومتحركة بقدمين حافيتين، ويستسلم للذة الاطمئنان الكاذبة. ثانيا، يحسسه هذا العالم بوضعه الحقيقي ككائن ضعيف لا حول له ولا قوة، يتوقع دائما الأسوأ من يد، بل أياد عليا، يحسها دوما قريبة منه، ويسعى دوما إلى إرضائها حتى تربت على رأسه، بل أن تهوي عليه. إن ما ضايقني حقا – أنا الذي أدّعي وعيي بوضعي الشيزوفريني إلى حد ما- هو استمرار السلطات بمختلف أنواعها (من مسجد إلى المدرسة مرورا بالشارع وحتى العالم الافتراضي) في تكريس هذا التفكير الغيبي الذي يعطل العقل، وخلطه ب»الإيمان»، الذي يبقى ممارسة روحية صرفة تدعم هذا العقل ولا تعمل على تعطيله. وهذا التفكير لا ينتج سوى كائنات هشة مثل ريشة في مهب الرياح الكثيرة التي تهب قوية من مختلف الاتجاهات هذه الأيام، ولا تحمل في معظمها أي خير.