نظّم المعرض الدولي للنشر والكتاب في أول أيامه تكريما للأكاديمي عمر أمرير، وهو من الأعلام الباحثين الذين تخصّصوا في حفظ وبحث الأدب المغربي في شقّه الأمازيغي داخل الجامعة المغربية وعبر البحث العلمي والإعلام. فتوحات مهمة الباحث أحمد المنادي تحدث عن "الفتوحات المهمة" لأمرير، التي خلخلت عددا من تصورات نخبٍ كانت تتسّم قبل ما يزيد عن نصف قرن بأحاديةٍ وإلغاء للثقافة وأصوات التعددية والاعتراف والنقد الذاتي، مبرزا أن المكرَّم دافع "عن أهمية المدخل العلمي في الدفاع عن الأمازيغية بوصفها جزءا أصيلا من نسيج الثقافة المغربية". وتنزّل هذا العمل المنطلق في الجامعة المغربية أواخر الستينيات في شكل أعمال علمية تقاوم من أجل "شرعية الاعتراف"، وقدّمت مداخل مهمة لجملة من الآداب والفنون الأمازيغية، وحاولت التأصيل لتاريخ الأدب المغربي. من أمثلة هذه الأعمال اشتغال أمرير على شعر المقاومة بسوس، والشعر الأمازيغي المنسوب إلى سيدي حمو الطالب، المنتمي إلى القرن الثامن عشر، وتأريخه للكتاب المبدعين بالأمازيغية في الدارالبيضاء، ورموز الشعر الأمازيغي وتأثرهم بالإسلام، وجماليات الإبداع الأمازيغي، في "عمل جاد يهم الرموز الشعرية، وأبعادها الاجتماعية والثقافية والدلالية". كما اشتغل أمرير على جذور الديمقراطية في المغرب من خلال قوانين أيت عبد الله، وعمل على تجربة العصاميين السوسيين في الدارالبيضاء، في التقت فيها هذه القضايا المتنوعة بتعدد النظرة للثقافة الوطنية، مع الاستفادة من مختلف المناهج والمقاربات، مما "أسهم في تعزيز البحث العلمي والأكاديمي في الجامعة المغربية". رعيلٌ أول الباحث أبو القاسم الخطير قال، من جهته، إن عمر أمرير "أحد القامات الكبرى للبحث في الثقافة الأمازيغية، ومساره هو مسار البحث في تاريخ الأمازيغية بعد الاستقلال، فهو من الرعيل الأول، أي المرحلة التأسيسية التي تمكن من فهم الحركيات الرئيسية التي انبنت عليها حركات من أجل هوية منسية مقصية". وجاء هذا الرعيل بعد "مرحلة كولونيالية في البحث، وهي مرحلة براغماتية عرفت استغلال البحث لمعرفة اللغة والسياسة الداخلية، ومرحلة فهم التنظيم القضائي الأمازيغي (...)، ثم بعد الاستقلال جاء الجيل الذي انتقل من المناطق الأمازيغية إلى المدن؛ وهو جيل متعلم وعى عبء رفع الغبار عن الموروث المنسي، والبناء الثقافي للهوية، وبأنه قبل الاعتراف الرسمي نحتاج البناء الثقافي". في هذه المرحلة برز الأكاديمي الراحل عباس الجراري، الذي باشتغاله على درس الأدب المغربي "فتح الباب للبحث في الأدب الأمازيغي المغربي، وكانت النافذة الوحيدة لمثل هذا البحث هي الأدب الشعبي الذي فتحه الأستاذ الجراري (...)، علما أنه كانت هناك مخاطر في الاشتغال على الأمازيغية، وكان الناس يخافون من الحديث عن موروثهم، وأمرير استطاع إنقاذ شعر شعراء التقاهم أو التقى من حفظوا شعرهم، أو من سجّلوه (...)، فدوّن الموروث الشفوي، وحفظ بعض المسارات الإبداعية للجيل الأول ل"الروايس" مثلا، والقدماء مثل الشاعر حمو الطالب، مقدما بالتالي عملا تأسيسيا". ومن بين ما يميّز عمل أمرير، وفق الباحث ذاته، "انخراطه في مجال التوثيق البصري المهم جدا، الذي نتمنى ألا يضيع من أرشيف التلفزة المغربية، حول الإبداع، ومظاهر ثقافية واجتماعية لمناطق أمازيغية، مع تسجيل ذاكرات الجماعات المحلية مثل أيت عبد الله، والدراسة الاجتماعية للمقاومة والديمقراطية مثلا بالمنطقة." مسار رائد وتحدث عمر أمرير عن مساره، مشيرا إلى أنه ولد بمنطقة سوس، ثم انتقل إلى فاسوالرباطوالدارالبيضاء، مردفا "في دراستي وصلت إلى فاس، وكان واقع الجامعة المغربية ألا تفكرْ في الأمازيغية ولا تتحدث عنها ولا تبحث فيها. وبالتالي رغم حفظي الأشعار لم أجد من أقولها له، ووجدت نفسي في شعبة الأدب العربي، وفي مرحلة البحث كان أمامي إما قبول بحثي أو أن أصير "رايسا"، وأتعلم آلة الرباب لإحياء هذا الفن والثقافة". لكن "عبر الدكتور عباس الجراري فُتح لنا (طلبة بنفس الانشغالات) الأمل عبر نافذة الأدب الشعبي، فطلب مني الاشتغال على أدب المقاومة بسوس الذي سيندثر بعد الاستقلال". وتوجّه المكرَّم بطلب إلى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ل"كوننا نحتاج مبادرة من المعهد تكرم جهود الفقيد عباس الجراري." ولم يتوقف أثر الأكاديمي عباس الجراري على الجامعة بفاس، بل امتد إلى الرباط عندما استقبلت "مؤتمر الموسيقى العربية، وكان الجراري هو رئيس المؤتمر، فأصر أن أتحدث حول الموسيقى الأمازيغية بالمغرب. ونظرا لاهتمام الحضور من 16 دولة، استمرّ حديثي ساعةً بدل ربع ساعة، وطلبوا من المؤتمر أن يسمعوا هذه الموسيقى ويروا آلاتها، ويميّزوا مقامها". ومع هذا المستجد، يردف أمرير، "أدخلني عباس الجراري عند باحنيني (وزير قاد عدة وزارات وأستاذ بالمدرسة المولوية) قائلا إن المؤتمرين طلبوا الاستماع إلى الموسيقى الأمازيغية، فطلب رقم أحد "الروايس"، واستقدم الفرقة من مراكش إلى العاصمة، وامتلأت القاعة، مع إضافة مكبرات الصوت خارجها، ولما سمعتها أم الملك الحسن الثاني في المذياع وجّه الملك أوامره للتلفزة المغربية بالالتحاق لتسجيل الحفل بطلب منها (...)، وطلب الأستاذ عباس الجراري مني الاستمرار في التسيير، ولما انتهى الحفل أُخبرت بأني سأدخل التلفزيون بأمر ملكي، وهكذا دخلته، وجاء برنامج "كنوز"". و"بفضل الأستاذة حميدة الصائغ، رفيقة درب عباس الجراري (كانت حاضرة في قاعة التكريم)، التي كانت من أولى المحاميات في المغرب، تحول برنامج "كنوز" من العرض في الساعة الثانية عشرة والنصف ليلا إلى وقت مناسب للعرض، بتيسير من حسن أوريد (الذي صار مؤرخ المملكة والناطق باسم القصر)".