إن لتزايد الدعم الدولي( الذي ما زال قائما ومتواصلا) في الفترة التي تفصلنا عن موعد أكتوبر، وما سيتراكم في هاته الفترة من إيجابيات، دورا حاميا في تقدير موقفنا من تقرير دي ميستورا. وإذا قرأنا التقرير من هاته الزاوية فإنه لم يخرج عن الدينامية التي تطبع القضية، وأن السقف الذي يتحكم في تقريره هو الحكم الذاتي، مهما كانت قراءته للمقترح المغربي وقراءتنا لقراءته! بل إن المغرب عليه أن يواصل العمل من أجل تعزيز هذا المناخ المناسب لقضيتنا بما يجعل مجلس الأمن «يختم »عليه بالقرار الذي يخدم قضيتنا، وينطوي الملف نهائيا، مرحلته الأولى قبول المجتمع الدولي بمقترحنا.. أولا، ثم التفاصيل من بعد! == هل نبني على ما تقدم من ملاحظات قاتمة لكي نترك التقرير جملة وتفصيلا؟ لا أبدا… حيث إن كل هاته النقط المعتمة لا يمكن أن تغفل ما هو إيجابي وما لم يكن في مقدور دي ميستورا أن يتغافل عنه ويتجاوزه أو يغفله! وهو من صميم ما يخدم السياق الإيجابي المغربي! ملاحظات في الشكل: تعد إحاطة دي ميستورا، عملا بلا أي أثر، حتى يتبناه الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريس، وهو بهذا المعنى يقع تحت سلطته، ولم يحدث أن تبنى الأمين العام إحاطة أو تقرير مبعوثه الخاص جملة وتفصيلا، ( المثال الساطع هو قضية التقسيم التي طرحها دي ميستورا، ولكن الأمين العام لم يوردها في تقريره أمام مجلس الأمن في شهر أكتوبر من سنة 2024).. + التقرير الذي لا يخلو من" اجتهاد " شخصي للمبعوث الشخصي، لا يختلف عن اجتهادات سابقة لمبعوثين آخرين، ومنهم عدد معتبر لم يكن للمغرب أي عاطفة أو صداقة، ومنهم من خرج علانية لمعاداة المغرب خصوصا بعد إعلان ترامب عن الصيغة الأولى لدعمه للسيادة المغربية على الصحراء في 2020، مثال جيمس بيكر وكريستوفر روس! منذ بداية التقرير، يتحدد السياق الذي تتم فيه عملية الإحاطة: – الفقرة 2الموالية مباشرة لتقديم عمله،"أود أن أبدأ بتسليط الضوء على تطورين ثنائيين حديثين للغاية يمكن أن تكون لهما آثار مهمة على الجهود الرامية إلى تهدئة التوترات في المنطقة، والمساعدة في التوصل إلى نتيجة متفق عليها.". .1 واضح أنه لم يستطع الحديث عن تطورات الوضع، في الفترة ما بين أكتوبر 2024 وأبريل 2025 بدون الوقوف عند التطورات الحاسمة، واضح كذلك أنه يلزم نفسه بالحديث عن واقع لا يمكنه تجاهله ولا يمكن القفز عليه، ويتمثل في الموقف الأمريكي… -الفقرة3: توضح هذا الشرط من خلال: 1: الحديث عن مصدر الموقف الأمريكي، وهو هنا في التقرير "بيان نُشر من قبل وزير الخارجية الأمريكي روبيو (…) في سياق تأكيد واضح لإعلان الرئيس ترامب عام 2020″، والإعلان الذي صدر عن ترامب يتحدث عن سيادة كاملة واضحة وفعلية للمغرب. 2: التنصيص على بيان ماركو روبيو:"تأكيد التزام حكومته بمبادرة "الحكم الذاتي الجاد"".. الفقرة 5:تأكيد تقرير دي ميستورا على أن:"المشاركة الدبلوماسية في المنطقة من قبل عضوين دائمين في هذا المجلس( أمريكا وفرنسا) تُعد مؤشراً على الاهتمام المتجدد بالفرص.."، وهو إقرار بأن صانعين من صناع القانون الدولي والقرار الدولي، يسيران جنبا إلى جنب في دعم الخطوات السياسية للحل، مع معرفة موقفهما الداعم للمغرب في قضيته الترابية. وإِنْ كان المبعوث دي ميستورا أعطى لنفسه دورا معادلا للأمم المتحدة بنوع من التضخم الأناني ( كتب: إن الأممالمتحدة وأنا شخصيا يمكن أن تكون داعما لهذا الانخراط) فإنه سجل نفسه ضمن هذه الدينامية… الفقرة 9:"تؤكد أن الإدارة الأمريكيةالجديدة تعتزم الانخراط المباشر في تسهيل التوصل إلى حل متفق عليه". الفقرة 10: إقراره في هذه الفقرة بالأطراف المعنية بالموضوع: وهي موريتانيا وتندوف والجزائر والمغرب. أهم شيء في التقرير هو أنه لم يطرح بالمطلق فكرة الاستفتاء بالشكل الصريح الذي كان يطرحه به. ثم إن التقرير أسقط ما كان دي ميستورا نفسه قد ألمح إليه في وقت سابق، عند تقديم تقريره في أكتوبر الماضي كفكرة بدت له بأنها هي الحل، تعبأت لها، من خارج مجلس الأمن، مجموعات الضغط التي تقف وراء مجلة «فورين افيرز». الفقرتان 13 و14: تقديم معطيات صادمة عن الحياة داخل المخيمات سواء من خلال حديثه عن "الاحتياجات الإنسانية المستمرة للاجئين في مخيمات تندوف" أو عند الاستشهاد بالعاملين في "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي، الذين أعربوا لي عن قلقهم العميق من تقليص الحصص الغذائية، والتي قد يتم وقفها تماماً خلال الصيف القادم في أسوأ الأحوال".. والذي كان يستوجب أن يسهب في تقديم الأسباب والمسببات لوضع كهذا. اختتم المبعوث الشخصي للأمين العام تقريره، بالرغم مما سجلناه عليه من هنات وانزياحات، بنبرة تسير في الأفق الذي يراه المغرب. ولعلها الفقرة الأكثر قوة في التقرير بعد ما سبق أن قلناه عن العناصر الواردة في الفقرات السابقة: الفقرة 16: 1 يسجل التقرير، "الأشهر الثلاثة المقبلة تشكل فرصة لتقييم كيف يمكن لاندفاعة جديدة قائمة على انخراط نشط ومتجدد من بعض أعضاء المجلس، بمن فيهم الأعضاء الدائمون ": إضافة إلى تقديم معلومة بالمعني الإعلامي تتعلق بحصر السقف الزمني للمجهود المطلوب في 3 أشهر، وهو التقاء لا يمكن أن يكون بمحض الصدفة أو من عفوها، بل لا شك أنه ترجمة للموقف الأمريكي، الذي جعل من السقف الزمني القريب موعدا لحل المعضلة.. 2 إطلاق خريطة طريق جديدة نحو حل نهائي للنزاع : في هذه الفقرة حديث عن خارطة طريق جديدة، لا شك أنها ستقطع مع التطبيقات الديبلوماسية السابقة، سيكون الحاسم فيها الدولة الحاملة للقلم، والشريك الدولي في تدبير الحكم الذاتي… 3 قد تصبح جلسة أكتوبر 2025 فرصة حاسمة لهذا المجلس، وهو نفس الأفق الذي عبَّر عنه السيد عمر هلال من كون شهر أكتوبر سيكون هو شهر الطي النهائي للملف…. هل نقول : العبرة بالخواتيم؟ نعم، وهذا لا يعني بأن ما يفصلنا عن النهاية خط مستقيم، لا انعراج فيه، ولكن هو في الواقع تقدير سياسي، بمعطيات موضوعية معبر عنها بمواقف سياسية واضحة وضوح الشمس. 4 إن إصراري على تسهيل هذا المسار، بموافقة الأمين العام، لا يزال قائماً.: هذا الختم يضع استمرار مهمة دي ميستورا بين يدي الأمين العام غوتيريس، الذي سيعمل على تقدير الموقف والاستماع إلى الدول المعنية. كما أن استمرار دوره مرتبط بتطورات الوضع كما تريدها الدول الفاعلة فيه، وتزايد الدعم الدولي( الذي ما زال قائما ومتواصلا) في الفترة التي تفصلنا عن موعد أكتوبر، وما سيتراكم في هاته الطفرة من إيجابيات، وإذا قرأنا التقرير من هاته الزاوية فإنه لم يخرج عن الدينامية التي تطبع القضية، وأن السقف الذي يتحكم في تقريره هو الحكم الذاتي، مهما كانت قراءته له وقراءتنا لقراءته! بل إن المغرب عليه أن يواصل العمل من أجل تعزيز المناخ السليم والمناسب لقضيتنا بما يجعل مجلس الأمن «يختم »عليه بالقرار الذي يخدم قضيتنا نهائيا… ويبقى أن القضايا الدولية تعرف،أحيانا، تطورات ومخرجات غير متوقعة، تبعا لتوازنات غير مسبوقة… وختاما، إن ما يملكه المغرب بالأساس، في هاته القضية، هو الصبر التاريخي والحضاري، وتلاحم الدولة والمجتمع في بوتقة وطنية منصهرة للدفاع عن مصالح الوطن -الأمة! ولعل ما يستند عليه هو هذا الزحم الشعبي العميق، الذي شكل لدينا قاعدة صلبة لا تحيد. لقد واجه المغرب مؤامرة عمرها نصف قرن، لم تكن الدول التي تقاتل من أجلنا اليوم في صفنا دوما. منها من كانت تلعب على الحبلين وتساندنا وتساند خصومنا، ومنها من كانت ترفض تقديم السلاح للمغرب للدفاع عن نفسه، ومنها من كانت تسلح وتدعم وتدرب البوليساريو والفصائل الدولية المساندة له.. ومنها من كانت تدفع المال .. وذلك لم ينل من التفافنا حول قبة أرضنا المقدسة، وهذا هو السلاح الداعم غير القابل للتبدل والانكسار.. وإنها لمسيرة مستمرة!