إهداء إلى كل إعلامي مغربي كفء يحترم نفسه.. أصبح للنجومية نظام خاص يحكمه المال والعلاقات بكل أشكالها، ونحن في المغرب لم نصل بعد إلى مستوى صناعة النجم كما هو الحال في الغرب وبعض الدول العربية، بالخصوص البلد الشقيق لبنان، في صناعة النجم الغنائي، حيث سرعان ما تلتقط أعين صناع النجوم المواهب والأصوات الغنائية الواعدة، فيحتضنوها، ويعملون على صقلها، واستثمارها حتى يلمع وميض نجمها في فضاء الساحة الغنائية، وبالتالي جني الاستفادة المادية المشتركة بين الموهبة المستثمَرة والمؤسسة المستثمِرة؛ فالنجومية الفنية، بالإضافة إلى امتلاك الموهبة، هي صناعة مؤسساتية، وتكوين ذاتي، وخلاصة سنوات طويلة من الجهد و المثابرة والخبرات.. أما في ميدان الإعلام التلفزيوني التي تتدخل فيه العلاقات الخاصة، المالية والسياسية، لا يمكن لها أن تصنع النجومية. لا أقصد نجومية الفنان السينمائي أو الغنائي وإنما النجومية الإعلامية، وبالضبط التلفزيونية?..? فنجم السينما يميز بأوصاف مظهره الخارجي، وتنوع أدواره؛ في حين يؤكد النجم الإعلامي التلفزيوني تميزه بفن العرض والتواصل مع الجماهير العريضة، ولا يحققها إلا من يتوفر على الموهبة والكفاءة الصحفية والإعلامية، وغنى الحمولة الثقافية والمعرفية، والحيوية العفوية، والقدرة على التواصل والتأثير.. فالنجومية الإعلامية التلفزيونية أراها خدمة متكاملة تشمل النجم والقناة والجمهور، تشترط في النجم التفكير الإيجابي الواعي في تحليل وفهم القضايا، وإرادة تلفزيونية تخدم التنمية وتقدمها، وجمهور يواكب ويتفاعل.. والذاكرة المغربية لا يمكن لها تجاهل أسماء حفرت حضورها المتألق في تاريخ الإعلام التلفزيوني المغربي، قبل ميلاد القناة الثانية، أسماء صنعت مصيرها الإعلامي، وبنت مرجعيتها الذاتية كالصحفي المتميز أحمد بندادوش، صديق معنينو، لطيفة القاضي، بديعة ريان، المرحوم مصطفى بالعربي، سعيد الجديدي، أحمد البوعناني، علي حسن، وآخرون.. وتكمن سلبية المرحلة في عدم توفر تعدد القنوات الأرضية والفضائية، كما هو الحال في الوقت الحاضر، مما جعل عنصر المنافسة قائم بالضرورة بين الأسماء المذكورة دون غيرها.. والمقارنة بينها صعب، لأن كل منها كانت لها خصوصياتها المميزة، فأساس تفوقها يكمن في كفاءاتها، وإمكانياتها، ومهاراتها الصحفية والإعلامية، وتميز أسلوبها الخاص في طريقة الإلقاء، والتأثير، والتفاعل مع الجمهور.. لم تكن حينها نجومية الوقت الميت، أو الصدفة، أو مفروضة بقوة محرك دفع المحسوبية والزبونية والارتشاء الجنسي، وسلطة النفوذ الإداري المصاب بفيروس الانتهازية، لأنها نجومية زائفة وزائلة ومرفوضة حتى مع قناة يتيمة.. فلا نجومية بدون موهبة، بدون ثقافة ومعرفة، بدون اجتهاد تكوين ذاتي، بدون قدرة على التواصل والتأثير، وفرض الأسلوب المميز لشخصية النجم الصحفية والإعلامية في تفاعلها مع الجمهور؛ بطبيعة الحال، الجمهور المهتم، الغيور والملتزم بقضايا الوطن والنماء والبناء؛ جمهور يتفاعل، يضحي، يناضل؛ جمهور يؤمن بهويته وقناعاته الوطنية ومواقفه الفكرية.. وهنا اسمحوا لي أن نستحضر المغرب ما قبل القناة الثانية، في زمن القناة الرباطية الوحيدة، المصدر التلفزيوني الوحيد، مع ساعات بث محدودة، حينها الفضائيات والانترنيت في عالم الخيال العلمي بالنسبة للمغاربة، كان المواطن العادي البسيط المهتم بوجوده وكيانه وبناء ذاتيته يغامر في البحث عن الخبر والمعرفة، وفي أحايين تصله دون أن يدري من أين أتته المعلومة أو الكتاب، الذي بين يديه ، بالنسبة للمثقف.. هناك أفراد يقاسمونه نفس الهاجس التكوين المعرفي، لا يعرفهم ولا يعرفونه، لكن حس الانتماء قائم، يخاطرون بتمرير تلك المعلومة أو الكتب، قيل عنها محظورة.. تصله المعلومة أو الكتاب دون أن يعلم بوجوده، كأن هناك روحا تنظيمية تنسق في الخفاء، وتضمن وصول الأمانة المعرفية إلى الباحثين عنها.. فئة تغامر من أجل بناء الفكر والذات والهوية والمصير.. وتعلم أنه إن ضبطت في حوزتها فمآل مصيرها جحورا مجهولة تحت الأرض.. ليس لأنها، المعرفة أو الكتب، تحمل إيديولوجية معادية، أو عداء لأحد، وإنما كانت تسلح المواطن بالعلم، وفن طرح السؤال، وجرأة المساهمة في اتخاذ القرار.. تهمتها الوحيدة أنها تكون فكر المواطن الصالح، وتربيه على احترام آدميته ومواطنته.. كان نوعا من النضال الفردي العفوي وأيضا المنظم، في إطار هيأة ثقافية أو سياسية في تحدي الجهل، واستيعاب ما تنطوي عليه المعرفة أو الكتب.. إنها مغامرة بناء فكر ذاتي، بناء فكر المواطن المتموقف من القضايا اليومية الاجتماعية والوطنية والعربية والإنسانية..مغامرة مشبوهة، ومحفوفة بشبح السجن أو الموت أو الجنون.. نضال لا يؤمن به ويخوضه إلا المواطن الذي يحترم إنسانيته.. مع نهاية الثمانينات دخل المغرب غمار فترة إعلامية جديدة، حيث استبشر المغاربة بميلاد القناة الثانية كنافذة مغربية وعربية أولى منفتحة على العالم الخارجي، الهدف منها كشف وجه المغرب خارجيا.. قناة إخبارية متنوعة منفتحة على الحياة المعاصرة، ومنبعا آخرا للمعرفة والإخبار والتربية والتسلية.. في البداية أريد لها أن تكون للنخبة والفئة الميسورة، عبر فارز مؤدى عنه، لاعتقاد وهمي حينها، أن فقط للنخبة والبورجوازية من الإمكانيات وقدرة التواصل مع الآخر في الضفة الأخرى من البحر والمحيط.. وكان التخمين خاطئا، أو لنقل لم يكتب له النجاح.. لأن الشعب المغربي شعب بسيط، شعب محافظ، وشعب وطني مناضل، وشعب متحضر، ومنفتح على العالم، لا يستطيع أن يعيش منغلقا، والدليل على ذلك تحايله على التقاط القناة الثانية ليستفيد من المولود الإعلامي الأكثر تحررا في تعامله ومعالجته للقضايا الوطنية والعربية والدولية.. وعندما غرقت إطارات القناة في وحل الحسابات الخاطئة، وبدأ القلب يعتصر في أواسط التسعينات، وكادت أن تكون مأساة مخزية تسيء لوجه المغرب الخارجي، تدخلت الدولة ، ولنضع النقط على الحروف، كانت للحكمة الملكية التأثير الفاعل لتتدخل الدولة وتنقد ماء وجه الإعلام المغربي خارجيا.. ومن أجل الوطن يهون كل شيء، نجت الثانية وتنافست الأولى، وبعشوائية اقتحمت الفضائيات والإنترنيت فضاء العالم والمغرب.. وبشهادة التاريخ لعبت القناة الثانية دورا بارزا في بلورة ثقافة سياسية داخل المجتمع المغربي، وكان لها الدور الريادي في تنشيط المشهد التلفزيوني في البلاد، أعطت انطلاقة لعصر جديد للإعلام والمواطن والمواطنة..بطبيعة الحال، كان لجيل القناة الثانية نجومه، النجم الحقيقي الذي صنعته كفاءته الصحفية والثقافية، وتكوينه الذاتي، وإصراره على كشف مهاراته وإمكانياته عبر شاشة القناة الثانية، ولا غير، باعتبارها كانت منعطفا جديدا في الحياة الإعلامية المغربية، تسابق الزمن في تحرياتها الإخبارية، وتغطية الأحداث الوطنية، والانفتاح على مكونات المجتمع المدني والفعاليات السياسية والنقابية والثقافية والإعلامية، عبر برامج مثيرة ك"لقاء"، "بالواضح"، "بصراحة"، "وقائع"، "وجه وحدث"، "للصحافة رأي"، "نماذج" .."L?homme en question"، "Entretien"، و غيرها.. كفاءات مهنية وبرامج هادفة عملت على تربية الحس الاجتماعي والوطني، وتنمية وعي المواطنة، وبناء كيان ذاتي يناضل من أجل الحقوق المدنية والقضايا الوطنية والإنسانية.. تغيرت عقلية المواطن المغربي، أصبح جيل القناة الثانية من الصعب استغفاله، يواكب مستجدات الأحداث، ويبدي آراءه في واقع المجتمع، والسياسة، والاقتصاد، وغيرها من المجالات.. تغيير نتيجة عامل أساسي يكمن في اجتهاد الصحفيين ومقدمي البرامج، وإصرارهم على العمل في القناة الثانية، الوجه الإعلامي الجديد للمغرب، حيث اعتمد الصحافي على كفاءاته المهنية، وحمولته الثقافية في فرض حضوره الصحفي والإعلامي المتميز، وتفاعله مع الجمهور؛ ولا تزال ذاكرة جيل القناة الثانية تنبض ببريق العيار الثقيل من الصحفيين الذين منحتهم القناة فرصة عرض مواهبهم، وإثبات كفاءتهم الثقافية والمعرفية ومهارتهم الصحفية، فتعلموا قواعد لعبة العرض التلفزيوني، معتمدين في ذلك على بساطة اللغة الإعلامية، وعفوية التواصل مع أوسع شريحة من المشاهدين عبر الإخبار، والتحليل، والاستفزاز كالزميلة فاطمة الوكيلي، أنس بوسلامتي، الذي أجبر على الرحيل، نسيمة الحر، سمية المغراوي، سميرة سيطايل، مليكة ملاك، ثريا صواف، عمر سليم، محمد العمراني، شعيب حمادي، إبراهيم السلكي، شكري العلوي، حميد ساعدني، سناء القدميري، وغيرهم.. وآخرون، من القدامى، ممن انتزعوا حق الظهور، وبرهنوا، بقوة فعل الكفاءة والاجتهاد، تفوقهم الصحفي والإعلامي كالزميل صديق بن زينة ومحمد خاتم، ومحاولات عماد النتيفي.. فشهرة هؤلاء لم تلمع إلا من خلال شاشة القناة الثانية، ومن أجل القناة الثانية. تشبثوا بأن تكون طلتهم عبر شاشة 2M ، وجاهدوا لكي يؤكدوا كفاءاتهم المهنية، وتفوق احترافيتهم الإعلامية عبر القناة الثانية دون غيرها؛ القناة التي فتحت لهم المجال الإعلامي المعاصر.. وظهورهم بالصورة العالية المعهودة في القناة لم يكن ليتسنى دون مهارات تقنية وفنية متمكنة من أدواتها المهنية؛ تقنيون ومبدعون في الخفاء، هم أيضا، تشبثوا، بالعمل بالقناة الثانية، ولا غير القناة الثانية، رفضوا إغراءات التهجير، وبإصرار فني ناجح حرصوا على الجودة الفنية والتقنية العالية لصورة القناة الثانية، وبصموا احترافيتهم المهنية والفنية ، ففي الإخراج التلفزيوني لا يمكن نسيان :"مالك شمالي"، الذي أجبر على الرحيل، يوسف العمراني، الذي نتمنى له الشفاء العاجل، سعيد زرو، سعد العلوي، عبد العالي رشامي، حسن غنجة، رضوان القاسمي، محمد الطالبي، محمد ليشير.. وفي الديكور سعيد بشري.. وفي هندسة الإنارة: عبد الرزاق أمليح، قاسم بوزيد، لحسن أحنانا.. وفي هندسة الصوت: بوصفيحة محمد، عبداللطيف الدوسيلمي، رشيد البوزيدي، محمد القادري، نعيمة جوال، قروي عبدالله.. وفي فن التصوير: احميدة مربوح، عزالدين الادريسي، عبدالرحيم بوحديوي، بوشني حسن، السواكي محمد، أمينة خباب.. وغيرهم من الإداريين والتقنيين والمهنيين "الدوزيميين" "الأكفاء" الغيورين. فنجم القناة الحقيقي، الظاهر والخفي، في لمعان نجومية القناة الثانية، فبين الكفاءة الصحفية والإعلامية، واحترافية التقني والمهني العالية، واكراهات المشاهدة البيتية، وتمسك القناة الثانية بالانفتاح، والتميز، و الجودة ، تكمن النجومية الحقيقة.. فالنجومية للقناة ومن أجل القناة أكثر منها للنجوم؛ أشخاص يفتخرون بمرجعيتهم الذاتية والتلفزيونية، ويعتزون بانتمائهم للقناة الثانية، كجزء من العائلة الإعلامية المغربية.