ببيت هادئ، بعيدا عن صخب مدينة طنجة، يجلس أحمد بونقوب أو كما أسمته الصحف المغربية والدولية في عناوينها الكبرى إبّان الحملة التطهيرية لسنة 1996 ب"حميدو الديب" كأحد أكبر تجار المخدرات على مستوى شمال إفريقيا، (يجلس) الرجل الذي ما زال لم يفقد حماسه للحياة، وهو يتأمل المدينة التي تغيّرت، وتغيّر معها حاله، فبعد أن كان الرجل القوي في الشمال المغربي، أصبح رجلا تائها بين ردهات المحاكم والإدارات يبحث عن مخرج قانوني يستردّ من خلاله أملاكه المحجوزة. في هذا الحوار الخاص مع "هسبريس"، يعيد "الديب" تفاصيل اعتقاله، وعلاقة البصري بالحجز عن ثروته، والوعود التي تلّقاها بالحصول على عفو مَلَكيّ، وكيف كان يخدم الدولة ويستخدمها إبان السنوات الأخيرة للملك الراحل الحسن الثاني. قاد إدريس البصري، وزير الداخلية السابق، سنة 1996، حملة اعتقالات وصفت حينها ب"التطهيرية". وقيل، إبان ذلك الوقت، إن هذه الحملة جاءت بتعليمات مباشرة من الملك الراحل الحسن الثاني، ل"تنظيف" الشمال المغربي من تجار المخدرات ومن الأسماء "الثقيلة" التي راكمت الثروة بطرق مختلفة. أنت من بين هذه الأسماء التي تعرّضت للاعتقال، وحُكم عليها بالسجن لسنوات طويلة. كيف جرى ذلك؟ بكل بساطة، لم تكن هناك أي مؤشرات قبلية على وجود حملة "تطهيرية" سنة 1996. لهذا، عندما جاء رجال الأمن بزيّ مدني لاعتقالي، وجدوني في أحد البيوت التي أملكها. وقد جرى تفتيش البيت تفتيشا دقيقا، كما جرى لاحقا تفتيش جميع البيوت والمخازن التي أملكها دون أن يتم العثور ولو على كيلوغرام واحد من المخدرات. وهذا مُدّون في محاضر التحقيق. بعد اعتقالك بأحد البيوت التي تملكها بطنجة، أين جرى التحقيق معك؟ بعد اعتقالي، جرى نقلي إلى سجن القنيطرة. وبعدها، إلى معتقل تمارة الشهير. وهناك، خضعت لساعات من التحقيق المتواصل؛ حول ثروتي، وعن علاقتي بتجارة المخدرات، وعن مصادر أملاكي، وعن كل صغيرة وكبيرة. أيّ التهم وُجهت إليك، عند التحقيق؟ الاتجار الدولي في المخدرات.. هل صادر رجال الأمن كميات معينة من المخدرات في أحد البيوت التي تملكها؟ نهائيا. ويمكنني أن أجزم بأن تلك المصالح الأمنية، التي قامت بتفتيش كل البيوت التي أملكها وبعض المخازن التابعة لي، لم تجد أيّ كيلوغرام من المخدرات. لهذا، انصبّ التحقيق والتهم الموجهة إليّ حول "فرضية" تجارتي الدولية في المخدرات؛ وهي التهمة التي حُوكمت بها لاحقا. وللعلم، فكل من اعتقل، حينها في تلك الحملة، وجدت المصالح الأمنية لديه كميات معينة من المخدرات. كما كانت لبعض المعتقلين مشاكل قانونية كبيرة؛ باستثنائي. ومن ثَمّ، "لفِقَت" لي تهمة الاتجار في المخدرات دون سند قانوني. ما هي المبررات التي استندوا إليها من أجل اعتقالك، إذن؟ سأخبرك بشيء، لأول مرة أقوله؛ فقد جاءني ضابط أمن كبير (..) وقال لي بالحرف أثناء التحقيق: "إن المصالح الأمنية تعرف العمل الإحساني الذي تقوم به، وكل "الخدمات" التي تقدّمها للبلد؛ لكن الأوروبيين "صدعو لينا راسنا". وأضاف: "اعتبر نفسك "مُحاربا من أجل بلدك"، واعتقالك هو تضحية منك لبلدك؛ لأن الدول الأوروبية "خنقاتنا" بالاحتجاج على كميات المخدرات التي تصل إلى بلدانها. لهذا، قمنا بهذه الحملة، ولهذا تم اعتقالك". وأكد هذا الضابط الأمني، في رسالة واضحة وجهها إليّ أثناء التحقيق معي، "أنه عليّ الالتزام بالصمت، حتى تمر العاصفة. وبعدها، سيأتيني العفو الملكي، بعد فترة من الاعتقال". ما هي المدة التي استغرقها التحقيق معك؟ حقّقوا معي بمعتقل تمارة لمدة 17 يوما. بعدها، طلبوا مني التوقيع على محضر أقوالي، فَوَقَعَت. هل أرغموك على التوقيع على تُهم لم تؤكدها أثناء مجريات التحقيق؟ صدقا، لا أعرف؛ فأنا لم أقرأ محضر التحقيق، بحكم أنني لا أجيد القراءة والكتابة. لهذا، وثقتُ بالضباط الذين حقّقوا معي، ووقّعتُ على بدون تردد. قيل، أثناء حملة 1996 التي اعتقل فيها حوالي 400 شخص متهم بالاتجار في المخدرات والاغتناء غير المبرر، إن "الديب" كانت له علاقات غامضة مع أجهزة الدولة التي كانت تسهل عمليات تهريبه للمخدرات عبر البحر إلى أوروبا. ما حقيقة هذه المعطيات؟ هذا كلام "فارغ". فعلا، كنتُ أتعاون مع الدولة؛ لكن في بعض الملفات الأمنية. وهذا أمر لا أخفيه؛ فقد أسهمت في القبض على أحد المجرمين الذين قتلوا أجانب بطنجة، بعد أن فشلت الأجهزة الأمنية في اعتقاله. كما اعتقل رجالي جزائريا كان متهما في الأحداث الإرهابية لفندق "آسني" بمراكش سنة 1994، وسلمته إلى السلطات الأمنية. ولم يكن لي أيّ شريك في الدولة في عمليات تهريب المخدرات إلى الخارج. ما هي المدة التي حكم بها عليك؟ حُكم عليّ ب10 سنوات سجنا نافذة. وللطرافة، فقد أخبروني، قبل اعتقالي، بأني سأنال وساما على الأعمال التي أقدّمها للدولة؛ غير أنني وجدت نفسي، بعد أسابيع قليلة من ذلك الإخبار، في السجن. هل قضيت المدة التي حُوكِمت بها كاملة؟ قضيتُ سبع سنوات وتسعة أشهر من العقوبة السجنية المحكوم عليّ بها؛ قبل أن أنال العفو من الملك محمد السادس، سنة 2003. لنعد إلى ثروتك المالية، ما هو مصيرها؟ بعد اعتقالي ومحاكمتي، حجزت الدولة على أغلب أملاكي، إن لم أقل كلها؛ فقد جرى الحجز على أرض كبيرة في "المرسى" بطنجة، وأرض أخرى بمنطقة "مالاباطا" مساحتها 29 هكتارا ونصف الهكتار، وعلى العديد من الشقق التي حجزتها الدولة بدون أي سند قانوني، ولم ترجعها إليّ إلى غاية اليوم؛ مع العلم أن من اعتُقِلُوا معي أعِيدَت إليهم أملاكهم إلاّ أنا، حيث إنّ أغلب أملاكي ما زالت الدولة تتصرف فيها بدون سند قانوني. كم يبلغ مجموع القيمة المالية لثروتك المحجوزة؟ يتراوح مجموع قيمة تلك الثروة بين 30 مليار سنتيم و40 مليار سنتيم. حاليا، حينما تسأل الدوائر المعنية عن ملفك، ماذا يكون الرد؟ إنّ أي إدارة أقصدها ويعرفون من أكون، يرفضون الحديث معي تلقائيا. هل راسلت الديوان الملكي؟ نعم، راسلت الديوان الملكي. وبعدها، تواصلت معي إدارة الأمن، فجرى التحقيق معي بخصوص تفاصيل رسالتي التظلمية التي توصل بها الديوان الملكي، وعن الثروة المحجوزة. وقد امتد التحقيق لمدة ثلاثة أشهر، أعطيتهم من خلاله جميع التفاصيل المتعلقة بالأراضي والشقق المحجوزة التي لا أستفيد منها، بالرغم من نيلي لعفو مَلكي؛ غير أن ذلك التحقيق لم يفض إلى أي نتيجة إلى اليوم. ما هي مطالبك الآن؟ أطالب باسترجاع أملاكي، على غرار الأشخاص الذين استرجعوا أملاكهم؛ مع أنهم اعتقلوا وسجنوا معي المدة نفسها. هذا هو طلبي الوحيد، ولا أطلب شيئا آخر. لنعد إلى جزئية مهمة، أثيرت بقوة أثناء التحقيق معك. ودعني أسألك بصيغة مختلفة عن سؤالي في بداية هذا الحوار. هل كانت هناك أجهزة أمنية، لك بها علاقة مباشرة أو شخصيات أمنية كبيرة جمعتك معها علاقة تعاون معين؟ نعم، سأقولها والله شاهد على ما أقول: كان البعض ممن يشتغلون في الأجهزة الأمنية يطلبون مني تدوير العجلة، ويقولون لي: "نوض تخدم"، أنت وأمثالك هم الرجال الحقيقيون لهذا البلد، تُصدّرون "التراب" وتأتون بالعملة الصعبة للبلاد.. كانت هذه هي لغتهم معي في العديد من المرات. بمعنى أنك كنت تتعاون مع أجهزة الأمن؟ دائما؛ لكن عندما جرى الضغط عليّ توقفتُ. ولعلمك، فقد كنتُ "أحرس" البحر من منطقة كاب سبارطيل إلى القصر الصغير لصالح المغرب، خصوصا أن نهاية التسعينيات عرفت مشكل الهجرة السرية عبر القوارب نحو إسبانيا. وقد كانت الدولة نفسها عاجزة عن ضبط العشرات من القوارب التي تنطلق يوميا من السواحل المغربية؛ فكنتُ أوفر للدولة "أمن البحر" في هذه المساحة، حيث يُمنع كليا على أيّ "حرّاك" أن يَعبر في المنطقة التي يحرسها رجالي. لنعد إلى ثروتك.. هل لديك ممتلكات خارج المغرب؟ لا، كنتُ الوحيد ممن اعتقلوا في تلك الحملة الذي لا يملك أملاكا خارج المغرب. كانت كل أملاكي داخل المغرب، خصوصا بمدينة طنجة. ودعني هنا أخبر قراء جريدتكم بشيء أعتقد أنه مهم. إن ما كنتُ أتحصل عليه شخصيا من الاتجار في المخدرات لا يتعدى نسبة 20 في المائة، وال80 في المائة الباقية تذهب إلى جهات مختلفة، وكذا إلى الأعمال الخيرية؛ فقد فتحت العديد من البيوت للعاملين معي أو ممن ليست لهم القدرة على العمل الذين كنتُ أوفر لهم راتبا شهريا قارا، مع رعاية العديد من العائلات والمساجد بالشمال المغربي. وهذه حقيقة يمكن أن يشهد بها كل المقربين مني في تلك الفترة. عندما جرى اعتقالك كُتب في الصحافة أنك كنت تساعد في العديد من المشاريع لصالح الدولة بمدينة طنجة؟ نعم، كانوا يأتون عندي من أجل تشييد مكتب أو إصلاح بناية أو شارع أو طريق، فكنتُ أساعدهم بدون تردد. وهنا، أذكر أنني قمتُ بتشييد رياض تطوان بأدواتي الشخصية. كنت أطلب من السلطات أن يحضروا المهندس الخاص بهم للمشروع، والباقي أتكفل به أنا، في شقه المالي واللوجستيكي. في ظنك، من كان يستهدفك شخصيا، وأنت الرجل الذي نُسجت حوله العديد من القصص والروايات أحيانا "الهوليودية"؟ البصري هو الذي استهدفني؛ لأنه، قبل "حملة 1996" الشهيرة، أخبر المقربين منه بأن يجهزوا السيولة المالية الكافية لشراء ممتلكاتي بثمن بخس. وعندما جرى اعتقالي وإصدار الأحكام في حقي، ومعي العديد من المتهمين في مثل ملفي، فقدت العديد من الأملاك؛ غير أني لم أفقد كل أملاكي، حيث تغيرت مناصب العديد من رجال هرم السلطة في المغرب، فبعض من كان مسؤولا بين عشية وضحاها لم يعد كذلك، ومن كان في منصب تغير حاله في أيام، ومن كان يملك السلطة أصبح بدون سلطة، منهم من غادر المغرب، ومنهم من مات بعد فترة، ومنهم من تقاعد، ومنهم حتى من توفي لأسباب مختلفة. كيف تختصر مطالبك، خصوصا أنك راسلت الملك محمد السادس مباشرة عبر ديوانه؟ بفضل الملك محمد السادس، توقّف "النصب" على أملاكي؛ فقد جُمّدت جميع إجراءات "السطو" على ما تبقى لي من بعض البيوت والأراضي، خصوصا أن البصري كان قد أعطى أوامره شخصيا بأن يبقى ملف محاولة استرجاع أملاكي "مجمدا"، ليستطيع التصرف فيها خارج أي سند قانوني؛ غير أن العديد من الظروف تغيرت حاليا. لذا، أطلب من الملك محمد السادس أن يفك عقدة ملف أملاكي التي ما زالت تحت رحمة إدارة الأملاك المخزنية، خارج جميع النصوص القانونية. ولديّ كل الإثبات على ذلك. هذا كل ما أطلبه، لا أكثر.