هل كان اليخلوفي، فعلا، مجرّدَ بارون يتزعم شبكة دولية للاتجار في المخدرات؟ استطاع بفضل ثروته أن يخلق الكثير من الصداقات في أكثر من دولة، مثلما خلق صداقات متعددة في صفوف الأجهزة الأمنية، ما مكنه من تفادي اعتقاله طيلة سنوات، إلى أن قادته ظروفه ليقف في وجه وزير الداخلية إدريس البصري؟.. وهل استطاع أن يخفي حقيقته حتى عن أقرب المقربين إليه؟ أم إن كل ما تسرب من معطيات حوله لا يشفي غليل الباحثين في سر شخصيته وحقيقة الأدوار التي لعبها في أكثرَ من ملف، قبل أن ينتهيّ به المطاف سجينا، ثم جثة حَمَلت معها كل الأسرار؟ كيف بنى عبد العزيز اليخلوفي ثروته، التي يعجز عن حصرها حتى أقرباؤه؟ وكيف تأتى له أن يبنيّ إمبراطورية تمتد إلى روسياوكندا وأمريكا وأوربا، حتى أبناؤه لا يملكون تفاصيلها، مثلما لا يعرفون كم عقارا خلّف ولا كم شركة أسّس ولا تفاصيل الحسابات البنكية التي قيل إنها كانت مفتوحة في بنوك أكثر من دولة.. ألغاز ثروة غير عادية.. تقول إحدى بنات اليخلوفي: «ما نعرفه عن أبينا هو أنه كان تاجرا يملك عددا من الشركات، وكان يستورد المشروبات الغازية والسجائر من أمريكا وأوربا ويعيد بيعها في سبتة والمغرب وجبل طارق، كما يبيعها في كوبا.. وهذه عمليات كانت تتم بشكل قانونيّ، وكان نشاطه في المغرب يتم عبر المنطقة الحرة لطنجة، ورغم أن مستواه التعليميّ كان بسيطا، فإن حلاوة لسانه وأسلوبه في الإقناع فتحا له أوسع الأبواب».. وتتابع الابنة: «تمكن أبي من عقد صفقات واتفاقيات مع مجموعات عالمية عجز عن تحقيقها آخرون، وهذا ما مكنه من الحصول على حقوق التوزيع الحصريّ لعدد من الماركات العالمية، مثل شركة السجائر الأمريكية «فيليب موريس»، أو حصوله على عقد لاستيراد الصحون الهوائية في بداية ظهورها في المغرب، بل إنه كان يستورد التجهيزات المنزلية التي تضمّ عيوبا في التصنيع من أمريكا وكان يعيد بيعها في سبتة بأثمان مُغريّة.. وكان يتعامل مع أشخاص يعيدون صباغتها وإصلاح أعطابها، وصاروا اليوم من أغنى أغنياء الشمال، مثل أبرون، الذي صار يملك شركة للتجهيزات المنزلية، ولهذا يستحيل أن نصدّق أنه كان تاجرَ مخدرات وكان يتزعم شبكة دولية».. المعطيات التي يسردها أبناء اليخلوفي تتعارض كليا مع يسوقه عبد الغفار، واحد من الأشخاص الذين عملوا إلى جانبه ما بين 1982 و1992. يقول هذا الشخص، الذي التقته «المساء» وكان يعمل حمالا لدى آل اليخلوفي: «لقد بنى عبد العزيز ثروته على أنقاض الثروة التي تركها أخوه عبد الخالق، الذي توفيّ في حادثة سير سنة 1985، وخلّف زوجة وطفلين.. وقد ترك عددا من الأملاك والعقارات، سواء في سبتة أو طنجة أو في منطقة نيغرو، فضلا على شركات في الخارج، ومن ضمنها شركة لسيارات الأجرة في كندا.. وكل هذه الثروة كان مصدرها تجارة الحشيش، التي كان يزاولها الإخوة جميعا، باستثناء واحد اختار العمل في مهنة المحاماة.. وعبد العزيز نفسه استمر، بعد وفاة أخيه، في ممارسة تجارة الحشيش، الذي كان يقتنيه من مزارعين بالريف، ويتكفل بنقله عبر زوارق «فانطوم» السريعة إلى أوربا، وكان يزاوج بين هذه التجارة وبين تهريب السجائر.. وقد كنت، إلى جانب عشرات الحمالين الآخرين، نقوم بنقل الحشيش إلى الزوارق، أو نقوم بنقل السجائر المُهرَّبة من السفن التي ترسو غيرَ بعيد عن شاطئ العليين أو شاطئ الريفيين، وكل نشاطاته كانت معروفة لدى رجال الدرك والبحرية والأمن، والكل كانوا يتقاضون ثمن تغاضيهم عن نشاطاته غير القانونية».. «هذا على الأقل ما شهدت عليه، يقول عبد الغفار، طيلة السنوات التي قضيتها رفقته إلى حدود سنة 1992، تاريخ تفجّر قضية حجز السفينة المُحمَّلة بالسجائر المهربة، التي توبع فيها ونال حكم البراءة، حيث تلقى توصية ممن كانوا يوفرون له الحماية بضرورة تقليص حجم نشاطه، وهذا ما تم بالفعل».. هذا كلام مردود عليه تقول ابنة اليخلوفي، «وحتى لو صح فإننا لا نستطيع إلى اليوم أن نصدق أن والدنا كان تاجرَ مخدرات، وهو الذي كان يُصرّ على براءته طيلة مدة اعتقاله»، وتضيف: «تصور أنني وجدت أبي في يوم من الأيام في باحة المستشفى دون حراسة ولا أصفاد، وجريت نحو أحثه على الهرب، لكنه أجابني «أنا لديّ اليوم 43 سنة، وقد أفنيتُ زهرة شباب في العمل والكد، وتريدونني أن أهرب وأترك كل رزقي لهؤلاء.. أنا لم أقترف أيّ مخالفة، وقبل أن يختم كلامه تقدم إليه الشرطيّ المكلف بحراسته، وقال له «اضمن لي معاش أسرتي للستة أشهر التي سيحكمون بها عليّ وأنا أتدبر أمر هروبك».. لكن أبي رفض لأنه كان مُصرّا على أنه مظلوم». وطنية مفرطة تؤكد ابنة اليخلوفي «أن حب والدها للمغرب كان غير مفهوم، حتى إننا كنا ندرس في سبتة وحين ينتهي الدوام كان ينقلنا إلى منزلنا في تطوان، وكانت أمي تحتجّ عليه لأن هذا يتسبب لنا في متاعب يومية مع الجمارك وشرطة الحدود، إلا أنه كان يصرّ على الأمر وكان لديه خوف كبير من أن يتسبب انتقالنا للعيش خارج المغرب في زواجنا بأجانب، وكان أبي يقول لأمي: سيأتي وقت سيصير المغرب بلدا ذا شأن وسيتم بناء طرق سيارة وتهيئة المدن، وأمور أخرى كانت أمي تسخر منها وكانت تردد على مسامعه أن قلبها يخبرها أنه سيتعرض لاعتداء وسيشرّد أبناؤه آجلا أم عاجلا، وهذا ما وقع بالفعل».. وتتابع الابنة قائلة «كان سبب خلافات أبي وأمي دائما هو حبه لبلده المغرب.. وطالما كانت أمي تردد على مسامعه أن الشيء الوحيد الجميل في المغرب هو «الليتشين والجّعدة» (البرتقال والجزر) وأنه سيندم على الثقة الزائدة التي يضعها في بعض الأشخاص، ولكنه كان يعاكس رغبتها وكان كلما أنهى عملية تجارية أو مشروعا مربحا إلا وأدخل أمواله إلى المغرب، حتى إنه وضع ملياري سنتيم ثمن بيعه بقعة أرضية في منطقة نيغرو، كانت مسجلة باسم شركة «ميعاد»، في حسابه البنكي في طنجة، ولو كان يعمل بنصيحة أمي ويحتفظ بجزء من أمواله في الخارج، كما يفعل الكثيرون غيره، لما كنا نعيش أوضاع مأساوية اليوم».. هل كانت الزوجة، فاطمة، على علم بطبيعة نشاط زوجها وكانت تشارك معه أسرارا لا يطّلع عليها الآخرون، ومنها مثلا اشتغاله بتجارة المخدرات، وهي التهمة التي دخل بسببها السجن؟ أم إن الأمر كان مجرّدَ حدس من قلب زوجة وأمّ، لم تكن تثق كثيرا في من يأكلون من خيرات زوجها ويلعقون صحونه، خصوصا المنتسبون إلى أسلاك الشرطة والدرك والجمارك ومن يدور في فلكهم؟.. طموح وعلاقات مشبوهة تشير العديد من المعطيات إلى أنه كان لدى اليخلوفي طموح للانخراط في عالم السياسة، على أمل أن توصله إلى مراتب أعلى وتمكنه من نفوذ وسلطة، ربما عجزت ثروته عن أن توصله إليها؟ وفي هذا الإطار تقول السالكة بحْنين، التي نسّقت بينه وبين أحمد عصمان، إن اليخلوفي أخبرها حين سألته عن صورته مع كاسترو: «هل تعلمين أن كبار القوم في هذه المملكة جلسوا تحت هذه الصورة، باستثناء «الشّرَفا»، ولا أحد منهم علّق عليها أو سألني عن سرّها».. فمن يكون كبار القوم هؤلاء الذين جالسوا اليخلوفي طيلة سنوات ودخلوا منزله؟ «كان أبي يسرّ كثيرا حين يرى الحسن الثاني في التلفزيون، وكانت تستهويه أجواء علية القوم، وسمعناه أكثر من مرة يحكي لوالدتي عن زياراته المتتالية للقصر الملكي في الرباط أو الصخيرات، دون أن نعيّ طبيعة الأشخاص الذين كان يلتقيهم هناك في ساعات متأخرة من الليل، وعن صلته بهم».. تقول ابنته، وتضيف: «حتى ضيوفه الذين كان يستقبلهم في منزلنا كانوا خليطا بين وزراء، أبرزهم ادريس البصري، ورجال أعمال معروفين وشخصيات برُتب عالية في الشرطة والدرك والبحرية والجمارك».. يقول مصدر قريب من القضية ل«المساء»: «علاقة اليخلوفي بوزير الداخلية قديمة وبدأت منذ الثمانينيات، والحديث عن أنها بدأت فقط مع اعتقاله مجرد مغالطات.. وأتذكر أن البصري قام، في سنة 1986، بزيارة رسمية إلى سبتة رفقة العديد من المسؤولين من مختلف الأجهزة والتقى هناك بوزير الداخلية الإسباني لمناقشة ملفات تتعلق بالهجرة السرية، كما التقى مع اليخلوفي على هامش زيارته، ليناقش معه بعض المشاكل التي ظهرت في عملية اقتناء القطعة الأرضية التي باعها لشخصية نافذة بقيمة ملياري سنتيم على أساس أن يتم فيها بناء محطة سياحية، وهي عملية البيع التي كانت فيها هذه الشخصية مجرّدَ واجهة لجهات أكبر منه لم يكن ممكنا أن تظهر في الصورة».. هذه المعطيات يؤكدها أبناء اليخلوفي، أيضا، ويشيرون إلى أن علاقة البصري بوالدهم بدأت منذ وقت سابق على اعتقاله، وكان يزورهم في فيلا نيغرو في أكثرَ من مناسبة، مؤكدين أن البصري ليس وحده من دأب على زيارته، بل إن شخصيات أخرى تنتمي إلى عدد من الأجهزة كانت لا تغادر بيته، منها الحاج أمال، الذي كان على رأس المديرية الجهوية لحماية التراب الوطني (DST) والذي فرّ إلى البرتغال، حيث طلب فيها اللجوء السياسي أسابيع قليلة على بدء «الحملة التطهيرية» لسنة 1996.. (يملك حاليا مطعما بمدينة فوينخيرولا بإسبانيا) حيث اعتاد الحاج أمال، في ما يشبه «طقسا»، أن يتناول كسكس يوم الجمعة لدى عائلة اليخلوفي، قبل أن يتوجه رأسا إلى سبتة ليقضي في كازينو المدينة عطلة نهاية الأسبوع، وهو المعروف عنه ولعه بالقمار».. كثيرون كانوا يزورون اليخلوفي بانتظام، ومنهم الكوميسير بوعسرية، الذي كان رئيسا للأمن في الفنيدق، فضلا على بلوط، الذي كان رئيسا للدرك في المنطقة، وعشرات الشخصيات ممن كانوا يترددون عليه، سواء من الرباط أو من مدن قريبة في مختلف الأعياد والمناسبات، يقول مصدر «المساء». ما الذي يجمع اليخلوفي بكل هؤلاء؟ هل هي فقط صداقة عادية أم هو سحر الثروة التي كان يمتلكها؟ أم هي مشاريعه وشركاته، التي لا يُعرَف إلى اليوم عددها، والتي كان تنشط في عدد من القطاعات؟ وهل صحيح ما قالته السالكة من أن اليخلوفي كان يقوم بعمليات تهريب للأموال إلى الخارج لحساب عدد من المسؤولين الذين يودعون أموالهم في بنوك أجنبية؟ «كان اليخلوفي، بحكم امتلاكه عددا من الشركات، يقيم علاقات كثيرة مع شخصيات نافذة»، تقول «هدى، ب.» التي عملت سكرتيرة خاصة لليخلوفي لمدة قصيرة، قُبيل اعتقاله بتهمة الاتجار في المخدرات، وهي الوظيفة التي توسط لها فيها «محمد ع.»، مدير فرع بنك «BMAO» في طنجة: «تعرّفتُ في أحد اللقاءات التي رافقتُ فيها اليخلوفي إلى مطعم محجوز في فندق بين تمارةوالرباط، على وزير النقل السابق سعيد أمسكان، وكان اليخلوفي مصحوبا بعبد الرزاق بنجلون، شريكه في مَصنعَي سلا، وكانوا الجميع يتحدثون في موضوع يخصّ أحد المشاريع التي يقوم بها اليخلوفي، وهو اللقاء الذي حضره أشخاص آخرون، وما أثارني هو أنني رأيت اليخلوفي لاحقا على شاشة التلفزيون، في إحدى المناسبات، وهو ما جعلني أتأكد أنه شخص مهمّ ولا يمكن أن يكون أبدا، كما قيل عنه، مجرّدَ تاجر مخدرات».. يقول أحد أبنائه: «كان أبي مالكا أو مساهما في العديد من الشركات، ومن بين تلك التي استطعنا الوصول إلى معطيات بخصوصها شركة «تيكتراكو»، التي كان شريكا فيها مع شخص يدعى «ط .ش.» في طنجة (أشار إليه تقرير المرصد الجيوستراتيجي للمخدرات سنة 1992 لكنه لم يُعتقل في الحملة التطهيرية) وكانت تشتغل في ميدان التصدير والاستيراد، خاصة مع روسيا، وشركة «دبلومات»، التي كانت تقوم بعمليات استيراد وتصدير مع كوبا، ثم شركتي «أركوبول» و»نيو لاين»، اللتين تعملان في مجال النسيج والملابس الجاهزة، فضلا على شركتي «جيباك» و«ساك كونفكسيون»، المتخصصتين في صناعة سراويل الجينز، وكان شريكا فيهما عبد الرزاق بنجلون، الذي أنكر حتى معرفته بأبي حين اعتُقل.. دون الحديث عن العديد من الشركات التي لا نملك عنها أي معطيات».. والغريب -يضيف الابن- أنه «بمجرد اعتقال والدي، «تبخّرت» عدد من الشركات وضاعت أسهمه في أخرى، عبر عمليات تحايل واسعة، ويكفي الرجوع إلى سجلات المحكمة التجارية في طنجة على الخصوص للوقوف على عدد من الحقائق الصادمة، التي تبيَّنَ أن عددا من شركائه المغاربة والأجانب استغلوا ظروف اعتقاله ثم وفاته لينهبوا ثروته».. أسئلة معلقة.. تطرح وقائع قضية اليخلوفي العديد من علامات الاستفهام الذي تظل دون إجابات شافية، من بينها: هل استطاع رجل بمستوى تعليميّ بسيط أن يخدع حقا استخبارات عدد من الدول، مثلما استطاع خداع جميع الأجهزة الأمنية في المملكة متخفيا في رداء رجل أعمال يملك العديد من الشركات التي تعمل في نشاطات متعددة؟ أم إن الأمر كان أكبرَ من ذلك، وكانت حقيقته معروفة وكان يتم استخدامه، بحكم صلاته المتشعبة مع أكثر من جهة، كعميل في بعض العمليات الاستخباراتية، وتسند إليه مهام بسيطة، على غرار بارونات آخرين، ومن بينها واقعة تكليفه بالتوسط في عملية استرجاع سلاح رشاش سُرق من إحدى ثكنات الشمال، وهي العملية التي نجح فيها اليخلوفي بحكم علاقته بالجهة التي قامت بعملية السرقة؟.. سؤال آخر يفرض نفسه هو: لماذا لم تتدخل إسبانيا لتساند مواطنا يحمل جنسيتها؟ وهل كانت لهذا الرجل أدوار أخرى يقوم بها بحكم شبكة علاقاته الواسعة التي نسجها بين ضفتي المضيق، ووصل مداها إلى روسياوكندا وأمريكا وكوبا وباناما، مرورا بجبل طارق وفرنسا وإنجلترا؟ حتى إنه تدخل أكثر من مرة لفضّ النزاعات التجارية التي تنشأ بين سبتة وجبل طارق، بحكم نفوذه الكبير وعلوّ قدْره لدى سلطات البلدين.. بمعنى: هل كان اليخلوفي عميلا لمخابرات هذا البلد، خاصة أنه استطاع أن يربط صلات مع كوبا وأمريكا في الآن نفسه، وكان يرافقه مجموعة من معاونيه الإسبان، من ضمنهم شريكه ألفونسو كونيسا روس، وشخص آخر يدعى بيبي كومباس يعمل اليوم في مصلحة حكومية بسبتة، وكان يشتغل مدير أعمال لدى اليخلوفي؟ سؤال جوهري يبدو أنه عصب الموضوع برمته وهو، ما سر علاقات اليخلوفي المتقدمة مع آل كاسترو، خاصة مع راوول كاسترو، الذي يعتبر أقوى رجل في هذا البلد، وهو الرجل الذي كانت تتركز في يده كل السلطات العسكرية والأمنية والاستخباراتية؟ وهل كانت علاقتهما تنحصر فقط في ما هو تجاري، أم تمتد إلى أمور أكثر أهمية؟ ثم كيف يستقيم أن تسمح أمريكا لشخص مثل اليخلوفي أن يدخل أراضيها بشكل عادي في وقت تعتبر كوبا، الدولة الشيوعية، ألد أعدائها وتفرض عليها حصارا تجاريا؟ ألم يكن اليخلوفي وسيلة تستخدمها الاستخبارات الأمريكية، ربما دون علمه، للوصول إلى معلومات حول القيادات الكوبية؟ وما هو سر الزيارة غير المعلنة التي قام بها إلى المغرب ضباط من البحرية الأمريكية (المارينز) أثناء محاكمته، وخلالها التقوا بعض الجهات بحثا عن نسخة من ملف محاكمته، وطرحوا العديد من الاستفسارات حول حقيقة الرجل، وهل كان فعلا تاجر مخدرات كما قدّمته الرواية الرسمية؟ ثم ما علاقة كل هذا بالبصري، وهو الذي كان على صلة سابقة باليخلوفي منذ الثمانينيات؟ هل كان البصري على علم بحقيقة الرجل، وكان يستغله أيضا في عمليات مماثلة، ضمن مخطط كبير يجمع المغرب وأمريكا ومعهما حلفاء إقليميون، مثل فرنساوإسبانيا؟ أم إنه اكتشف، متأخرا، أن اليخلوفي مجرد بارون مخدرات استطاع خداعه طيلة سنوات، ولهذا لم يرحمه في أول فرصة أتيحت له؟ يقول النقيب محمد زيان معلقا على هذه الفكرة: «هذه أول مرة تثار فيها معلومة بهذه القيمة، ولو صح أن البصري كان يربط علاقة مع اليخلوفي منذ الثمانينيات، فهذا يبرر الأسلوب الذي تعامل معه به والمصير المأساوي الذي انتهى إليه». فهل كان ضروريا أن يلقى حتفه ويحمل معه أسرارا جمعتهما طيلة أزيد من عشر سنوات إلى غاية اعتقاله سنة 1995؟.. «هذه قمة البلادة، يقول زيان، لأنه كان بالإمكان استغلال العلاقات المتميزة التي كانت لدى اليخلوفي مع راوول كاسترو، الرجل القوي في النظام الكوبي لخدمة عدد من الملفات الوطنية إلى أبعد مدى، بدل التضحية به في أول فرصة، وحتى لو كان فعلا تاجر مخدرات فقد كان ممكنا تأخير اعتقاله إلى حين الوصول إلى نتائج أهمّ». فكرة أخيرة، طرحها مصدر اشتغل على الملف عن قريب، تعيد كل الأمور إلى نقطة البداية، وهي أنّ «قضية اليخلوفي أخذت أبعادا كبيرة بشكل كان مخططا له، إذ استعملت قضيته وتم «النفخ» فيها إعلاميا، من أجل مواجهة الحملة التطهيرية التي أطلقها البصري، حتى إن الكثير من المعطيات التي نُسبت إلى اليخلوفي، ومنها أنه يملك أسرارا حساسة تتصل بملف الصحراء وعلاقاته المفترَضة بحكام كوبا وزعيم البوليسراريو، كانت بتوجيه من جهات معينة حتى تضغط على البصري ليوقف حملته، وهو ما تحقق فعلا، أما اليخلوفي فهو إنسان عادي، ارتبط بصداقة مع جنرال كوبي جمعتهما أكثر من مصلحة، لكنه وجد نفسه في مرمى أكثر من جهة استغلته ودفع حياته ثمنا لقضية أكبر منه». يبدو أن الجواب عن كل هذه الأسئلة سيكون صعبا بالنظر إلى مساحات الغموض الكثيرة التي ما تزال في القضية، فضلا على أن أطرافا كثيرة لعبت دورا محورا فيها، ما تزال تركن إلى الصمت.. كما غيّب الموت فاعلين أساسيين آخرين، منهم مستشار الراحل الحسن الثاني أحمد رضا كديرة ووزير داخليته إدريس البصري، وعبد العزيز اليخلوفي نفسه، الذي أخذ معه كل الأسرار إلى قبره.. وحتى مذكراته التي شرع في تدوينها في سجنه، اكتشفت أسرته، حين تسلمتها ضمن متعلقاته، أن صفحات كثيرة منها تعرضت للبتر.