سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المسؤولون الفاسدون لا يقبضون الرشاوى مباشرة بل عن طريق أقربائهم ومعارفهم الأموال الناتجة عن تجارة المخدرات تشبه الأوهام لأنك تعتقد أنك تتوفر على كثير من المال لكنك في الحقيقة لا تتوفر على شيء
في هذه المذكرات، يحكي مهرب تائب مسيرته المثيرة في تهريب الحشيش عبر البحر، بين المغرب وإسبانيا. مسيرة فيها الكثير من الإثارة والتشويق، لكنها أيضا مذكرات من أجل العبرة واستلهام الدروس. - من كان ينفذ هذه العمليات في السفن العملاقة، هل هم أصحاب السفن أو عاملون فيها؟ إنهم «باطرونات» هذه البواخر، وهناك مهربون مغاربة كانوا يرتبطون بأصحاب هذه البواخر، التي كانت تصل حتى كوبا، ومن هناك تعود محملة بالسجائر المهربة. - هل هذه البواخر هي التي أغرقت الأسواق المغربية بالسجائر المهربة؟ بالتأكيد، فأحد الشبان المعروفين في طنجة بالاتجار في السجائر المهربة، كان يتعامل مع مهرب معروف، حيث كان يمده بكميات كبيرة من السجائر. - وكيف يتم إدخال السجائر إلى المغرب؟ الطريقة هي نفسها التي يتم بها إخراج الحشيش إلى تلك البواخر. تتوجه باطيرات إلى عرض البحر حيث توجد هذه البواخر، فتنزل الشباك محملة بالسجائر فتحملها الباطيرات إلى البر، وبعد ذلك يتم توزيعها بالطرق المعروفة. - بما أن هذه البواخر العملاقة تتحرك عبر المحيطات، وتصل حتى أمريكا، ألم تكن تحمل الكوكايين إلى المغرب؟ ليس هناك شيئا أكيدا حول هذه المسألة. لكن الناس يعرفون أن مهربا شهيرا، والذي مات في السجن بعد اعتقاله، كانت له علاقة جيدة مع شبكات في أمريكا اللاتينية. - هل صحيح ما يشاع حول وجود علاقة وثيقة بين ذلك الشخص وبين الزعيم الكوبي فيديل كاسترو؟ لا أعرف، لكن ذلك كلام يتم تداوله بين الناس، وهناك من قالوا إنه كان يتوفر على صورة مع كاسترو، لكن الحقيقة أن ذلك الرجل لم يكن يتوفر على أموال كثيرة، وأملاكه كانت قليلة، من بينها فيلا في منطقة «كابو نيغرو» وبعض الأراضي في مناطق أخرى. أما الأموال التي تركها بعد موته فذهبت أدراج الرياح. إن الأموال الناتجة عن تجارة المخدرات تشبه الأوهام، لأنك تعتقد أنك تتوفر على كثير من المال، لكنك في الحقيقة لا تتوفر على شيء، لأن كل ذلك يمكن أن يتبخر في أية لحظة. - على ما يبدو فإن المهربين الجدد هم الذين استطاعوا جمع أموال كثيرة؟ فعلا، وأعطيك مثالا على ذلك، بذلك الشاب المتحدر من سبتة والذي اعتقل وهرب سابقا من سجن القنيطرة. فهذا الشخص، الذي يحمل الجنسية الإسبانية، بدأ بسيطا عبر تهريب كميات قليلة من الحشيش في الباطيرات، وكان في البداية يشتغل مع نفس الشخص الذي كنت أشتغل معه. لقد بدأ بتهريب الحشيش وعمره لا يزيد عن 16 سنة. لقد كان يشتغل لنفسه وكان معروفا بطموحه في هذا المجال، وهو أول شخص أدخل إلى المنطقة مراكب «الزودياك» التي تحمل ثلاثة محركات أو أكثر. هذا الشخص كان يشتغل أيضا مع مواطن بريطاني يدعى «آلان»، وأحيانا كانا يقومان بأربع عمليات تهريب في الليلة الواحدة. كانا يخرجان في الغالب من منطقة الدالية (حيث يوجد الميناء المتوسطي حاليا)، ويتوجهان نحو شواطئ صخرة جبل طارق. لكن في إحدى العمليات تم القبض عليه في إسبانيا وأودع سجن مدريد، وتم الحكم عليه بثمان سنوات سجنا، لكنه هرب من السجن وتوجه إلى المغرب، وهنا ساعده مهرب مشهور على إنجاز وثائق جديدة، وبدأ يشتغل لحسابه. - والبريطاني ألان، ماذا كان مصيره؟ لقد مات، لكن ليس في حادثة مرتبطة بالتهريب، بل لأنه أصيب بمرض السرطان في لسانه، لأنه كان يحب وضع أقراط معدنية في لسانه وشفتيه، وهو ما سبب له هذا المرض الخبيث، حسبما يقال. كان هذا الرجل متسابقا بارعا في الزوارق البحرية، وكان ينظم مسابقات رياضية بحرية في منطقة قريبة من جبل طارق، حيث كان يقيم. البريطاني ألان ساهم أيضا في بناء مسجد في منطقة «واد المرصى». صحيح أنه لم يكن مسلما، لكنه كان يحس بنفسه مغربيا. - وكيف وقع هذا الشاب السبتاوي في قبضة الأمن المغربي؟ تم ذلك في نفس الفترة التي ألقي فيها القبض على منير الرماش. فقد كان الشاب السبتاوي قريبا من الدارالبيضاء، وربما في مدينة المحمدية. - وما حكاية هربه بعد ذلك من سجن القنيطرة؟ ما سمعته هو أنه لم يهرب، وأن ذلك مرتبط بحكاية مثيرة، فقد كان هذا الشاب يشتري موظفين فاسدين يسمحون له بمغادرة السجن إلى أي مكان يريد، خصوصا الملاهي الليلية مع أصدقائه، وفي الصباح كان يعود إلى السجن. لقد تعود على ذلك لمدة طويلة، لكن حدث مرة أن خرج من السجن وبقي نائما في مكان كان يسهر فيه، وعندما استيقظ متأخرا عاد إلى السجن، لكنهم أخبروه أنه تم إرسال تقرير بهروبه، وأن عودته لن تفيد شيئا، بعد ذلك قرر أن يعود إلى سبتة. - قيل عنه بأنه كان يصعد هضبة في سبتة ويبدأ في شتم الذين اعتقلوه؟ الأمر ليس كذلك، فما كان يفعله هو أنه كان يصل حتى النقطة الحدودية في سبتة، حيث يوجد الأمن والجمارك المغاربة، ويبدأ في توجيه الشتائم لهم، ويصفهم ب«الغزاة». لكن تم القبض عليه بعد ذلك لأنه صار يتحرك فقط بوثائق هويته المغربية بعدما أخفى وثائقه الإسبانية. - هؤلاء المهربون الجدد يبدو أنهم ظهروا بطرق أقرب إلى الصدفة؟ ربما، وأقرب مثال على ذلك هي حالة أحد المهربين الذي كان في أيام مراهقته يبيع السجائر بالتقسيط على قارعة الطريق في تطوان، ثم ربط علاقة مع مهربين معروفين كانوا يمنحونه الحشيش لكي يهربه على حسابه. هذا الشخص استغل فترة كانت فيها الحراسة لينة ورخوة لكي يتحول إلى مهرب شهير، حين كان إنجليز جبل طارق يأتون للبحث عن الحشيش، خصوصا في الفترة المتراوحة ما بين سنتي 2000 و2003، وكان الحشيش يخرج في أي وقت، من الصباح الباكر حتى الليل. - كل هذا لم يكن ليحدث لولا وجود مسؤولين فاسدين؟ طبعا. وهناك مسؤولون حصلوا على الملايير من وراء إغماض العين عن ذلك. - وكيف كانت تتم عمليات الإرشاء؟ الأمر سهل، ففي أغلب الأحوال، كان المسؤول الفاسد لا يقبض المال بنفسه، بل كان يطلب من عائلته أن ترحل من مدينتها الأصلية وتأتي إلى طنجة أو تطوان، وتكتري منزلا في مكان ما، وبعد ذلك تتم عملية الإرشاء عبر منح المال لأفراد من عائلة المسؤول الفاسد، مثل أمه أو زوجته أو شقيقه أو أي فرد من عائلته يثق فيه.