سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الباطرون تحول من مهرب حشيش إلى منعش عقاري ومالك عقارات ومصانع وكان يشتري الولاءات طلب مني قاضي التحقيق الإسباني الكشف عن صاحب الحشيش مقابل أن يطلق سراحي فورا
في هذه المذكرات، يحكي مهرب تائب مسيرته المثيرة في تهريب الحشيش عبر البحر، بين المغرب وإسبانيا. مسيرة فيها الكثير من الإثارة والتشويق، لكنها أيضا مذكرات من أجل العبرة واستلهام الدروس. - هل طلب منك الإسبان، بعد اعتقالك، الكشف عن أصحاب الحشيش في المغرب؟ طلب مني قاضي التحقيق الإسباني أن أكشف اسم وهوية صاحب الحشيش. كان يعدني بإطلاق سراحي فورا لو كشفت لهم الاسم، لكني بقيت مصرا على التكتم. بعد ذلك زارتني امرأة مغربية في السجن ومنحتني حوالي 300 ألف بيسيطا (حوالي ثلاثة ملايين سنتيم)، وطلبت مني أن أصمت. سمعت بعد ذلك أن الباطرون يريد توكيل محام إسباني مشهور للدفاع عني، وهو في الحقيقة كان يريد الدفاع عن نفسه حتى لا ينكشف اسمه. عرفت فيما بعد أن تكاليف تنصيب المحامي ستصل إلى حوالي 30 مليون سنتيم، فطلبت من الباطرون عدم توكيله لأن القضية في كل الأحوال خاسرة، فالحشيش كان معنا والإسبان تركوني وحيدا، ولا مفر لي من حمل التهمة. - بكم تم الحكم عليك؟ لم يصدر في حقي أي حكم، بل قضيت في سجن قادس سنتين وثلاثة أشهر بدون صدور حكم، وكنت حينها أخضع للتحقيق بين الفينة والأخرى. وعموما فإن القوانين الإسبانية ليست متشددة جدا في ما يتعلق بالحشيش، لأن الحكم يكون مشابها سواء تم العثور عند شخص ما على كيلوغرام واحد أو على عدة أطنان، يعني أن القانون لا يفرق في الكمية، بل يعاقب على الحيازة. - عندما أطلق سراحك هل عدت إلى مشغلك؟ نعم، وكنت أعتقد أنه سيكافئني على صمتي وعدم كشفي لاسمه لدى الأمن الإسباني، كما أني استغنيت عن المحامي، الذي كان سيكلفه قرابة 30 مليونا، لذلك صدمتي كانت قوية حين ناولني الباطرون مبلغا قدره خمسة آلاف درهم. والغريب أنه في نفس اليوم الذي التقيت فيه الباطرون بعد خروجي من السجن، كان يسوق سيارة «ميرسيديس كلاس» بها كميات كبيرة من الأموال، وكلها موضوعة في الصندوق الخلفي للسيارة. كانت الأموال موضوعة بشكل عشوائي في صندوق السيارة وكأنها شحنة من الرمل. أستطيع أن أقول إن المبلغ كان في حدود سبعة ملايير، وكان في طريقه لكي يضعها في أحد الأبناك. ساعدته في تنظيمها وعدّها وبدأت أضع الأوراق المالية، وهي من فئة 200 درهم، في علب بلاستيكية كبيرة لكي يسلمها للبنك، لأنه وقتها كان قد بدأ في بناء عمارات، أي أنه تحول إلى ما يعرف اليوم ب«منعش عقاري». توجهنا نحو منطقة كاسبراطا، على طريق حي بنديبان، وتوقف قرب وكالة بنكية، فأجرى مكالمة هاتفية ثم خرج حوالي سبعة موظفين من الوكالة وبدؤوا يحملون أكياس المال إلى الداخل. كل علبة بلاستيكية بها حوالي مائة مليون سنتيم. بعد ذلك أحضر له موظفون أوراقا كثيرة وشيكات لكي يؤدي بها رواتب البنائين والمواد المستعملة في البناء. انطلقنا بعدها وبقي في صندوق السيارة حوالي مليار سنتيم. وقتها أعطاني 5 آلاف درهم وطلب مني أن أجد «كْريما» طاكسي لكي يشتريها لي. وجدت بالفعل سيارة أجرة بسعر 25 مليونا، وعندما أخبرته قال لي إنه سيدفع النصف فقط، أي 12 مليونا، وبعد ذلك ذهب ذلك الوعد أدراج الرياح بعدما أعطاني فقط 4 آلاف درهم أخرى. - هل بقيت بعد ذلك تقوم بعمليات التهريب عبر البحر؟ توقفت عن ذلك مؤقتا وصرت مكلفا بتدبير شؤون مخزن كبير به زوارق التهريب والبنزين وكل الأشياء الأخرى التي تستخدم في تهريب الحشيش عبر البحر. كانت العمليات وقتها تغيرت في نهاية التسعينيات، وصار الاعتماد أكثر على الزوارق البلاستيكية السريعة، التي تعرف باسم «الفانطوم». وقتها خرجت في رحلة واحدة عبر «الفانطوم»، أخرجنا خلالها 70 حزمة من الحشيش، وكل حزمة بها 30 كيلوغراما، أعطاني الباطرون بعدها 3 ملايين، بينما أعطى للشخصين الآخرين اللذين كانا معي 10 ملايين لكل واحد. - لماذا كان يتعامل معك بهذه الطريقة، أي يمنحك دائما أقل مما يمنح للآخرين، ولماذا أيضا قبلت بهذا التعامل؟ كنت أعتبر نفسي جزءا من مسيرة وحياة الباطرون، ولم أكن مستعجلا للحصول على المال، وهو دائما كان يقول إن ما يملكه هو لنا جميعا. هذا كلام تبين لي لاحقا أنه كلام فارغ، لأني كنت أشتغل معه ليل نهار، وحتى النوم لا أتذوق طعمه لليال، ولا أكاد أحصل على شيء. كان حرْص الباطرون على أن أشتغل معه دائما يدفعه أيضا إلى هذا السلوك، وكان يقول لمن أعرفهم إنه لو أعطاني مالا كثيرا فسوف أذهب لحال سبيلي، لذلك كان يربطني به عبر إعطائي الفتات. أنا لم أكن ألح على طلب المال لأني كنت أعتبره مثل فرد من العائلة، وأن المال الذي لم أحصل عليه الآن سأحصل عليه فيما بعد. في النهاية كنت الضحية الأكبر لهذا الرجل، الذي اغتنى وامتلك مئات الملايير على حسابنا. - لكن مقابل البخل معك، كان الباطرون كريما مع الآخرين؟ سأعطيك مثالا قويا على ذلك. فهذا المهرب الذي اشتغلت معه لسنوات طويلة اكتسب ثروة خرافية، وكان شقيقه يشتغل معه، وكان يعامله بنفس الطريقة، وفي النهاية عاد أخوه إلى زراعة قطعة أرض كان يملكها. والغريب أنني حضرت شخصيا حالات تبذير بلا معنى، فأحيانا يأتي أشخاص مجهولون عند هذا المهرب ويطلبون المال، فيعطيهم 5 أو ستة ملايين. سأعطيك مثالا آخر، لقد خرجنا في رحلة تهريب ومعنا 115 حزمة، وكانت تلك الرحلة صعبة وقمت بدور كبير في إنقاذ هذه الشحنة من الضياع لأني كنت لوحدي مع «نصرانيين» في منطقة «كونيل». لقد حملت كل تلك الحزم واحدة واحدة من ضفة نهر كونيل إلى السيارة ولم يضع منها شيء. كانت الشحنة تزن أكثر من ثلاثة أطنان، وسعرها يقارب خمسة ملايير، وأنقذتها من الضياع بعد أن اشتبه فينا الأمن، وعندما عدت سلمني الباطرون مليوني سنتيم. والغريب أني وجدته آنذاك قد اشترى ألف خروف بمناسبة عيد الأضحى وكان يوزعها على الأسر الفقيرة وعلى موظفين في مختلف القطاعات. بعض المسؤولين لم يكونوا يريدون الخروف وكانوا يفضلون القبض نقدا خلال هذه المناسبات الدينية. - وكيف كان يوزع الباطرون الأموال والخرفان؟ المال كان يوزعه بنفسه، حيث يضعه في أكياس بلاستيكية ويطوف على أشخاص معينين. أحيانا كان يقدم كميات كبيرة من المال لمسؤول عن قطاع معين، وهذا الأخير يوزعه على مرؤوسيه وفق حصة متفق عليها. هذا الأمر كان يتكرر باستمرار، والوزيعة معروفة. - هذا الباطرون كان يخرج الحشيش إلى أوروبا، لماذا إذن كان مهتما بشراء الولاءات والذمم في الداخل؟ المسألة واضحة، لأنه يحتاج إلى الذين يساعدهم في أشياء كثيرة. لكن هذا لم يمنعه من السقوط في النهاية ودخول السجن.