بداية الشرارة في الكشف عن علاقة هؤلاء كانت في قضية منير الرماش شمال المغرب يبقى مسرحاً لتداخل هاته العلاقات شهر غشت من كل سنة شبح مخيف لبارونات المخدرات قبل سنة 1996 لم يكن رجال الأمن والسلطة على اختلاف ألوانها وأشكالها في خانة الاتهام في قضايا لها علاقة مع شبكات الاتجار وتهريب المخدرات، بحيث لم يكن يجرؤ أحداً على توجيه أصابع الاتهام أو ذكر أسماء رجال الأمن والسلطة عموماً في توريطهم في مثل هذه الملفات. إلى أن جاء ما سمي آنذاك بالحملة التطهيرية لسنة 1996، والتي قادت إلى اعتقال أسماء وازنة في هرم تجارة المخدرات بالشمال أمثال احميدو الديب، اليخلوفي والتمسماني أبو سلامة (الملقب بالدرقاوي العملي الحتاش قاسم العربيطي... وخلال هاته الحملة التطهيرية، كانت مصالح المديرية الجهوية لحماية التراب الوطني بالشمال هي المكلفة بالتحقيق في هذا الملف، وكان رئيس المديرية الجهوية لحماية التراب الوطني (المعروفة اختصاراً DST) الحاج أمال هو الآمر الناهي في صك الاتهامات لهذا وذاك، وهو ما دفع لاحقا ببعض المهربين الذين تعاملوا مع الحاج آمال قصد الإفلات من المتابعة القضائية، بتوجيه الاتهامات إليه بتوفير الحماية لهم، والإفلات من الحملة التطهيرية لسنة 1996، بل كان للحاج آمال الفضل في طمس بعض المعطيات التي باح بها اليخلوفي أثناء التحقيق معه من طرف مصالح DST، حيث أنه قام بوساطة مع السلطات السياسية بكوبا لأجل عودة بعض قيادة البوليزاريو، ليتم طمس الملف بسرعة فائقة، وتقتصر المحاكمة على المهربين فقط، ليتم النطق بالأحكام في حق تجار المخدرات وترك رجال الأمن والسلطة في منأى عن أية مسؤولية. وهذا ما دفع بوسائل الإعلام الى الاستمرار في النبش وفضح تواطؤات بعض رجال الأمن والسلطة، كما وجهت أصابع الاتهام آنذاك إلى القضاء، الشيء الذي خلف جواً آخر وعجل بفرار بعضهم، وعلى رأس المسؤولين الأمنيين الذين لاذوا بالفرار سنة 1999 رئيس المديرية الجهوية لحماية التراب الوطني الحاج آمال، حيث اختار مدينة ماربيا بجنوب إسبانيا للتواري عن الأنظار، ومازال لحد الساعة لم تطأ أقدامهم المغرب خشية الاعتقال. وظل ينعم فيما غنمه من عطايا تجار المخدرات الذين وفر لهم الحماية والغطاء... ومنذ ذاك الحين، لم يثر أي ملف يتعلق بالاتجار الدولي للمخدرات إلى أن حلت سنة 2003 وبالضبط في 4 غشت 2003، التاريخ الذي تفجر فيه صراع بأحد الملاهي الليلية التابع لمنتجع كابيلا، بين عصابة هشام حربول ومراد بوزياني، أفضى إلى استعمال السلاح الناري لتصفية بعض عناصر العصابتين، إلا أن إلقاء القبض على بعضهم خاصة منير الرماش من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بمدينة طنجة، عجل بسقوط أسماء وازنة تنتمي إلى سلك القضاء والأمن والدرك، حيث اعتقل كل من: محمد نور الدين شرف الدين والي ولاية أمن تطوان برتبة مراقب عام، ذكر في محاضر التحقيقات على أنه يوفر الدعم والغطاء للأنشطة التهريبية لمنير الرماش، أدين من طرف محكمة العدل الخاصة بسنتين سجنا نافذاً وهي نفس العقوبة الحبسية التي أدين بها سلفه على رأس ولاية أمن تطوان محمد سكوري (مراقب عام)، حيث قبل إحالته على التقاعد بشهرين فقط ورد ذكر اسمه على لسان منير الرماش في محاضر التحقيقات. رئيس مصلحة الشرطة القضائية بولاية أمن تطوان عبد الصادق بنسالم بدوره لم يسلم من الاعتقال، إلا أن محكمة العدل الخاصة برأته بعد أن ظل رهن الاعتقال الاحتياطي لمدة ستة أشهر على ذمة التحقيق. أما فيما يخص القضاة، فبدورهم وردت أسماء البعض منهم في المحاضر المنجزة من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وعلى رأسها فريد بنعزوز نائب الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بتطوان الذي استفاد من حكم البراءة رغم اعتقاله احتياطيا لمدة ستة أشهر، وكذا عبد القادر اليونسي الذي كان يشغل نائب الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بتطوان صدر بحقه نفس حكم زميله فريد بنعزوز، فيما أدانت محكمة العدل الخاصة بسنة سجنا نافذاً كل من عبد السلام الحجيوي وعبد الله سلال قاضيين بالمحكمة الابتدائية بتطوان، وكذا عبد الكريم الزهواني رئيس الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف بتطوان. بعد هاته المحاكمة الشهيرة التي أصبحت تعرف بقضية منير الرماش ومن معه، والتي عرت علاقة رجال الأمن والسلطة بتجار المخدرات، ظن الجميع أن هاته المحاكمة ستكون الأخيرة في هذا المسلسل، غير أنها لم تكن إلا ورقة التوت التي فضحت المستور، ولتكون المنطلق لتعرية العلاقة القائمة بين لوبي تجار المخدرات مع بعض منعدمي الضمير من رجال الأمن والسلطة، حيث تشاء الصدف بعد مرور ثلاث سنوات على طي صفحة منير الرماش، أن يتفجر ملف آخر من حجم سابقه هاته المرة بطله رجل يدعى محمد الخراز، وألصق به لقب الشريف بين الويدان، الذي فجر قنبلة من العيار الثقيل، بتوريطه المسؤول الأول عن الأمن بمديرية القصور الملكية عبد العزيز إيزو، الذي عمل في فترة 1996 إلى غاية 2003 رئيسا للشرطة القضائية بولاية أمن طنجة، والذي أوقف عن عمله كمدير لأمن القصور الملكية، حيث قضت في حقه غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء بالسجن 18 شهرا نافذاً مع مصادرة 700 ألف درهم من أمواله لفائدة خزينة الدولة، فيما قضت ذات الغرفة ببراءة تسعة مسؤولين أمنيين منهم ضابط كبير في ولاية أمن طنجة. كما قادت التحقيقات على هامش ملف الشريف بين الويدان توجيه أصابع الاتهام لبعض رجال الأمن بعروس الشمال، خاصة والي أمن طنجة آنذاك، الذي سبق له أن كان رئيساً للفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء، الذي وجد نفسه في ضيافة بعض مرؤوسيه ليصاب بانهيار عصبي أدخل على إثره المستشفى وأعفي من مهامه. تفكيك شبكة الشريف بين الويدان سيعقبها تفكيك شبكة دولية للاتجار الدولي في المخدرات، توبع فيها أحمد الشولي الملقب بحميدو ومصطفى اكويح التطواني (خال منير الرماش). التحقيقات مع هؤلاء ستفضي إلى تحديد هوية بعض المسؤولين العسكريين وعلى رأسهم كولونيل ماجور مفتش القوات المساعدة بالجهة الشمالية (الكولونيل مونزيل) حيث حسب محاضر التحقيقات مع الموقوفين،فإنهما كانا يقدمان الدعم اللوجيستيكي والحماية الأمنية لكبار المهربين الذين كانوا يتخذون من الساحل التطواني معبراً أساسياً لتهريب المخدرات. كما تمكنت عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية من اعتقال اثنى عشر مسؤولا بالقوات المساعدة ومن مختلف الرتب، حيث تم اعتقال كل من الكومندار ادريس الميموني تطوان الكومندار بن سعيد القبطان بوخبزة زهير تطوان اليوطنان محمد كوفان تطوان اليوطنان محمد الخميس تطوان القبطان محمد الرمل تطوان القبطان برينسي وجدة اليوطنان السحيبي فاس اليوطنان أعراب تطوان اليوطنان بنخطة تازة القبطان اللوفاني سيدي علال البحراوي والمساعد درجة أولى امغيلي محمد تطوان. كما تم اعتقال واستنطاق كل من علال مرشيد يوطنان كولونيل بالقوات المساعدة والمقدم عبد الحق مويلح ومحمد إقروان قبطان للقوات المساعدة بوادي لاو وعدد آخر من الضباط. ملف آخر تفجر سنة 2007 لكنه لم يأخذ أبعاداً كبيرة، حيث خلا من أسماء رجال الأمن والسلطة، وهو ملف مصطفى الشعيري الملقب بالطاحونة وصديقه عبد الله بلحاج، اللذان اعتقلا يوم 3 فبراير 2007 بمدينة طنجة، غير أنه أثناء التحقيقات معهما لم يقدما أسماء كبيرة من رجال الأمن والسلطة، اللهم ذكرهم لبعض رجال الدرك والقوات المساعدة في رتب بسيطة سهلوا عليها تهريب المخدرات انطلاقا من السواحل المغربية قرب قصر المجاز. أما سنة 2009 فستشهد انفجار ملفين وازنين الأول انطلقت شرارته في 30 يناير من سنة 2009 بمدينة الناظور، اعتقل على إثره 98 متورطاً، أحيل على المحاكمة 96 منهم مدنيون، فيما الباقي ينتمون الى البحرية الملكية والدرك الملكي والقوات المساعدة والقوات المسلحة الملكية. أما الملف الثاني الذي شهدته سنة 2009 فقد انفجر في منتصف شهر غشت المنصرم عقب نشر بلاغ للادارة العامة للأمن الوطني ورد فيه اعتقال 16 مشتبهاً فيهم من بارونات المخدرات، ومن بينهم 12 مبحوثا عنهم وأربعة تم اعتقالهم أثناء قيامهم بعملية تهريب المخدرات، بل في أعقاب تفكيك هاته الشبكة، طفا على السطح ملف المخدرات القوية في أعقاب اعتقال النائب البرلماني السابق محمد الجوهري (الملقب بالرايس) لينضاف الى ملف المفضل أكدني الملقب بالطريحة. وحسب ما رشح من معلومات أولية في أعقاب التحقيقات مع أفراد هاته الشبكة، فقد ورد ذكر أسماء تنتمي إلى أسلاك أمنية مختلفة، خصوصاً على مستوى ولاية أمن تطوان وشفشاون، كما ورد ذكر أسماء تنتمي الى الادارة الترابية وكذا أسماء أخرى تنتمي إلى سلك القضاء ،إضافة الى شخصية نافذة على مستوى الولاية. ولم يستثن من تصريحات ضمن محاضر التحقيق حتى المنتخبون، حيث كشف الطريحة عن رئيسين لجماعتين قرويتين الأول بإقليم شفشاون، أما الثاني فينتمي لإقليمتطوان، فيما أشارت مصادر أخرى إلى وجود اسم لرئيس جماعة قروية بإقليم طنجة، كما أن ملف الطريحة كشف لأول مرة في تاريخ تفكيك الشبكات الدولية للاتجار في المخدرات عن قائدين بمنطقة شفشاون، حيث ساعداه على توسيع نشاطاته بالمنطقة، خصوصا في مجال زراعة القنب الهندي بمنطقة نفوذهما، حيث أكدت التحريات أن الطريحة استعمل معارفه ونفوذه في استثناء بعض المناطق الجبلية من الحملة التي قادتها وزارة الداخلية بمعية مصالح أخرى في جعل إقليم شفشاون إقليماً خالياً من زراعة القنب الهندي. فالمفضل أكدني أو الطريحة، كما درج أهل الشمال على تلقيبه، ليس وليد الصدفة أو اسم مغمور في عالم المخدرات، وإنما اسم سبق أن تم تداوله في محاضر مرجعية، خاصة في قضية منير الرماش ومن معه. كما أنه سبق وأن اعتقل سابقاً بتهمة الاتجار الدولي في المخدرات وتكوين عصابة إجرامية، وأدين ابتدائياً بست سنوات سجنا نافذاً، قبل أن يستفيد من البراءة من محكمة الاستئناف بتطوان في أغرب محاكمة قضائية تعرفها محاكم تطوان، كما أنه سبق وتمكن من الإفلات في العديد من المناسبات، سواء في تطوان أو في طنجة، بحكم نسجه لعلاقات مع مسؤولين، سواء في الأمن أو الادارة الترابية.