قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، إن “الجنون المؤسساتي”، أصبح الوضع الطبيعي الجديد في مصر، لافتة إلى أن المعتقلات باتت مليئة بالأطباء والمحامين والصحفيين. وفي مقال للباحث بالمؤسسة “عمرو مجدي”، نشر على موقعها الإلكتروني، سلط الضوء على قصة اعتقال طبيب الأسنان الشاب “محمد عبداللطيف”، بطريقة بشعة، واحتجازه بتهمة “مساعدة جماعة إرهابية”. ويحكي “مجدي”، عن صديقه “عبداللطيف”، الذي درس معه الثانوية، قبل ان يفترقا في الجامعة، إلا أنهما بقيا على تواصل. ويسرد “مجدي” الاختلاف في طبيعة النشاط خلال فترة تواجدهما في الجامعة (2002-2007) وبعدها، حيث كان “مجدي” ناشطا في المعارضة داخل الحرم الجامعي، لكن “عبداللطيف” لم يفعل. وأضاف: “عندما هزت ثورة يناير 2011 البلاد، كنا أطباء جُددا، وكان عبداللطيف شغوفا بحياته المهنية ومهتما بالسياسات المتعلقة بمهنته، بما في ذلك الظروف السيئة التي يعمل فيها الأطباء في مصر، والتي تدفع الآلاف منهم إلى مغادرة البلاد، إلا أنه لم يُغادر، وإنما تابع معركته داخل نقابة أطباء الأسنان”. وتابع: “فاز عبداللطيف بعد معركة شرسة، بمقعد في مجلس النقابة عام 2012، متغلبا على مرشح الإخوان المسلمين في انتخابات، كانت حرة بفضل ثورة 2011”. في 2014، ترشح “عبداللطيف”، مرة أخرى وأصبح الأمين العام المساعد للنقابة (استقال في 2016 لأسباب شخصية)، حسب “مجدي”. وم مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، اعتقلت “عبداللطيف”، من منزله لتأييده حملة “أطباء مصر غاضبون” الإلكترونية والتي تطالب بسياسات حكومية أفضل لزملائه ومهنته. وأضاف: “كنت أرى منشورات عبداللطيف على فيسبوك وأندهش بشجاعته.. مثل هذا الانتقاد للحكومة في السنوات الأخيرة من حكم (الرئيس الأسبق حسني) مبارك كان ليجلب لصاحبه القليل من العواقب وربما يمر بلا عواقب.. لكن في ظل حكم (الرئيس الحالي) عبدالفتاح السيسي، قد يكلّفك منشورا واحدا حريتك لشهور أو سنوات”. ويحكي “مجدي”، تفاصيل ما جرى لزميله “عبداللطيف”، بالقول: “اقتحم مسلحون بملابس مدنية ورجال شرطة بالزي الرسمي منزل أسرته، وصادروا جوازات سفر، ونقودا، وأجهزة كمبيوتر محمولة، واقتادوه إلى مكان مجهول مكث فيه 9 أيام”. وتابع: “هكذا يتصرف عناصر الأمن في عهد السيسي.. أمرت النيابة لاحقا باحتجازه واتهمته بمساعدة جماعة إرهابية”. وعندما قال والد “عبداللطيف” لأحد رجال الشرطة الذين داهموا منزله إن حملة إلكترونية حول ظروف عمل الأطباء لا تبرر ذلك كله، قال الشرطي: “ابنُك يحرّض علينا”، في إشارة الى حملة الأطباء الغاضبين، وفقا ل”مجدي”. ويعلق الناشط في “رايتس ووتش”، على ما جرى لزميله بالقول: “يحب السيسي تصوير حملة القمع التي يشنها دون هوادة ضد خصومه على أنها حملة ضد الإرهابيين والمتآمرين، لكن بطبيعة عملي كناشط حقوقي بعد التحول عن الطب، أعرف مدى تعسّف وبهتان هذه الاتهامات ضد المعارضين السلميين”. وزاد: “اعتقال عبداللطيف هو نموذج يجسد مثل هذا التعسف”. يشار إلى أنه لم يكن “عبداللطيف” الوحيد الذي اعتُقل مؤخرا، فعقب اندلاع عشرات المظاهرات المتفرقة في جميع أنحاء البلاد، في 20 سبتمبر/أيلول الماضي، في تحدّ علني نادر لقبضة “السيسي” الحديدية، اعتقل رجال الأمن أكثر من 3 آلاف شخص، وفقا لمنظمات حقوقية محلية. أُخذ الكثيرون من منازلهم أو في الشوارع حيث أوقفت الشرطة المارة عشوائيا لإجبارهم على الاطلاع على هواتفهم وفحص ما تحتويه صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. من بين المحتجزين هناك أشخاص لديهم مشاكل صحية نفسية وعقلية، وأكثر من 150 طفلا وعشرات النساء. واعتقلت قوات الأمن أيضا ستة صحفيين على الأقل، أثناء تغطيتهم للاحتجاجات، بمن فيهم صحفيون يُعرفون بدعمهم ل”السيسي”. كما اعتُقل كثيرون لمجرد تواجدهم بمناطق الاحتجاجات، اعتُقل أيضا العديد من المحامين الذين كانوا يحاولون تقديم المساعدة القانونية للمحتجزين. وتُذكّر الأحداث الأخيرة، حسب “مجدي”، بالفيلم المصري الشهير الساخر “إحنا بتوع الأوتوبيس” من إنتاج 1979، والذي يقع فيه شجار مع مُحصّل التذاكر في حافلة للنقل العام، ويؤدي التجاذب برجُلَين كانا في المكان الخطأ في الوقت الخطأ إلى السجن، حيث احتُجزا وعٌذّبا لأسباب سياسية. ومن بين المعتقلين منذ 20 سبتمبر/أيلول الماضي، مثلا أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة والذي يحظى باحترام كبير “حسن نافعة”. وتمثل كُتُب “نافعة” النصوصَ التمهيدية الأساسية التي يتعين على العديد من طلاب العلوم السياسية الجدد قراءتها، حيث اعتقل بسبب تغريداته ومشاركته في برامج تلفزيونية قدم فيها تحليلات سياسية. لم يُعتقل المتظاهرون والناشطون فحسب، بل قال بعضهم إنهم تعرضوا للاعتداء، ومنهم نشطاء معروفون مثل الناشطة “إسراء عبدالفتاح” التي قالت إنها تعرضت للضرب المبرح والتهديد بالاعتداء الجنسي لتعطي لعناصر الأمن الرمز السري لهاتفها الخلوي بعد احتجازها. ووفقا ل”رايتس ووتش”، فإنه ليس ضروريا أن يكون المرء ناشطا سياسيا أو صحفيا أو معارضا ليُسجن في مصر هذه الأيام. فقد أصبح أقارب المعارضين الذين يعيشون في الخارج أهدافا أيضا، فعندما انتقد الناشط “وائل غنيم” وهو أحد أبرز ناشطي جيل ثورة 2011، المقيم في كاليفورنيا حاليا، أجهزة المخابرات المصرية في مقاطع فيديو على “فيسبوك”، داهمت قوات الأمن منزل أسرته في القاهرة في 19 سبتمبر/أيلول واعتقلت أخاه الشاب “حازم”، وهو طبيب أسنان. وعندما انتقد “هيثم أبوخليل”، وهو مذيع تلفزيوني معارض في إسطنبول، الحكومة، اعتقلت السلطات أخاه الأكبر “عمرو” (57 عاما)، وهو طبيب نفسي مشهور، في عيادته، ونهبت منزل والدته في الإسكندرية. وتضيف المنظمة الحقوقية: “الرسالة واضحة لا لبس فيها، لا أحد مُحصّن في دولة السيسي.. وإذا كُنت تعيش في الخارج، فلا يزال بإمكان قوات الأمن اعتقال أخيك أو والدتك أو والدك”. منذ تولي “السيسي” السلطة عقب الانقلاب الذي قاده ضد أول رئيس مدني منتخب “محمد مرسي”، اعتقلت سلطاته عشرات آلاف الأشخاص وحاكمَتهم. لم تصدر الحكومة أي أرقام شاملة، لكن اعتقال أكثر من 3 آلاف شخص في الأيام القليلة الماضية يبيّن ما تستطيع الحكومة فعلَه، حسب “رايتس ووتش”. وعند الحديث عن النشطاء في مصر هذه الأيام، أصبحت الإجابة على السؤال “من ليس في السجن؟” في مصر أسهل من ذكر من سُجن”، أضافت المنظمة. ولا يزال يقبع عشرات آلاف المصريين في السجون أو يُجبرون على المنفى. وختم “مجدي”، مقاله بالقول: “لو أن حلفاء السيسي في واشنطن وعواصم أخرى جعلوا دعمهم للحكومة المصرية مشروطا بتحسين الأوضاع الحقوقية وإطلاق سراح النشطاء السلميين وأي شخص بريء وجد نفسه في هذه الورطة، ربما عجّل ذلك بإنهاء هذه المعاناة”. والشهر الماضي، طالبت منظمة العفو الدولية، السلطات المصرية إلى البدء فورا بإنهاء حملات القمع وموجة الاعتقالات الجماعية التعسفية، للمعارضين، والتي حولت مصر إلى سجن مفتوح للمنتقدين. وتتهم منظمات حقوق الإنسان الدولية المحلية، بانتظام حكومة “السيسي” بتكميم المعارضة الإسلامية والعلمانية على السواء. غير أن القاهرة عادة ما تؤكد التزامها بحقوق الإنسان، وترفض بشدة التدخل في شؤون القضاء.