أدى غياب مواقف "علماء الدين" في العديد من القضايا المجتمعية الشائكة جدلا واسعا بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما أصبحت تتصدر مواضيع "الفساد" والبطالة والفقر والهشاشة العناوين العريضة للصحف والتقارير الرسمية الصادرة عن المؤسسات العمومية، بالإضافة إلى غياب الحكم النهائي ل"الباحثين والمفكرين في الشأن الديني" في العديد من القوانين التي أثارت ضجة كبيرة في الآونة الأخيرة.
وسجل نشطاء المواقع الإفتراضية ضعف انخراط العلماء في المواضيع التي تكتسي صبغة اجتماعية، والتي يكون فيها الهاجس الديني حاضر وبقوة، حيث دعت فئة مهمة إلى ضرورة "تشخيص هذا الوضع من قبل المهتمين بهذا الحقل"، معتبرين أن "منظومة القيم باتت شبه منعدمة بسبب غياب المواقف القوية لعلماء الدين".
ويرى لحسن سكنفل بن ابراهيم، رئيس المجلس العلمي لعمالة الصخيراتتمارة، أن "علماء الدين أو علماء الشريعة الذين يطلق عليهم إسم الفقهاء، مهمتهم هي الإبلاغ أي تبليغ أحكام الشريعة في كل مجالات الحياة سواء في علاقة الإنسان بالله تعالى أو علاقة الإنسان بنفسه أو علاقته بالناس من حوله أو علاقته بالمحيط البيئي الذي يعيش فيه".
وأضاف سكنفل، في تصريح ل"الأيام 24″، أن "علماء الأمة حين يقومون بدورهم التبليغي الإرشادي التوجيهي بمنطق تربوي هادف، يسعون إلى تحقيق استقامة الأفراد بغية الوصول إلى صلاح المجتمع، مجتمع يتعايش أفراده وفئاته على اختلاف توجهاتهم الفكرية والسياسية، في ظل تعاليم الإسلام السمحة التي تدعوا إلى أداء الحقوق كاملة غير منقوصة، وذلك بالقيام بالواجبات دون التفريط في أي واجب منها وتحمل المسؤولية لكل فرد في مقامه الذي هو فيه وفي مكانته التي يعيشها اجتماعيا واقتصاديا وفكريا وثقافيا".
وتابع المتحدث عينه أن "علماء الشريعة وهم يتحدثون من المنابر سواء منابر الجمعة أو منابر الوعظ والإرشاد في المساجد والزوايا أو من المنابر الإعلامية أو باعتبارهم أساتذة في الجامعات، يقومون بدور التعليم الذي هو أساس التغيير بالإسهام لإخراج المجتمع من حالة الجهل إلى العلم ومن حالة الذلة إلى الكرامة ومن حالة الهوان إلى العزة، بعيدا عن الدعاية والفضائحية والإشاعة والقذف والشتم، بل بالحكمة والموعظة الحسنة المنبهة من الغفلة والمبينة لأسباب المشاكل ومكامن الخلل ومواضع الداء وطرق العلاج وأصول الدواء".
وأشار رئيس المجلس العلمي لعمالة الصخيراتتمارة إلى أنه "يتحدث علماء الأمة عندما تنتهك الحرمات مبينين منبهين محذرين بأسلوب تربوي هادف يخاطب العقول والوجدان"، مشيرا إلى أن "علماء الأمة هم علماء الأمة جمعاء بكل أطيافها السياسية والفكرية والأيديولوجية والإجتماعية وهم ليسوا مع فئة ضد فئة أخرى بل هم مع الحق حيثما كان".
وزاد: "قد شارك هؤلاء العلماء في الكثير من القضايا التي أثارت نقاشا مجتمعيا كمسألة حقوق المرأة وحقوق الطفل وقضايا الإجهاض وكانوا منخرطين كامل الإنخراط بمسؤولية وأمانة، ومن أهم ما يميز بلدنا في هذا الشأن أن القضايا الكبرى التي شغلت بال الرأي العام تمت استشارة المجلس العلمي الأعلى في هذه القضايا، حيث أصدرت الهيئة العلمية للإفتاء عددا من الفتاوى في قضايا متصلة بالشأن العام، ولعل أهمها مسألة المصالح المرسلة وقضية مدونة الأسرة فيما يتعلق بالجوانب الشرعية في الاقتراحات التي تقدم بها الفرقاء الإجتماعيون".
"هناك قضايا تثير نقاشا اجتماعيا تتم مناقشتها في البرلمان وعبر الندوات التي تقيمها المؤسسات العلمية والحقوقية ويشارك فيها العلماء بقوة"، يضيف المتحدث.
وأردف أيضا أن "مسألة الفقر وقضية البطالة هي من الأمور التي تشغل بال المغاربة جميعا والحلول تطرح أثناء النقاش المجتمعي الدائر وهذا دأب كل مجتمع حي يسعى إلى التغيير للأفضل، حيث يتم عرض أسباب هذه الظواهر والبحث عن حلول لها في إطار من التعاون والتضامن وتبادل الآراء بجدية ورغبة في إيجاد الحلول".
وأوضح أيضا أنه "حين يستفتى العلماء في هذه القضايا فإنهم يدلون بدلوهم انطلاقا من تعاليم الإسلام السمحة، التي تؤكد على ضرورة الالتحام المجتمعي لتجاوز المحن والابتلاءات، مع التأكيد على قضية أساس هي توفير الحد الكفائي لكل مواطن لكي يعيش في بلده بكرامة وأمن وسلام".
واستطرد: "قال رسول الله صلى عليه وسلم: " من بات آمنا في سربه معافا في بدنه له قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيريها"، وقال عليه الصلاة والسلام وهو يحث على التضامن والتكافل بين الأغنياء والفقراء ويحذر من عدم الاهتمام بالفقراء: " ما آمن بي من بات شبعانا وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم به"، وحمل المسؤولية لكل مسؤول قادر على النفع رعاية لمصالح المواطنين ودفعا لكل أذى يلحقهم في معاشهم: "من ولي شيئا من أمر المسلمين فشق عليهم فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله".
وخلص سكنفل حديثه قائلا: "علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق، بل هم دعاة إلى الحق والخير والعدل".