تفاعلا مع مقال المحامي بهيئة القنيطرة الاستاذ بالعربي، والذي نشره موقع بديل في سياق تفاعله مع تصريح مسؤول كبير برئاسة النيابة العامة، يمكن القول أن رئيس وحدة الصحافة في رئاسة النيابة العامة، قدم معطيات تخدم مصلحة الصحفي حميد المهداوي، الذي أكد في أكثر من مناسبة، على أن الغاية من متابعته في الدعوى المرفوعة ضده من قبل وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، وفق مقتضيات القانون الجنائي، عوض قانون الصحافة والنشر، هي تكميم فمه ووضع حد لنشاطه المهني كصحفي مستقل! من لم يكن لديه شك حول خلفيات ودوافع متابعة حميد المهداوي وفق القانون الجنائي عوض قانون الصحافة والنشر ستصبح عنده بكل تأكيد صورة واضحة على أن المهداوي مستهدف فعلا بسبب ممارسته لمهنة الصحافة باستحضار السياق الذي جاء فيه التصريح الذي أدلى به رئيس وحدة الصحافة في رئاسة النيابة العامة بعد الحكم عليه بسنة ونصف سجنا نافذا و 150 مليون سنتيم كغرامة لصالح المطالب بالحق المدني! أدوار النيابة العامة كمؤسسة محترمة تسهر على تطبيق القانون في مفهومه الواسع، وتحمي حقوق الافراد والجماعات، وتحرك الدعوى العمومية، تفرض على مسؤوليها الكثير من الحرص في التعاطي مع القضايا الرائجة امام القضاء، وخصوصا تلك التي تستأتر باهتمام الرأي العام الوطني والدولي. نحن أمام قضية فيها طرفين لهما وضع اعتباري في الدولة والمجتمع: صحافي مهني يمارس وظيفته في إطار قانون الصحافة والنشر، ووزير سياسي في حكومة معينة من طرف ملك البلاد، الذي يبقى وفقا للفصل 42 من الدستور هو الضامن للحقوق والحريات، بوصفه رئيس الدولة وممثلها الأسمى! تصريح رئيس وحدة الصحافة في رئاسة النيابة العامة كان انتقائيا وفق تقديري الشخصي المتواضع وركز على مقتضيات معينة في قانون الصحافة والنشر دون استحضار مقتضيات أخرى من نفس القانون الذي جاء لتقنين وتعزيز وضبط ممارسة مهنة الصحافة في المغرب التي بوأها دستور فاتح يوليوز 2011 مكانة كبيرة في باب الحقوق والحريات! تصريح رئيس وحدة الصحافة في رئاسة النيابة العامة يطرح أكثر من سؤال حول متنه وموضوعيته وسياقه الخاص والعام وتوقيته والغاية منه، لاسيما، وأننا أمام قضية لازالت رائجة أمام القضاء، ولم يصدر فيها حكما باتا وحائزا لقوة الشيء المقضي به! بكل صدق، عندما استمعت لتصريح المسؤول على وحدة الصحافة في رئاسة النيابة العامة صدمت لما سمعته صراحة، لأن تصريحه لم يكن موفقا في مثنه، وينطوي على انتصار ضمني لرواية طرف ( المشتكي) ضد طرف آخر ( الطرف المشتكى به) مع العلم ان الملف كما سلف الذكر لازال رائجا امام المحكمة، وصدر فيه حكما ابتدائيا لم يحرر بعد ولم يتم تسليمه لهيئة دفاع الصحفي حميد المهدوي، وفق رواية هذا الأخير! تصريح رئيس وحدة الصحافة في رئاسة النيابة العامة سيؤدي حثما الى طرح السؤال التالي: هلاستقلتالنيابةالعامةعنوزارةالعدلعمليا؟أمأنالاستقلاليةكانتعلىمستوىالنصالقانونيفقط؟ أهمية طرح هذا السؤال تكمن في كون الطرف المشتكي هو السيد وزير العدل عبد اللطيف وهبي، والجميع يعلم بأن هذا الأخير سبق له أن صرح بأن جميع مؤسسات الدولة تشتغل معه، وسبق له أن تحدث عن سلطة الاعتقال، وعن أمور أخرى جعلت المراقبين والحقوقيين يطرحون علامة استفهام كبرى حول الحدود الفاصلة بين صلاحيات وزير العدل الذي ينتمي الى السلطة التنفيذية، وبين صلاحيات مؤسسات القضاء ( الجالس والواقف) كسلطة مستقلة؟ نتمنى من السيد رئيس النيابة العامة مراجعة وتدقيق تصريحات المسؤولين في هذه المؤسسة المحترمة قبل تقديمها للصحافة لتفادي كل ما من شأنه المساس بصورة ومصداقية هذا الصرح القضائي المهم جدا في البلاد، لأن مؤسسة النيابة العامة بوأها المشرع المغربي مكانة كبيرة، ومنحها أدوار وصلاحيات واسعة، للسهر على تطبيق القانون وحماية المصالح العامة والخاصة للوطن والمواطنين، وفق تعبير الأستاذ الجليل عبد العالي مصباحي ( محامي عام بمحكمة النقض) في كتابه القيم نظرات في القانون الذي خصص فيه حيزا هاما لممارسة مهنة الصحافة بين إثبات الذات ومسؤولية المتابعة ولأدوار النيابة العامة أيضا في إطار رؤيته لإصلاح العدالة في المغرب.