أحمد الصادقي من مواليد آيث طاعة التابعة لآيث بوعياش بإقليم الحسيمة. تلقيت تكويني الإبتدائي بمدرسة بمدشر آيث طاعة، ثم بعد ذلك انتقلت إلى ثانوية البادسي بالحسيمة حيث تلقيت التعليم الإعدادي والثانوي. وبعد حصولي على البكالوريا من الثانوية نفسها، انتقلت لكي أتلقى تكويني الجامعي بجامعة فاس بشعبة العلوم الإنسانية... وبعد المرحلة الجامعية قضيت مدة عامين في "الخدمة المدنية" ببلدية الحسيمة، وكانت هذه الخدمة إجبارية آنذاك... وبعدما نجحت في مبارة مراقبي الأسعار، قضيت عاما في فترة التدريب ب "بنسليمان". وأسبوع بعد تخرجي، والذي صادف انتفاضة الريف سنة 1984 تم طردي من العمل بصفة نهائية. ومن بعدها غادرت إلى هولندا، حيث أقطن هناك منذ سنة 1986. - كيف ظهرت موهبتك الشعرية؟ ومتى بالتحديد؟ لا تختلف موهبتي الأدبية ربما عن باقي المواهب الشعرية بالريف، ولكن في نظري أرى أن ما يميز تجربتي الشعرية المتواضعة عن باقي الشعراء هو أنها ظهرت منذ كنت تلميذا، حيث جربت في تلك المرحلة كتابة "القصة القصيرة" باللغة العربية، وهو ما مهد لتجربتي الشعرية، بعدما اتضحت لي ملامح كل من الشعر والقصة القصيرة. وما شجعني أكثر على صقل موهبتي وهو تأسيسي رفقة مجموعة من الأصدقاء بهولندا سنة 1989 جمعية اخترنا لها إسم "البديل الثقافي"، هؤلاء الأصدقاء كانوا من مناطق كثيرة أذكر منها الريف وفلسطين ولبنان... بحيث ضمت الأنشطة التي كنا ننظمها مزيجا بين الثقافة الأمازيغية والثقافة العربية والثقافة الكردية... ولا أخفي أن الدافع إلى تأسيس هذه الجمعية كان وراءها التفكير في التعريف بثقافتنا وقضيتنا الأمازيغيتين أمام المجتمعين العربي والكردي من جهة، وأمام المجتمع الأوربي من جهة أخرى... ما أود أن أقول من خلال إشارتي إلى هذا التأسيس، هو أن الجمعية كانت وراء مشاركتي الأولى، حيث في إحدى الأنشطة التي نظمناها أديت قصديتين لي بأمازيغية الريف: الأولى عنونتُها ب "مسعوذ إودّان" (مسعود المختفي) و"زيان إخبشن خ يزوران" (زيان الذي ينقب عن الجذور)... وكانت هذه التجربة بحق أولى تجاربي التي تحكمت في مساري، وجعلتني أرسم ملامح مستقبلي الشعري، الذي أعتقد صادقا بأنني وصلت لتحقيق أهداف مهمة من المستقبل الشعري الذي كنت قد رسمته، بينما الأهداف الأخرى ما زلت أسعى لكي أحققها. - من هم الشعراء الذين تأثرت بهم؟ أو ما هي المدرسة الشعرية التي تأثرت بها؟ من الصعب أن تجد لتجربتك من أثّر فيها من قبل بشكل كبير، خاصة وأنها تجربة أمازيغية تعتبر من أولى التجارب بالريف إلى جانب تجارب كل من الشعراء أحمد الزياني ومحمد شاشة وسعيد موساوي وآخرون، بحيث لم يعرف الريف آنذاك شعراء نشروا قصائدهم في كتب وهي التي يفترض منها آنذاك تأثيرها في الشاعر الريفي الذي يلي من مهد الطريق له، ولم يكن الشعراء آنذاك ينشرون قصائدهم إلا في الأمسيات والملتقيات الثقافية التي نادرا ما تقام، بحيث لا يسمح لك بقراءة أو إعادة الإستماع للنص المسموع، كونه يمر على الآذان يوم سماعه، ولا يمكن سماعه ثانية إلا في ملتقى آخر إذا فكر الشاعر في تأديتها مجددا... وبناء على هذا كان لابد على الشاعر الريفي الأمازيغي أن يقرأ للشعراء المغاربة والشعراء العرب، وكان لابد أن يؤثروا فيه ولو بشكل نسبي، ولكن عموما يمكن أن أقول إن الشعراء الذين قرأت لهم كثيرا هم: عبد اللطيف اللعبي، عبد الله زريقة، محمود درويش، سميح القاسم، مظفر النواب... هؤلاء كلهم ساهموا في التأثير في مساري من الجانب المرتبط باللغة الشعرية والأساليب البلاغية الموظفة في قصائدهم، هذا بالإضافة إلى المدرسة الشعرية الريفية الأمازيغية "إزران" التي أثرت كثيرا في تجربتي، سواء في الشق المرتبط بالوزن الشعري أو الشق المرتبط باستيقاء الألفاظ الأمازيغية القحة، حيث يعود تأثري بهذا النمط الشعري والموسيقي إلى استماعي له في مراحل مبكرة من عمري، حيث كان غالبا ما يؤدى في الأعراس وال"ثويزا" وحفل العقيقة...، وقد كانت له آنذاك، وأتحدث عن السبعينيات من القرن الماضي، مكانته التي تليق به كشعر ذو دلالة ومعنى عميقين... - كم عدد الدواوين التي أصدرتها؟ ديواني الأول صدر سنة 1997 في هولندا، باللغتين الأمازيغية والهولندية، وقد تكلف بترجمتها الهولندية الأستاذ "رول أوتن"، وهو أستاذ جامعي بأوتريخت... كما لدي ديوانين شعريين انتهيت من كتابتهما منذ أمد طويل، إلا أنهما لم يلقيا طريقهما إلى النشر بعد، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنه يعتبر من بين المشاكل التي تعترض من يكتب بالأمازيغية، لأن دُور النشر التي تتبنى الإبداع الأمازيغي محدودة، إن لم نقل منعدمة... - في سياق حديثكم عن انعدام دور النشر الأمازيغية بالريف، ترى إلى ماذا يرجع ذلك؟ وهل يمكن اعتباره سببا في تراجع الإبداع على مستوى الريف؟ وفي نظري أرى إن السبب الذي شجع على ذلك، راجع إلى كون معظم الأمازيغ لا يقرأون الإبداعات المنشورة بالأمازيغية، وإلى كون المهتمين بالشأن الثقافي يتكلمون ولا يعملون... هذا الغياب على مستوى دور النشر المتبنية للكتاب الأمازيغي هو من يكبل مجهودات الكاتب أو الشاعر، وهو ما يدفعه إما إلى النشر على نفقته الخاصة، وإما ترك دواته وحبره حيث الإنسحاب بهدوء من عالم الكتابة، وإما استبدال لغة الكتابة الأمازيغية عنده باللغة العربية أو بلغات أخرى حيث هو ما حصل بالفعل مع الكثير من المبدعين بالريف... - ثمة من لاحظ أنكم انتقلتم في مرحلة معينة من مساركم الشعري إلى كتابة أشعار ساخرة لقيت قبولا عند جمهور الشعر الأمازيغي بالريف، وثمة من يعتبركم مؤسسا لتجربة حديثة في الشعر الساخر بالريف، فما الظروف التي مهدت لهذا الإنتقال؟ هذا صحيح، وقد كانت أول قصيدة أنتقل بها إلى هذه التجربة الحديثة في الريف هي قصيدة "حمادي أبوري يخسن أذ يذور ذ رفقي" (حمادي الأصيل الذي يطمح أن يصير فقيها)، وكانت إحدى تجاربي الشعرية الساخرة الأولى، وما حفزني على الإنتقال إلى الشعر الساخر وقتئذ هو كون الموضوع يعتبر "طابوها"، ومسألة معالجته من الصعب الخوض فيه هكذا وفقط... وإذا كان ثمة مثل يقول ب"ضرب عصفورين بحجر واحد"، فإنه هو الطريق الوحيد الذي فضلت أن أسلكه، حيث كنت أمام إعطائي وجهين لقصيدتي: وجه ساخر وآخر هادف، وذلك لكي تتسرب إلى مسامع جمهور الشعر الأمازيغي بمنطقة الريف، حيث إن تغليفها بالسخرية جعلني أتنبه إلى أنه بإمكان المستمع إليها أن يضحك في وقت ما، ولكنني كنت متأكدا من أنه لن يضحك لكل الوقت، لأن الإستماع إليها كثيرا سيجعله يعرف القصد من طرحي للموضوع، وحينها سيطرح أسئلة كبيرة كبر الموضوع بهدف ترسيخ مضامينه... وهذا شيء عادي إذا كنا نعرف أن الطفل حتى لو تعمدنا تلقينه دروسا عبر المزح معه، فإن خياله الطفولي يجعله يأخذ الأمور بجد ويطورها إلى ما يلفت نظرك بعد تلقينك تلك الدروس له... الآن عرفت حقا أن قصيدتي لقيت قبولا واستحسانا واسعين، حيث ثمة من طرح علي فكرة البقاء في هذا المجال، وهو ما شجعني أكثر على مواصلة طريقي... وبالإضافة إلى القصائد التي نشرتها وشاركت بها في الملتقيات الثقافية والشعرية معها قصيدة "حمادي"، كتبت مونولوجا زجليا طويلا سميته "إجّ ن ؤوضار كَي شَّاق، إجّ كَي رغاب" (قَدَمٌ في الشرق، وآخر في الغرب)... - للأهل والمحيطين بالشاعر دور كبير في حياته، ترى كيف كان دور عائلتك في حياتك الأدبية، خاصة وأنك ولجت عالم الكتابة في وقت كان يُنظر فيه إلى الشاعر على أنه مصدر عار لدى العائلة؟ قبل أن أجيب على سؤالكم، لابد أن أشير إلى أن والداي توفيا قبل أن أدخل هذا المجال، فوالدي توفي سنة 1983، أما والدتي فتوفيت سنة 1984... أما جوابا على سؤالكم، فلا أخفي أن قصائدي الأولى لم ترق لعائلتي، إذ ثمة من كان يقول عني إنه "بو يزران وار يتسذحي" (ناظم لا يستحي)، وآخر يقول إنه يسيء إلى العائلة بإبداعه الشعر، وآخر يقول إنه قد أدخل يده في جحر الثعبان... إن الشاعر في منظورهم، أنه إذا أبدع الشعر، فهم يحسبونه "نصف رجل"، ذلك أنهم يرون أن الشعر لا تبدعه غير النساء وفي المناسبات التي خصصوها لهن... بالإضافة إلى ما أسلفت القول إليه، جاءني كثير من الناس ينصحونني بترك الشعر، ومنهم من قال لي: "حرام عليك، إنك إنسانا واعيا، وتكوينك المعرفي يسمو على ما أنت قائل به" (يضحك)، إلا أنني لم أكن لآبه إلى ما يروجون له، ذلك أني كنت أعرف أن الرسالة أو الخطاب اللذان يروج لهما الشعر كانا أكبر مما يعتقدون، وأن الشعر إذا يرون أن مبدعه يسيء إلى سمعة عائلته، فإنني أراه منقذا للغتنا الأمازيغية التي حكمت عليها أياد خبيثة بالفناء البطيء، ذلك أن أي لفظ من ألفاظنا الأمازيغية إذا وظفناه في قصيدة من قصائدنا فسوف لن يموت... بمعنى أنني كنت أرى إن الشعر يحفظ وجهين من ثقافتنا، الوجه الأول أنه يحفظ لغتنا بإبداعنا بها، أما الوجه الثاني فيتمثل في تدويننا تاريخنا بكل محطاته خاصة، إذ أن قصائدنا كانت ولا تزال تسجل كل صغيرة وكبيرة من محطاتنا التاريخية التي عشناها، بالإضافة إلى المحطات التي نقلنا بعضها –التي لم نعشها- عن أجدادنا... - هنالك مفاهيم يدركها البعض بكينونتها الواقعية، أما الشاعر فله آراء أخرى بها، ترى ماذا يعني لك: الريف، مولاي موحند، الأمازيغية؟ مولاي موحند: المدرسة التي علمت الريفيين، إلا أن الريفيين لا يعرف أغلبهم قيمتها، ولا غرابة في ذلك مادام أنه قال "جئت في زمان غير زماني، وسيأتي جيل سيفهمني"، وحين سيفهمه الريفيين، أكيد أنهم سيسيرون في ركب ما وصلت إليه الحضارة الإنسانية... وأضيف أن أبواب هذه المدرسة ما تزال مفتوحة أمام من يريد أن يعي ذاته، من كان الريفي الأمازيغي ومن سوف يكون... وأقول دائما إن إفريقيا القرن العشرين أنجبت بطلين: مولاي موحند في الشمال ومانديلا في الجنوب. الريف: حينما نتحدث عن الريف، فإننا نتحدث عن الريف الذي عاش تحت راية الجمهورية الريفية. إن الريف عنيد كما عوهد، لا يركع، صعب مثل تضاريسه... وبالعودة إلى تاريخه يمكن أن نقول إن أعداءه كانوا في طريقهم لإعداد يوم يصلون عليه صلاة جنازة أخيرة، ولكنه بعناده ونضاله المستميت استطاع أن يحفظ ماء وجهه، ويقدم للعالم دروسا على أن بإمكان شعب صغير أن يهزم أية قوة على الأرض بنضاله المشروع... الأمازيغية: هي هويتنا ولغتنا وتاريخنا وثقافتنا وحضارتنا، وكل ما هو مرتبط بوجودنا.. - كلمة أخيرة. في نهاية هذا الحوار، أشكر جريدتكم على هذه الالتفاتة الحميدة في انفتاحها على الشعر الأمازيغي بمنطقة الريف، كما أشكرها على منحنا هذه الفرصة للحديث عن مسارنا الأدبي وتواصلنا مع عشاق الكلمة، عشاق الشعر الأمازيغي الحامل لرسائلنا... ولا أفوت هنا الفرصة لكي أشكر أيضا كل من يهتم ويعتني بالشعر الأمازيغي... وتحية نضالية أمازيغية نابعة من القلب إليكم. أجرى الحوار: سيفاو الهانيس.