تقديم: تعج منطقة الريف ، والتي تقع بالشمال الشرقي من المغرب، بمجموعة من المبدعات والمثقفات الأمازيغيات اللواتي ساهمن بشكل من الأشكال في إثراء الساحة الثقافية المحلية على جميع المستويات والأصعدة. وقد استطاعت هذه المثقفات أن يفرضن أنفسهن ثقافيا بكتاباتهن الشعرية والسردية والإعلامية، وأن يحققن حضورهن المتميز مسرحيا وسينمائيا وتشكيليا. ولكن مازال حضور المرأة في مجال الثقافة الأمازيغية ضئيلا جدا، وذلك بالمقارنة مع حضور شريكها الرجل المثقف والمبدع، وذلك راجع لأسباب ذاتية وموضوعية.إذاً، من هن تلك المثقفات والمبدعات الأمازيغيات اللواتي كن وراء تنشيط الحركة الثقافية والإبداعية بمنطقة الريف؟ هذا ما سوف تجيب عنه هذه الورقة التوثيقية. 1- مبدعات في مجال الشعر: ثمة مجموعة من المبدعات اللواتي يكتبن الشعر الأمازيغي الريفي، بيد أن ما يهمنا في هذا السياق الشواعر اللواتي أصدرن ديوانهن الشعري، وهن: ¿ فاظما الورياشي: من المعروف أن فاظما الورياشي من مواليد فرخانة بالناظور، وهي أخت الدكتور مرزوق الورياشي أستاذ السوسيولوجيا بجامعة محمد بن عبد الله بفاس. تحملت مسؤولية أسرتها منذ الصغر. بدأت ممارسة الشعر منذ ظهور جمعية الانطلاقة الثقافية بالناظور. وقد شاركت في عدة مهرجانات أمازيغية إقليمية وجهوية ودولية. وقد كانت شاعرة بالفطرة، مولعة بالشعر العربي، وخاصة شعر نزار القباني. واهتمت كذلك بالمسرح الأمازيغي، وتقنيات الإخراج الدرامي والسينمائي. وقد تم تكريمها سنة 2005 م بالناظور، وذلك من قبل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بتنسيق مع جمعية إلماس. ومن أهم دواوينها الشعرية ديوان:” ءيسرمذايي واوار/علمني الكلام”، وقد صدر هذا الديوان عن مطبعة الرسالة سنة 1998م، ويقع في ثمان وأربعين (48) صفحة من الحجم المتوسط، ويحوي عشرين(20) قصيدة شعرية مكتوبة بالخط اللاتيني من قبل الدكتور حسن بنعقية. بينما قام عبد سلام خلفي بكتابة مقدمته الاستهلالية؛ أما الفنان التشكيلي أحمد عبد الخالقي ، فقد قام بإنجاز لوحة الغلاف الخارجي الأمامي. ¿ عائشة بوسنينا : ولدت عائشة بوسنينا بإقليم الناظور، وهي ريفية الأصل من تمسمان. نشأت في أسرة محافظة كريمة وشهمة ومضيافة. وهي امرأة عصامية كونت نفسها بنفسها. وقد أصدرت أعمالا قصصية وحكايات وأشعارا بأمازيغية الريف. وشاركت في مهرجانات شعرية عديدة، وتسابقت في برامج إذاعية متنوعة، وكتبت أيضا للكبار كما كتبت للصغار. وتعيش الشاعرة الآن ببني أنصار قرب مدينة مليلية المحتلة. ومن دواوينها الشعرية ديوان:” عاذ آخفي ثارزوذ/ ستبحث عني فيما بعد…”. وقد صدر هذا الديوان عن مطبعة بن عزوز بالناظور سنة 1998م، وهو من الحجم المتوسط، مكتوب بالخط العربي، وقد تولى الطابع تصميمه من الناحية الخارجية والتشكيلية، كما قام جميل حمداوي بكتابة مقدمته النقدية التصديرية. ويقع الديوان في تسع وعشرين (29) صفحة، ويضم أربع عشرة ( 14) قصيدة شعرية. وقد ا أبدعت الشاعرة ديوانا ثانيا تحت عنوان:” ءيذارايي /اذكرني” . وقد صدر هذا الديوان الشعري في طبعته الأولى سنة 2009م ، وذلك عن مطبعة الجسور بوجدة في سبعين (70 ) صفحة من الحجم المتوسط. ويضم الديوان إحدى وعشرين (21 ) قصيدة شعرية، وقد كتب بالخط العربي ، وقدم جميل حمداوي الديوان بدراسة تحت عنوان:” عائشة بوسنينا شاعرة التحدي والصمود في الشعر الأمازيغي بمنطقة الريف”. ومن المعلوم أن عائشة بوسنينا أولى شاعرة تكتب للطفل الأمازيغي بمنطقة الريف من خلال ديوانها الشعري:” نشين ذي مازيانان/ نحن أطفال صغار”، مستخدمة في ذلك لغة شاعرية معبرة وموحية. وقد نجحت الشاعرة المبدعة في ذلك أيما نجاح بأسلوبها الشعري المنغم، ولغتها الموحية المعبرة، وفواصلها المموسقة بشكل جيد. ¿ مايسة رشيدة المراقي: ولدت مايسة رشيدة المراقي بابن الطيب بالناظور، وهي شاعرة وصحافية عصامية، تكتب مقالاتها في جرائد أمازيغية، كجريدة” ثويزا”، وجريدة” العالم الأمازيغي”، وجريدة” الريف”… ولها حكايات وقصص قصيرة منشورة في صحف مغربية، ك” ثويزا”، و”العالم الأمازيغي”، و”الريف” ، وجريدة “إيزوران” الجزائرية ، ومجلة “أزول”… ونذكر من دواوينها الشعرية ديوان:” إيوكايي تورجيت ءينو/ أعطني حلمي”. وقد صدر هذا الديوان الشعري الريفي عن مطبعة أعكي بميضار بالناظور سنة 2000 م، ويقع الديوان في أربع وخمسين (54) صفحة من الحجم المتوسط، ويحوي اثنتين وثلاثين(32) قصيدة شعرية مكتوبة بالخط اللاتيني من قبل الدكتور حسن بنعقية. وقد تولى أحمد الزياني كتابة المقدمة، بينما قام كل من أحمد عبد الخالقي و لطيفة بتشكيل هذا العمل الشعري على مستوى الغلاف الخارجي. كما ألفت الشاعرة ديوانا شعريا آخر تحت عنوان:”:”أصهينهين إيزوران/ صهيل الجذور”. ويعد هذا الديوان المجموعة الشعرية الثانية للشاعرة، وقد صدر هذا العمل عن مطبعة تريفة ببركان سنة 2004م، ويقع في مائة وإحدى وأربعين (141) صفحة من الحجم الصغير تقريبا، ويحتوي الديوان على إحدى وخمسين (51) قصيدة شعرية مكتوبة بالخط اللاتيني. وقد قام حفيظ أزگاغ بكتابة المقدمة التصديرية، بينما اختص حفيظ الخضيري برسم اللوحة التشكيلية. هذا، وقد صدر لمايسة رشيدة المراقي الديوان الشعري الثالث في شكل مختارات شعرية بعنوان” ءيزران ءيزران/ أشعار وأشعار”، وذلك عن مطبعة الجسور بوجدة سنة 2009م ، تاريخ الطبعة الأولى. ويضم الديوان سبعا وتسعين (97 ) صفحة من الحجم المتوسط، وقد كتب بالخط اللاتيني، وتولى نجيم دار الكبداني تشكيل الغلاف الخارجي وتزيينه . ويقسم هذا الديوان الشعري إلى مجموعات شعرية على النحو التالي: * أشعار الحب والعشق؛ * أشعار العرس والزفاف؛ * أشعار الهجاء والنميمة؛ * أشعار الإسلام؛ * أشعار الشاعر؛ * أشعار وأشعار. هذا، وقد اعتمدت الشاعرة في جمعها على مجموعة من النساء المسنات الحافظات للشعر الأمازيغي الأصيل. ¿ إلهام أمجاهد: ولدت إلهام أمجاهد بمدينة الناظور، وهي شاعرة أمازيغية عصامية، تعنى كثيرا بشعر الذات ، ورصد هموم الإنسان، وتصوير يوميات الواقع. وقد صدر للشاعرة ديوان شعري أمازيغي بعنوان:” ءيروح ءازمان/ انقضى الزمان” ، وذلك عن شركة مطابع الأنوار المغاربية بوجدة، وكانت طبعته الأولى سنة 2010م. ويقع الديوان في ثمانين (80) صفحة من الحجم المتوسط، ويحوي الديوان كذلك ثلاثين (30) قصيدة شعرية. وقد تذيل الديوان بمقدمة لجميل حمداوي تحت عنوان:” قراءة في الشعر الأمازيغي لدى إلهام أمجاهد”، وتقع المقدمة في إحدى وثلاثين (31) صفحة. ومن المعلوم أن الديوان قد استخدم الخط العربي أداة للكتابة. ¿ عائشة كوردي: ولدت عائشة كوردي بإقليم الناظور، وهي شاعرة أمازيغية عصامية، تكتب قصائدها الشعرية عن الحياة اليومية بمنطقة الريف. وتنظم قصائد شعرية ريفية في التغني بالذات والشباب، ومعانقة القضايا المحلية والجهوية والوطنية والقومية كقضية فلسطين مثلا. وقد صدر لهذه الشاعرة الأمازيغية العصامية ديوانها الشعري الأول تحت عنوان:” إزلان ن توذارث/ أشعار الحياة”. ويقع الديوان في تسع وتسعين (99) صفحة من الحجم المتوسط. كما يحوي ثلاثا وعشرين(23) قصيدة شعرية مكتوبة بالخطين: اللاتيني وتيفيناغ. ويعد الديوان من منشورات مطابع الأنوار المغاربية بوجدة لسنة 2009م. وقد سهر على كتابة الديوان وطبعه كل من الدكتور حسن بنعقية، والحسين فرهاد، ونجيب علالي. وإضافة إلى كل هذا، فهناك شواعر أخريات كثيرات بمنطقة الريف لم يصدرن بعد ديوانهن الشعري الأمازيغي، مثل: نزيهة الزروالي، ولويزا بوستاش، وحبيبة الخلفي، وحياة بوترفاس… 2- مبدعات في مجال السرديات: بعد تجربة الشعر والكتابة الصحفية، تنتقل مايسة رشيدة المراقي إلى كتابة القصة القصيرة (تينفاس) ، وذلك بإصدار مجموعتها المعنونة ب”ءيزرمان تادجست/ ضفائر الظلام”، ضمن منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالرباط سنة 2006م، وتحوي هذه المجموعة ثلاث عشرة (13) قصة قصيرة. هذا، وتحمل اللوحة الخارجية للغلاف أجواء رومانسية، يدل على ذلك أيقون المرأة الريفية ، وذلك بزيها الحضاري الموروث، والبحر الأزرق الصافي الذي يحيل على الانفتاح، والعلاقة الحميمية التي توجد بين الإنسان الأمازيغي الريفي والبحر الذي يحيط به. هذا، وقد ألفت القاصة عائشة بوسنينا مجموعتها القصصية”ثيقصيصين ناريف ءينو/ قصص قصيرة من الريف”، وذلك في بداية سنوات الألفية الثالثة ، والصادرة عن مطبعة بن عزوز بالناظور، وقد أشرف جميل حمداوي على طبعها والتقديم لها. وتضم المجموعة ثلاث قصص طويلة في خمس عشرة (15) صفحة من الحجم المتوسط من مقاس( 14.5سم في 20.5 سم). ومن القصص التي وردت في هذه المجموعة نذكر: محند أتكواتش، وقصة جار ثناين ءيشعوران، وقصة ثامزا ءيريران. أما الخط الذي اعتمد في هذه المجموعة فهو الخط العربي، في حين تحيل الصورة الخارجية للغلاف على جبال الريف الشامخة بتضاريسها الوعرة، وقممها الشامخة.علاوة على ذلك، تعد عائشة بوسنينا – على حد علمي- المبدعة الأمازيغية الأولى التي أصدرت في الريف كتابا في الحكايات والأحاجي تحت عنوان “ثيحوجا نالريف/ الحكايات الريفية”، وذلك في بداية الألفية الثالثة. وقد طبع الكتاب في مطبعة بن عزوز بالناظور في سبعة عشر(17) صفحة من الحجم الطويل. هذا، ويضم كتابها السردي الإبداعي أربع حكايات طويلة ، وهي:” لفيل ءاتكتوفين”، و” ثمغارث ثاريفاشت”، و” عاكشا ءومجار”، و”رقروذ ذي رغاباث”، و” معنان”. أما تقديم الكتاب فقد وضعه الناقد الأمازيغي جميل حمداوي . وقد نهلت القصاصة مواضيعها الحكائية من معين الأدب الرمزي، وذلك عندما وظفت الكائنات الحيوانية رموزا بشرية وإنسانية، بغية الحديث عن مواضيع معاصرة على غرار ابن المقفع في كتاب:” كليلة ودمنة” ، والكاتب الفرنسي لافونتين في حكاياته الخرافية” les fables “. وتتجلى هذه الرمزية في قصتها الطفولية العجائبية “غابة القرود/ رغابث ن قرود”. كما وظفت قصصا فانطاستيكية قوامها خرق الواقع والانزياح عنه، وذلك باستشراف اللاواقع كما هو الحال في قصة “عكشة ءومجار/عكشة المنجال”، بله عن تناولها لمواضيع اجتماعية ووطنية وإنسانية، كما يبدو ذلك واضحا في قصة” معنان” الطويلة. وبهذا، تكون مجموعة عائشة بوسنينا متنوعة وثرية من حيث المضامين والأشكال، وقد استفادت تقنيا من طرائق السرد الكلاسيكي والحديث، وكذلك من مقومات أدب الأطفال. ومن المعروف أيضا أن عائشة بوسنينا شاعرة الدفء العائلي والحنان الإنساني والحب الطفولي، توظف عاطفتها الجياشة النبيلة في مجموعتها القصصية لتنشد السلام والهدوء والفضيلة والقيم العليا ، حيث توجه إلى الأطفال رسالة نبيلة من سماتها الحنان والعطف والرأفة، وتنصحهم بضرورة الحفاظ على البيئة ، مع توجيه رسالة أخرى إلى الكبار لتمثل القيم السامية، ونبذ الطمع والأنانية والحقد والكراهية. وبهذا، تكون عائشة بوسنينا أولى مبدعة تكتب القصة، وتنشرها في مجموعة مستقلة ، وذلك بعد مجموعة وليد ميمون التي نشرها في هولندة سنة 1996م تحت عنوان” ثيفادجاس/ الخطاطيف”. وبهذا، تحظى عائشة بوسنينا بالريادة والسبق في مجال النشر الحكائي في منطقة الريف. هذا، وقد أصدرت سميرة بنت جبال الريف (ءيجيس ن ءيذورار ناريف) سنة 2001م روايتها الأولى تحت عنوان:” تاسريت ن ءوزرو/عروسة الحجر”، وذلك عن مطبعة مؤسسة النخلة بوجدة في 307 صفحة من الحجم الطويل. وبهذا، تكون هذه الرواية أكبر نص سردي روائي أمازيغي ريفي من حيث الحجم. وقد تذيلت الرواية بمعجم أموال فرنسي عربي، كما أنها مكتوبة بالخط اللاتيني. 3- مبدعات في مجال المسرح والسينما: ثمة مجموعة من المواهب النسائية في مجال المسرح والسينما، ونذكر في هذا الصدد: لويزا بوستاش، وماجدة بناني، وفدوى والقاضي، وسهام المشوشي، ووفاء مراس، وسميرة المصلوحي ، وفاطمة معوش، وجيهان أقوضاض، وغيرهن من الممثلات المتميزات والبارزات… فإذا أخذنا ماجدة بناني على سبيل التمثيل، فقد أخرجت مسرحية” نساء الزابوق”، والتي قدمها النادي الجامعي لمسرح الشباب بزايو . وعلى العموم، فهذه المسرحية واقعية من حيث المضمون والطرح، وكلاسيكية من حيث الشكل والبناء والقالب الفني. كما ألفت ماجدة بناني وأخرجت مسرحية منودرامية تحت عنوان:” تمرد امرأة”، وأتقنت دورها أيما إتقان،وذلك باعتبارها ممثلة محنكة، في مسرحية ” نشين سا/ نحن من هنا” للمخرج فخر الدين العمراني. وفي هذا النطاق، نستحضر أيضا الممثلة المسرحية سهام المشوشي التي أظهرت قدرات رائعة أثناء انتقالها على خشبة الركح، وأداء دورها التراجيدي في مسرحية” تايوجيرث/اليتيمة”، وذلك من خلال البحث عن أمها (رمز الأرض) ، والتي فرط فيها أبناؤها الأمازيغ. ومن ثم، فقد تقمصت دورها أحسن تقمص، ومثلته عن صدق ومعايشة. وينطبق هذا الحكم كذلك على الممثلة الصاعدة فدوى والقاضي ، والتي أتقنت دورها في مسرحية” ثيرجا ثسنيفست/ أحلام من الرماد” لمحمد بنعيسى ، حيث أدت دور الأم أحسن أداء فني وجمالي. أما لويزا بوستاش فقد جمعت بين الإخراج والتمثيل المسرحي والسينمائي، ويتضح إخراجها المسرحي جليا في عرضها المسرحي” أقلوز” ، وهو عبارة عن فرجة مسرحية تستعرض فيه لويزا بوستاش الألعاب الفطرية والظواهر ما قبل المسرحية التي عرفتها منطقة الريف، مع التعريف بظاهرة “أقلوز” المسرحية التي كانت تمارسه النساء كثيرا. وقد قدم هذا العرض بمناسبة اليوم العالمي للمرأة في شهر مارس من سنة2007م في قاعة العروض التابعة لنيابة التعليم، وقدم كذلك بدار المرأة ببني أنصار بالناظور. وقد نقلت لنا هذه المسرحية التراث الأمازيغي المحلي في أكثر من ساعتين، وذلك باستعراض أزياء لنساء ريفيات، واستكشاف رمزية الحناء ودلالاته الرمزية والسيميولوجية، والاحتفال بالعروسة، والتغني بالأغاني المحلية، وترديد” لابويا “، وتقديم الفلكلور الشعري والرقص المحلي. هذا، وتتميز وفاء مراس عن باقي الممثلات الأخريات بتعاطيها للتمثيل المسرحي، والغناء، والموسيقى، والرقص الكوريغرافي، والتجسيد التعبيري، بله عن تعدد مواهبها التي تتعدى المجال المسرحي إلى مجال السينما، وإنتاج الأشرطة الموسيقية. وتتميز وفاء مراس كذلك بالحيوية الكبيرة، والنشاط المذهل في العمل، والفعالية الفنية المستمرة. لذا ، فهي حاضرة في الساحة الثقافية في مدينة الناظور، وتنتقي الأعمال المسرحية الجادة التي توصلها إلى المجد والسمو الفني، وتضعها في مكانة محترمة لدى جمهورها الكريم. هذا، وقد ولدت وفاء مراس الملقبة ب” ثاميري/العاشقة” في أسرة ريفية أمازيغية محافظة بمدينة الناظور، حيث درست فيها الابتدائي والإعدادي والثانوي. وبعد ذلك ،اختارت ميدان التدريس لتكون قريبة من المسرح والأنشطة الفنية والثقافية. وقد تأثرت وفاء مراس بالفنانة المصرية نبيلة عبيد أيما تأثر، إذ هي التي دفعتها إلى حب المسرح والرقص والتمثيل الدرامي والسينمائي. وقد كان للمخرجين: فخر الدين العمراني وفاروق أزنابط تأثير كبير على الممثلة وفاء مراس، وذلك عن طريق التكوين والتأطير والتوجيه والإرشاد، إلى أن أصبحت ممثلة محترمة لها وجودها المتميز في ساحة التمثيل والتشخيص الركحي والسينمائي. وعندما كانت وفاء مراس طالبة بثانوية عبد الكريم الخطابي بالناظور، توجهت بثقلها الفني إلى ورشة المسرح المدرسي التي كان يؤطرها الأستاذ فخر الدين العمراني داخل الثانوية . وقامت وفاء في هذه المرحلة الثانوية بأداء أدوار مسرحية لفتت إليها الأنظار، ومهدت لهذه الفنانة المبدعة لتكون ممثلة المستقبل في منطقة الريف بكل جدارة واستحقاق. وبعد ذلك، انخرطت وفاء مراس في فرقة “أپوليوس” بمدينة الناظور ، لكي تستفيد من ورشات التكوين والتأطير، وتتعلم حرفة التمثيل عن عمق ودراية، لتنتقل ، بعد ذلك، إلى فرقة ” أسام ” للمسرح التي كان يشرف عليها فاروق أزنابط. وعندما تم تعيينها مدرسة في مجموعة من المدارس الابتدائية بالجهة الشرقية من المغرب، كرست معظم أوقاتها للفن الدرامي والمسرح المدرسي، وأدخلت إلى فضاء المؤسسة التربوية أنشطة الفن الركحي ومسرح الطفل، وشاركت في المهرجان الإقليمي للمسرح المدرسي بتاوريرت. ومع انتقالها من مدينة وجدة إلى الناظور، كونت وفاء مراس فرقة مسرحية بمدرسة ابن باجة الابتدائية، ودربتها أحسن تدريب؛ مما أهلها لتشارك بمسرحية ضمن مهرجان حركة الطفولة الشعبية بالمدينة، وأحرزت على جائزة المبادرة التربوية ، وعلى الرتبة الثانية على المستوى الجهوي بوجدة. و أعدت وفاء مراس في نفس المدرسة لوحة فلكلورية شاركت بها في حفلة نهاية السنة الدراسية، ولقيت استحسانا كبيرا؛ وقد أهلها ذلك للمشاركة في حفلة أكاديمية وجدة، و التي لقيت بدورها تنويها من قبل الجمهور الحاضر. وهذا النجاح الكبير هو الذي سيدفع وفاء مراس ليتم استدعاؤها في الكثير من المناسبات الفنية والثقافية، وآخرها المعرض الدولي للتربية والمهن الذي احتضنته الدارالبيضاء، دون أن ننسى أن وفاء مراس قامت بتأليف مجموعة من المسرحيات للأطفال كمسرحية” ارحم ترحم”، والتي حصلت على جائزة أحسن نص مسرحي من قبل جمعية في منطقة العيونالشرقية. وعلى أي حال، فقد قامت وفاء مراس بمجهودات كبيرة في مجال المسرح والسينما بصفة عامة، و المسرح المدرسي بصفة خاصة، علاوة على ما تقدمه إلى حد الآن من أنشطة تكوينية في مجال تأهيل الأطفال فنيا وتنشيطيا، وتدريبهم على تقنيات التمثيل وآليات التشخيص والكوريغرافيا الدرامية. أما الممثلة سميرة المصلوحي، فقد كانت لها عدة أدوار مسرحية وسينمائية، فقد شاركت بجدية فائقة في المسرحية الأمازيغية ” نشين سّا / نحن من هنا” ، والتي ألفها الدكتور عبد الخالق كرابيلا، وأخرجها الأستاذ فخر الدين العمراني. كما أتقنت دور الأم في الفيلم التلفزي الأمازيغي” إمزورن” . 4- مبدعات في مجال الفنون التشكيلية: ثمة مجموعة من الفنانات التشكيليات الريفيات اللواتي لهن اهتمام كبير بفن الرسم والتشكيل، سواء أكان ذلك الاهتمام يتم بشكل فطري وعفوي أم عبر الدراسة المصقولة، واستكمال التكوين. وتعد مريم أمزيان رائدة الفن التشكيلي بمنطقة الريف بدون منازع. وقد ولدت بفرخانة سنة 1930م، وذلك في أسرة أرستقراطية، حيث كان أبوها جنرالا عسكريا مقربا من الجنرال الإسباني فرانكو. فعاشت مريم أمزيان بمدينة مليلية ، ثم أتقنت اللغة الإسبانية، ثم انتقلت مع أسرتها إلى مجموعة من المدن المغربية، وخاصة الشمالية منها . وقد أنهت دروسها الكلاسيكية بمدينة العرائش. واعتمدت على نفسها في تكوين نفسها بشكل عصامي. فانتقلت إلى مدريد لدراسة الفنون الجميلة . وهناك، نالت دبلوم أستاذة الرسم والتلوين سنة 1959م. وتمثلت مريم أمزيان عدة مدارس تشكيلية، كالمدرسة الواقعية ، والمدرسة الانطباعية، والمدرسة التجريدية. ومن المعلوم أن لوحات مريم أمزيان تنقل لنا الحياة المغربية بكل مكوناتها المعيشية، وتعكس تفاصيلها الموحية. ومن ثم، تتميز لوحاتها كثيرا بالنبرة الواقعية، حيث تكاد تنطق بتقاليد المغرب، وتفصح عن أصالته، وتعبر عن جمالية ألوانه ومشاهده. هذا، وقد اهتمت مريم أمزيان في لوحاتها الفنية بالأشكال الهندسية والمناظر الطبيعية، ولاسيما الصحراوية منها، والموجودة بناحية ددس وزيز والأطلس الكبير، كما يتجلى ذلك واضحا في لوحتها “القافلة ” التي رسمتها على قماش من حجم(146/114سم) بصباغة زيتية، فنقلت من خلالها صورة الصحراويين في تنقلاتهم وارتحالهم بريشة واقعية زاهية. وركزت مريم أمزيان على تشكيل لوحات زيتية تعبر فيها عن المرأة الأمازيغية بصفة خاصة والمرأة المغربية بصفة عامة ، وذلك عبر رؤية إثنوغرافية وحضارية. و تنبني اللوحات النسوية لدى مريم أمزيان على الأزياء والحلي وجمال الوجوه، وذلك بشكل فلكلوري ثقافي قائم على رصد عادات المرأة الأمازيغية وتقاليدها، وتبيان مظاهرها الخارجية وحالاتها النفسية، كما يتجلى ذلك واضحا في لوحتها” أزياء وحلي ” ، والتي رسمتها بصباغة زيتية على مسند القماش إطاره (115/147سم). ومن أجمل لوحات مريم أمزيان لوحة ” حفل العرس” التي رسمتها بالزيت على القماش، وذلك بأسلوب واقعي موضوعي محايد، حيث نقلت فيها مباهج الاحتفال بالعرس المغربي بصورة واقعية دقيقة، حيث ركزت فيها على أصالة المرأة المغربية وجمالها، مع تحديد روعة أزيائها وحليها، وتبيان طريقة الاحتفال بمراسيم الزفاف، وتصوير مشهد ” العمارية” تصويرا جذابا، مع رصد قاعة الحفلات المزخرفة بالفسيفساء والزليج والعمارة الأندلسية الأصيلة. و ينطبق هذا الحكم أيضا على لوحتها الواقعية ” الموسيقية المتحضرة” ، ولتي استعملت فيها صباغة زيتية على القماش، فأظهرت لنا مغنية مغربية أصيلة تحمل بين يديها الكمان، لتعزف عليه أغاني الطرب الأندلسي أو الملحون . ويمكن الحديث عن فنانة تشكيلية أخرى ، وهي سهام حلي، وهي من مواليد مدينة الناظور سنة 1978م ، وهي خريجة المعهد العالي للفنون الجميلة بتطوان. وقد حصلت على الإجازة في الفنون التشكيلية بامتياز. وقد انفتحت على كثير من التجارب والمدارس الفنية في مجال الرسم والتشكيل. وأقامت كثيرا من المعارض الفنية داخل الوطن( شفشاون، وتطوان، وطنجة، والرباط)، وخارجه ( مدريد والرباط). وتذكرنا حلي سهام بالفنانة التشكيلية الأمازيغية الرائدة مريم مزيان التي أمتعتنا بلوحاتها التشكيلية الرائعة، وصارت مرجعا في عالم الرسم والتجسيد البصري. وعليه، تنطلق سهام حلي من عالم البيئة الذي يحيط بوجود الإنسان من جميع جوانبه، فتشكل حياته وكينونته الحقيقية في العيش والبقاء، بل ترسم حتى ثقافته وهويته الحضارية والفنية. وتحضر الطبيعة ضمن هذا العالم بتجلياتها المتناقضة وملامحها التشخيصية تعبيرا وانطباعا وتمثلا. ومن هنا، نجد تأثرا فنيا كبيرا بالانطباعية في رصد الطبيعة في ألوانها الضوئية المشعة، وتصوير العواطف الإنسانية، وخاصة تصوير ملامح الغروب، والانعكاس الشمسي الجميل الذي يحيل على الحب والحياة والانتشاء، والافتتان بالعواطف الإنسانية، وتجسيدها بكل رمزية تشكيلية وتجريد ميتافيزيقي . ومن جهة أخرى، تنطلق الفنانة حلي سهام من التصور السريالي الذي يتجاوز الواقع إلى ماوراء الواقع التجريدي الغيبي ، وذلك لاقتناص إيحاءاته ودلالاته النفسية الشعورية واللاشعورية. وإذا كانت الرؤية الدادائية حاضرة في لوحات الفنانة ، وذلك من خلال فلسفة تعرية الواقع البيئي، وفضح سلوكيات الإنسان التي تسعى إلى تخريب الطبيعة، وتحطيم مقومات البيئة الإنسانية، وإثارة الرعب والبشاعة في عالم النقاء والصفاء، فإن الفنانة تميل إلى تشخيص الطبيعة بطريقة سريالية قائمة على استدعاء الأحلام واللاوعي، واستنطاق المكبوتات، والتمرد عن العقل والمنطق والوعي، والثورة على كل قواعد الحضارة وأسسها المادية. وعليه، فلوحات سهام حلي تجسد الطبيعة بصفة خاصة والبيئة بصفة عامة، وذلك في أشكالها الفنية المتناقضة التي تلتقي كلها عند: ثنائية الظلمة والنور، والمعاناة والأمل، والطبيعة والثقافة، والفساد والنقاء، والتردي والصفاء، والعبث والحياة. وبالتالي، تطغى لوحات الغروب الانطباعي على المعرض بمعطياتها التجريدية ، والتي تنبثق منها شمس الغد، ويصعد المستقبل الفاضل ، والذي سيعيد للحياة الإنسانية الداخلية رونقها ، وتوازنها النفسي ، والاطمئنان الروحاني. ومن الناحية التقنية والفنية والجمالية، تتكئ الفنانة على استعمال أدوات طبيعية مستمدة بحرفيتها من الواقع والبيئة المحيطة بالإنسان الأمازيغي ، مع اعتماد تقنية الكولاج collage ، وتوظيف المكساج البصري، إذ تتحول لوحاتها القماشية بإطاراتها الخشبية إلى ساحة فنية واقعية حقيقية، لاحتضان الطبيعة بكل مكوناتها، كأوراق الزهور، وحبات الأشجار والزرع، وأصباغ الطبيعة بكل خصوبتها ودوالها اللونية والمادية . وتتحول هذه الرموز والأشياء الواقعية إلى رموز مستقاة من اللاشعور واللاوعي، وذلك قصد التنديد بالواقع، وذم مخلفات الحضارة التي لاتعرف سوى تعليب الإنسان، واستلابه، وتشييئه، وتكعيبه في أشكال مادية ومنظورات رقمية، تتنافى مع إنسانية الإنسان، وتتناقض مع فطريته الداخلية، وتتضاد مع عالمه النفسي الوجداني والعرفاني. ومن هنا، نلاحظ هيمنة الألوان الطبيعية على اللوحات التشكيلية ، وذلك بالمقارنة مع الألوان الضوئية الاصطناعية. أما الفنانة التشكيلية سعاد شكوتي، فقد ولدت بمدينة الحسيمة سنة 1976م، وهي مبدعة عصامية، شاركت في عدة معارض تشكيلية فردية وجماعية، وساهمت بجدية في تنشيط ورشات فن الرسم بمدينتها الساحلية. وتهتم سعاد شكوتي اهتماما كبيرا بالقالبين: الفطري والواقعي في رسم البيئة الأمازيغية على غرار مريم أمزيان ، فتعنى بالمرأة الأمازيغية في لوحتها:” ثمغارث ن تمورث”، وتهتم بالإنسان الطوارقي في لوحتها:” توارك”. وبالتالي، فهي ترسم بورتريهات ولوحات شخوصية مصورة وبيئات طبيعية، تحيلنا بشكل من الأشكال على الثقافة الأمازيغية، وتجسيد حضارة الإنسان الأمازيغي الحر ، كما تعكس لنا في لوحاتها جمال المرأة الأمازيغية ، وذلك في أحلامها وعلاماتها الموشومة وأزيائها الرائعة. 5- مبدعات في مجال الموسيقى والغناء: عرفت الساحة الريفية مجموعة من الأصوات الغنائية الأمازيغية، كميمونت سلوان ، وفريدة الحسيمية، وميلودة الحسيمية، ويامنة الخمارية… وإذا كانت هذه المغنيات ينتمين كلهن إلى الجيل الماضي الذي ظهر مباشرة بعد استقلال المغرب في منتصف القرن العشرين، فقد أعقبه جيل جديد من الأصوات النسائية، كصوت نوميديا (نجاة بقاش) الذي انتعش فنيا وموسيقيا، وذلك مع منتصف الثمانينيات من نفس القرن، يمتلك خاصية الدفء النابع من صدق المشاعر، ويصدر عن حرارة الإيقاع النغمي، وينفذ بترانيمه الشجية والثورية بكل سهولة إلى نفوس المستمعين. إنه فعلا صوت غنائي رائع وجميل، إنه صوت نجاة بقاش الملقبة بنوميديا! ومن المعروف أن نجاة بقاش من مواليد الحسيمة، وقد أنجزت مجموعة من الأغاني الأمازيغية باللهجات الثلاث( تاريفيت، وتامازيغت، وتاشلحيت)،وقد شاركت في عدة تظاهرات فنية، كمشاركتها في البرنامج التلفزيوني (سباق المدن) ، والذي كانت تعده القناة الأولى سنة 1987م، وشاركت أيضا في المهرجان الوطني (أنغام ) ، والذي كانت تسهر عليه القناة الأولى سنة 1994م. وفي نفس السنة، ساهمت نوميديا في إحياء حفلة موسيقية غنائية في البرنامج التلفزيوني (نجوم الغد)، والذي كانت تعده القناة الثانية، وقد شاركت أيضا في نفس السنة في المهرجان السياحي والثقافي بمدينة الحسيمة. وشاركت نوميديا كذلك في الأسبوع المغربي بفرنسا سنة 2004م، وشاركت سنة 2007م في البرنامج الإذاعي الأمازيغي للإذاعة البلجيكية (المنار). ومن ناحية أخرى، فقد عملت نوميديا على تلحين ثلاث أغان أمازيغية عصرية باللهجة الريفية، وأنجزت أيضا قرصا مدمجا يحتوي على سبع أغان عصرية أمازيغية باللهجة الريفية . كما اعتمدت في أغانيها على نصوص شعرية لشعراء أمازيغيين من منطقة الريف، كسعيد الموساوي، ومصطفى بوحلاسة. وأعادت تسجيل أغان أخرى لفنانين كبار، مثل: الفنان جباح، والفنان عبد المولى. هذا، وقد أعدت نوميديا قرصا غنائيا يضم سبع أغان أمازيغية باللهجة الريفية، وهي: توغايي (كنت)، ولحسيما(الحسيمة)، وتتاغ ءارابي(أدعو ربي)، وكوشي ءيروح / كوشي ءيواردار(كل شيء ذهب ، وكل شيء ضاع)، وباباش ءيرايادجا( أبوك كان موجودا)، وءاريف ثمورث ءينو( الريف أرضنا)، ولالابويا. وما يلاحظ على هذه الأغاني أنها مقطوعات موسيقية ملتزمة تستهدف الدفاع عن القضية الأمازيغية، وتتشبث بالهوية الأصيلة للإنسان الريفي. كما تتراوح هذه الأغاني بين قصائد الحب، وقصائد الأرض، وقصائد المكان، وقصائد الهوية والانتماء، وقصائد الضياع والاغتراب الذاتي والمكاني. وتنطلق نوميديا في أغانيها من التراث الأمازيغي الريفي المتنوع ، ومن الفلكلور الشعبي ، ومن أغاني ” إمذيازن” لتصيغه في قالب معاصر ملتزم. ونوميديا – كما نعرفها – مغنية محترمة، وإنسانة مثقفة حساسة، مهذبة متخلقة. تمتاز أغانيها بالشجا والوقار . وبالتالي، فنوميديا بعيدة عن الخلاعة والميوعة في تقديم الأغاني، وترنيم الألحان. فقد حاولت المزج بين الإيقاعات الموسيقية التقليدية والمعاصرة، كما انفتحت على تجارب فنية أخرى ، فحاولت الاستفادة أيما استفادة من الإيقاع الشرقي، لتخلطه بالإيقاع الأمازيغي بشكل ممنهج مدروس من الناحية الموسيقية. وإذا كانت كلمات القصائد المغناة ثورية ونابضة بالحرارة والدفء والحيوية، فإن صوت نوميديا هو صوت أوپيرالي، يتدفق بالحيوية والقوة والرنات العالية، ويتميز كذلك بالإيقاعات المرتفعة المتموجة ثورية ووجدانا ومعاناة. وقد وظفت نوميديا التراث الغنائي الأمازيغي توظيفا معاصرا حيا على أسس إيقاعية سليمة. وتذكرنا أغاني نوميديا بأغاني لالابويا التراثية التي تنساب في سياقات موسيقية جديدة، إذ تعيدنا بأنغامها المدوية إلى الماضي الأمازيغي السحيق، وتحيلنا على الجذور الريفية الدافئة ، وذلك عبر دقات إيقاعية فلكلورية متناغمة، ومنسجمة، ومتسقة مع مقاطع الأغاني، وأدوارها النغمية والدلالية. وإذا أخذنا أيضا تجربة الفنانة الأمازيغية تيفور، فقد ظهرت هذه التجربة المتميزة الرائعة في جبال بن الطيب، لتعانق هموم الإنسان الأمازيغي بصوتها الغنائي الحار الحزين ، والذي ينبض بالشجا، ويتقد بالحرقة. فتيفور طفلة أمازيغية ريفية تملك طاقة صوتية قوية ، ولها تأثير كبير على مستمعيها، وذلك عن طريق رنات أغانيها النضالية التي تترك إيقاعات رائعة، وتنساب ألحانا دافئة مع إيقاعات قيثارة سعيد الفراد الشاعر الأمازيغي المبدع ، والذي يرافقها في مسارها الغنائي الملتزم. ومن الأغاني التي اشتهرت بها تيفور، نذكر: أغنية (ءاثيشظين ءوييس/ حوافر الحصان)، وأغنية (ءابريذ ن مولاي موحند مانيس؟/ طريق عبد الكريم من أين؟). ومن المعلوم أن تيفور مجرد لقب فني للفنانة إيمان بوسنان التي تبلغ من العمر 15 سنة، وقد احتضنتها فرقة تيفور ، والتي بدورها تنتمي إلى جمعية بويا بابن الطيب القريبة من مدينة أدريوش. وصارت المغنية الأمازيغية تيفورة نجمة أمازيغية معروفة في الوسط الثقافي بمنطقة الريف، وذلك بأغانيها الأمازيغية الهادفة الملتزمة، وتحضر في الكثير من الأنشطة الفكرية والأدبية والفنية ، والتي تقوم بها مجموعة من الجمعيات الأمازيغية بالناظور، والحسيمة، ووجدة، وطنجة، ومكناس، وتازة، والرباط… هذا، وتحمل أغاني تيفور رسالة اجتماعية نضالية كما يدل على ذلك شريطها الغنائي الأول، إذ تهدف أغاني الألبوم إلى طرح القضية الأمازيغية والهوية، وذلك من خلال توظيف مجموعة من الرموز والأقنعة والأساطير والخطابات التاريخية ، بغية التأثير في الأطفال الأمازيغيين كي يتشبثوا بأرضهم وكينونتهم الأصيلة. 6- مثقفات في مجال الصحافة والإعلام: ظهرت مجموعة من الإعلاميات والصحافيات بمنطقة الريف يشتغلن بالإعلام الورقي والرقمي، مثل: نبيلة هادفي صاحبة جريدة ” العبور الصحفي” ، وقد ظهرت هذه الجريدة سنة 2002م. وهذه الجريدة جهوية مستقلة تصدر كل شهر من مدينة الناظور، وهي جريدة محترمة مسؤولة وجادة في طرح قضايا مهمة كقضية المخدرات وقضايا المدينة . وتتناول الجريدة مشاكل الريف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما تنقل لنا الأنشطة الثقافية والتاريخية والرياضية و الأخبار الصحية المحلية. وتعانق الجريدة كل الإشكاليات المتعلقة بالقضية الأمازيغية والكينونة البربرية، ومازالت الجريدة تواصل عملها الهادف النبيل بكل جدية وانضباط مسؤول. هذا، وقد ظهرت جريدة شهرية تحمل اسما أمازيغيا “نوميديا” سنة 2005م، ومديرة الجريدة هي السيدة ثورية الغازي. ومن أهم انشغالات الجريدة التركيز على منطقة الريف، والاهتمام بالقضية الأمازيغية في أبعادها السياسية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية. هذا، وقد أصدرت مايسة رشيدة المراقي مؤخرا مجلة أدبية وثقافية تحت عنوان” تيفاوين نالريف/ أضواء الريف” ، وتعنى هذه المجلة بالإبداع الأمازيغي بمنطقة الريف ، وذلك في كل تمظهراته الأجناسية ، وتجلياته النوعية المختلفة. 7- مثقفات وباحثات في مجال اللسانيات: يمكن الحديث في مجال اللسانيات عن مجموعة من الباحثات المتميزات في مجال علم اللغة والمعجم، ونستحضر منهن: وفاء طنجي ، والتي درست في أطروحتها الجامعية لنيل الدكتوراه الوطنية، اللغة الريفية لبني سيدال من خلال منظور فونولوجي. وتحمل هذه الأطروحة ، والتي أعدتها سنة 1991م تحت إشراف بوهاس BOHAS, Georges ، عنوان :” مظاهر الفونولوجيا البربرية الأمازيغية لآيت سيدار”، Aspects de la Phonologie d'un parler Berbère du Maroc: Ath – Sidhar(Rif). وقد قدمت الأطروحة في 350 صفحة إلى جامعة پاريس الثامنة بفرنسا. كما أعدت أمينة لفقيوي دراسة لسانية جامعية تحت إشراف سالم شاكر بجامعة بوجي بفرنسا في شهر مارس من سنة 1999م، وكانت بعنوان:” التركيب المدمج للملفوظ غير الفعلي في الكلام الريفي لآيت ورياغل”،” : Syntaxe intégrée de l'énoncé non-verbal berbère (Parler rifain d'Ayt Wayagher , Maroc du Nord). وبعد ذلك، أصدرت أمينة الفقيوي قاموس اللغة الريفية أو الأطلس اللغوي الريفي لأول مرة في تاريخ الدراسات المعجمية المنصبة حول أمازيغية الريف. وقد قدم القاموس إلى جامعة ليدن بهولندة في 25 سبتمبر 2007م. ومن المعلوم أن أمينة الفقيوي من منطقة الريف المغربي ، و أستاذة جامعية في مادة اللسانيات الأمازيغية، وذلك في مركز الدراسات الأفريقية واللغات الشرقية في جامعة خنت Ghent في بلجيكا، وجامعة ديل كالاربيا kalarbia Del بإيطاليا. وقد طبع معجمها في مطبعة ألمانيا Rodcherkob. ويتكون معجم الفقيوي من أربعة أجزاء ، ينصب الجزء الأول حول تاريخ الدراسات اللسانية الأمازيغية. في حين، يهتم الجزء الثاني بالدراسات المقارنة في مجال الفونولوجيا لمختلف المتغيرات الصوتية الأمازيغية الريفية، بينما ينكب الجزء الثالث على المظهر التركيبي للغة الريفية، أما الجزء الرابع ، فقد خصص لدراسة الاختلافات المعجمية للهجات المنضوية تحت أمازيغية الريف. استنتاج: تلكم- إذاً- نظرة مقتضبة حول الإسهامات الثقافية والإبداعية لمجموعة من المبدعات والمثقفات الأمازيغيات بمنطقة الريف في ميادين ومجالات عدة ومتنوعة كالشعر، والسرديات، والمسرح، والسينما، والفنون التشكيلية، واللسانيات، والمعجم، والإعلام والصحافة. ومازالت الساحة الثقافية الريفية الأمازيغية في حاجة ماسة إلى يومنا هذا إلى الحضور المكثف والبارز للمرأة المثقفة والمبدعة من أجل إغناء الساحة الثقافية الأمازيغية، وذلك في شتى مجالات الثقافة الأدبية، ومختلف ميادينها الفنية واللسانية والإعلامية !