من المعروف لدى الجميع أن الثقافة الأمازيغية لا يمكن أن تنتعش أو تزدهر إلا عن طريق الإعلام المسموع والمكتوب. ومن هنا، فالراديو والتلفزيون والسينما والإنترنيت والصحافة والكتاب من الآليات المهمة في عملية التواصل والتبليغ لنقل الرسائل الملفوظة وغير الملفوظة ، وإيصال الشفرات الذاتية أو الموضوعية إلى الآخرين من أجل تلقيها وتفكيكها وتأويلها وتمثلها إيجابا أو سلبا. بيد أن الإعلام السمعي والمرئي لا يمكن أن يحقق أهدافه المرجوة سواء أكانت عامة أم خاصة إلا بوجود الإمكانيات المادية، وتحقيق الديمقراطية ميدانيا، ووجود قضاء نزيه وعادل، وتوفير الطاقات الإعلامية المثقفة والمتجددة من أجل السمو بالإعلام المغربي، والرفع من مكانته وطنيا وعربيا ودوليا. وسنحاول في هذه الورقة المتواضعة أن نسلط الأضواء على الإعلام الأمازيغي المغربي، وبالضبط على الإعلام الريفي على سبيل التمثيل. وسنختار أيضا شخصية إعلامية ستكون نموذجا ممثلا لهذا الإعلام الجديد الذي انطلق في أداء مهمته الجسيمة مع العهد الجديد المبني على سياسة التناوب، والتصالح الذاتي، واحترام حقوق الإنسان، والسعي الجاد من أجل إرساء العدالة والديمقراطية. q الإذاعة الأمازيغية الريفية: تاريخ ومراحل: من الأكيد أن الراديو ، منذ فترة الاستقلال، قد قام بدور فعال في ربط التواصل بين المذيعين والجماهير من أجل خلق ثقافة مشتركة قوامها التنوير والتفعيل والتغيير لخدمة مجتمعنا المغربي بصفة خاصة وأمتنا الإسلامية بصفة عامة. والكل يعلم أن الراديو قد قدم برامج متنوعة في البداية باللغتين العربية والفرنسية، لينتقل مع العهد الجديد إلى تقديم المواد الإذاعية باللغة الأمازيغية في شتى تنوعاتها اللهجية (تاريفيت، وتاشلحيت، وتمازيغت). بيد أن إذاعة الراديو الأمازيغية ستعرف تاريخيا مرحلتي المد والجزر، ليصبح التفكير اليوم في تلفزة أمازيغية ضرورة ملحة من أجل التعبير عن هوية الإنسان الأمازيغي ، واستيعاب طموحاته الكثيرة، و تحقيق مشاريعه المتنوعة على جميع الأصعدة والمستويات. وهكذا، فإن للراديو في إذاعة البرامج الأمازيغية الريفية وغير الريفية - كما قلنا سالفا- تاريخا يتمثل في مرحلتين أساسيتين: مرحلة الجاذبية مع انطلاق الإذاعة الريفية ، حيث استطاعت هذه الإذاعة الجديدة أن تجذب إليها مجموعة من المشاهدين الأمازيغيين سواء من داخل الوطن أم من خارجه. وكان من أهم المنشطين في تلك الفترة علي أزحاف والمصطفى البوزياني باعتبارهما من الأطر المثقفة والمتنورة في مجال الإعلام الإذاعي. لكن هناك أطر إعلامية أخرى لم تستطع في تلك المرحلة أن تفرض نفسها بشكل جيد نظرا لبرامجها العادية أو الكاسدة أو المملة. أما المرحلة الثانية فأسميها مرحلة الكساد والبوار والتراجع الإذاعي بسبب سيطرة قنوات إذاعية أخرى على منطقة الريف، وهي المنطقة المستهدفة طبعا من قبل الإذاعة الأمازيغية الريفية. وإلا فلمن تتوجه هذه الإذاعة إذا لم تكن تخاطب الريفيين في الأصل؟! ومن أهم القنوات الإذاعية التي هيمنت على منطقة الريف بصفة خاصة والمنطقة الشرقية بصفة عامة إذاعة " كاب راديوCap Radio " التي تبث برامجها من مدينة طنجة، وقد نجحت أيما نجاح في كسب الكثير من المستمعين الريفيين. بينما ظلت إذاعة الريف بالرباط عاجزة ومشلولة ، تقتصر على مستوى الإعلان والبث على شريحة معينة من المستمعين ، ولاسيما المتتبعين الموجودين في منطقة الغرب الأوسط ، وبذلك تكون قد حرمت أيما حرمان من جماهيرها الريفية الحقيقية. واعتقد أن هناك أسبابا أخرى في هذا التراجع والكساد ، وأنا أتحدث عن الإذاعة الأمازيغية الريفية على سبيل التخصيص. ومن بين هذه الأسباب التي تشخص لنا أزمة الإذاعة الأمازيغية الريفية قلة الموارد البشرية التي تسهر على تفعيل الإذاعة الريفية، وانعدام الكفاءات الإعلامية المحسوبة على الريف تأهيلا وتكوينا وتثقيفا وتنشيطا. إذ يلاحظ أن هناك طاقات إعلامية في حاجة ماسة إلى التكوين والتدريب والتثقيف، مع ضرورة التبحر في العلوم والفنون واللغات. فكيف يعقل للمثقف الأمازيغي الريفي أن يسمع لصحفيين في إذاعة الريف لايفقهون شيئا في المسرح والسينما والأدب والتاريخ والسياسة. وذلك، لأن هؤلاء الإعلاميين بكل صراحة لايبحثون ، ولايقرأون، ولا يجتهدون مثل غيرهم في القنوات الإعلامية الأخرى؟ ولكني استثني بعض الطاقات المتميزة كعلي أزحاف، والمصطفى البوزياني... زد على ذلك، فمن أسباب كساد الإذاعة بشكل عام قلة الإمكانيات المالية والمادية، والتقليص من الاستطلاعات والتحقيقات الخارجية، والتقوقع في الأستوديو بعيدا عن التفاعل المباشر مع الجمهور، وانعدام التمويل الحقيقي لتحريك الإذاعة الريفية تحريكا ديناميكيا، وغياب الشركات والعقود التي يمكن إبرامها مع المبدعين والمثقفين الأمازيغيين المتميزين في الريف، بالإضافة إلى انعدام التحفيز والتشجيع المادي والمعنوي. كما نلاحظ تهميشا واضحا وإقصاء بينا للكفاءات الريفية الحقيقية التي لا تقبل الذل والمهانة والخنوع أو الاستسلام للضغوطات كيفما كان نوعها. و نلاحظ أيضا فتورا جليا على مستوى تقديم البرامج المملة التي أكل عليها الدهر وشرب، وقلة المستجوبين المثقفين والمتخصصين في مجال أمازيغية الريف. لذا، تلتجئ الإذاعة الريفية إلى تشغيل الأغاني الأمازيغية وتكرارها يوميا لتكسير الملل ، والحد من الروتين، والتحكم في الفراغ. وهناك من الإعلاميين من يشتغل على برامج إذاعية بسيطة ومستهلكة ومنقولة عن قنوات أخرى، وهناك أيضا من يوظف في حواراته أسئلة سطحية من نوع تحصيل الحاصل، وهناك من يستعين بتقنيات الاستجواب المباشر الذي لا يخدم الموضوع أو الحوار في أي شيء. وعلى العموم، يمكن القول بأن هؤلاء الصحفيين الأمازيغيين في الحقيقة معذورون؛ وذلك بسبب تهميش السلطة للغة الأمازيغية ازدراء واستنكارا، ومحاصرتها ثقافيا وإعلاميا، وتطويقها دستوريا ومؤسساتيا. دون أن ننسى الحديث عن غياب الحرية الإعلامية الحقيقية في الإعلام الأمازيغي بصفة عامة. وذلك لغياب الديمقراطية الحقيقية في بلادنا بسبب تحكيم سياسة الأهواء والأمزجة، وقتل روح الإبداع لدى الإعلاميين الأمازيغيين الشباب؛ مما يصعب عليهم أن يفرضوا ذواتهم بسبب ضغوطات رؤسائهم ، ناهيك عن ضغوطات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي لا يسمح إلا بالمدح والإطراء والتطبيل. وفي المقابل، يحارب كل من يدلي بتعليق بناء ونقد هادف. ومن هنا، فقد رأينا المعهد يلوح بالعصا في وجه معارضيه، ويقصي بشكل متعمد معظم الطاقات المثقفة بالريف ، ويطرد كل من له غيرة على لغته ووطنه وأمته، وكل هذا من أجل أن يبوئ السوسيين مكانة متميزة على حساب الريفيين المهمشين والمهشمين. q القناة التلفزية الأمازيغية: من المنتظر أن تنطلق القناة التلفزية الأمازيغية مع السنة الجديدة (2010م) . وبذلك، سننتقل جميعا من مرحلة الإذاعة المسموعة عبر الراديو إلى مرحلة الإعلام السمعي والبصري عن طريق التلفزة. وبالتالي، ستشهد اللغة الأمازيغية بلا شك انتعاشا إعلاميا ملحوظا وازدهارا ثقافيا جليا بسبب وفرة البرامج، وتنوع الإنتاج، وكثرة الطاقات التي سيتم تشغيلها في القناة ، فضلا عن الانطلاق الإعلامي من تعدد اللهجات الأمازيغية بحصص متعادلة. ولكن نتمنى أن يتم تشغيل هذه القناة الجديدة انطلاقا من رؤية إبداعية ، وبشكل عادل وجيد، وألا " تسوس " أو" تسيس" كما هو حال المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي أصبح معهدا سوسيا بامتياز. والدليل البسيط على ما نقوله كتاب" الفنولوجيا الأمازيغية" للدكتور أحمد بوكوس الذي تم طبعه من قبل المعهد في وقت سريع، وفي حلة باروكية فخمة ومنمقة، وبفاتورة مكلفة ، وذلك على حساب الأمازيغيين الريفيين الفقراء الذين انتظروا طويلا طبع كتبهم منذ زمن طويل ، ومازال المساكين ينتظرون الذي يأتي ولا يأتي!!! ومن ثم، فلم تطبع من كتب هؤلاء الريفيين – على حد علمي- إلا ثلاثة أسفار ليس إلا، ولم تطبع هذه الكتب إلا لأسباب نحن في غنى عن ذكرها، بالمقارنة مع الكم الهائل من الكتب السوسية التي تكفل المعهد بطبعها في ظرف قياسي مشهود به. وعليه، فمن الضروري أن تختار الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة أطرا أمازيغية مؤهلة ومكونة ومدربة ومثقفة، وألا تشغل كل من هب ودب . فهناك من المثقفين والنقاد من سيتتبع هذه القناة عن قرب وكثب ليخضعها للتشريح والتفكيك والنقد والتقويم والتوجيه لكي تتبوأ القناة الأمازيغية مكانتها اللائقة بها على غرار القنوات الأجنبية والعربية، وإلا ستعرف هذه القناة بدورها الكساد والبوار الذي عرفته الإذاعات الأمازيغية المبثوثة عبر جهاز الراديو. q علي أزحاف الإعلامي المتميز: مهما تحدثنا عن السلبيات ونقط الضعف في الإعلام الأمازيغي الريفي على صعيد الراديو، فلابد من الإشارة إلى وجه إعلامي متميز قدم خدمات جلى للإذاعة الأمازيغية الريفية ألا وهو الصحفي علي أزحاف ، الذين يعد من الإعلاميين الناجحين في منطقة الريف بصفة عامة و مدينة الناظور بصفة خاصة. هذا، ويعتبر علي أزحاف صحافيا كفئا، ومثقفا متميزا، ومبدعا متنورا. له باع كبير في مجال الأدب العالمي والعربي قراءة وتمثلا واستيعابا. وتتميز ثقافته بالعمق، والتنوع ، والموسوعية، وكثرة الاطلاع على المستجدات الإبداعية والثقافية. وله أيضا إلمام كبير باللغة الأمازيغية وثقافتها وحضارتها وآدابها وفنونها. ومن أهم مؤلفاته المتميزة مجموعته القصصية" نخب البحر" التي تعبر عن مدى تمكنه من تقنيات الكتابة القصصية تحبيكا وسردا وتخطيبا. أما إعلاميا، فقد عرف علي أزحاف بمجموعة من البرامج الأمازيغية الهادفة والناجحة كبرنامج" قراءة في كتاب"، وبرنامج"مواقع من الريف"، وبرنامج" من تاريخنا"، وبرنامج" ثقافة وجذور"، وبرنامج" منتدى الصيف"، و" برنامج قضايا تربوية"، وبرنامج" أسواق لها تاريخ" إلى جانب برامج إذاعية عديدة ومتنوعة يصعب استقصاؤها وحصرها في هذه الورقة. ولقد تم تكريم علي أزحاف في منطقة الريف تكريم ثناء وإشادة وتنويه من قبل المثقفين والجمعيات الأمازيغية على حد سواء. وذلك، بفضل مساهماته النيرة والجادة في خدمة الإعلام الأمازيغي الريفي، وتوثيق الثقافة الأمازيغية وتدوينها على مستوى المسموع . زد على ذلك، فعلي أزحاف معروف عند المثقفين المستجوبين بثقافته الموسوعية، وموسوم بأمازيغيته القحة الفصيحة والبليغة. كما تمتاز برامجه الصحفية بالعمق الفكري وجودة الطرح وأصالة التحليل. دون أن ننسى كذلك أن علي أزحاف يستعمل في حواراته الصحفية منهجا سقراطيا توليديا في طرح الأسئلة الوجيهة، وعرض الإشكاليات العويصة، فهو يستنبط السؤال من الجواب بشكل حجاجي متسلسل تنم عن كفاءته الفلسفية ، وحنكته المنهجية، وخبرته الإعلامية. ومن هنا، يعد علي أزحاف دينامو الإذاعة الريفية، فهو الذي يفعلها بشكل إيجابي، ويحركها بعمق ثقافي وفلسفي وإعلامي لكي تصبح هذه الإذاعة بحق وحقيق منبرا إعلاميا متميزا على الرغم من العوائق والمشاكل والمثبطات الذاتية والموضوعية. وعليه، فلا يمكن الحديث عن النجاح النسبي للإذاعة الأمازيغية الريفية إلا في ارتباطها بالصحفي المجتهد والنشيط علي أزحاف الذي أعطى الكثير للإعلام الأمازيغي الريفي من خلال برامجه العميقة والهادفة والناجحة. بيد أن هذا الصحفي في الحقيقة لم يتبوأ مكانته اللائقة به كصحفي أمازيغي وإعلامي ناجح، ولم يأخذ أيضا حقه من التكريم والتنويه والتشجيع من قبل الشركة الوصية على القطاع الإذاعي والتلفزي. ونتمنى من كل قلب أن يكون الصحفي علي أزحاف من بين الطاقات والكفاءات التي سيتم اختيارها من قبل المؤسسة الوصية لتحريك عجلة القناة التلفزية الأمازيغية، وتنشيطها فيما يخص الإعلام الأمازيغي الريفي. وإلا سيكون مصير هذا الإعلام بلا ريب هو الكساد المؤكد، والسقوط في الارتجالية والعشوائية و السطحية، وتقديم البرامج التلفزية المملة والمنفرة كالتي نسمعها دائما على أمواج الإذاعة الأمازيغية. ما أحوجنا اليوم إلى إذاعة أمازيغية ريفية متميزة ومبدعة بطاقات مؤهلة ومثقفة ومكونة ! وما أحوجنا أيضا إلى قناة تلفزية أمازيغية ديمقراطية حرة وقوية وعادلة ، يبث عبرها الأمازيغيون برامجهم المتنوعة التي ترتبط أيما ارتباط بهويتهم وكينونتهم وأصالتهم ولغتهم وثقافتهم وحضارتهم، مع ضرورة الانفتاح على الآخر ، والاطلاع على المستجدات الحداثية العالمية ! ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بتوفير إعلام ديمقراطي حقيقي عادل، وتشغيل طاقات إعلامية متجددة، وتوظيف موارد بشرية مثقفة. ومن هنا، يمكن القول بأنه يستحيل الحديث عن قناة تلفزية إعلامية ريفية إلا بوجود الصحفي المتميز علي أزحاف الذي سيظل الدينامو المحرك الأساس للإعلام الريفي عن جدارة واستحقاق.