الانتفاضة الشعبية في تونس أو ثورة الياسمين كما أطلق عليها البعض التي أطاحت برئيس الجمهورية الذي أصبح يُعرف بزين الهاربين بنعلي لا يمكن اعتبارها مجرد شأن تونسي لا تأثير له بالنسبة للدول المجاورة أو المشابهة في طريقة تدبير الشأن العام وإنما هي درس وعبرة لكل الأنظمة السياسية التي تعتمد على حزب سلطوي وعلى المقاربات الأمنية في معالجة الاحتقان الاجتماعي وتتسم بتراكم الصلاحيات الأساسية لدى جهة واحدة ولا تقبل الاقتسام الفعلي للسلطة والثروة. إن الدرس التونسي يُفيد بشكل واضح لا غبار عليه بأن النظام السياسي الذي لا يقوم على أسس ديمقراطية سليمة تُخول للشعب حق تدبيره لشؤونه بنفسه من خلال مؤسسات منبثقة من إرادته الحرة، وتتمتع بصلاحيات التوجيه والتقرير، وتخضع للمراقبة، والمساءلة في ظل دستور ديمقراطي يضمن التكافؤ بين القوى السياسية وتداول السلطة، وقوانين تُقر وتحمي الحريات الفردية والجماعية، وقضاء نزيه ومستقل عن أي سلطة أو نفوذ؛ حينما تغيب هذه الأسس والمقومات أو يشوبها الخلل أو توجد بصورة شكلية تفتقر لشروط الفعالية والمصداقية، فإن السيطرة الأمنية مهما كانت شديدة وقوية لا يمكن أن تحقق استقرارا حقيقيا ودائما، لأن إرادة الشعوب ولو خضعت مؤقتا بسبب القهر والقمع فهي غير قابلة للمصادرة والمحاصرة بشكل دائم ومستمر، وإرادة الشعب التونسي لا تختلف عن باقي شعوب العالم في عشق الحرية والذود عن الكرامة، إنه الشعب الذي طالما أنشد مع الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر وُيفيد الدرس التونسي كذلك أنه على الرغم من وجود بعض المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية غير السيئة أو الأفضل نسبيا من بعض دول الجوار فإن ذلك لا يكفي لضمان الهدوء والاستقرار والاطمئنان في حالة غياب مقومات الديمقراطية الحقة وخنق الحريات ومصادرة الرأي المخالف واستئثار جهة واحدة بمقاليد الأمور ولو كانت هناك تعددية مميعة أو مدجنة. كما يُفيد الدرس التونسي أن الطغاة من الحكام لا ينفعهم التحالف مع الدول العظمى كالولايات المتحدةالأمريكية أو فرنسا أو غيرهما لأنه حينما يتمكن الشعب المقهور من كسر قيوده وينهض للدفاع عن حريته وكرامته لا يجد الحاكم الطاغي من يسنده في مواجهة شعبه الثائر كما حصل لزين الهاربين بنعلي وكما حصل قبل ذلك للشاه. الدرس التونسي واضح فهل يستفيد منه الحكام بأمرهم في الوطن العربي والعالم الثالث، أم أن نشوة الحكم تُسكر البعض ولا تترك له المجال للتفكير السليم؟