مشروع قانون المسطرة الجنائية يروم تعزيز مجال الحقوق والحريات (وزير العدل)    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    الصين تعزز مكانتها العالمية في مجال الطاقات المتجددة    حضور جماهيري مميز وتكريم عدد من الرياضيين ببطولة الناظور للملاكمة    الدوري السعودي لكرة القدم يقفز إلى المرتبة 21 عالميا والمغربي ثانيا في إفريقيا    حكيم زياش يدخل عالم المال والأعمال بمدينة مراكش    إيمينتانوت .. إحباط محاولة تهريب أطنان من الحشيش    إقليم جراد : تدابير استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد    محكمة الحسيمة تدين متهماً بالتشهير بالسجن والغرامة    طقس الخميس.. برد وغيوم مع قطرات مطرية    سناء عكرود تشوّق جمهورها بطرح فيديو ترويجي لفيلمها السينمائي الجديد "الوَصايا"    الإفراط في تناول اللحوم الحمراء يزيد من مخاطر تدهور الوظائف العقلية ب16 في المائة (دراسة)    مجموع مشتركي نتفليكس يتخطى 300 مليون والمنصة ترفع أسعارها    الكويت تعلن عن اكتشاف نفطي كبير    الصحافيون الشرفيون المتقاعدون يسلطون الضوء على أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية    المندوبية السامية للتخطيط تتحدث عن الأسعار خلال سنة 2024    مراكش: توقيف 6 سيدات وشخص لتورطهم في قضية تتعلق بالفساد وإعداد وكر لممارستة    ارتفاع أسعار الذهب لأعلى مستوى في 11 أسبوعا وسط ضعف الدولار    الكاف يؤكد قدرة المغرب على تنظيم أفضل نسخة في تاريخ كأس أمم إفريقيا    دراسة: أمراض اللثة تزيد مخاطر الإصابة بالزهايمر    الجفاف وسط البرازيل يهدد برفع أسعار القهوة عبر العالم    تصريحات تبون تؤكد عزلة الجزائر عن العالم    ترامب يصفع من جديد نظام الجزائر بتعيين سفير في الجزائر يدعم الموقف المغربي في نزاع الصحراء    أبطال أوروبا.. فوز درامي لبرشلونة وأتلتيكو يقلب الطاولة على ليفركوزن في مباراة عنيفة    حماس تنعى منفذ عملية تل أبيب المغربي حامل البطاقة الخضراء الأمريكية وتدعو لتصعيد المقاومة    شح الأمطار في منطقة الغرب يثير قلق الفلاحين ويهدد النشاط الزراعي    الكشف عن النفوذ الجزائري داخل المسجد الكبير بباريس يثير الجدل في فرنسا    وزارة التربية الوطنية تبدأ في تنفيذ صرف الشطر الثاني من الزيادة في أجور موظفيها    الدريوش تؤكد على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة للتصدي للمضاربات في سعر السردين    رئيس جهة سوس يقود حملة انتخابية لمرشح لانتخابات "الباطرونا" خلال نشاط رسمي    فرنسا تسعى إلى توقيف بشار الأسد    كيوسك الأربعاء | الحكومة تنهي جدل اختصاصات كتاب الدولة    خديجة الصديقي    بنما تشتكي ترامب إلى الأمم المتحدة    Candlelight تُقدم حفلاتها الموسيقية الفريدة في طنجة لأول مرة    عادل هالا    جماهير جمعية سلا تطالب بتدخل عاجل لإنقاذ النادي    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    الصين تطلق خمسة أقمار صناعية جديدة    نقاش مفتوح مع الوزير مهدي بنسعيد في ضيافة مؤسسة الفقيه التطواني    الكنبوري يستعرض توازنات مدونة الأسرة بين الشريعة ومتطلبات العصر    سقوط عشرات القتلى والجرحى جراء حريق في فندق بتركيا    أمريكي من أصل مغربي ينفذ هجوم طعن بإسرائيل وحماس تشيد بالعملية    ماستر المهن القانونية والقضائية بطنجة ينظم دورة تكوينية لتعزيز منهجية البحث العلمي    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    المؤتمر الوطني للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية: "خصوصية المهن الفنية أساس لهيكلة قطاعية عادلة"    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالاذاعة الوطنية : نظرات في الإبداع الشعري للأديب الراحل الدكتور عباس الجراري    الإفراط في اللحوم الحمراء يزيد احتمال الإصابة بالخرف    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في حوار مع الخبير الحقوقي الدولي يوسف البحيري .. رياح التغيير في العالم العربي لم تعد تأتي على ظهر الدبابات

على خلفية الحدث الذي خلقه الشعب التونسي من خلال ثورة الياسمين ، وما أفرزته من تداعيات، التقينا الدكتور يوسف البحيري، أستاذ القانون الدولي ومدير مركز دراسات حقوق الانسان بجامعة القاضي عياض بمراكش ، بصفته عضوا بالمجلس الاستشاري للشبكة الدولية للتوثيق والاعلام في حقوق الانسان، وخبيرا دوليا في حقوق الانسان أنجز عدة تقارير دولية ووطنية آخرها دراسة لفائدة المركز الدولي للعدالة الانتقالية بنيويورك حول إعمال توصيات هيئة الانصاف والمصالحة والانتقال الديمقراطي بالمغرب .
يوسف البحيري يتأمل ويحلل تداعيات «ثورة» الشعب التونسي «من أجل الحرية والكرامة» والتي أفضت الى تنحية الرئيس زين العابدين وفراره خارج البلد بعد 23 سنة من ممارسة الحكم. ونتساءل معه عن القراءة المستقبلية للانتقال الديمقراطي في تونس لفترة ما بعد زين العابدين بن علي. وهل تستطيع حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة إرجاع الثقة للشعب وإرساء دعائم المؤسسات الديمقراطية في تونس؟
{ بحثا عن الدلالة العميقة للثورة التونسية، دعونا نتساءل الى أي حد عكست «ثورة الياسمين» فكرة سيادة الشعب ؟
إن ثورة الياسمين التي عرفتها تونس في الاسابيع الاخيرة، عكست وجود ثقافة سياسية للمواطن التونسي، رغم تعرضه للقمع في ممارسة الحريات العامة وتغييب دور الاحزاب السياسية في تأطيره والحصار الاعلامي المفروض عليه من طرف الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وربما قد ساهمت حالة الاحتقان في تونس في فهم وإدراك الشعب للمجتمع السياسي وتفعيل دوره في بناء المؤسسات الديمقراطية، بما يحقق أفضل مستوى معيشي للمواطن لضمان الحياة الكريمة اقتصاديا واجتماعيا.
فالنظام السياسي لزين العابدين بن علي أقام مؤسسات غير ديمقراطية كوعاء لتقوية حزب التجمع الدستوري الحزب الحاكم الوحيد، وفي ذات الوقت اتخذ قرارالمنع أو التضييق في حق العديد من الاحزاب والنقابات والجمعيات الحقوقية الاخرى مثل الحزب الديمقراطي التقدمي وحزب الاتحاد من أجل الحرية والعمل وتكتل الحريات وحزب العمال وحزب المؤتمر وحزب حركة التجديد وحزب النهضة الاسلامي والاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية لحقوق الانسان، وهو ما انعكس سلبا على دورالمجتمع المدني في تمثيليته للمواطنين وضمان المشاركة السياسية للشعب التونسي. كما أن حالة القمع والاستبداد التي عاشها البلد طيلة 23 سنة، ساهمت في التضييق على هوامش الديمقراطية وعطلت التعددية والمشروع الحداثي حسب ما تمليه المقاربة الامنية في مجتمع متعلم يعرف أدنى نسبة من الأمية في المنطقة ، من خلال زرع قيم الانتهازية والوصولية عبر الانتماء الى الحزب الحاكم و نشر الفساد السياسي و النفوذ الاقتصادي وتمركز الثروات في يد عائلة ليلى الطرابلسي زوجة الرئيس المخلوع.
لذلك فثورة الشعب التونسي التي أطاحت بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، رفعت شعارات حضارية جديدة في العالم العربي، أعادت الاعتبار لأشعار أبي القاسم الشابي : إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر» وتبتعد عن خطابات الانقلابات العسكرية والعنف والانتقام وتغيير القادة عن طريق الانقلابات، وتطالب بسيادة الشعب ورحيل زين الدين بن علي وإلغاء الدستور الحالي و مناهضة الفساد والافلات من العقاب ودعم سيادة القانون في مواجهة رموز النظام السابق والحق في الكرامة والحرية، وهو ما يعكس ارتفاع درجة الوعي السياسي للشعب التونسي وتشبثه بالديمقراطية وروح التسامح وحقوق المواطنة والتعددية السياسية واللغوية والثقافية.
{ لاحظنا أن فئات عريضة من الشعب التونسي رفعت شعار الثورة من أجل الكرامة والحق في الحرية، ماهو تقييمكم للدلالات السياسية لهذه الشعارات القوية في مجال حقوق الانسان ؟
إن ثورة الشعب التونسي تدفعنا الى التعمق في صدق أولى عبارات مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تقول بترسيخ فكرة كونية الكرامة الإنسانية «يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق وقد وهبوا عقلا وضميرا وعليهم أن يعاملوا بعضهم بروح الإخاء». إن حقوق الإنسان تشكل جسدا واحدا لا يتجزأ ولا يقبل التراتب بين مكوناته، فالحق في الحياة هو الأصل وأساس كل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فضمان الحق الطبيعي في الحياة يرتبط بضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
إضافة إلى ذلك، فمطالبة الشعب التونسي في ثورة الياسمين بخلق هذا الترابط العضوي بين المطالبة بالحرية والكرامة لم يكن ، في اعتقادي، اعتباطيا. لأن ممارسة الحقوق السياسية تنبثق جميعها من الحق في التمتع بالحرية والكرامة، فعدم ممارسة المواطن التونسي لحقه في حرية التعبير والرأي سواء بشكل فردي أو جماعي وقمع الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني والاعتقال التعسفي والاختطاف وتزوير الانتخابات طيلة الفترة الرئاسية لزين العابدين بن علي لمدة 23 سنة، وإنكار حق المواطن في المشاركة في الحياة السياسية وحق المساهمة في إدارة الشؤون العامة، وحرية التجمع والتظاهر وغيرها ...، هي أمثلة صارخة لعدم الاعتراف للانسان التونسي بالمواطنة وتفسر خروجه لاول مرة للاحتجاج والتظاهر بدون خوف، ليس من أجل الخبز، ولكن هذه المرة للحاجة الطبيعية والملحة في الكرامة والحرية وإصراره العميق على طي صفحة زين العابدين بن علي ، بالرغم من تأدية الشعب للثمن غاليا، حيث وصل عدد الضحايا من المواطنين الذين تعرضوا للرصاص الحي من طرف قوات الأمن، إلى مائة قتيل والمئات من الجرحى .
{ إذن من هذا المنطلق، هل يمكن اعتبار إجهاض الحريات العامة في تونس من الاسباب الرئيسية لسقوط النظام السياسي للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ؟
طبعا، لأن النظام السياسي السابق لزين العابدين بن علي لا ينتمي الى هذا الزمن، ولا يزال يعيش بموروث الحرب الباردة، فهو نظام يقوم على المخابرات والوشاية وكتابة التقارير وتمكن من جعل التونسيين يتجسسون على بعضهم البعض، ورفع شعار تحسين الوضعية الاقتصادية و خلق طبقة متوسطة على حساب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان الاساسية.
ففكرة التمييز بين حقوق الإنسان التي تبناها النظام الاستبدادي لزين العابدين بن علي، هي فكرة زائفة تعود أساسا لعمق هوة الاختلاف في التصور الأيديولوجي والسياسي لحقوق الإنسان بين الغرب والشرق في فترة الحرب الباردة، فالمعسكر الغربي أولى اهتمامه للحقوق السياسية كتعبير عن الفرد والحرية الذاتية داخل المجتمع، بينما أعطت دول المعسكر الشرقي أهمية بالغة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فدكتاتورية الحزب الواحد حددت مجالا لحياة المواطن وغرست في أذهان الأفراد بأن الدولة هي المعنية الأولى بحقوق الإنسان وأغلقت الباب أمام ممارسة الحقوق السياسية. لذلك فنظام زين العابدين بن علي ينتمي لفترة الحرب الباردة، حيث أبدت الدولة البوليسية التونسية طيلة فترة رئاسته نوعا من الحساسية المفرطة لتشبثها بسيادتها الوطنية، معتبرة قضايا حقوق الإنسان جزءا من مجالها المحفوظ الذي يرتبط بسيطرة الحزب الحاكم، لذلك أغفلت أن الشرعية السياسية للانظمة تستمدها من الشعوب وليس العكس، وبالتالي أقامت هذه الدولة البوليسية نوعا من التداخل بين الحريات العامة وسيادتها، وفسرت كل محاولة للفصل بينهما هي بمثابة مساس بشؤونها الداخلية .
ويتبين بالواضح أن النظام التونسي في عهد زين العابدين بن علي، مثله مثل النظام الجزائري الحالي، بقي يعيش جليد التراكمات الإيديولوجية التي عرفتها الحرب الباردة، ولم يستوعب أن تشبث الدول بالسيادة الوطنية واختباءها وراء السلطان الداخلي من أجل إنكار الحريات العامة وحقوق الانسان، أضحى مبررا واهيا لا يمنعها من السقوط يوما كأوراق الخريف، وتتبع الجميع كيف بقي الرئيس بن علي محلقا بطائرته في السماء طيلة ساعات طويلة لرفض الدول الغربية استضافة رئيس مخلوع، يفتقد الشرعية السياسية من الشعب، الذي تعامل معه كقطيع من الأغنام طيلة 23 سنة .
{ من المفارقات الملموسة في موضوع الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، هو انه لم يكن يعترف بحرية الاعلام وحق المواطن في تلقي الخبر، ولكن الاعلام هو من ساهم في سقوطه، هذه مفارقة جديرة بالتأمل ؟
هذه حقيقة، وهي أن نظام بن علي لم يعترف يوما بحرية الصحافة و دور الإعلام في ممارسة الرسالة النبيلة في نقل المعلومات وإعمال الحق في الخبر للشعب التونسي. وهو ما جعل الشعب التونسي يشعر بأنه معزول و غير معني بتدبيرالشؤون العامة التي ينفرد بها الحزب الحاكم وحده.
فالسياسة الممنهجة للهيمنة على الاعلام وقمع حرية الصحافة وتضليل الشعب التي قام بها مستشار الرئيس المعزول ومهندس الرقابة عبد الوهاب عبدالله، لم تنحصر في حق الصحفي في التعبير والرأي فحسب، وإنما تشمل أيضا حق تلقي ونقل المعلومات إلى المواطنين، لذلك ينطوي إجهاض النظام السياسي لزين العابدين بن علي لحرية الصحافة على بعدين أساسيين، أحدهما فردي والآخر جماعي : إنكارالحق في الخبر وتلقي المعلومات لنساء ورجال الصحافة كحق لكل مواطن بشكل فردي حتى لا يتفاعل مع حرية الفكر والضمير والرأي والمشاركة الفعالة في التنمية السياسية والاقتصادية للبلد.
إضافة إلى ذلك، فالنظام السابق مارس هيمنته على الحق في الخبر كحق جماعي، حتى لا يساهم في تشكيل الرأي العام ويسمح للمجتمع بالحصول على المعلومات الكافية عند ممارسة خياراته، وممارسة نوع من الرقابة على مؤسسات الدولة في إطار المشاركة في إدارة الشؤون العامة للبلد.
وعلى هذا الأساس، فحرية الاعلام في تونس تأثرت بنمط الحكم الاستبدادي، وتمت مصادرتها على نحو تعسفي أو غير قانوني، مما أدى إلى حرمان المواطن من التفاعل مع الشأن العام.
وأكدت التجربة التونسية أن سيطرة النظام السياسي للرئيس المخلوع على جميع مجالات الاعلام المرئي والمكتوب، ساهمت الى حد بعيد في سقوطه، وذلك من خلال ارتكاب مجموعة من الخروقات الممنهجة لاجهاض حرية التعبير والتي تتجسد في ما يلي :
1 إن حرية الاعلام خضعت إلى القيود غير القانونية ، والتي حدت من حرية التعبير بشكل تعسفي وهي التي عاقت بناء أسس الديمقراطية وساهمت في قمع الحريات العامة و تفشي الفساد السياسي والاقتصادي والتي كانت السبب الرئيسي في ثورة الشعب التونسي و سقوط نظام زين العابدين بن علي . .
2 إن القيود التي وضعها الحزب الحاكم للتضييق و إنكار حرية التعبير في تونس ، لم تكن واضحة، وتمت صياغتها بشكل غامض وغير محدد، تفسره السلطات العمومية كيفما شاءت، تحت ذريعة الحفاظ على النظام العام، وبدون وجود ضمانات وطرق طعن لمواجهة أشكال التعسف في مجال حرية التعبير، ودون تحديد مفهوم حماية النظام العام في مجال حرية التعبير، مع عدم خضوع أجهزة الدولة المكلفة بالحفاظ على النظام العام في مجال حرية التعبير لأية مراقبة برلمانية وقضائية، وهو ما أدى إلى توطيد نظام بوليسي ومخابراتي وخنق أنفاس المواطنين مما خلق هوة عميقة بين الشعب والنظام السياسي السابق.
وهو ما يدفعنا إلى القول بأن التطور التكنولوجي في مجال الاعلام ونقل الصورة أعطى نوعا من الخصوصية لثورة الياسمين، لأن الشعب التونسي لم يكن في حاجة الى تدخل عسكري خارجي ولحرب أهلية، مادامت وسائل الاعلام تناقلت الثورة الشعبية السلمية والهادئة والحضارية من أجل الحرية والقطيعة مع القمع ورحيل الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي رمز نظام الاستبداد والفساد.
{ الحديث عن ثورة الياسمين من أجل الحرية في تونس يجرنا الى إثارة موضوع تحديات حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة وهل ستكسب رهان الاستقرار السياسي ؟
لقد وضعت يقظة مكونات المجتمع المدني ونضج الوعي السياسي لدى الشعب التونسي، حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة أمام عدة صعوبات، أولا بفتح نقاش دستوري حول مقتضيات المادتين 57 و56 من الدستور الحالي من أجل القطيعة مع النظام السياسي السالف، حيث أعلن رئيس الحكومة السابق محمد الغنوشي بعد فرار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، أنه تولى مهام الرئاسة بالوكالة مؤقتا وفق المادة 56 من الدستور، ولكن المثقفين وأساتذة القانون واجهوا بقوة هذا التفسير الدستوري السيء لنقل السلطة وسد الفراغ الدستوري ، لأن المادة 56 لا تستجيب لمبدأ سيادة الشعب، وهو ما يقتضي نقل الصفة المؤقتة لرئيس البرلمان فؤاد المبزغ وفق المادة57 لمدة ستين يوما ، إلى حين إجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة.
ومرة أخرى أبان الشعب التونسي عن نضج سياسي خارق مما دفع المجلس الدستوري إلى تعيين رئيس البرلمان فؤاد المبزغ رئيسا للجمهورية مؤقتا وفق المادة57 والذي بدوره عين محمد الغنوشي لتشكيل حكومة وحدة وطنية مهمتها التحضير لانتخابات رئاسية وبرلمانية.
فالشعب التونسي خرج للاحتجاج والتظاهر ضد بقاء رموز النظام السابق في الحكومة المؤقتة والتي يسميها بصقور العهد البائد ، وأضحى يطالب اليوم بحل حزب التجمع الدستوري الذي يرمز في الذاكرة الجماعية للشعب التونسي إلى الفساد السياسي والاقتصادي، و بذلك أعلن تخوفه من هيمنة هذا الحزب كمنتج للديكتاتورية ونظام حكم الفرد، خصوصا لاستمرار المقاربة الامنية في خطاب وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية أحمد فريعة والتي تؤكد عدم استيعابه للدلالات السياسية للتحول الذي تعرفه تونس بعد ثورة الياسمين، كما أن صورة محمد الغنوشي رئيس الوزراء في العهد السابق ترتبط في مخيلة الشعب التونسي بمهندس السياسات الاقتصادية التي أنهكت المواطن التونسي.
{ في النهاية هناك دروس ينبغي استخلاصها من ثورة الياسمين ، ربما بالنسبة للشعوب و الأنظمة على السواء ؟
إن ثورة الياسمين يمكن اعتبارها نقطة ضوء ساطعة في الأفق الديمقراطي في العالم العربي، وربما قد تدفع الدول الغربية لاحترام الانسان العربي وذلك من خلال عدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة الشعب التونسي ورفض استقبال رمز من رموز الانظمة الاستبدادية العربية وتجميد أصول الرئيس المخلوع في فرنسا وسويسرا ، الذي حمل معه ملايين الدولارات التي سحبها ساعات قبل هروبه واستيلاء زوجته على احتياطي الذهب من البنك المركزي .
فثورة الشعب التونسي ستعيد قراءة التاريخ العربي وتفند الاطروحات القائلة بأن رياح التغيير في العالم العربي تأتي فقط من الانقلابات العسكرية والاطاحة بالرؤساء و الحصول على الدعم من الخارج وعلى ظهر الدبابات وفوهات المدافع، وأن المجتمعات العربية لا تمتلك بتاتا الوعي السياسي الذي يخولها الانخراط في دينامية التغييرالداخلي وتفاعل النخب السياسية مع نبضات الشعب.
فبالرغم من وصف وتشبيه الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي للشرارة الاولى للحركة الاحتجاجية للمتظاهرين بالعمل الارهابي الذي يهدد النظام العام لكسب نوع من التعاطف مع الدول الغربية ، فهذه الاخيرة فهمت واستوعبت بسرعة الدلالات العميقة لثورة الياسمين الهادئة التي عرفت مشاركة جميع فئات الشعب من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية ومغادرة زين العابدين للحكم للقطيعة مع الاستبداد والقمع والفساد .
فوزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلنتون اتهمت في مؤتمر المستقبل في الدوحة خلال الاسبوع الماضي، بعض الأنظمة العربية بتعطيل مسيرة الحداثة والتنمية بلجوئها الى نشر الفساد السياسي والاقتصادي وتقوية الاحزاب الحاكمة .
وثورة الياسمين أربكت لا محالة بعض الانظمة العربية، لدرجة أن النظام الجزائري قام بتخفيض اثمان الزيت والدقيق و الزعيم الليبي أثار الاستفهام، لما خاطب الشعب التونسي طالبا منه لو تريث بعض الوقت على الرئيس المخلوع وكان بالإمكان منحه فرصة جديدة حتى 2014، كما أن وزير الخارجية المصري اعتبر أن امتداد ثورة الشعب التونسي الى الشعب المصري« كلام فارغ»!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.