أحداث العيون الاخيرة تجسد محطة تحول عميق في المقاربة الامنية التي كانت سائدة في السابق في تعاملها مع الاحداث الاجتماعية قيام المؤسسة الامنية في مباشرة مهامها اعتمادا على القوانين الجاري بها العمل يؤدي الى تقوية آليات الدولة في إعمال القانون و تكريس دور السلطات العمومية في أن تكون في خدمة المواطنين و أن تساهم في البناء الديموقراطي و المجتمع الحداثي . يمكن الحديث عن ارهاصات اولية للحكامة الامنية في تدبير الدولة المغربية لاحداث العيون من منطلق المعايير الدولية لحقوق الانسان سلوك رجال الأمن والقوات العمومية في احداث العيون ساهم في تعزيز المفهوم القانوني للنظام العام وتطبيق مبادئ المشروعية رهان تخليق الحياة العامة يستدعي مناهضة سياسة الريع واهدار الأموال العمومية وتاهيل القضاء كأداة فعالة لتكريس العدالة الاجتماعية وتطبيق القانون في هذا الحوار نتناول مع الخبير الدولي الدكتور يوسف البحيري استاذ القانون الدولي ومدير مركز دراسات حقوق الانسان بجامعة القاضي عياض بمراكش وعضو المجلس الاستشاري للشبكة الدولية للتوثيق والاعلام في حقوق الانسان بسويسرا تداعيات احداث الشغب والتخريب التي رافقت تفكيك السلطات العمومية لمخيم اكديم ايزيك في ثامن نونبر الماضي من مختلف زوايا المعايير الدولية للحكامة الامنية ومبادئ حماية حقوق الانسان واعمال سيادة القانون و خلفيات تحامل الحزب الشعبي الإسباني و بعض وسائل الاعلام الاسبانية على المغرب و مصالحه . ماهي الملاحظات الاساسية التي يمكن استنتاجها من مقاربة الدولة المغربية في تدبير احداث العيون؟ يمكن اعتبار التدخل السلمي للقوات العمومية لتفكيك مخيم اكديم ايزيك بالعيون نقطة تحول اساسية تندرج في اطار المقاربة الجديدة للحكامة الامنية وسيادة القانون التي تقوم على احترام التدابير القانونية التي ينبغي اتخاذها لتفكيك الحركات الاحتجاجية و تفعيل آليات مراقبة رجال السلطة والأمن أثناء مزاولة مهامهم من خلال تطبيق مبادئ المشروعية والضرورة والإلمام بالقانون. لقد تبين ان القوات العمومية و قوات الامن تعاملت مع احداث اكديم ايزيك وفق مقاربة امنية جديدة تتماشى الى حد بعيد مع التحول الديموقراطي الذي يعرفه المغرب سواء اولا من اجل حماية ارواح المواطنين العزل و الممتلكات العمومية في مواجهة اعمال العنف و التخريب التي استهدفت مساس النظام العام و التي قامت بها مليشيات مسلحة بالسكاكين و السواطير والقنينات الحارقة يبدو انها تلقت تدريبات خاصة واستغلت التجمع البشري في مخيم اكديم ايزيك لخدمة الاجندة السياسية للمخابرات العسكرية الجزائرية والبوليساريو، او من جانب ثان أثناء فترة الحراسة النظرية والاعتقال ومراقبة الهوية أو الاحتجاز، إضافة إلى تحديد المسؤوليات و تحريك آليات المتابعة الجنائية في حق الاشخاص الذين ارتكبوا جرائم التخريب أو العنف . ومن هذا المنطلق، فاحداث العيون الاخيرة تجسد محطة تحول عميق في المقاربة الامنية التي كانت سائدة في السابق في تعاملها مع الاحداث الاجتماعية في سيدي افني وصفرو وغيرها، حيث ان هذه المقاربة الجديدة تنسجم مع معايير الحكامة الامنية و مع التطور الذي يعرفه المغرب في توسيع مجال الحريات والذي افضى الى تأثير إيجابي في انخراط المواطنين للاحتجاج والتعبير عن مطالبهم في مختلف المجالات، لذلك فقيام المؤسسة الامنية في مباشرة مهامها اعتمادا على القوانين الجاري بها العمل يؤدي الى تقوية آليات الدولة في إعمال القانون وفي تكريس دور السلطات العمومية في أن تكون في خدمة المواطنين و أن تساهم في البناء الديموقراطي و المجتمع الحداثي . اذن ماهي السبل لاعمال سيادة القانون في احداث العيون الاخيرة؟ في حقيقة الامر، إن مسالة اعمال سيادة القانون تستمد تأصيلها من الوازع الأخلاقي للعقوبة التي تقوم على تحقيق العدالة الاجتماعية ، فالهدف الذي يسعى تحقيقه مبدأ سيادة القانون هو ضمان التوازن بين الجزاء والعدالة الاجتماعية ، فكل شخص تبين انه ارتكب اثناء احداث العيون جرائم التخريب في حق الممتلكات العمومية او العنف ضد الاشخاص يجب أن ينال عقابه الذي يستأثر به القضاء من أجل حماية المصلحة العامة للمجتمع مع توفير ضمانات مبادئ وشروط المحاكمة العادلة. ان الاحداث التي شهدها مخيم اكديم ايزيك بالعيون هي من تدبير وتخطيط مليشيات انفصالية تشتغل وفق الاجندة السياسية للمخابرات الجزائرية وجبهة البوليساريو في اطار الاعمال الانتقامية، خصوصا بعدما اجمعت الجمعيات الحقوقية الدولية ان اركان جرائم الاختطاف و الاحتجاز التعسفي والتعذيب في حق مصطفى ولد سيدي مولود هي متوفرة بعدما عبر عن تبنيه للاقتراح المغربي في الحكم الذاتي لحل قضية الصحراء وتثير المسؤولية الجنائية للجزائر و البوليساريو. لقد استغلت المليشيات الانفصالية اتساع مجال الحريات العامة في المغرب و تنظيم الحركة الاحتجاجية المتمثلة في اقامة مخيم اكديم ايزيك للمطالبة بمجموعة من الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية كالسكن والشغل ولاثارة انتباه الراي العام الوطني الى استمرار تفشي سياسة الريع ونظام الاعيان وتوزيع العديد من البقع السكنية وبطاقات الانعاش الوطني بدافع اعتبارات انتخابية ضيقة. وقد استغلت عناصر محسوبة على البوليساريو هذا الوضع لتمريرالخطاب الانفصالي وإشعال فتيل الاعتداء على الممتلكات العمومية والعنف المفضي الى الموت احيانا ضد قوات الامن والقوات العمومية الى حد ذبح رجل امن والتنكيل بالجثث والتبول على جثة احد عناصر القوات العمومية، وهي سابقة لم تعرفها اية حركة احتجاجية في الماضي لان ذلك يتنافى مع الاعراف و القيم الاخلاقية للمواطنين في اقاليمنا الجنوبية ولكنها ضريبة الانخراط في البناء الديموقراطي ولا يمكن ان تعطل ارساء دعائم دولة القانون ببلادنا. ومن هذا المنطلق، فالسبيل الوحيد لاعمال سيادة القانون في معالجة الدولة المغربية لاحداث العنف في العيون يتجسد في سلطة القضاء التي تلعب دورا كبيرا في تطبيق سيادة القانون وضمان المساواة في توقيع الجزاء في إطار سياسة جنائية تحمي المصالح العليا للمجتمع، حيث أن آليات العدالة الجنائية تعتبر أهم عنصر في معادلة مناهضة الإفلات من العقاب وتحقيق نظام قانوني للعقوبة متوازن يضمن الانسجام بين الجريمة والضرر. إن القضاء النزيه والمستقل يشكل قوام العدالة الجنائية الفعالة بتوظيف سيادة القانون لمحاربة جميع اشكال الإجرام التي عرفتها احداث العيون، و اعتقد انها مناسبة للقضاء ليقوم بدوره الوظيفي في ضمان العدالة وشروط المحاكمة العادلة وتوقيع الجزاء للانخراط في دينامية مكونات الدولة لبناء المجتمع الحداثي والمواطنة. وستكون لامحالة فرصة للجمعيات الحقوقية الدولية لتقييم دور القضاء الوطني في ضمان شروط المحاكمة العادلة للمتهمين المتابعين في احداث التخريب و العنف في العيون. خصوصا وان التشريع المغربي يتضمن مقتضيات تشكل مرجعية اساسية لضمانات المحاكمة العادلة في قانون المسطرة الجنائية لعام 2003، فالمادة 45 أعطت دورا فعالا للقضاء بمراقبة عمل الشرطة القضائية من خلال معاينة وكيل الملك للمعتقلين الموضوعين تحت الحراسة النظرية لرصد حالات التعرض للتعذيب أو المعادلة القاسية أو الحاطة من الكرامة والتأكد من شرعية الاعتقال ، كما ان المادتين 73 و74 يمنحان لوكيل الملك إجراء فحص طبي للمتهم أثناء الاستنطاق من طرف النيابة العامة للتحقيق في حالة تعرضه للتعذيب الجسدي أو النفسي إذا ما طلب دفاع المتهم ذلك أو عاين بنفسه آثارا للتعذيب، كما أن المادة 293 خولت القضاء سلطة تقديرية واسعة، بحيث يمكن للقاضي عدم الأخذ بالاعتراف المقدم من طرف المتهم إذا ما تبين له أنه انتزع منه بالعنف أو بواسطة الإكراه. فقانون المسطرة الجنائية اعتبر قرينة البراءة هي الأصل في جميع الإجراءات وتم تعزيزها بمجموعة من الآليات والتدابير كالتنصيص على استثنائية الاعتقال الاحتياطي ووضع إجراءات الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي تحت الرقابة الصارمة للسلطة القضائية وحق المتهم في إشعاره بالتهمة المنسوبة إليه، وإشعار عائلته بوضعه تحت الحراسة النظرية. ومن جانب آخر، إن دخول قانون تجريم التعذيب حيز النفاذ، يعتبر محطة بارزة في مجال مراقبة عمل الموظف العمومي أثناء مزاولة عمله، حيث يمكن للقضاء بمقتضى قانون تجريم التعذيب القيام بإدانة وعقوبة جميع الموظفين الذين يمارسون التعذيب أثناء استعمال السلطة اتجاه الأفراد وذلك تماشيا مع روح نص المادة الرابعة من اتفاقية مناهضة التعذيب التي تؤكد على أن جميع أعمال التعذيب يجب أن تعتبر جرائم تستحق العقاب بموجب التشريعات الجنائية الوطنية. فالفصل 255-1 من قانون تجريم التعذيب، يعرف التعذيب وفقا لمقتضيات ديباجة اتفاقية مناهضة التعذيب على أنه كل إيذاء يسبب ألما أو عناء جسديا أو نفسيا يرتكبه عمدا موظف عمومي أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه، في حق شخص لتخويفه أو إرغامه أو إرغام شخص آخر مع الإدلاء بمعلومات أو بيانات أو اعتراف بهدف معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو شخص ثالث، أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العناء لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أي كان نوعه، إلا أنه لا يعتبر تعذيبا الألم أو العناء الناتج أو المترتب أو الملازم لعقوبات قانونية. هل يمكن الحديث عن مقاربة جديدة لسلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون في احداث العيون؟ إنها حقيقة ملموسة قد يتوصل اليها جميع المهتمين بمجال الحكامة الامنية واعمال المعايير الدولية في مجال سيادة القانون. لقد تبين مما لا يدعو الى الشك ان القوات العمومية تعاملت مع احداث العيون وفق مقاربة جديدة لإنفاذ القانون تقوم على أساس من المشروعية والتناسب، وان الهاجس الاساسي للقوات العمومية ورجال الامن ارتبط بدرجة اولى بحماية الارواح البشرية وحماية الممتلكات العمومية في ظروف محددة بعينها، وليس بقمع الحركة الاحتجاجية أو تفريق المتظاهرين. وهذه المقاربة لا يتم تفعيلها الا في الدول الديموقراطية التي تقوم على سيادة القانون واحترام مفهوم النظام العام . اذن يمكن الحديث على ارهاصات اولية للحكامة الامنية في تدبير الدولة المغربية لاحداث العيون من منطلق المعايير الدولية لحقوق الانسان والتي تقضي بان مهمة إنفاذ القانون والحفاظ على النظام العام تخول تمتع رجال الأمن في إطار أداء مهمتهم بسلطة تقديرية في اتخاذ التدابير الوقائية لمنع حصول المواجهات الدامية وعدم القيام بالقبض الا على الأشخاص المشتبه فيهم وعدم احتجاز الأشخاص الا في حالة ارتكابهم لأي فعل منافي للقوانين وتقديمهم للعدالة. حيث تؤكد المواثيق الدولية لحقوق الإنسان على أن أسباب القبض والإجراءات المتبعة لاحتجاز المشتبه فيهم يجب أن يكون منصوصا عليها في قوانين البلد، فالمادة 9 الفقرة 1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تنص على أنه «لا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه». وقد لاحظنا ان سلوك رجال الأمن والقوات العمومية في احداث العيون ساهم في تعزيز المفهوم القانوني للنظام العام و تطبيق مبادئ المشروعية والضرورة والإلمام بالقانون اثناء مراقبة الهوية أو القبض على الأشخاص واحتجازهم بالرغم من أنهم يتمتعون بنطاق واسع من الصلاحيات والسلطات التقديرية الممنوحة لهم لتمكينهم من أداء مهامهم وواجباتهم. اعتقد ان هذه المقاربة الامنية الجديدة تدعو الى التفكيرفي وضع مدونة سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون كقوات الأمن و القوات العمومية، كضرورة آنية لكفالة احترام سيادة القانون وذلك اولا من أجل ضمان تحول أجهزة الأمن ذات النسق المغلق نحو نظام أكثر إنفتاحا في مجال إنفاذ القانون والاقتراب من مفهوم الشرطة المجتمعية، و ثانيا من اجل جعل مراقبة مهمة إنفاذ القانون مسؤولية مشتركة بين الدولة والبرلمان و تحديد اليات مساءلتها أمام البرلمان في حالة التعسف ، حتى تنخرط في دينامية بناء المجتمع الحداثي وإرساء دولة الحق بالمغرب. وتجب الاشارة الى ان مسألة مدونة السلوك والأخلاق المهنية للموظفين المكلفين بتطبيق القانون لقيت قدرا من الاهتمام في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، حيث أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار 24/169 المؤرخ في 17 دجنبر 1989 يتضمن مدونة سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون وتشمل الموظفين الذين يمارسون صلاحية الحفاظ على النظام العام كرجال الشرطة: فالمادة 1 من المدونة تؤكد على أنه: «يتعين على الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون أن يؤدوا الواجب الملقى على عاتقهم وفق مقتضيات التشريعات الجاري بها العمل في جميع الظروف» المادة 2: يتعين على الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون بأن يحترموا أثناء قيامهم بواجباتهم، الكرامة الإنسانية ويحمونها، ويحافظون على حقوق الإنسان لكل الأشخاص ويوطدونها. المادة 3: لا يجوز للموظفين المكلفين بإنفاذ القانون استعمال القوة إلا في حالة الضرورة القصوى وفي الحدود اللازمة لأداء واجبهم. المادة 4: يجب على الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون المحافظة على سرية ما في حوزتهم من أمور ذات طبيعة سرية، ما لم يقتضي خلاف ذلك الاقتضاء بأداء الواجب أو متطلبات العدالة وذلك بإفشاء المعلومات التي تتصل بالحياة الخاصة للأفراد أو تضر بمصالح أو سمعة الآخرين. المادة 5: يتعين على الموظفين المكلفين لإنفاذ القانون حظر التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية . المادة 6: يتعين على الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون حماية صحة الأشخاص المحرومين من حريتهم وضرورة توفير العناية الطبية لهم كلما لزم الأمر . المادة 7: يتعين على الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون عدم ارتكاب أي فعل من أفعال فساد الذمة وتأمرهم بمواجهة جميع هذه الأفعال ومكافحتها بكل صرامة. المادة 8: يتعين على الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون العمل على منع وقوع خروقات للقانون، وعند حدوث أي انتهاك لمدونة السلوك عليهم إبلاغ الأمر إلى السلطات العليا والأجهزة المختصة التي تتمتع بصلاحية المراجعة ورفع التعسف. { كيف يمكن مناهضة سياسة الريع في اطار المقاربة الاجتماعية والاقتصادية والاختلالات التي قد تعطل الجهوية المتقدمة بعد احداث العيون ؟ هذا تساؤل وجيه وفي محله، لقد اجمعت العديد من التقارير الدولية على تصنيف المغرب في المراتب المتدنية في مؤشر التنمية بفعل ارتفاع جرائم الفساد المالي، حيث أضحت بعض المجالس الجماعية المنتخبة مجالا لسوء التدبير والفساد المالي والتلاعب بالأموال العمومية واستنزاف الموارد وتهريب الصفقات والاستفادة من الإعفاءات الضريبية، مما أدى إلى تعطيل العديد من القطاعات الحيوية العمومية من خلال تعقيد المساطير الإدارية وفتح المجال لسلطة الرشوة والزبونية والمحسوبية واستغلال النفوذ. ويصعب تقديم أرقام حقيقية ومعطيات دقيقة عن حجم تبذير المال العام والاختلاسات ومختلف الجرائم الاقتصادية لعدم عرض العديد من الملفات الخاصة بالجرائم الاقتصادية على المحاكم المغربية وإفلات المسؤوليين عن الاختلاسات وإهدار وتبذير المال العام من العقاب وعدم إصدار أحكام سالبة للحرية في حق المتورطين في ملفات الاختلاسات أو مصادرة الأموال المنقولة والعقارات المحصلة من الاختلاس والنهب في المال العام. بالنسبة للاقاليم الجنوبية ان سياسة الريع تؤدي إلى التوزيع السيء للثروات رغم حركية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذه الاقاليم مما يشجع على المزايدات على القضية الوطنية و فقدان الثقة في العلاقة التي تجمع الدولة بالمواطنين بعد انتشار سياسة الكيل بالمكيالين وعدم تكافؤ الفرص بين المواطنين في الاقاليم الصحراوية لاعتبارات مرتبطة بالقبيلة والعشيرة والانتماء الاجتماعي . وبصفة عامة إن رهان تخليق الحياة العامة يستدعي مناهضة سياسة الريع واهدار الأموال العمومية وتاهيل القضاء كأداة فعالة لتكريس العدالة الاجتماعية وتطبيق القانون، فالقانون الجنائي المغربي ينص على الجزاءات في حالة ارتكاب الجرائم الاقتصادية، خصوصا وان الدولة المغربية صادقت على اتفاقية الأممالمتحدة الخاصة بمحاربة الفساد، وأنشأت عدة مؤسسات وطنية لتخليق الحياة العامة كالهيئة المركزية للوقاية من الرشوة ووضعت قانون محاربة تبييض الأموال وقانون التصريح بالممتلكات. إن تخليق الحياة العامة و مواجهة الجرائم الاقتصادية في الاقاليم الجنوبية يستدعي تفعيل آليات المراقبة المالية والإدارية في اطار الجهوية المتقدمة ومناهضة الإفلات من العقاب في حالة استغلال النفوذ والثراء غير المشروع ، وذلك بإعمال المراجعة القبلية والبعدية لمالية المسؤولين الممارسين لمختلف المهام الإدارية و المنتخبين في المجالس الجماعية والبلدية وجعل تكافؤ الفرص وسيادة القانون هي مقومات المنحى الصحيح لكسب رهان التنمية وبناء صرح دولة الحق و أسس المجتمع الحداثي. { ماهو تفسيركم لاسباب الحملة المغرضة للحزب الشعبي الاسباني وبعض وسائل الاعلام ضد الوحدة الترابية للملكة المغربية ؟ ان الحزب الشعبي الاسباني يتعامل مع المغرب كورقة انتخابية لكسب الاصوات في الاستحقاقات الانتخابية القادمة، كما ان بعض وسائل الاعلام الاسبانية اطلقت حملة مغرضة لتضليل الراي العام الاسباني على هامش تغطيتها لاحداث العيون وذلك من اجل امتصاص الحركة الاحتجاجية لاسترجاع المدينتين السليبتين سبتة ومليلية . لقد عاشت المدينتان موجة من المظاهرات و عدة اشتباكات بين الشرطة الاسبانية و الرعايا المغاربة، فمدينة مليلية عرفت في الاسبوع الثالث من شهر سبتمبر الماضي مظاهرة بمناسبة احياء الذكرى 513 لاحتلال المدينة السليبة والمطالبة باسترجاعها الى الوطن الام . وقبلها قامت قوات الشرطة الاسبانية في15 يوليوز الماضي بالاعتداء الجسدي على خمس مواطنين مغاربة بمدينة مليلية لحملهم العلم المغربي . ان تشبت ساكنة المدينتين السليبتين باصولهم المغربية يحمل بين طياته دلالات عميقة اهمها انه جاء الوقت لتصفية الاحتلال الاسباني لمدينة مليلية منذ 1497و مدينة سبتة منذ 1640 كاقدم مستعمرات في العالم . ان الاحتلال الاسباني لمدينتي سبتة ومليلية منذ سقوط امارة غرناطة يتنافى مع مبادئ القانون الدولي التي تضمن المساواة في السيادة وحق تقرير المصير للشعوب خصوصا وان احتلال المدينتين يمكن اسبانيا من السيطرة على 85 في المائة من المياه الاقليمية بين المغرب و اسبانيا. كما ان اسبانيا كدولة احتلال تتخذ عدة تدابير و اجراءات لانكار الهوية المغربية واضفاء الشرعية الاستعمارية على المدينتين السليبتين واهانة المطالب السيادية للمغرب منها زيارة الملك الاسباني خوان كارلوس في ابريل 2007 للمدينتين واحاطة مدينة مليلية بسياج الكتروني ارتفاعه 6 امتار وطوله 8 كلم. ان مطالبة ساكنة سبتة ومليلية من اصول مغربية في العديد من المناسبات بوضع حد للاحتلال الاسباني اخرها بعد زيارة رئيس الحزب الشعبي اليميني ماريانو راخوي للمدينتين السليبتين، وتشكيل لجنة وطنية من المسلمين المغاربة للمطالبة بتحرير سبتة ومليلية والثغور المحتلة، يؤكد بما لا يدعو الى الشك بالتشبت بمغربية المدينتين السليبتين. وهذه هي الاسباب الحقيقية التي تدفع الحزب الشعبي اليميني وبعض وسائل الاعلام الى التحامل المغرض ضد السيادة المغربية وتشويه الحقيقة بشان احداث العيون الاخيرة، و التي دفعت بجميع مكونات المجتمع المغربي والاحزاب السياسية والنقابات والجمعيات الحقوقية الى المشاركة في مسيرة الدارالبيضاء يوم الاحد الماضي للتنديد بسياسة الحزب الشعبي الاسباني ضد الوحدة الترابية للمملكة المغربية. كما ان الحركة الاحتجاجية لساكنة المدينتين السليبتين سبتة ومليلية من اصول مغربية هي رسالة مفتوحة موجهة للحكومة و الاحزاب المغربية من اجل فتح ملف استرجاع الثغور المغربية خصوصا وان القرن الواحد والعشرين لا يقبل بقاء اراض مغربية تحت الاحتلال الاسباني ، وهو ما يفسر لماذا يطلق الاسبان على المغاربة المقيمين المورو وهي تسمية ماخوذة من كلمة الموريسكين التي تعني في القاموس الاسباني بقايا المسلمين من عهد سقوط الاندلس. إن مبدأ تصفية الاستعمار وحق الشعوب في تقرير مصيرها انتقل في القانون الدولي، من وضعية المبدأ السياسي إلى وضعية القاعدة القانونية الدولية الامرة jus cogens المنصوص عليها في المادة53 من قانون المعاهدات، حيث حصل توافق داخل المنتظم الدولي على ضرورة امتثال و احترام الدول الاعضاء في هيئة الاممالمتحدة لهذا المبدا لاهميته واقترانه بالمصلحة العامة المشتركة للمجتمع الدولي في الحفاظ على السلم والامن الدوليين، وقد تترتب عنع التزامات دولية ملزمة obligations internationales erga omnes وفق ما جاء في حكم محكمة العدل الدولية في قضية Barcelona Traction عام 1970. فالتوصية 1514 هي وثيقة مرجعية في القانون الدولي لتصفية الاستعمار الاسباني لسبتة ومليلية ولباقي الثغور المغربية ، تلزم اسبانيا بتحرير هذه الاقاليم و تمتيعها بالاستقلال التام ونقل السلطة الى المغرب بدون اية شروط او تحفظات و احترام حقوق السيادة المغربية ووقف الاعتداءات والإجراءات القمعية من كافة الأنواع ضد السكان من اصول مغربية و ضمان ممارسة حقهم في المطالبة بتصفية الاحتلال الاسباني. { تعتقدون بان هناك علاقة وثيقة بين الحملة الاعلامية للحزب الشعبي الاسباني ضد المغرب والحركة الاحتجاجية لساكنة المدينتين السليبتين سبتة ومليلية من اصول مغربية : بالفعل ان هذه الحملة الاعلامية للحزب الشعبي اليميني الاسباني ممنهجة ضد السيادة المغربية لشرعنة ما تمارسه سلطات الاحتلال الاسبانية من سياسة عنصرية تذكي الحقد على المكونات الدينية والاجتماعية والاقتصادية للسكان الاصليين المغاربة في سبتة ومليلية ،خصوصا بعد التفجيرات الارهابية لمدريد في11 مارس2004 :اولا من خلال فرض نظام يقوم على تشديد المراقبة على المساجد ومحاربة اللغة العربية ومنع بناء المساجد و فتح الكتاتيب القرانية ومنع الاذان للقضاء على الروابط القومية للسكان مع المغرب. وثانيا بممارسة سياسة الاقصاء و التهميش الممنهجين في مجالات التعليم و الصحة والخدمات، اضافة الى السياسة التمييزية في العمل التي افضت الى تصدر السكان المغاربة لقوائم العاطلين في اسبانيا وعدم تكوينهم من اجل حرمانهم من فرص الشغل. كما ان السلطات المحلية الاسبانية في سبتة جعلت التهميش و الاقصاء وتدهور الاوضاع المعيشية عنوانا رئيسيا للواقع المزري للسكان في الحي المغربي البرينسيبي تحت ذريعة مناهضة الارهاب ان خروج المواطنين المغاربة في المدينتين السليبتين سبتة ومليلية في العديد من المناسبات للتنديد بالسياسة التمييزية للسلطات الاسبانية واخرها يوم الخميس 16من شهر شتنبرالماضي، حيث رفعت ساكنة مليلية الاعلام المغربية ولافتات كبيرة تحمل صورا لاثنار ورخوي داخل صناديق القمامة مع كتابة عبارة المسؤولون الاسبان في مزبلة التاريخ، يؤكد على معاناة ساكنة المدينتين من اصول مغربية من السياسة العنصرية و التمييزية الممارسة في حقهم. ان السياسة التمييزية التي تعاني منها الساكنة المغربية بالمدينتين السليبتين من طرف السلطة الاسبانية تشكل انتهاكا سافرا لمبادئ الحماية الدولية لحقوق الانسان. وفي هذا الشان أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 30 نونبر 1966 قرارا أكدت فيه على أنه يجب على الدول الأعضاء أن تحترم مبدأ عدم اللجوء إلى القوة، أو التهديد باستخدامها من أجل تجريد الشعوب الخاضعة لاستعمار أجنبي من حقها في تقرير المصير، كما يجب على الدول اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل تسهيل ممارسة حق تقرير المصير للشعوب المستعمرة. إن الاستعمار يشكل في القانون الدولي اغتصاب لسيادة الدولة ولعناصرها الأساسية الإقليم والسلطة والسكان. لذلك فالهدف من الاستعمار ، هو «قيام دولة بفرض حكمها وسيطرتها السياسية أو الاقتصادية خارج حدودها على الشعب ، ويصحب السيطرة الاستعمارية قيام دولة الاحتلال بانكار الحريات الاساسية وحقوق الانسان لافراد الشعب. إن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2621 (د ? 25) المؤرخ في 21 أكتوبر 1970 المعنون :» برنامج العمل من أجل التنفيذ التام لإعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة» فقد اعتبر أن الاستعمار بأي شكل من أشكاله أو مظاهره، هو جريمة تشكل خرقا لمبادئ حقوق الانسان، وتظهر الجمعية العامة نفس الموقف في القرار 3103 (د-28) المؤرخ في 12 ديسمبر 1973 الخاص بالمبادئ الأساسية المتعلقة بالمركز القانوني للافراد الذين يناهضون السيطرة الاستعمارية والأجنبية والنظم العنصرية، فقد أعلنت فيه، أن كل محاولة لقمع الكفاح ضد السيطرة الاستعمارية والأجنبية والنظم العنصرية تعتبر أمرا يتعارض مع ميثاق الأممالمتحدة ومبادئ حقوق الانسان. إن تصفية الاستعمار الإسباني لسبتة ومليلية و للثغور المغربية يقترن أيضا بإنهاء الفصل العنصري، كنظام يمارس فيه التفرقة والتمييز العنصريان، بشكل منهجي بقصد ترسيخ ومواصلة سيطرة الاحتلال لاعتبارات عرقية ودينية وممارسة تقوم على التمييز بين الإسبان والسكان المغاربة القاطنين في سبتة ومليلية في مجالات المسكن والعمل و التعليم والصحة وغيرها وهو ما يتنافى مع الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي تعرف «التمييز العنصري» كل تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي، ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها على قدم المساواة في الميدان السياسي أو الميدان الاقتصادي أو الميدان الثقافي، أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة». كما ان الاتفاقية رقم 111 الخاصة بمناهضة التمييز في مجال العمل اعتبرت ان أي ميز او تفضيل على اساس الاصل الوطني يسفر عن ابطال او انتقاص المساواة في المعاملة على صعيد الاستخدام يتنافى مع مبادئ حقوق الانسان. وايضا فالاتفاقية الخاصة مناهضة التمييز في مجال التعليم لعام 1960 تؤكد على ان ممارسة سياسة تمييزية قائمة على الاستبعاد او قصر او تفضيل على اساس اللغة او الدين او الاصل الوطني في مجال التربية والتعليم والثقافة يقصد منه حرمان الشخص او جماعة من الافراد يشكل انتهاكا لمبادئ حقوق الانسان. ان السياسة التمييزية التي تمارسها السلطات الاسبانية في حق السكان المغاربة في سبتة ومليلية في مجالات التعليم والسكن والعمل هي وسيلة لاستبعاد المغاربة كسكان اصليين من مراكز القرار واضعافهم وانكار حقوقهم الاساسية وكرامتهم، وهذا هو الاعتقاد السائد لدى جميع الانظمة الاستعمارية، ويبرز هذا الاتجاه بوضوح السيد (يوثانت) الأمين العام السابق لمنظمة الأممالمتحدة، الذي صور الفصل العنصري بقوله «أن منظمة الأممالمتحدة والوكالات المنتمية لها، على قناعة عامة بأن التمييز العنصري والفصل العنصري، هما إنكار لحقوق الإنسان والحريات الأساسية والعدالة وامتهان للكرامة الإنسانية، ويعرقلان بشكل خطير التنمية الاقتصادية والاجتماعية للشعوب ويحولان دون التعاون الدولي والسلام العالمي».