شكلت الانتفاضة التونسية الحدث الأبرز عالميا، وطغت تداعياتها على كل النقاشات، وفي المغرب وجد الكثيرون أنفسهم معنيين بالحدث وتطوراته وإن اختلفت مواقعهم وانتماءاتهم الاجتماعية والفكرية والسياسية. ”التجديد” تطرح انتفاضة تونس بين يدي شخصيتين مغربيتين لتناقش بينهما قضية الحصانة المغربية مما حدث في تونس طرحت هذه القضية بين سعد الدين العثماني رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة و التنمية، والصحافي مدير ”موقع لكم الإخباري” علي أنوزلا. المتحدثان وإن اتفقا على أن المغرب غير محصن تماما من الاحتجاجات الاجتماعية والانتفاضات الشعبية، وأيضا على المدخل الديمقراطي كحتمية لتفادي أي احتمال غير محسوب العواقب، تباينت وجهتا نظرهما إزاء تفاصيل التداعيات وتشريح الحالة المغربية. استبعد سعد الدين العثماني رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، أن يتكرر السيناريو التونسي في المغرب تماما، مع الحرص على أن المغرب يعيش على إيقاع الاحتجاجات الاجتماعية، وفي رصده لأوجه الشبه والاختلاف بين الوضع في كل من المغرب وتونس شدد العثماني على أن الدولة في تونس دولة أمنية يحكمها نظام ديكتاتوري خانق، بيد أن المغرب يعرف ومنذ فترة غير يسيرة انفتاحا سياسيا وحركية حزبية وحرية مقدرة للصحافة ويعرف حرية مقدرة أيضا في مجال التجمع وتأسيس الجمعيات، وقد حدد العثماني مستويات الديمقراطية الوطنية والحريات العامة والمجال الاجتماعي التي على المغرب حمايتها حتى يتفادى المآل التونسي، واختتم العثماني حواره بالقول، ”لقد سقط النموذج التونسي فعلى دعاته في المغرب أن يسقطوا ”. من جانبه شدد علي أنوزلا مدير موقع ”لكم” الإخباري منذ البدء على أن لا دولة في العالم محصنة ضد ثورة مواطنيها، واعتبر أن ما حصل في تونس يعد بكل المقاييس أول ثورة شعبية حقيقية في عالمنا العربي، وستكون له تداعياته المستقبلية على دول المنطقة، وأكد أنوزلا في حديثه على أوجه الشبه بين المغرب وتونس على أن الشباب هو أكبر قاسم مشترك بينهما وأيضا التحايل على الديمقراطية. وأوضح أنوزلا أنه ومع الأسف الكثير من هذه المؤشرات موجودة اليوم داخل مجتمعنا، علينا فقط أن نعرف ونحسن قرائتها قبل فوات الأوان في تناوله لقضية وسائل تجنب ما جرى في تونس، مؤكدا أن الأهم في هذه الثورة الشعبية هو سقوط النموذج التونسي، مختتما كلامه بقوله ” أتمنى أن يكون الدرس التونسي قد وصل إلى الجميع”. سعد الدين العثماني (رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية): ما جرى في تونس مستبعد جدا أن يحصل في المغرب هل يكمن القول إن المغرب محصن مما جرى في تونس؟ يمكن أن نقول إن ما جرى في تونس بالضبط مستبعد جدا أن يحصل في المغرب، ولكن هذا لا يعني أن المغرب محصن تماما من الاحتجاجات الاجتماعية، و في الواقع يشهد المغرب احتجاجات اجتماعية منذ سنوات، وما احتجاجات المعطلين والدكاترة المعطلين والمكفوفين والمعاقين وفئات أخرى إلا نموذج على وجود هذه الاحتجاجات، ومن المنتظر أن تستمر هذه الاحتجاجات مادامت هناك اختلالات اجتماعية، ومادام هناك تصاعد في نسبة البطالة وسط حملة الشهادات من الخريجين، ومادامت أزمة السكن تراوح مكانها، خصوصا و أن مدن الصفيح في كثير من المدن كالدارالبيضاء نموذجا لم تنقص كثيرا بل لم تنقص بالمرة، ومادامت الأسعار في اراتفاع دائم مما يعني أن الاحتقان الاجتماعي سيستمر، أما القول بأن السيناريو التونسي سيتكرر في المغرب مستبعد جدا. ما هي أوجه التشابه والاختلاف بين أوضاع المغرب وتونس ؟ هناك فرق كبير جدا بين المقاربة التونسية والمقاربة المغربية، فتونس دولة أمنية يحكمها نظام ديكتاتوري خانق للحريات وليست هناك حرية الصحافة، وليست هناك حياة حزبية حقيقية إذ ثمة سيطرة الحزب الواحد على الحياة العامة، وليست هناك حرية للتجمع ولا للاحتجاج، والانتهاكات في مجال حقوق الإنسان بالداخل و متابعة المعارضين بالخارج معروفة، فتونس نظام أمني بكل المقاييس . المغرب ومنذ فترة طويلة يعرف انفتاحا سياسيا وحركية حزبية وحرية مقدرة للصحافة ويعرف حرية مقدرة أيضا في مجال التجمع وتأسيس الجمعيات، وهذا لا يعني أن المغرب يقف على النقيض من النموذج التونسي، فالمغرب شهد منذ سنوات تراجعا على العديد من الأصعدة، والنموذج المغربي لم يتألق كما كان منتظرا لأن هناك تضييقا على حرية الصحافة يبرز بين الفينة والأخرى، وهناك بعض الجمعيات يتم حرمانها من وصولات الإيداع في بعض الأقاليم، وهناك إشكال استقلالية القضاء ونزاهته أيضا، وبالتالي على الرغم من عدم وجود النمط التونسي في التسيير والتدبير فهذا لا يعفي المغرب من القيام ببعض الإصلاحات لتطوير مؤسسات البلاد و إعطاء دفعة أقوى للانفتاح السياسي الذي يعيشه. وصحيح أيضا في الفترة الأخيرة لمسنا محاولات للتحكم في الحياة السياسية والمجال السياسي وأيضا التحكم في الخرائط الانتخابية ازداد مع مرور الوقت وهذا ينبئ مع مرور الوقت بإضرار كبير بالعملية السياسية وسيدفع عددا أكبر من المواطنين والنخبة السياسية إلى مزيد من العزوف عن المشاركة في العملية السياسية مادام أنه عمل يتم في إطار من التحكم في العملية السياسية. ما هي طرق الوقاية التي على المغرب اتباعها لتفادي الوصول إلى حالة تونس؟ هناك ثلاث مستويات يجب تناولها للإجابة: المستوى الأول، ليس أمامنا إلا طريق واحد هو المزيد من تطوير الديمقراطية الوطنية، التوقف عن التحكم في الخرائط السياسية، ترك الأحزاب السياسية تسير باستقلالية تامة وكاملة دون تعليمات أو أوامر، لأن عدم استقلالية الأحزاب السياسية يفقدها مصداقيتها، ويجعلها كائنات عاجزة عن التأطير وعاجزة عن التواصل مع المواطنين، عاجزة على أن تشكل البنيات الأولية الوسيطة بين الدولة والمواطن. المستوى الثاني، فيخص جانب الحريات العامة، فيجب التوقف عن محاولات تركيع الصحافة ذات الرأي الحر ويجب إعطاؤها مزيدا من الحرية ولم لا تعديل قانون الصحافة والنشر بما يسير في هذا الاتجاه، أما في ما يخص الجمعيات وحرية التجمع فيجب تعزيزها أكثر وليس التراجع عنها، يجب أيضا الاهتمام بالجانب الاجتماعي وسلوك سياسة اجتماعية من قبل الحكومة، وهذه الأخيرة نعتبرها عاجزة عن سلوك هذه السياسات من خلال كثير من القرائن و ما قانون المالية الأخير إلا دليل آخر على العجز عن سلوك سياسات اجتماعية تؤدي إلى حد أدنى من العدالة الاجتماعية، فعدالة اجتماعية معقولة أمر أساسي وبذل جهد أكبر من الدولة لتوفير سكن لائق للمواطن و محاربة الفقر والتخفيف من حدة ارتفاع الأسعار وغيرها من الأمور التي تضر بالمواطن، هي بالضرورة على الدولة مراعاتها عند صياغة سياساتها العمومية. وهناك مستوى ثالث متعلق ببعض القطاعات الحيوية التي تحتاج إلى إصلاحات عميقة ومقاربات جديدة في كل من الإدارة و القضاء والتعليم، فبدون إصلاح هذه المجالات الثلاث لن يكون المغرب قادرا على مواجهات تداعيات التحولات الاقتصادية والأزمة المالية العالمية وبالتالي فيمكننا ان نتوقع أن يحدث دون إصلاحات حقيقية لهذه المجالات، ونخص هنا بالضرورة حقل القضاء الذي لابد أن يعرف إصلاحا حقيقيا وعميقا. هل فعلا هناك من يدعو إلى تبني الطريقة التونسية في التعامل مع المعارضة في المغرب ؟ لما سقط نظام بنعلي قلت آنذاك بسقوط نموذج يدعي القدرة على بناء الدولة وإنعاش المجتمع دون الحاجة إلى توفير الحريات العامة وإلى تكريس الديمقراطية وحقوق الإنسان، هذا النموذج سقط لأنه لا يمكن أبدا أن تكون هناك تنمية اقتصادية وعدالة اجتماعية دون التقدم في مجال الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وألف باء الديمقراطية هو وجود خريطة سياسية معبرة عن التوجهات الموجودة داخل الشارع المغربي، وأن توجد هناك أحزاب سياسية قادرة على الفعل حرة ومبادرة وغير خاضعة لقوى بعيدة عن العمل السياسي والتحكم فيها ومستقلة عن الإدارة أيضا. ماذا تقولون لهم ؟ مع الأسف الشديد الإنجازات التي حققها المغرب طيلة بداية هذا العهد إلى حدود إقرار قانون الأحزاب، تم التراجع عنها عن طريق كائنات تستخدم الإدارة و السلطة لبسط نفوذها وتستقوي بها لتتحكم في المشهد الحزبي والسياسي، وفعلا كان هناك من يستحضر النموذج التونسي ويدافع عن النظام التونسي، ولقد سقط النموذج التونسي فمن الضروري أن يسقط هؤلاء أيضا. *** علي أنوزلا (مدير موقع ”لكم”): لا وجود لاستثناء مغربي لمن أراد أن يستوعب الدرس التونسي تحدثتم عن أن المغرب غير محصن مما جرى في تونس، كيف توضحون ذلك ؟ طبعا لا يوجد أي بلد في العالم محصن ضد ثورة مواطنيه، فقط في الدول الديمقراطية تم اكتشاف آلية الديمقراطية التي تتيح للناس طريقة للتعبير عن غضبهم من الحكم القائم بأسلوب حضاري. فما حصل في أمريكا أثناء انتخاب الرئيس الحالي باراك أوباما كان ثورة حقيقية بكل المقاييس، يكفي أن نعود إلى حفل تنصيب الرئيس الحالي الذي احتشدت أمامه الملايين من الأمريكيين في صورة تعبر عن إرادة أغلبية الشعب الأمريكي. لحسن الحظ أن الإنسان اخترع الديمقراطية، فرغم كل مساوئها إلا أنه لا يوجد حتى اليوم بديلا عنها يسمح بالتداول السلمي على السلطة، وإلا فإن فاتورة الثورات تكون دائما باهظة في الأرواح ومن الناحية المادية. فالثورة الفرنسية رغم نبل قيمها تخللتها بشاعات يصعب اليوم تصديقها، والثورة التونسية بلغت حتى الآن خسائرها في الأرواح 87 قتيلا، وأكثر من ملياري دولار خسائر مادية. وفي المجتمعات التي لا تعتمد هذه الآلية أو تتحايل عليها مثلما كان يحصل في تونس ويحصل حتى عندنا في المغرب، فالنتيجة تكون هي الانفجار الذي قد يؤدي إلى ما حصل في تونس. وما حصل في هذا البلد يعد بكل المقاييس أول ثورة شعبية حقيقية في عالمنا العربي، وستكون له تداعياته المستقبلية على دول المنطقة، والمغرب لا يمكن أن يكون استثناء، لأن من يريد أن يركن إلى التحاليل المبسطة هو الذي يعتقد بأن المغرب محصنا. ففي السابق كان يقال لنا بأن المغرب يمثل الاستثناء، ولا يمكن أن يعرف شيء اسمه التطرف الإسلامي، حتى حدثت تفجيرات الدارالبيضاء فكسرت تلك القاعدة التي كان بعض المحللين يبنون عليها تحاليلهم المطمئنة. ونفس الشيء يمكن أن يقال اليوم عن الوضع الاجتماعي في المغرب، فهو ليس أحسن حالة من الوضع الذي دفع التونسيين إلى النزول إلى الشارع. ما هي أوجه الشبه بين المغرب وجواره المغاربي؟ هناك الكثير من القواسم المشتركة بين دول المغرب العربي، فالدول الثلاث الكبرى، الجزائروتونس والمغرب تشترك في كون أن أغلب ساكنتها من الشباب، وقد رأينا أن من قاد ثورة تونس هم الشباب. الشيء الثاني الذي تشترك فيه هذه الدول هو كون أنظمتها السياسية حاولت أن تقتل السياسة من خلال تدجين الأحزاب ومحاصرة ومضايقة كل فعل سياسي ذا مصداقية في الشارع، والنتيجة أنها خلقت مجتمعات غير مأطرة لكنها جد مسيسة. فمن قاد ثورة تونس هو الشارع ولم نجد أي أثر لأي حزب في هذه الثورة. وما يدل على ذكاء هذا الشارع السياسي هو أنه رفع شعارا واحدا في جميع المدن التونسية التي انتفضت تم تلخيصه في قصيدة الشاعر التونسي العظيم أبو القاسم الشابي، والذي لخص بكثافة وبقوة إرادة الشعب التونسي الذي عبر من خلال ثورته عن تقرير مصيره بإرادته وبدون وصاية من أي حزب أو حركة سياسية. والقاسم الثالث المشترك بين الدول الثلاث، هو استشراء الفساد في دواليب الدولة وبرعايتها وحمايتها. هل انتهى زمن الاستثناء المغربي؟ لمن أراد أن يستوعب الدرس التونسي، فلا وجود لاستثناء مغربي أو جزائري. الاستثناء الوحيد الذي يمكن أن يكون في المنطقة هو وجود نظام ديمقراطي حقيقي داخل دولة تحترم الحق وتطبق القانون. أما الاستثناء المبني على المقاربات الأمنية فقد رأينا مصيره في تونس، والاستثناء الذي يقحم الجيش في السياسة فنتائجه السلبية ظاهرة للعيان في الجزائر. الاستثناء الوحيد هو الديمقراطية التي ما زلنا نتعامل معها كآلية لتبرير الحكم الفاسد، وليس لبلوغ الحكم الراشد. ما هي في نظركم طرق الوقاية مما وصلت إليه تونس ؟ الأمر لا يتعلق بوصفات طبية. فما حدث في تونس هو عبارة عن انفجار، شيء مثل تسونامي لا أحد كان ينتظره أو استطاع أن يتنبأ به، رغم أن مؤشرات هذا الانفجار كانت موجودة على أرض الواقع منذ عشرين سنة. فانغلاق الحكم البوليسي في تونس، وسيطرته على منافذ الحرية والتعبير، وتحكمه في رقاب العباد وسيطرته على مقدرات البلاد، واستشراء الفساد، وقمع المناضلين واعتقال المعارضين وطرد ونفي المثقفين... كلها مؤشرات كانت تدل على أن النظام التونسي الذي كان يحظى برعاية وعطف الغرب، نظام غير ديمقراطي، وبأنه لن يستطيع أن يستمر في كبح جماح شعب مثقف وواعي مثل الشعب التونسي. والنتيجة هي ما رأينها في ثورة 7 يناير. ومع الأسف فالكثير من هذه المؤشرات موجودة اليوم داخل مجتمعنا، علينا فقط أن نعرف ونحسن قرائتها قبل فوات الأوان. هل سقط النظام أم سقط النموذج؟ مع الأسف النظام مازال قائما رغم سقوط رأسه، لكن من خلال متابعتي للوضع في تونس فالجماهير التي صنعت ثورة الياسمين لن تسمح بعد اليوم أن تسرق منها ثورتها. أما الأهم في هذه الثورة الشعبية فهو سقوط النموذج. وفي هذا درس بليغ لمن أراد أن يعتبر، خاصة عندنا في المغرب حيث يوجد الكثير من المعجبين بهذا النموذج وعلى مستويات عالية من مراكز السلطة. ويريدون تطبيقه في المجال الأمني و السياسي والإعلامي. هل فعلا هناك من يدعو إلى تبني الطريقة التونسية في التعامل مع المعارضة في المغرب ؟ أصحاب هذه الدعوات نجدهم في المجال الأمني وفي الحقل السياسي وداخل الفضاء الإعلامي. وقد سبق للإعلام ”المستقل” أن حذر في كثير من المناسبات من اقتفاء النموذج التونسي في مجال الإعلام. ونفس الشيء حذَّر منه فاعلون سياسيون في مجال السياسية. وأتمنى أن يعتبر أصحاب تلك الدعوات مما حدث في تونس. ماذا تقولون لهم ؟ لا أحب أن أضع نفسي في موقع من يعطي الدروس للآخرين. لكن أتمنى أن يكون الدرس التونسي قد وصل إلى الجميع.