في أعقابِ التَّحولات التي يعْرفُها ملف الصحراء، تضْغطُ لوبياتٌ منْ داخل أروقة الأممالمتحدة على الإدارة الأمريكية، لاتخاذ موقفٍ مُعاكسٍ للطرح المغربي في النزاع الذي اسْتعرَتْ نيرانهُ من جديد، بعد الإحاطة التي تقدَّم بها المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى الصحراء، هورست كولر؛ فقدْ خصَّصَتْ منظمة منتدى الدّفاع الأمريكية DFF مقالاً مطولاً تدعو فيه الرئيس الأمريكي، دونالدْ ترامب، إلى التدخل شخصياً لإنهاء مشكل الصحراويين. الجزائر، التي تنفُقُ ملايين الدولارات على اللُّوبِي الأمريكي بواشنطن في سبيل استمالة مواقف معادية لوحدة المملكة الترابيَّة تعاكسُ مصالح البلاد الحيويَّة، اهْتدتْ مؤخراً إلى خدمات منتدى الدفاع الأمريكي، الذي ترأسهُ سوزان شولت منذ 1989، من أجل ربح نقاطٍ إضافية في سباق إقناع الإدارة الأمريكية بالتدخل كوسيط في النزاع. وحتّى قبل مناقشة ملف الصحراء داخل أروقة مجلس الأمن المقررة في أكتوبر المقبل، تأسَّفت الناشطة الأمريكية لعدم قدرة بعثة المينورسو على تنظيم استفتاء في الصحراء، لأن المغرب حسبها "أنفق ملايين الدولارات في الضغط لمنع تنظيم الاستفتاء، ورشوة مسؤولي الأممالمتحدة". هسبريس سألتْ المحلل والباحث السياسي المغربي المقيم في أمريكا عز الدين عزيماني حولَ خلفيات تزايد أدوار هذه اللوبيات التي تنشُط منْ داخل مكاتب الأممالمتحدة، فأجاب بأنَّ "اللوبيات التي تدْعَمُها الجزائر تُريد توجيهَ الموقف الأمريكي، من أجل التأثير على نتائج التقرير التقييمي لعمل البعثة الأممية؛ وأيضا الخطط المُتوقّعة من المبعوث الأممي كولر، والذي يريد أن يتجاوز إخفاقات أسلافه من المبعوثين الأمميين". وأردف الباحث المغربي في المنحى ذاته بأنَّ هذه اللّوبيات، ورغم علاقاتها الأخطبوطية في الكونغرس الأمريكي، مثل منظمة منتدى الدّفاع الأمريكية DFF، إلاّ أنها تتصف بهشاشة الموقف وضعف التأثير لأسباب بنيوية كثيرة، متوقفاً في تحليله عند المنتدى الأمريكي الذي ترأسه سوزان شولت منذ 1989، ومورداً أنه "يبقى محكوماً بمنطق الحرب الباردة في تدبير ملفات حقوق الإنسان في المناطق التي اشتغلت فيها سابقا في الاتحاد السوفيتي وكوبا وكوريا الشّمالية". "تبعاً لذلك فإن الرسالة المرفوعة إلى إدارة دونالد ترامب بشأن الوضع في الصحراء، والتي تورد أن الجبهة الانفصالية نجحت في ترسيخ نظام ديمقراطي حقيقي تجري فيه الانتخابات للقيادة الوطنية، لا يمكنها أن تقنع حتى صاحبها، والدّليل أن مضمون الرّسالة نفسه بعثته المنظمة نفسها إلى الرّئيس السابق أوباما ولم يكن له أي تأثير يُذكر"، يقول عزيماني. وفي تقدير الباحث ذاته "يتعيّن على المغرب أن يستشرف المسار التفاوضي المُحتمل، والذي يمكن أن يشكل فرصة جيّدة للتّرافع القانوني والسّياسي القويّ على مقترح الحكم الذّاتي، والذي يمكن أن يطرح في نسخة مُعدّلة تستوعب مستجدّات دستور 2011، مع الإصرار على مشاركة الجزائر في مسلسل التسوية السّياسية بوصفها طرفا في النّزاع المفتعل وليس كمراقب كما يقترح الموقف الرّوسي الجديد". الخبير المصرح لجريدة هسبريس يشرح أنَّ سياسات الرّئيس ترامب في هذه القضية تبقى غامضة، وبالتّالي مفتوحة على عدّة احتمالات؛ وإذا لم تمض إدارته في اتخاذ سياسات داعمة للموقف المغربي كما كان الحال مع إدارات ريغان وبيل كلينتون وبوش الابن، فإن المُرجّح، حسبه، أن تحافظ على الموقف الحيادي المتوازن الذي تبنته إدارة أوباما. ويختمُ الباحث المغربي تصريحه مؤكداً أن "المستشار للأمن القومي الجديد جون بولتون، الذي شغل في السابق منصب مساعد للمبعوث الأممي جيمس بيكر ما بين 1997 و2000، سيكون له دور في التّأثير على سياسات إدارة ترامب في اتجاه استعادة اللّغة الكلاسيكية التي تمسك العصا من الوسط"، وزاد: "ويبقى من المُرجّح أيضا في سياق التفاوض الخطابي أن يدفع في اتّجاه طرح المسائل المتعلّقة بحقوق الإنسان".