عُضَّ قلبي ولا تعض خبزي، وفي رواية بوليسية أخرى: قطع الأرزاق يساوي قطع الأعناق.. وهنا يظهر أحد أفراد الشرطة العلمية في مسرح الجريمة وهو يجمع أشلاء الجثة مقطوعة الرأس. ولما طالبت بإعادة تركيب رأسي إلى جثثي، طردني المخرج من بلاتو التصوير دون أن يؤدي لي مستحقاتي. فأي وجه أقابل به نظرات أطفالي عندما يعرفون أنهم طردوني كما تُطرد الكلاب الجرباء. دفعت لهم ربيع عمري بالتي هي أحسن، فدفعوني من الباب بالتي هي أسوأ. ركلة واحدة وها أنا أعض في التراب الوطني. ركلة واحدة وها أنا أعض أصابعي حسرة على سنوات أمضيتها تحت هدير الآلات. وكم كنت ساذجا عندما صدّقتهم. قالوا إنني لست أجيرا عندهم بل شريكا معهم، فالمعمل لنا جميعا كما الوطن لنا جميعا.. فاكتشفت أن المعمل لهم واكتشفت أن الوطن لهم وليس لي إلا دخان معملهم وقسوة وطنهم. هذا وقد تم تدبيج قرار طردي في اجتماع مغلق.. حيث أفادت مصادر أمينة أنه تم استدعائي مرات عديدة كي أوقّع على قرار طردي وأستلم قرار طردي. وأضافت مصادر أمينة أنني رفضت التوقيع رفضا قاطعا، فقطعوا أصبعي وبصموا به على القرار ووضعوه في مكان عالٍ حتى لا يكون في متناول القطط الجائعة. لذلك شكرتهم على حرصهم على سلامة أصبعي. وزادت مصادر أمينة أن سبب طردي يعود إلى الأزمة، ثم قالت إنها الأزمة، وأعادت إنها الأزمة.. فاشتدي أزمة تنفجري. هذا وقد رفعتُ دعوى قضائية ضد مصادر أمينة. لأن أمينة أضافت جملة مستفزة إلى القرار، حيث وجّهت لي تهديدا صريحا بكتابتها« نهارك ما ينبحو فيه كْلاب» عُضَّ قلبي ولا تعض خبزي، فأنا مواطن معضوض . أمتلك لائحة بأسماء الذين عضُّوني بشكل مباشر، وأعرف مقاسات أنيابهم جيدا، ومنهم مسؤولين نابيّين، يقولون كلاما نابيا وينفذون سياسة الحكومة النابية. فلا «تُقرقب» الناب رجاءً، ودعني أنام في هدوء وأعض على جروحي المفتوحة في روحي.. ولا تضع المزيد من الملح في جروحي. وحمدا لله أنْ وهبني رئتين مليئتين بالفرح. سأفرح وأفرح وأنشر الفرحة على حبال وطني وأحرص على تثبيتها جيدا بالمقابض. وسأقلع عن التدخين وأقتلع أسناني المسوّسة التي خرّبتها أعقاب السجائر.. وأزرع مكانها أسنانا ناصعة البياض، تليق بالليالي البيضاء التي قضيتها وأنا أتلوى من شدة الألم؛ ألم في ضرسي وآلام في شتى أنحاء جسمي، فلا توجد منطقة في جسمي لم تتعرض للعض. وكل شيء يهون إلا وجع الأسنان، فيا أيتها الشمس الساطعة، خذي سنّ الحمار وامنحيني سنّ الغزال. أَكمل قراءة المقال وقهوتك على حسابي. سأذهب الآن للبحث عن صانع أسنان ليصنع لي طقم أنياب للاستعمالات اليومية. فنحن قوم نهتم بصناعة الأسنان أكثر من اهتمامنا بصناعة الإنسان. لذلك ازدهرت صناعة الأسنان بانهيار صناعة الإنسان واغتنى صناع الأسنان. عياداتهم تغص بالمواطنين الراغبين في تركيب طقم أنياب حادة. لا أحد يستطيع العيش بدون أنياب في هذا الزمن الأغبر. فالجار يعض جاره والزوج يعض زوجته التي تعض زوجها وحماتها تعض ابنتها التي عضت ابنها والابن يعض بزولة أمه ورب العمل يعض عمّاله وعمّاله يعضون خبزهم المبلول بعرقهم والحكومة تعض شعبها وشعبها يعض شعبه وقطتي تعض فأرها وزعيم الحزب يعض أعداء حزبه، وإذا لم يجدهم، فهو يعض أعضاء حزبه ويعض على كرسيه الثابت باستماتة إلى أن يُنقل إلى كرسيه المتحرك إلى أن يُنقل إلى تابوته الثابت.. وكل عضو عدو ما لم يشارك في حفلات العض الوطني. وكثيرا ما تعرضت للشمس حتى صرت كالعندليب الأسمر، وكثيرا ما تعرضت للعض حتى صرت أغني عن جراحي كالعندليب الأسمر. عضّني الناس وعضّني الفقر وعضّني الحب.. لذلك أتصل كل ليلة ببرنامج «ما يطلبه المستمعون» لأطلب إذاعة أغنية « حبيبتي من تكون».. وأصعب عضة تلقيتها في حياتي هي عضة الحب. وعضة الحب، لو تعلمون، أصعب من عضة الكلب. فهل عضك يوما؟ الحب أم الكلب؟ اشرب قهوتك وكن حذرا، فالكلب غدّار.. ينقضّ عليك مباغتا.. ولا يترك لك فرصة للتفكير في وضع خطة للعض المضاد. اشرب قهوتك واحذر فالحب غدّار.. يسقط عليك مثل الباطل ويكسر قلبك بين ضلوعك.. وهاتف الوقاية المدنية لا يرد. فمتى نصنع إنسانا أليفا لا يعض أحدا ولا يسمح لأحد بأن يعضه.. ومتى تتركون الفرصة للحب كي يعض قلوبكم؟ [email protected]