كشفت التحولات الجذرية الراهنة التي تعيشها العديد من الدول العربية، فضلا عن حقائق الواقع الاجتماعي والسياسي المرير الذي ترزح تحت وطأته العديد من شعوب المنطقة، الحاجة الماسة الى تحقيق تكامل اقتصادي وتعاون إقليمي شامل، يرأب صدع التباينات الصارخة بين اقتصاديات البلدان العربية ويكفل لها توفير الحياة الكريمة لشعوبها. وإذا كان هذا المطلب قد شكل على مدى العقود الماضية قناعة راسخة لدى الشعوب العربية فإن وجاهته وضرورته، أكدتها هذه المرة ليس فقط رياح التغيير التي هبت على المنطقة بل أيضا العين الفاحصة لمراقبين دوليين يستقرؤون بتمعن التحولات الجارية. وفي هذا الصدد، أجمع عدد من العلماء والخبراء الصينيين، على أهمية دفع التكامل الاقتصادي بالدول العربية قدما نحو الأمام، لتحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية حقيقية وشاملة تلبى طموحات شعوب المنطقة، مشيرين في الوقت ذاته إلى وجود إمكانيات هائلة لتعميق التكامل التأكيد على التعاون بين الصين والدول العربية في شتى المجالات. في هذا السياق، أكد الباحث يانغ قوانغ مدير معهد الدراسات لشؤون غرب آسيا وإفريقيا بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، أن تحقيق التكامل الاقتصادي بالدول العربية يكتسي أهمية بالغة بالنسبة لتنميتها الاقتصادية، على اعتبار أن ذلك سيساعدها في الوصول إلى تسوية مشكلة ضآلة الأسواق وتوسيع نطاق التنمية الاقتصادية، إلى جانب توفير الفرص أمام القطاعات غير النفطية لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والإسراع بخطى عملية التصنيع ورفع قدرتها على مواجهة التغيرات التي تطرأ على البيئة الاقتصادية الخارجية. وأضاف يانغ قوانغ، وهو باحث متخصص في مجال التنمية الاقتصادية وأمن الطاقة، أن التكامل الاقتصادي سيساهم كذلك في الاستغلال المتكامل للموارد الغنية، وعلى وجه الخصوص، التكامل بين دول الخليج التي تمتلك موارد النفط والغاز الطبيعي والإيرادات الناجمة عنها، وبين الدول الأخرى التي تمتلك موارد القوى العاملة والأراضي الزراعية الوفيرة، بما من شأنه تحقيق تنمية صناعية وزراعية شاملة في الدول العربية. ومن جانبه، أكد يانغ يوان هوا، كبير الباحثين في مركز «شينخوا» للبحوث والدراسات الدولية، على أهمية التكامل الاقتصادي بين الدول العربية، الكفيل بجعلها تواكب خطى العولمة الاقتصادية والعمل على تنويع مصادر النمو الاقتصادي بها، على اعتبار أن الاقتصاد الأحادي المصدر غير قابل للاستدامة. وأضاف يانغ يوان هوا، أن الدول العربية قد أدركت مدى أهمية ذلك، فقد بدأت قطر، باعتبارها أكبر الدول المنتجة للغاز الطبيعي في العالم، تعمل على تنويع الإنتاج وتنمية مصادر بديلة للدخل وتقليل الاعتماد على تصدير النفط، مستعينة بالتكنولوجيا والموارد والقوى العاملة الوافدة من الدول الأخرى، سعيا وراء تحقيق تكامل متبادل المنافع. لقد برزت فكرة التكامل الاقتصادي والتجاري العربي في أوائل الخمسينيات، عقب تأسيس جامعة الدول العربية، ومر ذلك التكامل بمراحل عدة من التطور، غير أن عمليته تسير بخطى بطيئة كما لم تفض إلى نتائج ملموسة على مستوى التنمية الاقتصادية العربية، باستثناء اتحاد دول مجلس التعاون الخليجي. ويرجع يانغ قوانغ، الباحث المتخصص في مجال التنمية الاقتصادية وأمن الطاقة، هذا الأمر إلى عدة عوامل، يبقى أبرزها تشابه هياكل القطاعات غير النفطية، حيث تستند معظم الدول العربية، ما عدا دول الخليج المصدرة للنفط، إلى القطاعات الإنتاجية التي تعتمد على العمالة والزراعة والصيد، مما يعوق طريقها نحو التكامل التجاري. وأشار في نفس السياق، إلى الفجوة الموجودة بين الأنظمة الاقتصادية للدول العربية، حيث لا توجد قواعد موحدة لتنظيم شؤون المال والتجارة والاستثمار والتعريفة الجمركية، ما يعرقل تحقيق التكامل الاقتصادي الرفيع المستوى، إلى جانب ضعف الثقة المتبادلة بسبب النزاعات الإقليمية، لا سيما النزاع حول الصحراء المغربية والنزاعات السابقة بين العراق والكويت، مما أثر سلبا على الوحدة والتعاون بين دول المنطقة.