تسعة عشر عاما قبل اليوم، وبالضبط في يوم الجمعة 30 يوليوز 1999، وجه الملك محمد السادس أول خطاب للعرش من القصر الملكي العامر بالرباط إلى شعبه. وفي نفس اليوم من كل سنة، دأب الجالس على العرش على إلقاء الخطاب، الذي كان بمثابة موعد سنوي يعدد من خلاله الملك انجازات سنة من عهده ويرسم خارطة الطريق للسنوات المقبلة، تماما مثل ما سار عليه جده محمد الخامس ووالده الحسن الثاني، قبل أن تخرج هذه الخطابات عن التقليد سنة 2014 ويطبعها أسلوب جديد يعتمد على لغة قوية ومباشرة وناقدة. في خطاب العرش لسنة 2014، أشار الملك إلى دراستين للبنك الدولي أنجزهما في 2005 و2010 لقياس الثروة الشاملة لحوالي 120 دولة، من بينها المغرب الذي تم تصنيفه في المراتب الأولى على الصعيد الإفريقي، وبفارق كبير عن بعض دول المنطقة. هذه المعطيات الايجابية والأرقام والإحصائيات، التي تضمنها هاتين الدراستين، والتي تبرز تطور ثروة المغرب لم تمنع الجالس على العرش عن التساؤل باستغراب مع المغاربة : “أين هي هذه الثروة؟ وهل استفاد منها جميع المغاربة، أم أنها همت بعض الفئات فقط؟”. وكان جوابه على هذه الأسئلة “إذا كان المغرب قد عرف تطورا ملموسا، فإن الواقع يؤكد أن هذه الثروة لا يستفيد منها جميع المواطنين. ذلك أنني ألاحظ، خلال جولاتي التفقدية، بعض مظاهر الفقر والهشاشة، وحدة الفوارق الاجتماعية بين المغاربة.” خطابات عيد العرش الأخرى التي تلت خطاب الذكرى 15 لعيد العرش، استمرت بنفس الأسلوب وقدمت تشخيصا بنفس نقدي حاد للوضعية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالمغرب، وتضمنت رسائل غاضبة وجهها الملك للطبقة السياسية في البلاد. الخبير السياسي والباحث في العلوم السياسية، رشيد لزرق يعتبر أن خطاب العرش هو عادة وسيلة مباشرة للتواصل بين الملك والشعب، يتولى فيها الملك تقييم أداء كل مؤسسات الدولة. “لكن نبرة هذا الخطاب تغيرت في السنوات الأخيرة، بسبب فشل النخب السياسية في مواكبة الزمن الدستوري، وتنزيل المشاريع الاستراتيجية، وما ترتب عن ذلك من تفاقم لعديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، كانت من أهم مسبباتها بروز العديد من المطالب المجتمعية،” وفق نفس المتحدث. رشيد لزرق يرى أن هناك فجوة كبيرة بين السياسات الاستراتجية التي سبق أن رسمها الملك في خطاباته السابقة وواقع التنزيل الذي فشلت فيه الحكومة، مشيرا إلى أن تغير النبرة ولغة الخطاب، مرتبط بشكل مباشر بالأداء الحكومي؛ الوزاري والحزبي. “إن تراخي وتنصل وتقاعس المسؤولين، كل واحد في مجاله، ينعكس بشكل أو بآخر على محتوى خطاب العرش، الذي يبقى الهدف منه تقييم وتوجيه أداء المؤسسات،” يقول الخبير السياسي، مضيفا أن أقوى مثال على ذلك هو خطاب عرش لسنة 2017، والذي شكل الإستثناء، لا من حيث تقديم موعده ولا من حيث شبكة دلالاته ولا من حيث لغته. “الملك انتقد بطريقة مباشرة وغير مسبوقة في ذلك الخطاب الإدارات العمومية والطبقة السياسية، كما عبر عن عدم ثقته بالأحزاب والمؤسسات السياسية، قبل أن يعلن عن الزلزال السياسي،” يقول نفس المتحدث. هذا التغير في الأسلوب جعل البعض يعطي تأويلات تهويلية لخطابات العرش تنذر المغاربة بالويل والثبور، غير أن المراقبين للشأن السياسي يرون أن هذه الخطابات هي بمثابة لحظة مصارحة على درجة كبيرة من المسؤولية لتصحيح مسار عمل المؤسسات والدفع بإمكاناتها إلى أقصى الحدود في مجال خدمة المصلحة العليا للمواطنين وضمان عدم التهرب من المسؤوليات تحت مبررات واهية، لأن الدستور أطر كل هذا عندما نص على ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة.