صدرت حديثا، عن منشورات غاليري الأدب بالدارالبيضاء، رواية جديدة للكاتب مصطفى لغتيري تنتمي إلى ما يُطلق عليه "أدب الصحراء". وقد اختار لها المؤلف عنوانا معبرا عن الفضاء الذي تجري فيه الأحداث "تميمة الصحراء"، وحاول من خلالها رصد تفاصيل عيش الصحراويين في رحاب الكثبان الرملية، مع التركيز على بعض العادات والتقاليد في البيئة الصحراوية. تتميز الرواية بسرد متنوع يمزج بين الواقعي والخيالي والفانطاستيكي، صاغه الكاتب في قالب روائي يستفيد من بعض آليات وتقنيات أدب الرحلة. كما يلاحظ أن الرواية تتضمن كذلك جانبا تاريخيا توثيقيا للصحراء المغربية، انطلاقا من نهاية القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا. وتقع هذه الرواية في 107 من الصفحات من الحجم المتوسط، وتعد الرواية رقم 22 للكاتب مصطفى لغتيري. ومما نقرأه في صفحاتها: "تشاغبني الصحراء بهدوئها الأسطوري وامتدادها اللانهائي... من هنا، في مكاني هذا الذي أقف فيه وحيدا، يبدو لي الأفق نائيا، وكأنه على حافة الوجود؛ ومع ذلك، يتملك المرء شعور مخادع بأنه في المتناول، فقط يكفيه أن يغمض عينيه، ويمد يده مفتوحة ليمسك به. حقيقة تملكني إحساس لا يقاوم، أن في استطاعتي أن أبلغ ذلك الخط الرفيع، الذي تلتقي فيه رمال الصحراء بزرقة السماء، رغم المسافة الطويلة المفترضة. لا أدري لم أنا متأكد بأنني قادر على أن أصل إليه، بجسدي المتعب هذا، كما بلغته ببصري الحائر، الذي يقفز هنا وهناك، مثل جراد جائع، وهو على أهبة الاستعداد ليلتهم بشهية مفتوحة كل المشاهد، التي تجود بنفسها بدون تحفظ، كي يخزنها في مكان ما من الذاكرة، قصد توظيفها في سياقات متعددة، قد يفرضها موقف ما، يصعب توقعه اللحظة، أو حتى معرفة طبيعته. رغم هذه الانسياب مع الخواطر التي داهمتني بلا سابق إنذار، وأنا أغوص بقدمي في الرمال الهشة، ما زالت رحلة الليلة الماضية الطويلة من الدارالبيضاء حتى أقرب نقطة من الصحراء تثقل كاهلي، وتضيق بها نفسي. خلال سفري هذا وأنا في حضن الحافلة لم أستطع أن أغمض عينيّ ولو لفترة قصيرة، لأظفر ببعض النوم، الذي لم أشك في أنه سيعيد للجسد راحته وطمأنينته. منشغلا كنت إلى أبعد الحدود بما توقعت أنني سأعيشه من أحداث في قلب الصحراء. طيلة مدة السفر، مكثت متكورا في مكاني أبني سيناريوهات متعددة، أتخيل فيها وضعي البائس في هذا المكان الغريب عني، والذي توقعته خاليا من كل مظاهر الحياة المعهودة، فزاد ذلك من حدة الضيق الذي يكبس على نفسي، وحين كان ذهني يصل إلى نقطة ما من الخيال، أعمد عن سبق إصرار إلى هدم ذلك العالم المتخيل، لأنشغل من جديد ببناء غيره. استمرأت هذه اللعبة، فاستمررت فيها بلا توقف. في لحظة ما تمنيت لو كان السفر نهارا لانشغلت حينذاك بالمناظر الطبيعية التي تجود بها الطريق؛ لكن الليل يفرض على المرء منطقه، يحتم عليه متابعة مشاهد الداخل فقط، تلك المشاهد النابعة من الذاكرة، يسترجعها أو يختلقها، إن كان يمتلك حظا من الخيال، لينسى أو يتناسى طول الطريق ومشقته".