مايلاحظ في الخطاب الملكي السامي الأخير كسائر الخطب السابقة هو وضوح اللغة و الدقة في انتقاء المفاهيم و التسلسل المنطقي للأفكار حيث لامجال لأي غموض أو لبس في فهم المعاني و هذا هو الأسلوب الذي اعتاد جلالة الملك أن يخاطب به شعبه منذ اعتلائه العرش يوم 30 يوليوز 1999,حتى في احترام المواطن و المشاهد و المستمع المنتظر للخطاب الملكي إذ أعلنت وسائل الإعلام أن توقيت الخطاب الملكي سيبث على الساعة الثانية بعد الزوال وهو ما تم بالفعل دون أي تأخير . أما على مستوى المضمون فيمكن القول أن الملكية المغربية أصيلة بالفعل متطورة و متجددة وأن الشعب المغربي بكل طبقاته و فئاته لاتصلح له إلا الملكية وقد تأكد ذلك إبان الاستعمار الفرنسي حيث لم يقبل المغاربة أي حكم أو سلطة إلا حكم الملكية و سلطة الملك ونفس الأمر بالنسبة للجالس على العرش فإنه كلما تم تهديد وحدة هذا الوطن أو محاولة المس بأمن و استقرار هذا البلد إلا و كانت الملكية على موعد مع التاريخ مما يسمح بالقول بأن الشعب المغربي ملكي و أن الملكية وطنية و شعبية مغربية وهذا ما تأكد في الخطاب الأخير للعرش حيث اختار جلالة الملك اقتناعا منه أن يخاطب شعبه من قلبه الخالص بعد الإحساس بهمومه ومعاناته و انتظاراته ,لم لا وجلالته ما فتئ شتاءا و صيفا يجوب مختلف أرجاء الوطن حتى تلك المناطق البعيدة و النائية القابعة في قمة الفقر و التهميش و الإقصاء ويستمع لآلام و أماني المواطنين لذلك ليس غريبا أن يقف جلالة الملك على "مظاهر الفقر و الهشاشة وحدة الفوارق " كما ورد في الخطاب . وحينما يقول جلالته بأن " الثروة لا يستفيد منها جميع المواطنين "فإن هذه القناعة هي السائدة لذى الفئات الاجتماعية التي لا تستفيد فعلا من ثروة بلدها وحينما يدعو جلالته أيضا "بفتح أبواب الثروة أمام جميع المغاربة " فهذا هو مطلب المغاربة وحينما يدعو جلالة الملك إلى "إعادة الثقة و المصداقية إلى المواطن " فإنه لاحظ من خلال زياراته التفقدية في جميع أنحاء المغرب أن المواطن المغربي بدأ يفقد الثقة في السياسة المتبعة اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا و روحيا دون أن يفقد الثقة في المؤسسة الملكية لأنها مترسخة في اللاشعور الجمعي للمغاربة باعتبارها ضامنة الوحدة و الأمن و الاستقرار .لذلك فإن الخطاب الأخير دق ناقوس الخطر و نبه المسؤولين على الشأن العام الوطني و الجهوي و المحلي إلى اتباع سياسة وطنية شعبية يكون تأثيرها واضحا على حياة المواطنين وهذا ماقاله جلالة الملك حينما أكد أن ما يهم ليس الأرقام و الإحصائيات و إنما " التأثير الملموس على حياة المواطنين" بهذه الصراحة و الجرأة وضع جلالة الملك الحكومة و المؤسسات الوطنية بصفة خاصة البرلمان و المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و المجالس المنتخبة أمام مسؤوليتها عليها بعد أن ينهي المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي دراسته بتعاون مع البنك الدولي و المؤسسات الوطنية المختصة أن تعمل هذه المؤسسات الوطنية الدستورية كل واحدة حسب اختصاصاتها على تنفيذ توصيات المجلس لكي يستفيد جميع المغاربة من الرأسمال المادي و الغير المادي الذي يملكه المغرب فبعد أن انتفض الشعب المغربي ضد كل مظاهر الفقر و الهشاشة وهو ما يعبر عنه في كل مناسبة هاهو الملك ينتفض معه و يتجاوب معه وبهذا فإن الملك و الشعب في ثورة مستمرة و دائمة فالشعب كلما اشتدت أحواله و تأزمت أوضاعه لا يرى من منقذ إلا الملكية وأن الملك لا يتأخر دائما في الاستجابة لمطالب شعبه وهذا ما يميز الملكية في المغرب عن باقي ملكيات العالم وهذا ما ينفرد به الشعب المغربي عن باقي شعوب العالم .