في خضم المتغيرات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة شمال إفريقيا والساحل، تبرز الجزائر كلاعب إقليمي يثير الكثير من الجدل، ليس فقط بسبب مواقفه المتصلبة تجاه عدد من القضايا، ولكن أيضًا بسبب ما يصفه مراقبون بدعم مباشر أو غير مباشر لجماعات متطرفة تسعى إلى زعزعة الاستقرار في محيطها الإقليمي. فبدل أن تكون قوة داعمة للسلام والتعاون في المنطقة، تصر الجزائر على نهج سياسي يتسم بالتوتر مع جيرانها، حيث تنخرط في ممارسات تُفهم على أنها تغذية مستمرة لأجواء الاحتقان، سواء من خلال التحريض الإعلامي، أو عبر احتضان كيانات انفصالية، أو بتقديم الدعم السياسي واللوجستي لمجموعات ذات طابع متطرف. وتأتي هذه التحركات في وقت تحتاج فيه المنطقة إلى مزيد من التنسيق والتعاون لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية المشتركة، وعلى رأسها خطر الإرهاب العابر للحدود، وشبكات الجريمة المنظمة، وموجات الهجرة غير النظامية. ما يثير الاستغراب هو أن الجزائر، التي طالما رفعت شعار "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول"، باتت متهمة بانتهاج سياسة مزدوجة: خطاب دبلوماسي يدعو إلى السلم، يقابله سلوك ميداني لا ينسجم مع هذه الشعارات، بل يتناقض معها تمامًا. فهل تسعى الجزائر من خلال هذه السياسات إلى تثبيت دورها كقوة إقليمية مهما كان الثمن؟ أم أن غياب الرؤية الاستراتيجية الواضحة يدفعها إلى خيارات تصعيدية تنعكس سلبًا على استقرار المنطقة بأكملها؟ الجواب يظل رهن ما ستسفر عنه التحولات القادمة، لكن الثابت أن الرهان على التوتر كوسيلة لتحقيق المكاسب لن يؤدي إلا إلى مزيد من العزلة والاحتقان، في وقت يتطلب فيه الواقع من الدول المغاربية أن تضع مصلحة شعوبها فوق كل اعتبار، وتعمل معًا لبناء فضاء مغاربي موحد وآمن.