تمر العلاقات المغربية الجزائرية بمرحلة صعبة في الشهور الأخيرة ، فرغم أن هذه العلاقات تقوم على ثوابت "العداوة المعلنة" منذ انطلاق نزاع الصحراء، و رغم أنها لم تصل إلى درجة المواجهة العسكرية المباشرة منذ حرب الرمال في ستة 1963،وأنها ظلت في حدود حرب بالوكالة تقودها جبهة البوليساريو نيابة عن الجزائر وانطلاقا من الأراضي الجزائرية ، بالرغم من ذلك ، فانه لم يحدث أن وصلت العلاقات المغربية الجزائرية إلى هذه الدرجة من التوتر والاتهامات المتبادلة التي شهدتها الثلاث شهور الأخيرة ، ويبدو أن تحولات المنطقة المغاربية بسقوط نظام "بنعلي" في تونس و"القدافي" في ليبيا وصعود قوى جديدة في شكل حكومات يقودها الإسلاميون لم تؤثر على هذه العلاقات، رغم ملامح التقارب التي شهدتها الشهور الأخيرة من سنة 2011 وبداية سنة 2012 . ويبدو، أن ما ينتظر المنطقة المغاربية من مخاطر بعد التدخل الدولي المتوقع في منطقة شمال مالي والساحل، لا يدفع المغرب والجزائر الى التقارب، بقدر ما يدفعهما الى مزيد من التوتر، يحمل لحد الآن مؤشرات الاستعداد الى مواجهة مسلحة بطرق جديدة. ربيع عربي بانتقالات سياسية مختلفة : مغرب بالإسلاميين وجزائر بجبهة التحرير فالجزائر والمغرب خضعا لتأثيرات الربيع العربي بدرجات مختلفة، حيث وصل الإسلاميون الى الحكم في المغرب واستعصت الجزائر على القوى الإسلامية ،ولوحظ أن نتائج الانتخابات الجزائرية لم تكن متوقعة من طرف إسلاميي حزب العدالة والتنمية في المغرب الذين كانوا يترقبون وصول الإسلاميين في الجزائر لتصبح المنطقة أمام حكومات إسلامية صرفة تساعد على إزالة التوترات القائمة ،فقياديي العدالة والتنمية ومنهم رئيس الحكومة نفسه صرحوا أن الإسلاميين قادمون في الجزائر ،وهي تصريحات كانت فيها نوع من الحماسة وتخفي ضعفا في تشخيص الوضع في الجزائر وإعداد سيناريوهات استباقية للتعامل مع كل الحكومات القادمة الممكنة في الجزائر. ولوحظ ، أن الاعتقاد الذي راج في المغرب المبني على ان وصول الإسلاميين الى الحكم في الجزائر سيغير موقف الدولة الجزائرية من قضية الصحراء هو اعتقاد خاطئ ،فالموقف بدا ثابتا في الجزائر سواء حكم حزب إسلامي او تاريخي قريب من الجيش او ليبرالي تقنوقراطي او يساري ،وبذلك فان تصريحات العدالة والتنمية بخصوص فوز إسلاميي الجزائر وبشائر التقارب لم تكن محسوبة بطريقة جيدة ،و بعد فترة قليلة من اللقاءات بين سعد الدين العثماني (وزير الخارجية المغربي) ومراد مدلسي (وزير الخارجية الجزائري )توقفت اللقاءات الدبلوماسية والتصريحات المتفائلة ،وبدا واضحا انه لا احد يعرف كيف سيكون تعامل حكومة يقودها حزب جبهة التحرير الوطني مع حكومة يقودها حزب العدالة والتنمية ،خاصة وان الجزائر "مستمع جيد "لما يقال عنها من تشخيص لأوضاعها في المغرب. شكاوى الجزائر واستمرار"شقاوة الصبا" في العلاقات المغربية الجزائرية ويبدو أن النفسية الجزائرية باتت متوترة اليوم أكثر من أي مضى، فقد توالت تصريحات المسؤولين الجزائريين حول المغرب بشكل غير عادي في الثلاث شهور الأخيرة ، لترتفع حدتها بعد خطاب الملك محمد السادس في الذكرى السابعة والثلاثين للمسيرة الخضراء ،فالجزائر تقول اليوم أن المغرب "نسف عملية تطبيع العلاقات بين البلدين" و أنها كانت قد دخلت في "بناء عميق وجاد لتنظيف ودفع العلاقات الثنائية"، و تؤاخذ المغرب على ثلاث قضايا هي تسريب وتهريب المخدرات الى الأراضي الجزائرية ووجود حملة إعلامية مغربية تهاجم الجزائر وتضيف إلى ذلك موقف المغرب من المبعوث الاممي كريستوفر روس ، هذه الانتقادات والمؤاخذات التي وصلت لؤول مرة الى حد طلب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من المبعوث الاممي روس التدخل لدى المغرب لتخفيف لهجته الدبلوماسية اتجاه الجزائر ،وإيقاف هجوم إعلامه ،حسب الرئيس الجزائري الذي اخبر المبعوث الاممي بأنه سيعمل على تكثيف تبادل الزيارات الرسمية بين البلدين . وإذا كان المغرب قد ظل يدعو باستمرار الى فتح الحدود، والجزائر تقول أنها كانت قد شرعت في الدفع بديناميكية العلاقات الثنائية وأنها كانت مستعدة بالذهاب بعيدا الى درجة فتح الحدود الجزائر قبل حدوث التوتر في الشهور الأخيرة ،فان هذا التصريح يتناقض مع تصريحات رئيس الوزراء السابق احمد اويحيى الذي تلقى في مارس الماضي تقريرا يحذره من فتح الحدود مع المغرب بسبب الخسائر الاقتصادية والآثار الأمنية والاجتماعية الممكنة ،حسب التقرير الذي طلبته رئاسة الحكومة الجزائرية لاتخاذ القرار بناء على مضامينه وتوصياته. لكن المثير للانتباه ،هو خروج المسؤولين الجزائريين اليوم بتصريحات تطالب المغرب بتعويض لا يقل عن 20 مليار دولار كتعويض ل14 ألف جزائري ،تدعي السلطات الجزائرية انه صودرت أملاكهم من طرف المغرب،وهي الورقة التي لم يستعملها المغرب لحد الآن رغم ان ماتعرض له المغاربة المرحلين من الجزائر بعد اندلاع نزاع الصحراء يعتبر جريمة حسب قواعد القانون الدولي الإنساني ، ورغم عدم استعمال المغرب لورقة ثانية لمغاربة الحدود الشرقية الذين لازالوا يحملون الى اليوم رسوما عقارية موثقة من طرف السلطات الإدارية الفرنسية تثبت ملكيتهم لأراضي أدخلتها الجزائر في الستينيات الى مجالها الترابي. هذه التصريحات، التي رافقها نشر لمذكرات الرئيس الراحل "الشادلي بنجديد" التي تحمل في عمقها عتابا جزائريا للمغرب في الستينات وحول حرب الصحراء في سنة1963، إذ أن مذكرات الشادلي بنجديد تريد إيصال رسالة وحيدة هي تصريح احمد بنبلة"حكرونا ..حكرونا " بعد دخول القوات المغربية مسافة خمسة عشر كلم في التراب الجزائر في حرب الرمال لسنة 1963 ، هذه العبارة التي لازال يحملها الجيل الجزائري القديم الحاكم رغم مرور تسعة وأربعين عاما على حرب الرمال ،وقبل ان يولد غالبية الجيل الذي يحكم المغرب اليوم ،فالقيادات الجزائرية لازالت تصر رغم هذه السنوات على الاحتفاظ بنفس الذاكرة والتوتر النفسي رغم تباعد الأجيال وتغير المنطقة المغاربية والتوازنات الدولية والإقليمية ،وهو التوتر الذي تصر على تصريفه في قضية الصحراء . الصحراء: قضية حياة أو موت للجيش الحاكم في الجزائر وقضية حياة او موت للدولة في المغرب ولم يترك ملف الصحراء العلاقات بين المغرب والجزائر تتطور ،كما انه لم تكن هناك محاولات للتعاون خارج تأثيرات هذا الملف ،فالمغرب في رؤيته الأولى لمشكل الصحراء في سنة 1975 كان يعتقد ان مشكل الصحراء لا يجب ان يقود الى إحداث قطيعة مع الجزائر ،وبدا المغرب في ظروف صعبة بعد انطلاق النزاع وهو يبحث داخل المنتظم الدولي عن التأسيس القانوني لموقفه من الصحراء محاولا الحفاظ على الصحراء والحفاظ على العلاقات مع الجزائر. وبعد مرور سبعة وثلاثين سنة تغيرت وقائع قضية الصحراء ،التي بات واضحا ان الجيش الجزائري يوظفها في الحفاظ على قواعد اللعبة السياسية الداخلية ،فهي ليست قضية دولة في الجزائر وإنما قضية "حياة او موت" لحكم القيادات القديمة من الجيش ،اذ لم نسمع يوما ان الجزائريين خرجوا للتظاهر من اجل الصحراء او ليتضامنوا مع البوليساريو ،ومقابل ذلك ،فان الصحراء قضية دولة في المغرب ،فالمغربي الذي ولد في سنة 1975 والبالغ من العمر اليوم سبعة وثلاثين سنة تربطه علاقة نفسية بالإقليم الترابي كما وجده بعد ولادته ،وهو اعتقاد يرسخ لفكرة الأمة المغربية ،ويعني ان قضية الصحراء ،بمفهوم نظرية الإقليم المتعارف عليها في القانون العام ،هي قضية حياة او موت في دولة المغرب وليست قضية قيادات عسكرية كما هو الحال في الجزائر ،والمغرب يدرك جيدا ان قضية الصحراء لازالت إلى اليوم ليست رهانا قويا في العلاقات الدولية ،ولكن ما يجري في منطقة الساحل وشمال مالي سيؤثر عليها ويجعلها مطروحة بقوة على الأجندة الدولية، فالثلاث سنوات المقبلة ستكون حاسمة في قضية الصحراء . مقايضات الجزائر حول أحداث شمال مالي تؤثر على قضية الصحراء ويبدو إن الجزائر تفهم جيدا أن التدخل المتوقع في شمال مالي لمواجهة القاعدة وفصائلها سيكون له تأثير على المنطقة المغاربية وعلى قضية الصحراء، لذلك فقد بادرت السلطات الجزائرية إلى اتهام "جهات فرنسية" باتفاق مع "جهات في المغرب" بالسعي إلى إعادة إحياء مايسمى بمشروع "دولة التوارق" او "دولة الصحراء"،إضافة إلى اتهام المغرب انه يسعى الى تسويق الحكم الذاتي في منطقة القبائل لزعزعة الاستقرار في الجزائر ،وهي اتهامات غير صحيحة لكون فكرة "دولة الصحراء" الكبرى كان وراءها القدافي، أما منطقة القبائل فان السلطات الجزائرية هي المسؤولة عن الوضع المستقر او المتوتر فيها ،وان الرئيس بوتفليقة يعرف جيدا قوة منطقة القبائل في الحفاظ على هويتها لهذا اشترط ولاء زعمائها له كشرط لتسلمه السلطة في الجزائر بعد عودته إلى البلاد. ومقابل هذه الاتهامات الجزائرية ،يبدو أن المغرب لم ينجح لحد الآن في توجيه الاتهام للبوليساريو بكونه يصدر موارد بشرية داعمة الى جماعات القاعدة المسلحة في شمال مالي ،وهي الفكرة التي تنفيها الجزائر رغم ورودها في العديد من التقارير الدولية التي تبين أن فئة من سكان المخيمات باتوا خارج السيطرة الجزائرية بعد استقطابهم من طرف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وفصائله. ورغم ان الجزائر تعتبر نفسها اليوم مفتاح الأزمة في شمال مالي وعموم منطقة الساحل ،وتسعى إلى توظيف قضية الصحراء في مفاوضاتها مع الولاياتالمتحدة وفرنسا حول المساعدة على التدخل العسكري في شمال مالي ،فان التفكير الجزائري في شمال مالي بالمقايضة للتأثير في ملف الصحراء ، ومدة سنة من العمل العسكري في شمال مالي، تجعل الجزائر هي الخاسر الأكبر من التدخل ، حيث ان العمل العسكري سيخلق منطقة توتر واضطراب ، ومن المتوقع جدا ان يحول التدخل الجزائر الى باكستان شمال افريقيا ،وقد يجد الأمريكيون لأول مرة موطأ قدم في المنطقة ،وستكون القاعدة بذلك قد نجحت في جر الأمريكيين والفرنسيين إلى منطقة الساحل تحت أقدام المنطقة المغاربية وهو ما ظلت تبحث عنه القاعدة منذ 2007. فتكلفة الجزائرستكون مرتفعة لما يجري الإعداد له من تدخل في مالي، ولن تستطيع القوى المتدخلة ربح الحرب مع الجماعات المسلحة خلال سنة ،فالمسألة شاسعة تتجاوز أربعة مليون كلم مربع وهي كلها فضاء لممارسة الجريمة والمخدرات والاختطاف ،اضافة إلى أن 25 في المائة من المنتمين للقاعدة وحركة الجهاد والتوحيد هم جزائريون. والمسلحون الذين لا يتجاوزون 350 فرد، دون المتطوعين الذين التحقوا مؤخرا من موريتانيا والجزائر ومخيمات تندوف ،خلق منهم التدخل الدولي قبل حدوثه فئات تتوزع بين الإرهابي المسلح والداعية الديني والانفصالي وغير الانفصالي ،وبدؤوا يهددون استقرار الدول المجاورة لمالي ومنها موريتانيا ، فمحاولة اغتيال ولد عبد العزيز تحمل رسائل القاعدة الى المنطقة، التي إذا خرجت من شمال مالي فإنها ستبحث عن دولة جديدة مرشحة للفشل قد تكون هي موريتانيا ، فالقاعدة لها مصلحة في خلق مناخ عدم الاستقرار داخل موريتانيا ،وعدم الاستقرار في موريتانيا هو تهديد للأمن القومي المغربي ،خاصة بعد الأحداث التي بدا تسجيلها هذه السنة على الحدود المغربية الموريتانية كحدث محاولات حفر ممرات في الجدار الأمني المغربي والمواجهات المسلحة مع بعض الإسلاميين. حالة العلاقات المغربية الجزائرية تهدد الأمن القومي المغربي أكثر من أي وقت مضى وإذا كان المغرب قد اشتعل في بناء إستراتيجيته الأمنية في الجنوب المغربي ،على قضية الصحراء كمشكل امني تقليدي بالمفهوم العسكري وطور فيما بعد ، مرتكزات هذه الإستراتيجية والرؤية للأمن القومي المغربي على تنفيذ إجراءات الانخراط في التعاون الدولي في مجال محاربة الإرهاب ،التي قدم فيها المغرب نموذجه الأمني في العديد من الملتقيات الدولية منذ 2003 ،حيث بدا واضحا من خلال تصريحات المسؤولين الأمنيين المغاربة تركيزهم في الإستراتيجية الأمنية القومية المغربية على محاربة إرهاب خلايا القاعدة الناتجة عن الفكر التكفيري العالمي المنطلق أنداك من أفغانستان ومحاولات دخول عناصره إلى المغرب عبر شماله (قيادات إسلامية متطرفة قادمة من أوروبا – الجماعة المغربية المقاتلة)، فان هذه الإستراتيجية الأمنية المغربية ستعرف تغييرات منذ سنة 2007 مع انتقال الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر الى نواة تنظيمية للقاعدة في المغرب العربي، او ما يسميه هذا التنظيم نفسه "بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي " ،حيث بدا ان هناك مؤشرات مخاطر أمنية إقليمية جديدة في نفس الفترة التي بدأت فيها العديد من التقارير الدولية تتحدث عن المغرب كمصدر رئيسي للموارد البشرية الانتحارية (هجرة الجهاديين) المتجهة الى العراق بالخصوص عبر شمال المغرب ،او عملية الاستقطاب التي بدأت تمارسها القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على الشباب المغربي خاصة لما أظهرت بعض الأشرطة وجود مغاربة موضوع بحث وطني ضمن صفوف القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي . ويبين التحليل الجيو سياسي لمرتكزات الرؤية الإستراتيجية الامنية المغربية انها خلال هذا التدرج ،والى حدود بداية 2010 ،كانت كلها في اتجاه استراتيجيات أوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية، لتبين فيما بعد أحداث مخيم "اكدم ايزيك" جنوب المغرب (نونبر 2010) وبداية مشاكل منطقة الساحل وظهور تحالفات في منطقة الساحل بين الجماعات المتطرفة وأباطرة المخدرات وتجار الأسلحة وتجار البشر (تهريب المهاجرين) وظهور مؤشرات مخاطر التحول في مخيمات تندوف والالتباسات المحيطية بعلاقات قيادات البوليساريو بالمشاكل الأمنية المتمركزة في الثلاثية الجغرافية بين موريتانيا وشمال مالي وجنوبالجزائر وامتداداتها الى قرب الجدار الامني المغرب ،هذه التحولات كلها ستعيد تشخيص المخاطر المحددة لمرتكزات الرؤية الإستراتيجية الأمنية المغربية ،حيث لم تعد المخاطر محددة فقط في المشكل الأمني التقليدي المرتبط بقضية الصحراء او في الفكر الوهابي وتنظيمات القاعدة او المذهب الشيعي، ولكن بدا ان هناك مخاطر جديدة مرتبطة بما يجري جنوب المغرب في منطقة الساحل وفي دول معرضة لان تصبح فاشلة او مفلسة كموريتانيا ومالي ،وفي وجود مخاطر على واجهة المحيط الأطلسي الجنوبية ( التهريب وتجارة الاسلحة والمخدرات القادمة من امريكا اللاتينية ) ،لتضاف الى ذلك فيما بعد مسالة أسلوب الاختراق الجديد الذي يحاول البوليساريو القيام به . وقد بات واضحا حاليا ، ان مرتكزات الإستراتيجية الأمنية في المغرب تغيرت بشكل كبير ،فبدل ان تتوجه أفقيا نحو أوروبا فهي تبحث عن تثبيت أقدامها جنوبا خلال السنتين الأخيرتين من خلال محاولة إيجاد قدم امني في جنوب الصحراء ومنطقة الساحل لمراقبة الوضع المنفلت بعد انهيار نظام القدافي ،اضافة الى مراقبة تنظيمات القاعدة في هذه المنطقة وتحولات مخيمات تندوف وما تنتجه من مخاطر، إضافة الى الحدود مع موريتانيا التي باتت مصدر قلق مع تصاعد ظاهرة التهريب ومحاولات بناء أنفاق تحت الجدار الأمني ودخول القوات المسلحة في مواجهات مع أفراد من التنظيمات الإسلامية على الحدود الموريتانية . ويبدو أن الأمن القومي المغربي مقبل على مواجهة مخاطر جديدة بعد التدخل في مالي، فتكسير التحالف بين المهربين وأباطرة المخدرات وتجار الأسلحة ونشاط الجماعات الإسلامية في اختطاف الرهائن سيقود الى ميلاد ظواهر جديدة على الحدود المغربية الموريتانية او الحدود المغربية الجزائرية ،فالتجارب تنتقل بين الجماعات الإسلامية و"صناعة حفر الإنفاق" تغري الإسلاميين المسلحين والمهربين وتجار المخدرات والأسلحة على السواء، ويبدو ان اول رسائل المخاطر القادمة للأمن القومي المغربي قد جاءت عن طريق خلية امغالا في يناير 2011، فحجم الأسلحة المكتشفة يثير الاستفهام عن مصدرها وطريقة إدخالها إلى الأراضي المغربية . الجزائر والمغرب: ثلاث سيناريوهات متوقعة وأمام هذا الوضع ، الذي تعيشه العلاقات المغربية الجزائرية ،فان ثلاث سيناريوهات ممكنة تبدو في الأفق ،وهي سيناريوهات كلها تستبعد على الأقل في المدى القصير والمتوسط قيام الاتحاد المغاربي، فالمغرب الكبير أمام مناخ التوتر بين الجزائر والمغرب سيظل مجموعة إقليمية مضطربة غير ممكنة التجميع في الوقت الراهن. فالمناطق التي تشهد التوتر في العالم في السنوات الأخيرة هي مناطق جيوسياسية ومواقع اقتصادية ، والمنطقة المغاربية لها اهمية جيوسياسية ولكن دولها لا تملك رؤية إستراتيجية للمستقبل ، بل لازالت تعيش على سنوات الماضي، فجغرافية الدول المغاربية ثابتة ولكن الأبعاد الدبلوماسية لموقعها الجيوسياسي لم تغيره هذه الدول حسب توازنات القوى الجديدة في العالم،فالعمودين الأساسيين في المنطقة لازالا يتصارعان ومن المتوقع أن يستمر هذا الصراع على المدى القصير والمتوسط ،لذلك فان العلاقات بين المغرب والجزائر مفتوحة على ثلاث سيناريوهات متساوية: السيناريو الأول ، الحرب المباشرة فالجزائر دخلت في السنوات الأخيرة في تسابق كبير في مجال التسلح ،وباتت اليوم الدولة الأولى في إفريقيا حسب التقارير الأمريكية ،فهي تنفق على الدفاع والتسليح والأمن نسبة 9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وقد رفعت هذه السنة نسبة نفقاتها على الدفاع والتسليح الى 14 في المائة خلال ميزانية 2013 . ولا يمكن ان يكون هذا الإنفاق بدون هدف، كما انه لا يمكن ان يكون موجه للقضاء على 300مسلح في شمال مالي او انه موجه نحو موريتانيا ،بل هو سلاح موجه نحو المغرب ومن المتوقع في حالة استمرار التوتر الحالي أن يدخل المغرب والجزائر في حرب مباشرة ،فالقيادات العسكرية الجزائرية القديمة والجديدة تعتبر المغرب خطرا خارجيا توظفه في لعبة سياسية داخلية ،لهذا فإقدام القيادات العسكرية الجزائرية على هذا النوع من المغامرات يظل واردا . السيناريو الثاني ،الجزائر "باكستان شمال إفريقيا " بمشاكل جديدة: إن التدخل في شمال مالي لمدة سنة، ومساهمة الجزائر في هذا العمل العسكري سيحولها الى باكستان جديدة في شمال إفريقيا ،بمعنى أن الجماعات الإسلامية المسلحة التي يشكل الجزائريون 25 في المائة من مكوناتها ستوظف الأراضي الجزائرية ،بعد خروجها من شمال مالي ، لمهاجمة دول المنطقة ومنها المغرب ،الشيء الذي سيزيد من التوتر بين الدولتين وينعكس على قضية الصحراء التي ستحول فيها الجزائر البوليساريو إلى جماعة تمارس حرب العصابات ضد المغرب . السيناريو الثالث، إطلاق "دبلوماسية الحب": إن القيام بقراءة تحليلية ونقدية للعلاقات المغربية الجزائرية من الاستقلال الى اليوم ، يبين ان المغرب جرب مع الجزائر الحرب والطرق الدبلوماسية السلمية وعاش معها حالات التوتر وحالات التعاون في المرحلة الممتدة بين 1989 و1994 قبل إغلاق الحدود ، وبقي أمامه شيء واحد هو تجريب "دبلوماسية الحب "، "دبلوماسية الحب" لا تبحث عن إشباع حاجيات خاصة او حاجية شخص سياسي ولا حكومة سياسية ولكن عن إشباع حاجيات شعوب المنطقة والأجيال القادمة في المنطقة ،فهي دبلوماسية تقوم على تقديم مشروع تأسيس حضارة امن وعدل ،فالجزائر تتسلح ،والجزائر تتمسك ببقاء البوليساريو ،والجزائر متوترة اليوم بدرجة كبيرة، لكن يلاحظ داخل درجة التوتر أن هناك نوع من الشكوى والعتاب للمغرب وهو ما يعني بحث عن "حب " من المغرب رغم كراهيتها للمغرب ،لهذا على حكومة عبدالاله بنكيران أن تبادر إلى تجريب "دبلوماسية الحب" مع الجزائر ،بمعنى إغراق الجزائر بمبادرات ومشاريع حضارية ،فالقيادات الجزائرية القديمة في أخر عمرها البيولوجي ومن الصعب ان تغير المواقف التي عاشت عليها لمدة 49 سنة ،ولكن من الممكن إطلاق "دبلوماسية الحب "بطريقة غير رسمية لكسب الجيل السياسي القادم من الآن ،فلتجرب "دبلوماسية الحب" وسط مؤشرات الحرب ،ف"دبلوماسية الحب" هي تثبيت للمصالح على المدى المتوسط . *رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات