ينتظر أن يحل خلال الأيام المقبلة بمنطقة المغرب العربي المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، السيد «كريستوفر روس»، وذلك لإجراء استشارات حول إمكانية إعادة تحريك المفاوضات بين المغرب والبوليساريو. وتأتي هذه الزيارة في سياق مناخ إقليمي تغيرت فيه العديد من المعطيات خلال المدة الفاصلة ما بين توقف آخر جولة من المفاوضات غير الرسمية في فيينا والزيارة المنتظرة للمبعوث الأممي: أول هذه المعطيات أن «روس» نفسه بات مقتنعا بأن المفاوضات تنتج الفراغ، وذلك لحجم الفوارق بين الطرفين المتنازعين، وهي نفس الفكرة التي يحملها أمينه العام الذي عبر عن تشاؤمه حول الصعوبة الكبيرة التي تعترض الملف ومستقبل المفاوضات حول الصحراء. وثاني هذه المعطيات هو دخول الجزائر، بطريقة مباشرة ومعلنة، في نزاع الصحراء بأسلوبها الجديد المبني على ورقتين، تتمثل الأولى في محاولة تغيير صورة الصراع باستعمال الدعاية والحملات الممنهجة حول قضية حقوق الإنسان، فالجزائر انتقلت، خلال سنة، من دبلوماسية الضغط على الدول للاعتراف بالبوليساريو، إلى تسخير حالات معزولة للاحتجاج مباشرة أو دفع البوليساريو إلى الاحتجاج على خرق مزعوم لحقوق الإنسان (حالة أميناتو حيدر)، إلى حلقة ثالثة مبنية على احتضان ملتقيات دولية حول الصحراء واستعمالها لتعبئة وشحن انفصاليي الداخل، من خلال دعوتهم إلى الحضور إلى هذا النوع من الملتقيات الذي يبدو أن الجزائر قد تلجأ إليه بكثرة خلال الشهور المقبلة . وتتمثل الورقة الثانية في حرب الجزائر غير المعلنة في منطقة الساحل مع القوتين (فرنسا وإسبانيا) اللتين طلب منهما المبعوث الأممي «كريستوفر روس» الضغط على أطراف النزاع للوصول إلى حل تفاوضي. هذه الحرب غير المعلنة، التي تدور في منطقة الساحل، توظف فيها الجزائر ورقة شبكات تنظيم القاعدة. والأمر هنا لا يتعلق بشبكة «عبد المالك درودكال» وإنما بشبكة «مختار بلمختار» و»شبكة أبوزيد». ويتمثل هذا التوظيف في استعمال هاتين الشبكتين للضغط على فرنسا (بالخصوص) وإسبانيا لتغيير موقفهما من قضية الصحراء. وهذا ما يشرح أيضا الإصرار الجزائري على احتضان الاجتماعات الأمنية لدول الساحل وعزل المغرب ومقاطعة الاجتماعات التي دعت إليها فرنسا في مالي، وهو ما يفسر أيضا كيف أن شبكات «المختار بلمختار» و«أبوزيد» لا تختطف إلا نوعين من الرعايا (الفرنسيين والإسبان) في الشهور الأخيرة، لكن الخطورة هي أن سلوك المؤسسة العسكرية الجزائرية ولعبها بكل الأوراق الممكنة في قضية الصحراء، بما فيها ورقة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، يدفع الجزائر إلى التحول تدريجيا إلى «باكستان شمال إفريقيا» في علاقتها بتنظيم القاعدة وحركة طالبان، ويفتح بالمقابل سيناريو تحويل دول موريتانيا ومالي والنيجر إلى «أفغانستانات صغيرة» في منطقة الساحل، وهو السيناريو المحتمل الذي لا تحسب الجزائر تكاليفه بأن يفتح إمكانية شرعنة التدخل الأمريكي والفرنسي في منطقة الساحل. ويتمثل ثالث هذه المعطيات في قضية اختطاف «مصطفى سلمى ولد سيدي مولود»، إذ إن الظاهرة الجديدة هي مبادرة الجزائر إلى التدخل مباشرة بعد الاختطاف وسحب البساط من البوليساريو. وإذا كان مصيره غامضا، فإن المسافة ما بين تصريحات البوليساريو في موضوع الإعلان عن الإفراج عن المختطف وبلاغ وكالة الأنباء الجزائرية، يبدو من خلالها أن البوليساريو نفسها لا تعرف حاليا مصير مصطفى سلمى ولد سيدي مولود لكون الجزائر أحست بخطورة القضية من حيث دلالتها القبلية وأدارت ملفه مباشرة عن طريق مخابراتها، فالبوليساريو انتهت مهمتها مع الاختطاف والجزائر مسؤولة عن العمليات التي تبعت ذلك. والقضية، هنا، تعطي إمكانيات واسعة للدبلوماسية المغربية لفتح ملف «مصطفى سلمى ولد سيدي مولود» مع المبعوث الأممي وأمينه العام المفترض أن يزور المغرب بدوره خلال هذا الشهر، فقضية «ولد سيدي مولود» يمكن أن تفتح لأول مرة رأيا آخر داخل المخيمات، ليس للجزائر ولا للبوليساريو الاستعداد لقبوله خارج خيار استعمال العنف ضد المحتجزين في المخيمات. وبالتالي، فهذه المعطيات تجعل الملف أكثر تعقيدا. وتحول الجزائر إلى طرف مباشر في النزاع، يسحب تدريجيا البساط من تحت البوليساريو في ملف الصحراء، ليس معناه أنه يجب التفاوض معها، لأن التفاوض مع الجزائر يمكن أن يكون خطا استراتيجيا كبيرا، فالجزائر هي طرف في النزاع لكنها يجب أن تتفاوض مع البوليساريو التي صنعتها. ويمكن أن ينحصر تفاوض المغرب والجزائر فقط في نقطة وحيدة هي إطلاق سراح المحتجزين فوق الأراضي الجزائرية. ورغم أن ملف الصحراء يبدو ثابتا في مكانه من مدخل المفاوضات، فإنه، مقارنة بما قبل مقترح الحكم الذاتي، يسير بسرعة. لكن إذا كانت مبادرة الحكم الذاتي، التي طرحها المغرب في المنتظم، قد حظيت، إلى حد الآن، باعتراف دولي ومشروعية دولية، فإن السرعة التي يسير بها الملف تجعلنا أمام سيناريوهين محتملين، ليسا هما سيناريو العودة إلى الحرب كما تعلن عن ذلك البوليساريو، لأن بنية البوليساريو نفسها تغيرت سوسيولوجيا ونفسيا ولم تعد قادرة على الحرب، ولكن نزاع الصحراء سيكون أمام أحد السيناريوهين التاليين: السيناريو الأول يتمثل في أنه إذا لم تنجح إعادة تحريك المفاوضات، سيكون روس بذلك آخر مبعوث أممي إلى المنطقة. وهنا قد يعمد مجلس الأمن إلى فرض حل، والحل لا يمكن أن يكون غير الحكم الذاتي. ومن مخاطر هذا الحل أن يتم تدويل الحكم الذاتي، بمعنى فرضه دوليا. وقد يجمع الحل الذي تفرضه الأممالمتحدة بين الحكم الذاتي والاستفتاء بعده، وهو سيناريو خطير. السيناريو الثاني ويتمثل في أن ينتقل المغرب، بعد أن أسس لمشروعية واعتراف دولي بالحكم الذاتي، إلى تطبيقه بأدوات داخلية، وهي مسألة تتوقف على تحديد أجندة زمنية لتطبيق الإجراءين الترابيين: الحكم الذاتي في الصحراء والجهوية في باقي المناطق. لن يستطيع المبعوث الأممي تحريك المفاوضات. وإذا جلست الأطراف إلى المفاوضات، فإنها لن تصل إلى نقط تقاطعات. وهناك فرق بين تكلفتي السيناريوهين، الأول والثاني، في ملف الصحراء. ومرور خمس سنوات على طرح ملف الحكم الذاتي على المستوى الدولي، هي مسافة زمنية كافية لتحويل جاذبيته الدولية إلى تطبيق بأدوات داخلية.