البطولة: نهضة بركان يبتعد في الصدارة بفوزه على المغرب الفاسي ويوسع الفارق مع أقرب ملاحقيه إلى تسع نقاط    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مجلسا النواب والدولة في ليبيا يستغربان تدخل الخارجية الليبية في لقائهم في المغرب    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    "وزيعة نقابية" في امتحانات الصحة تجر وزير الصحة للمساءلة    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"مرتكزات الإستراتيجية الأمنية في المغرب تغيّرت بشكل كبير"
نشر في أخبارنا يوم 26 - 10 - 2012

ارتفعت وتيرة الإنشغالات الأمنية المغربية، بعد ما شهدته المِنطقة المحيطة بالبلد من تطوّرات سياسية وأمنية، جعلته هدفا للحركات المُناهضة للنظام السياسي الإقليمي المُضطرب منذ اندلاع الثورة التونسية وسقوط نظام القذافي..

.. وتوسع نشاط تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ليصبح قوة أساسية في صناعة الحدث في منطقة الصحراء المغربية، والإقليم تاليا بعد أن تسارعت الأحداث في مالي ووقوع جزء منها بأيدي قوى متشدِّدة.

وإذا كان الهم الأمني المغربي ظل متمحورا لسنوات على تأمين حدود البلاد الجنوبية والإنتباه لتداعيات النزاع الصحراوي على الوضع الأمني، فإن الرباط تعتبر، ومنذ إعلان الحرب على الإرهاب، أن دوره الأمني الإقليمي، بل والعالمي، يفرض عليه تغييرات في استراتيجيته الأمنية، في ظل امتناع شقيقته اللّدود، الجزائر، عن إشراكه في التنسيق بين دول الإقليم.

في الأثناء، شكلت الإستراتيجية الأمنية المغربية محور اهتمام في عدد من معاهد ومراكز الدراسات الإستراتيجية والأمنية، التي طرحت سؤالا أساسيا: هل للمغرب استراتيجية أمنية تطورت أم أنها سياسة أمنية بدون آفاق استراتيجية؟ وفي هذا الإطار، تأسس مؤخرا في الرباط مركز مغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات في وقت يتحرك المغرب السياسي على عدة جبهات.

المصدر التقى الدكتور عبد الرحيم منار اسليمي، الباحث والأستاذ بكلية الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط، الذي انتُخب رئيسا للمركز الجديد، وطرحت عليه أسئلة تتعلق بالأمن واستراتيجيته في المغرب.

هل هناك إستراتيجية أمنية للمغرب؟

عبد الرحيم منار اسليمي: يبيِّن تحليل مضمون تصريحات المسؤولين المغاربة عن الأجهزة الأمنية والمسؤولين عن السياسة الخارجية، وسلوك المغرب في المحيط الإقليمي والدولي، أن هناك رؤية إستراتيجية أمنية مغربية ترتكز على تشخيص وتحديد المخاطر. ويبدو أن تغيير هذه المخاطر بسرعة خلال العشر سنوات الأخيرة، قاد المغرب إلى الإستمرار في بناء إستراتيجيته الأمنية في الجنوب المغربي، التي تحدّدها قضية الصحراء كمشكل أمني تقليدي بالمفهوم العسكري، قبل أن يتطور فيما بعد، على الإستمرار في التدرّج في توسيع مرتكزات الإستراتيجية الأمنية والرؤية للأمن القومي المغربي على تنفيذ إجراءات الانخراط في التعاون الدولي في مجال محاربة الإرهاب التي قدّم فيها المغرب نموذجه الأمني في العديد من الملتقيات الدولية منذ 2003، حيث بدا واضحا من خلال تصريحات المسؤولين الأمنيين المغاربة، تركيزهم في الإستراتيجية الأمنية القومية المغربية، على محاربة إرهاب خلايا القاعدة، الناتجة عن الفكر التكفيري العالمي المُنطلق آنذاك من أفغانستان، ومحاولات دخول عناصره إلى المغرب عبْر شماله (قيادات إسلامية متطرفة قادمة من أوروبا – الجماعة المغربية المقاتلة).

ومنذ سنة 2007، ستعرف الإستراتيجية الأمنية المغربية تحوّلات مع انتقال الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر إلى نواة تنظيمية للقاعدة في المغرب العربي، أو ما يسميه هذا التنظيم نفسه ب "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، حيث بدا أن هناك مؤشرات مخاطر أمنية إقليمية جديدة، في نفس الفترة التي بدأت فيها العديد من التقارير الدولية تتحدث عن المغرب كمصدر رئيسي للموارد البشرية الإنتحارية (هجرة الجهاديين)، المتجهة إلى العراق بالخصوص عبْر شمال المغرب، أو عملية الإستقطاب التي بدأت تُمارسها القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على الشباب المغربي، خاصة لما أظهرت بعض الأشرطة وجود مغاربة موضوع بحث وطني ضمن صفوف القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

ووقع تحول جديد في مرتكزات الرؤية الإستراتيجية الأمنية المغربية بعد سنة 2008، لما انتبه المغرب إلى الإختراق الشيعي الإيراني، والذي قاد فيما بعدُ إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وايران.

ويبين التحليل الجيوسياسي لمرتكزات الرؤية الإستراتيجية الأمنية المغربية، أنها خلال هذا التدرج، والى حدود بداية 2010، كانت كلها في اتجاه استراتيجيات أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، لتبيِّن فيما بعد أحداث مخيم "اكدم ايزيك"، جنوب المغرب (نوفمبر 2010) وبداية مشاكل منطقة الساحل وظهور تحالفات في منطقة الساحل بين الجماعات المتطرفة وأباطرة المخدرات وتجّار الأسلحة وتجّار البشر (تهريب المهاجرين)، وظهور مؤشرات مخاطر التحوّل في مخيمات تندوف والإلتباسات المحيطة بعلاقات قيادات جبهة البوليساريو بالمشاكل الأمنية المتمركزة في الثلاثِية الجغرافية، بين موريتانيا وشمال مالي وجنوب الجزائر، وامتداداتها إلى قرب الجدار الأمني المغرب.

هذه التحولات كلها ستُعيد تشخيص المخاطر المحددة لمرتكزات الرؤية الإستراتيجية الأمنية المغربية، حيث لم تعُد المخاطر محددة فقط في المشكل الأمني التقليدي المرتبط بقضية الصحراء أو في الفكر الوهّابي وتنظيمات القاعدة أو المذهب الشيعي، ولكن بدا أن هناك مخاطر جديدة مُرتبطة بما يجري في جنوب المغرب في منطقة الساحل وفي دول معرَّضة لأن تُصبح فاشلة أو مفلسة، كموريتانيا ومالي، وفي وجود مخاطر على واجهة المحيط الأطلسي الجنوبية (التهريب وتجارة الأسلحة والمخدرات، القادمة من أمريكا اللاتينية)، لتُضاف الى ذلك فيما بعد، مسألة أسلوب الإختراق الجديد، الذي يحاول البوليساريو القيام به.

وقد بات واضحا حاليا، أن مرتكزات الإستراتيجية الأمنية في المغرب، تغيرت بشكل كبير. فبدل أن تتوجه أفُقِيا نحو أوروبا، فهي تبحث عن تثبيت أقدامها جنوبا خلال السنتين الأخيرتين، من خلال محاولة إيجاد قدم أمني في جنوب الصحراء ومنطقة الساحل، لمراقبة الوضع المُنفلت، بعد انهيار نظام القذافي، إضافة الى مراقبة تنظيمات القاعدة في هذه المنطقة وتحوّلات مخيمات تندوف وما تنتجه من مخاطر، إضافة الى الحدود مع موريتانيا، التي باتت مصدر قلق مع تصاعُد ظاهرة التهريب.

ويشرح هذا التحوّل بعض المعلومات التي تتحدث عن المجهودات التي يبذلها المغرب لتجديد أجهزته الأمنية، ومنها المعلومات المتداولة أخيرا عن مشروع تجديد جهاز المخابرات العسكرية، والتي قد تدخل المغرب إلى تسابق من نوع جديد مع الجزائر، بعد التسابق الذي تشهده المنطقة منذ سنوات على مستوى التسلح بين الدولتين الجارتين، المغرب والجزائر.

داخل كل هذه التطورات، يمكن أن نتحدث اليوم في المغرب عن بداية تأسيس "أمن قومي مغربي" بالشكل المتعارف عليه في بعض الدول الكبرى، سيأخذ طابعه المؤسساتي بشكل واضح مع الإعلان عن المجلس الأعلى للأمن المنصوص عليه في دستور 2011.

على ذكر الولايات المتحدة وأوروبا، إلى أي مدى تنسجم الإستراتيجية الأمنية المغربية مع الإستراتيجية الغربية؟

عبد الرحيم منار اسليمي: المغرب منخرط في إطار ما يُسمى بسياسة الجوار مع أوروبا، وهو اليوم يتمتع بوضع امتياز مقارنة مع باقي دول المنطقة، والتوجه الأمني المغربي تأسس منذ البداية، على التعامل مع الإتحاد الأوروبي كشريك أمني "ممتاز" للمغرب، سواء في منظمة الأمن والتعاون الأوروبي أو في مجموعة 5 زائد 5، إضافة إلى الشراكات الأمنية الثنائية مع إسبانيا وفرنسا خصوصا. وينظر المغرب إلى معاهدة لشبونة، بأنها ساهمت نوعا ما في تقدم التنسيق والشراكة الأمنية والدفاعية، وبالتالي، فالمغرب ظل يراهن على ما يمكن تسميته بتأهيل "الهوية الإستراتيجية للبحر الأبيض المتوسط"، ويشارك في النقاش مع أوروبا المتوسطية حول مواضيع التحديات المستقبلية الكبرى في مجال الأمن والدفاع بحوض الأبيض المتوسط، لكن هذا الإنخراط الكلي للمغرب في علاقته الأمنية مع أوروبا، التي تجعل منه مخاطبا أساسيا في القضايا الأمنية لدول الجنوب (جنوب المتوسط)، ظلت تفتقد إلى الإنسجام، بمعنى وجود شراكات متعددة مع الأوروبيين، لكنها بدون انسجام بينها، فالتنسيق الأمني الإسباني – المغربي ليس هو التنسيق الأمني الفرنسي – المغربي.

والشريك الثاني، الذي هو الولايات المتحدة الامريكية، التي تحتفظ بالمغرب في ذاكرة سنوات الحرب الباردة وانتمائه إلى مجموعة الحلف الأطلسي المستمرة، لكنها تحصر الشراكة مع المغرب في مجال مكافحة الإرهاب. فالولايات المتحدة في كل خطاباتها، ذات الطبيعة الأمنية، إلى المغرب، تعتبره "نموذجا" في محاربة الإرهاب، لكن دون مساعدته على الدخول الى منظومة مجموعة الدول التي تنسّق أمنيا حول منطقة الساحل أمام وجود اعتراض جزائري.

وللولايات المتحدة مواقف متناقضة مع المغرب. فالملاحظ أنه مباشرة بعد انتهاء لقاءات الحوار الإستراتيجي، التي انعقدت في شهر سبتمبر 2012 بين المغرب والولايات المتحدة والتي وقّعت فيها مذكرة تفاهم بين البلدين، تضمنت قضايا مُرتبطة بالجانب الأمني، فإن مذكرة كتابة الدولة في الخارجية الأمريكية التي وُجّهت في نفس الفترة إلى الكونغرس، انتقدت أوضاع حقوق الإنسان في الصحراء، وبالتالي، يبدو أن الولايات المتحدة تتعامل مع المغرب وِفق تناقُضات منطقة المغرب العربي. فهي تحاول التوفيق بين موقفها من الجزائر وموقفها من المغرب باستعمال أسلوب "الرضائية والإانتقاد" في نفس الوقت، للطرفين. ويبدو لحد الآن، أن المغرب لا يُجيد استثمار علاقاته مع الولايات المتحدة الأمريكية في محطات معيَّنة. فهذه العلاقات التي وإن كانت ثابتة، فإنه يطغى عليها المزاج الأمريكي المتحوِّل.

هل دخلت تحولات على الاستراتيجية الأمنية المغربية، مغاربيا، بعد ما جرى في ليبيا ومنطقة الساحل، امتناع الجزائر عن إشراك المغرب في التنسيق الأمني الإقليمي؟

عبد الرحيم منار اسليمي: التحولات التي تشهدها المنطقة المغاربية بعد ثورات الربيع العربي في تونس وليبيا، جعلت المغرب يراقب الوضع في البداية، لينتقل الى المساندة والدعم لكل ما جرى من تحولات، وأنتج في هذا المجال العديد من المبادرات (استقبال جرحى الثورة الليبية،...)، لكن يبدو أن الإستراتيجية الأمنية المغربية في منطقة المغرب العربي ومنطقة الساحل، مرتبطة بثلاث محددات أساسية:

- المحدد الأول، قضية الصحراء. فالتوتر القائم بين المغرب والجزائر في هذا الملف، يُبعد كل الشراكات الأمنية الممكنة، نظرا لغياب الثقة بين طرفين أساسيين، هما المغرب والجزائر. فرغم تصريحات الخارجية المغربية والجزائرية، بأن النشاط الإرهابي في المنطقة المغاربية، يشكل تهديدا كبيرا للأمن والإستقرار، وأن هناك ارتباط بين الشبكات الإرهابية وشبكات الجريمة الدولية، وأن هناك حاجة أمنية إلى تأمين الحدود بين الدول المغاربية، فإن مشكل الصحراء يجعل من مسألة وجود تصور محدد ومشترك حول التحديات الأمنية بالمنطقة، أمرا مستبعدا. فالجزائر والمغرب يقتربان وينسقان مضطرين، فقط لمّا تضغط أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية بحجّة أن أمن منطقة المغرب العربي "جزء من الأمن الدولي".

- المحدد الثاني، هو ما يجري في منطقة الساحل. فالجزائر تُصِرّ على إبعاد المغرب، بحجة الجغرافيا، والمغرب ينبِّه إلى أن منطقة الساحل، هي على وشك التحوّل إلى أفغانستان جديدة، ويعتبر ما يجري فيها، يهدد الأمن القومي المغربي، خاصة أنها مرتبطة بدول ملتصقة جغرافيا بالمغرب، كموريتانيا مثلا، ويبدو أن الجزائر نجحت إلى حدّ الآن في عزل المغرب وإبعاده عن منطقة الساحل، لمّا أخذت المبادرة في مناقشة التدخّل في شمال مالي من عدمه.

- المحدد الثالث، هو مطلب فتح الحدود بين المغرب والجزائر. فاستمرار إغلاق الحدود (منذ عام 1994 - التحرير)، يُبعد كل فرَضِيات التعاون والشراكة الأمنية ويفتح المجال لتبادل الإتهامات حول انفلات المراقبة، وهو الوضع حاليا.

وبالتالي، يبدو أن الحماس والتنسيق، اللذين عرفتهما منطقة المغرب العربي خلال مرحلة ثورات الربيع العربي انتهيتا الآن، وبات لكل دولة حساباتها السياسية البعيدة عن الهوية الإقليمية لفكرة المغرب العربي، السياسية والجغرافية والتاريخية. فليبيا الرسمية مَثلا، باتت تنغلق تدريجيا عن دول المغرب العربي، رغم تأثيرها فيه من خلال بقايا أسلحة القذافي، أضف إلى ذلك أن مشكل منطقة الساحل، يتجه نحو التدويل، الشيء الذي سيؤثر على منطقة المغرب العربي، التي يبدو أنها مُقبلة على تحولات إستراتيجية عميقة، لا مكان داخلها على الأقل في المدى القريب أو المتوسط، لكيان اسمه اتحاد المغرب العربي. فليبيا مثلا لجأت بعد الثورة إلى استيراد بعض مناهج التعليم من اندونيسيا ولم تنفتح على جارتها تونس، التي اعتبرت فيها المناهج التعليمية متقدّمة، والمغرب يُغيِّر إستراتيجيته الدبلوماسية ويتجه نحو دول الخليج، في الوقت الذي تُعيد فيه الجزائر ترتيب أوراقها مع فرنسا.

هل يُمكن القول بأن جولة الملك محمد السادس الخليجية الأخيرة تدخل في هذه الإطار؟

عبد الرحيم منار اسليمي: يمكن تقديم ثلاث تفسيرات على الأقل للزيارة الملكية لدول مجلس التعاون الخليجي. الأول، وهو خطر العُزلة التي يمكن أن يعيشها المغرب في منطقة المغرب العربي. فإبعاد المغرب عما يجري في منطقة الساحل وانشغال أوروبا بتدبير أزمتها، جعل المغرب يستشعر مخاطر العُزلة التي تريد أن تمارسها عليه الجزائر بإبعاده عن الملفات الإقليمية المحيطة به.

التفسير الثاني، الأزمة الاقتصادية والإجتماعية التي يعيشها المغرب والتي يحتاج فيها إلى دعم من دول مجلس التعاون الخليجي. فالمغرب في حاجة الى استثمارات الخليج، ولاحظنا أن السلطات الحكومية بدأت في التوجه نحو البحث عن الحصول عن مزيد من تمويلات صناديق الثروات السيادية لدول الخليج. فالمغرب يسعى الى البحث عن دعم اقتصادي لنموذجه السياسي، الذي يعتبره مستقرا، مقارنة بباقي دول ما بعد الربيع العربي.

التفسير الثالث، وهو بحث المغرب، من خلال هذه الزيارة النادرة لملك المغرب إلى منطقة الخليج، عن إعادة إحياء فكرة انضمام الأردن والمغرب إلى منظومة مجلس التعاون الخليجي. فهذه الفكرة التي كان المغرب قد استقبلها بنوع من البرودة، يُمكن إعادة إحيائها بطرق أخرى، من خلال إجراء مالي واقتصادي يضع المغرب كشريك ممتاز لدول الخليج. فالزيارة تبيّن أن المغرب بدأ يُعيد بناء تصوّراته للعلاقات مع الدول العربية والخليجية منها على الخصوص، خاصة وأن هناك نافذة مفتوحة أمام دول الخليج نفسها للإستثمار في المغرب، في وقت تعاني فيه اقتصاديات أوروبا من مخاطر الإفلاس واقتصاديات بعض الدول العربية من عدم الإستقرار السياسي.

إجمالا، يبدو أن المغرب يتوجه استراتيجيا نحو الخليج لتجاوز مخاطر عزلة متوقعة وليُعيد إحياء زمن العلاقات المغربية الخليجية، بغض النظر عن الحالة السياسية لكل دولة من الدول الخليجية. فالدبلوماسية المغربية يبدو أنها تنتقل نحو النظر إلى الخليج كمنظومة دول متكاملة داخل مجلس التعاون، وليس النظر إليها كدول فرادى، لها استراتيجياتها الخاصة.
محمود معروف - الرباط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.