عبد الرحمن مكاوي أستاذ العلاقات الدولية/ خبير في الشؤون العسكريةوالإستراتيجية "" جماعة فتح الأندلس كونها أبو مصعب عبد الودود بإيعاز وتوجيه من أيمن الظواهري أصبح عناصر القاعدة مكونين تكوينا حربيا جيدا خلافا للأجيال السابقة من الجهاديين الشباب "الراديكالي الغير منظم" . لقد حولت القاعدة منهجها و أسلوبها من الشرق الأوسط إلى المغرب العربي. و لقد لعب الانترنيت دورا كبيرا في التكوين والتجنيد "فالجهاد الشامل" هو منظور سياسي ديني سهل للقاعدة جلب العديد من الشباب العاطل والجاهل. عكس المغرب، فان الجزائريين يساندون القاعدة و لا يتعاونون مع السلطة. نظرا لكون الشعب بقي على الحياد، و هنا تكمن مأساة الجزائر. على خلفية تفكيك خلية "فتح الأندلس" أجريت الحوار التالي مع الأستاذ عبد الرحمن مكاوي أستاذ العلاقات الدولية/جامعة الحسن الثاني خبير في الشؤون العسكريةوالإستراتيجية . تمكنت المصالح الأمنية المغربية من تفكيك خلية "فتح الأندلس" الموالية لتنظيم القاعدة بمدينة العيون "الصحراء الغربية"، هل هذا مؤشر لإستراتيجية جديدة اعتمدتها القاعدة لضمان القرب والتعاون المتبادل بين تنظيماتها وخلاياها المتواجدة بالجزائروجنوب الصحراء؟ بعد التحول الذي طرأ على إستراتيجية جماعة الدعوة و القتال الجزائرية GSPC)) و مبايعة أبو مصعب عبد الودود لأسامة بن لادن أمير التنظيم تحت تأثير ابو مصعب السوري، المنظر الرئيسي للقاعدة و صاحب نظرية "الجهاد الشامل"، ظهر أن القاعدة لا تهدف فقط إلى إقامة دولة إسلامية في الجزائر بل نشاطها السياسي و العسكري امتد إلى كافة دول اتحاد المغرب العربي الخمس إضافة إلى دول الساحل، التشاد، النيجر، مالي، دارفور. فالخسارة الكبيرة التي عرفتها القاعدة في العراق بسبب الاخطاء الفادحة المرتكبة في حق المدنيين العزل جعلتها تحول نشاطها الرئيسي إلى شمال إفريقيا لسببين اثنين : الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية و الفقر الذي تعرفه المنطقة في أوساط الشباب، الخزان الكبير للمتطوعين، والموقع الجيوستراتيجي لشمال إفريقيا القريب من أوروبا التي يوجد للقاعدة بها عدة خلايا نائمة ( فرنسا، اسبانيا، ايطاليا، تركيا). فجماعة الدعوة و القتال الجزائرية التي أصبحت تتوفر على إمكانات عسكرية مهمة و على تجربة في ميدان القتال وعلى مشروع إعلامي متكامل و على شبكات متعددة شعبية تدعمها، أصبحت تلعب دورا محوريا في التنظيم الجديد الذي لا تربطه بالقاعدة الأم إلا الاسم التجاري لا غير. فابو عبد الودود الذي هو في الحقيقة القائد الفعلي لجماعة القاعدة في المغرب الإسلامي غير من منهجية العمليات التي كانت في الجزائر في السبعينات، فالإرهاب أصبح عنده مهنة و موهبة ربانية.و هو يوجد في مكان السيطرة و القيادة و اللوجستيك في الجهة الشمالية الجبلية الوعرة الجزائريةالدي يعد مركزا اساسيا في قيادة العمليات. أما علاقات التنظيم بالجماعات الجهادية المغاربية فهو أمر ثابت، فالقاعدة بالجزائر استقطبت العديد من الشباب المغاربي العائد من العراق و أفغانستان، كالموريتانيين والطوارق و المغاربة والتونسيين و الليبيين و السودانيين من دارفور، فلقد تولدت عندهم في معسكرات القاعدة روابط قوية، ولقد استطاع هذا التنظيم أن يتسرب حتى إلى مخيمات المحتجزين الصحراويين في تندوف وان يجلب إليه العديد من الصحراويين المغاربة و ذلك باعتراف السلطات الجزائرية . فالقاعدة في المغرب الإسلامي أصبحت تتوفر على قواعد متحركة و أخرى نائمة في جميع أقطار المغرب العربي ودول الساحل دون استثناء، أما جماعة فتح الأندلس فقد كونها أبو مصعب عبد الودود بإيعاز وتوجيه من أيمن الظواهري.ان التمركز في الجبال و الغابات الجزائرية أصبح أمدا صعبا ومخاطرة كبيرة لدا تم تدريجيا الانتقال إلى الصحراء الكبرى مما مكن القاعدة من التحرك بسهولة ومكنها كذلك من التسلح ومن فوائد التهريب و من المتاجرة في المواد الغذائية و في الممنوعات. إن هذا الانتشار الواسع حسب المحلل الاستراتيجي لويس مارتيناز أربك القوات المسلحة في المغرب العربي في هذه المواجهة الحربية التي لا تخضع لفنون الحرب الكلاسيكية، كما تتطلب المواجهة في الصحراء تدريبا مكثفا و إمكانات ضخمة لتفكيك جميع خلايا القاعدة في المغرب الإسلامي، التي تتطور عسكريا واستراتيجيا لمجابهة قوات الناتو المسماة بافريكوم . فجماعة فتح الأندلس ماهي إلا كتيبة من كتائب القاعدة في المنطقة كالكتيبة الموجودة في جنوب الصحراء الجزائرية و موريتانيا المسماة بالملثمين. بعض عناصر خلية "فتح الأندلس" جنود سابقين تم استقطاب بعضهم داخل السجن، هل هذا مؤشر جديد يفيد باعتماد تاكتيك جديد لعمل القاعدة بالمنطقة؟ القاعدة في المغرب الإسلامي تستقطب عناصرها في الأحياء الشعبية و في السجون و في المساجد وفي المدارس و حتى في المستشفيات، فالشاب المغاربي هو في وضعية هروب دائم نظرا لانسداد الآفاق في الشغل ، فإما أن يلجأ الشاب إلى قارب الموت او يهرب إلى الجبل أو الصحراء، أو ينظم إلى الجيش و الشرطة أو يسقط في شبكات المخدرات، فالقاعدة لها آليات نفسية للاستقطاب معروفة عند رجال الأمن المختصين، آليات لم يتمكن الأمن والجيش الجزائري من اختراقها إلا في الآونة الأخيرة، فهي تستقطب كل إنسان له قابلية معينة، والتجنيد ينطلق من الأسرة في غالب الأحيان ليمتد إلى الحي أو المدرسة أو الحرفة. فالتكتيك قديم جدا عند هده الجماعات، التي دشنته جماعة الجهاد في مصر و أبي مصعب الزرقاوي في العراق و طالبان في بشاور و درودكال في الجزائر. فعناصر القاعدة أصبحوا مكونين تكوينا حربيا جيدا خلافا للأجيال السابقة من الجهاديين الشباب "الراديكالي الغير منظم" . لقد حولت القاعدة منهجها و أسلوبها من الشرق الأوسط إلى المغرب العربي. و لقد لعب الانترنيت دورا كبيرا في التكوين والتجنيد "فالجهاد الشامل" هو منظور سياسي ديني سهل للقاعدة جلب العديد من الشباب العاطل والجاهل. عكس المغرب، فان الجزائريين يساندون القاعدة و لا يتعاونون مع السلطة. نظرا لكون الشعب بقي على الحياد، و هنا تكمن مأساة الجزائر. اعتبارا للوضع الحالي بالمنطقة (الصحراء وجنوبها وتصاعد العمليات بالجزائر)، وبروز علامات قوية لعدم الاستقرار بالمنطقة (عمليات الجزائر، تحركات "الطوارق"، الصومال، السودان...)، من الدواعي والأسباب التي دفعت إلى اختيار تنظيم "القاعدة" كمرتكز جغرافي لها؟ القاعدة في المغرب الإسلامي لم تستطع نقل نشاطها إلى المغرب نظرا للاستنفار الأمني الشديد على الحدود الشرقية خاص شبكات المراقبة الكترونية المتطورة التي نصبتها الجزائر على جميع تخومها و حدودها، لهذه الأسباب فان القاعدة فشلت حتى في توظيف المهربين بين المغرب و الجزائر. لذا لجأت إلى الصحراء الجنوبية التي تخرج عن سيطرة بعض الدول المغاربية كالجزائر و موريتانيا و مالي و النيجر نظرا لشساعتها و كبرها، فالقاعدة لا تتحرك في الصحراء إلا ليلا تفاديا للمراقبة الجوية من طرف الأقمار الاصطناعية . فالصحراء الكبرى منطقة تنشط فيها عدة شبكات متناقضة و لكن متعاونة. فالمهربون في جنوبالجزائر و شمال موريتانيا يوفرون لعناصر القاعدة حرية الانتقال من جهة إلى أخرى دون السقوط في شباك رجال الأمن. و من هنا نستنتج بان الموالون للقاعدة في المغرب الإسلامي يطبقون بالحرف ما جاء في دليل أبو مصعب السوري السجين في الولاياتالمتحدة في مكان سري، فعدة منابر جهادية لازالت تروج لتوجيهاته و أساليبه في مواجهة العدو القريب و العدو البعيد، فخلافاته مع بن لادن و الظواهري لم تمنعه من استغلال الشباب المغاربي القادم إلى العراق بغية الجهاد ضد الأمريكيين و تحويلهم بعد التكوين من جديد الى المغرب العربي. فأبو مصعب السوري هو الذي فكر في خلق تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بعد محاولته الفاشلة في لبنان سنة 2000، إنها عرقنة الجهاد في منطقة قريبة من أوروبا و أمريكا، نظرية العدو القريب و العدو البعيد التي أوردها أبو مصعب السوري في دليله، تجد الآن مكان تطبيقاتها في شمال افريقيا. للإشارة فإن ابو مصعب السوري هو الذي خلق جماعة القاعدة في بلاد الرافدين. إلى حد الآن، يبدو أن المصالح الأمنية المغربية نجحت في السباق بينها والإرهاب، إذ تمكنت خلال فترة وجيزة من تفكيك خلايا إرهابية في المهد، كيف ترون المستقبل القريب للحرب ضد الإرهاب في المغرب العربي ومنطقة الصحراء وجنوبها؟ وزارة الداخلية و الشؤون المحلية في الجزائر كانت دائما الحلقة الضعيفة في الحكم الجزائري منذ الاستقلال، فكانت إمكاناتها محدودة جدا لان العسكر كانوا يحتكرون كل شيء في الجزائر إلا مهمة الشرطة التي كانوا لا يفقهون فيها، و هذا من الأسباب التي تفسر عدم القضاء على الجماعات الإسلامية في الجزائر في بداية سنوات الجمر. فمنذ وصول بوتفليقة إلى الحكم عين صديقه الوفي الضابط السابق في الأمن العسكري نور الدين يزيد زرهوني وهو بالمناسبة مزداد في مدينة الصويرة المغربية ليحدث توازنا بين وزارة الدفاع ووزارة الداخلية وخاصة مع جيش نينجا المؤلف من 60 ألف عنصر (جيش النخبة) تحت القيادة المباشرة لرئيس الأركان السابق محمد العماري، هذا التوازن بين المؤسستين مكن وزارة الداخلية الجزائرية في الوقت الحاضر و إدارة الأمن الوطني التي يقودها العقيد التونسي من تحقيق انجازات كبيرة للحد من عنف القاعدة في الجزائر : استثمروا كثيرا في إنشاء شبكات من المخبرين في جميع أنحاء الجزائر و في مفاصل الدولة . فالأمنيون الجزائريون يتبعون الآن نفس الإستراتيجية التي ينهجها الأمن المغربي منذ السبعينات والذي توفرت لديه تجربة خاصة و قديمة في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، فالمنطقة سوف لا تشهد استقرارا كاملا إلا إذا حلت مشكلة الصحراء المغربية التي لا تسمح بالتعاون و التنسيق بين الجزائر و المغرب، فالجيران يفضلون البوليساريو الذي له علاقة مشبوهة مع القاعدة ضد المغرب، لان مصير شعب الجزائر و استقراره وامنه لا يهم القادة في البلد المجاور. فامن المغرب هو من امن الجزائر واستقرارهما متلازمان، خاصة بعد اكتشاف التنسيق بين عناصر القاعدة في موريتانيا و عناصر من الصحراء المغربية المحتجزين في تندوف الجزائرية، ان كل التنظيمات المسلحة موجودة في الجنوبالجزائري و الشمال الموريتاني و يتحركون وبكل حرية في مدينة زويرات الموريتانية بئر كندوز و عين صالح و عين أم الناس، واليزي و النعمة . إنهم في سباق ضد الخطط التي يعدها الناتو في الصحراء الكبرى . هناك نقط أخرى ينبغي الإشارة إليها و هو التنسيق الضعيف بين المغرب و الجزائر في مواجهة القاعدة، وضع تستغله أبشع استغلال. حسب الدراسات الأمريكية التي قام بها مارك سكمان و الذي تناولها في كتابه "inside terrorisme 1990" ، فان القاعدة مازال أمامها عشر سنوات من النشاط في منطقة المغرب العربي، فالجزائر أصبحت المعسكر الأساسي لتدريب عناصر القاعدة الراغبين في الجهاد في العراق أو البقاء في شمال إفريقيا، و لهذا يمكن القول أن الإرهاب يعيش من الأزمة الجزائرية المغربية. عنصر آخر قبل الختام، لا يمكن إغفال المقاربة الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية للحد من ظاهرة الإرهاب.