لأول مرة في تاريخ المواجهات بين القاعدة و دول اتحاد المغرب العربي، نلاحظ تطابقا غريبا ومشبوها بين مواقف الدولة العسكراتية الجزائرية، و تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي بزعامة أميره الجهوي عبد المالك درودكال الملقب بابي مصعب عبد الودود و زعيم البوليساريو عبد العزيز الركيبي المراكشي فيما يخص الأحداث السياسية الجارية في موريتانيا الإسلامية -الدولة العربية الوحيدة التي تنعت بالإسلامية- بعد التصحيح الديمقراطي الذي وقع في 6 غشت 2008 و بعد الهجوم الإرهابي على دورية عسكرية موريتانية في جبل تورين القريب من مدينة الزويرات. فهل هذا التناغم جاء عن طريق الصدفة أم هناك أمور خفية، لا يعلمها إلا الله جل جلاله، تم طبخها كالعادة في ظلام دامس. و لفهم هذا التحالف الغير الطبيعي ينبغي معالجته من ثلاثة زوايا أساسية: "" الزاوية الأولى: نتعرض فيها للأسباب الكامنة وراء مقاطعة الدولة الجزائرية للقيادة الجديدة في موريتانيا، ورفضها التعامل معها كما فعلت الدول المغاربية الأخرى،علما بان الانقلاب تم تزكيته من طرف اغلب أعضاء البرلمان الموريتاني و اغلب الأحزاب السياسية و القبائل و جمعيات المجتمع المدني، كما نشرح بهذه المناسبة، غموض موقف الجنرالات في الجزائر من الهجوم على جبل تورين الواقع شمال موريتانيا والقريب من الحدود المغربية الجزائرية. الزاوية الثانية : نتناول فيها الدوافع الحقيقية لإعلان الجهاد الشامل على موريتانيا من طرف تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. الزاوية الثالثة : نسلط الضوء عليها من خلال الأخبار المتناقضة، و المنشورة في الإعلام الجزائري المقرب من مصدر القرار، المتعلقة بالفاعل الحقيقي الذي كان وراء الهجوم. كما سنعالج الغاية من ترويج أخبار كاذبة حول طبيعة المعركة و مكان انطلاق القاعديين. قبل تحليل هذه النقط السالفة الذكر، لابد من الإشارة إلى الأهمية الاستراتيحية و الاقتصادية لمدينة الزويرات التي تقع في شمال موريتانيا و التي تبعد عن الحدود المغربية ب100 كلم و من موقع الهجوم أي جبل تورين ب80 كلم الممر الاستراتيجي ، إنها مدينة معدنية غنية بالحديد، العمود الفقري للاقتصاد الموريتاني إلى جانب المحروقات و الذهب و الأسماك، كما تتواجد فيها جالية فرنسية كبيرة تتولى استخراج الحديد الخام و تصفيته و إرساله إلى مدينة نواديبو للتصدير إلى أقطار كثيرة في العالم. فالمنطقة مهمة اقتصاديا و استراتيجيا، لاستمرار موريتانيا كدولة حديثة، نظرا لقربها من جيوش الدول المجاورة الكبيرة كالجيش الجزائري، و الجيش المغربي ، و قوات الأممالمتحدة، فمنطقة الزويرات تعرف كذلك تواجدا ملحوظا لكتائب البوليساريو دون ان ننسى المهربين من كل الأصناف. فالانفصاليون الصحراويون حاولوا ضربها عدة مرات، خاصة خط السكك الحديدية الرابط بينها وبين العالم الخارجي، لتركيع المرحوم الرئيس مختار ولد دادة، أما اليوم، فهم يستغلون المنطقة العازلة بين المغرب و الجزائر بكل حرية و قد استثمروا كثيرا في العقار في مدينة الزويرات، فالشريط الحدودي العازل الذي من المفروض أنه تحت إشراف الأممالمتحدة منذ 1991 تاريخ وقف إطلاق النار، أصبح مرتعا لكل المغامرين من قاعديين و انفصاليين ومهربين و قطاع الطرق. وهذا يعني أن الحدود المغربية الجزائرية الموريتانية رغم مراقبتها الكترونيا و عسكريا من جميع الجوانب، في مناخ يطبعه اليقظة و الحيطة و الاستنفار الدائم، تبقى المنطقة العازلة بينهم مصدر قلق للجميع، خاصة بعد تسرب عناصر القاعدة في المغرب الإسلامي إلى ولاية تندوف و إلى مخيمات المحتجزين الصحراويين، وتهديدهم المباشر لموريتانيا، الحلقة الضعيفة في الجغرافية السياسية لشمال إفريقيا. *أسباب الأزمة الحالية الجزائرية الموريتانية الجزائر التي رفضت الانقلاب الجديد في موريتانيا، ترجمت هذه المقاطعة و هذا الرفض من خلال المواقف السياسية الآتية: -1 عدم استقبال الرئيس بوتفليقة، عن غير عادته، الوفد الموريتاني برئاسة الرجل الثاني في المجلس العسكري الجنرال ولد الغزواني، المرفق بوزير خارجية بلاده (الرئيس بوتفليقة يستقبل حتى السفراء المغادرين للجزائر، و يخرج معهم حتى إلى باب قصر المرادية بنفسه)،وتم استقبالهم في ظروف مهينة من طرف الوزير المنتدب لدى وزير الخارجية المكلف بالإتحاد الإفريقي واتحاد المغرب العربي، السيد عبد القادر امساهل. -2 الإجراء العدائي الثاني الجزائري، الرافض للتغيير الديمقراطي الحاصل مؤخرا في موريتانيا، تمثل في استقبال زعماء بعض أحزاب المعارضة للانقلاب، من طرف السيد عبد العزيز بلخادم الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية، والممثل الشخصي لرئيس الجمهورية، و تم اللقاء في القصر الجمهوري، و هذا الاجتماع كان له أكثر من معنى و دلالة سياسية، أهمها، أن الجزائر بمواقفها الرافضة هذه، دخلت مباشرة على خط الأحداث السياسية الداخلية الموريتانية، التي تلت الإطاحة بالرئيس محمد ولد الشيخ عبد الله من طرف قائد الحرس الجمهوري الجنرال ولد عبد العزيز. -3 عنصر آخر، قد يضاف إلى التدخل الجزائري في شؤون دولة مستقلة ذات سيادة، يكمن في تحريكها للسيد رمضان لعمامرة ، الدبلوماسي الجزائري ، رئيس لجنة المنازعات في الاتحاد الإفريقي، و المعروف بولائه للمؤسسة العسكرية الجزائرية، فلقد قام هذا الأخير بعدة زيارات إلى نواكشوط، قصد الضغط على الحكام الجدد، مستعملا لغة الوعد و الوعيد إن هم لم يعيدوا الرئيس المخلوع إلى سدة الحكم. بل تجاوز حدود اختصاصاته الدبلوماسية، عندما طلب مقابلة ولد الشيخ عبد الله، الرئيس المخلوع في إقامته الجبرية. وفي أحداث أخرى ذات صلة بالموضوع، نذكر تحركات الدبلوماسي الجزائري في الاتحاد الإفريقي من خلال قيامه بضغوطات سياسية على الدول الإفريقية التي تتوصل بمساعدات مالية و عينية من الجزائر كالبترول و الغاز و دول الاتحاد الأوروبي و حتى على دول داخل الجامعة العربية، كقطر وسوريا والإمارات العربية المتحدة، لحملهم على محاصرة الجنرال ولد عبد العزيز، رئيس المجلس العسكري الأعلى و رفاقه، اقتصاديا و إعلاميا و سياسيا، و تشجيع فرض العقوبات المختلفة على هذا البلد العربي الضعيف والفقير. -4 تقدمت الجزائر بمناسبة زيارة كاتبة الدولة الأمريكية في الخارجية السيدة رايس، بطلب مقاطعة الولاياتالمتحدة للحكام الجدد، و تجميد الأرصدة الشخصية لأعضاء الحركة الانقلابية وعائلاتهم مع اتهامهم بالمسؤولية الأخلاقية في إجهاض الديمقراطية الفتية و تهديد أمن المنطقة !!. أما الأسباب التي تفسر المواقف العدائية للدولة الجزائرية من التصحيح الديمقراطي الذي حصل في 6 غشت 2008 في موريتانيا، فيمكن تصنيفها إلى سياسية و اقتصادية و جيوستراتيجية، أي إقليمية تتعلق بقضية الصحراء المغربية. فعلى المستوى السياسي، كانت الجزائر تعتبر الرئيس المطاح به أكثر الرؤساء الموريتانيين انفتاحا على الجزائر من سابقيه، تقارب ترجم على الأرض في الشهور الأخيرة بين البلدين الجزائر و موريتانيا بزيارات وفود عسكرية و استخباراتية جزائرية لنواكشوط، توجت بإبرام عدة اتفاقيات سرية بين البلدين في المجال العسكري و الأمني المناورات العسكرية المشتركة ، كما قامت الجزائر بتشجيع التقارب السياسي بين البوليساريو و موريتانيا. ولقد لوحظ في الآونة الأخيرة غموض موقف الرئيس الموريتاني المخلوع من قضية مشروع الحكم الذاتي المقترح من طرف المغرب، و تذبذب تصريحاته فيما يخص نزاع الصحراء، وهذا بالطبع، راجع إلى الإغراءات المادية الجزائرية الأخيرة، إلى جانب التهديد المبطن. أما على المستوى الاقتصادي، فلقد فتح الرئيس المخلوع ولد الشيخ عبد الله، أبواب موريتانيا للاستثمارات الجزائرية الضخمة، خاصة الاستثمار في ميدان التنقيب على البترول و الغاز و المعادن كالذهب والماس والأحجار الكريمة، حيث اشترت شركة صونتراك الجزائرية 20 % من أسهم شركة المحروقات الموريتانية، هذا ما أكدته اللجنة الثنائية الجزائرية المشتركة، المنعقدة في نوفمبر 2008 عدة اتفاقيات اقتصادية وثقافية تهم عدة مجالات، تشمل بالخصوص ميادين المعادن و الأسماك والسياحة و التكوين... هذه باختصار بعض الأسباب السياسية و الاقتصادية التي تمت في العهد السابق، وبشروط تفضيلية و غير متكافئة لصالح الجزائر. فيما يتعلق بالمحيط الإقليمي لموريتانيا، فالجزائر ترى في جماعة الجنرال ولد عبد العزيز، قائد المجلس العسكري الأعلى، التي قامت بالتصحيح الديمقراطي، أيادي أجنبية تريد زعزعة استقرار المنطقة، أو بمعنى أوضح ومكشوف، تهديد مصالح الجزائر الاقتصادية و السياسية في موريتانيا. و هذا راجع إلى كون الجزائر تعتبر منطقة شمال إفريقيا الممتدة من دكار إلى القاهرة، هي منطقة أمنها القومي و أن أي تغيير يقع فيها يجب أن يكون بموافقتها و بتزكيتها (zone de sécurité)، و كأن المنطقة كانت تعرف من قبل هدوءا وتساكنا وتعاونا بين أعضاءها !! كما هو الشأن بالنسبة لتكتلات جهوية أخرى!!، و الحقيقة تتجسد في أن الضباط الموريتانيين، زعماء الانقلاب الأول والثاني (غشت2006-2008)، أقيلوا فجأة من مناصبهم دفعة واحدة، فقاموا بردة فعل سريعة لانقاد البلاد على ما أعتقد، من الصوملة و من تحولها إلى بزار كبير تشتري فيه عدة دول ما تشاء وبالسعر الذي تريد، و في هذا الإطار، يمكننا أن نقول أن التصحيح الديمقراطي الأخير وضع حدا لرغبات و طموحات الجزائر، الجار القوي و الغني، الذي لم يأخذ بعين الاعتبار التركيبة النفسية و الاجتماعية للشعب الموريتاني. إن رد فعل المجلس العسكري الأعلى في موريتانيا، يؤكد نيته كذلك في قطع الطريق أمام التحالف الغير الطبيعي الذي وقع بين التيارات الإسلامية، خاصة تيار السلفية الجهادية و الرئيس المخلوع ولد الشيخ عبد الله أطلق الله أسره، فالجنرال محمد ولد عبد العزيز، الذي لقبه بعض المثقفين الموريتانيين بجمال عبد الناصر شنقيط، هو الذي كان وراء بناء الديمقراطية في موريتانيا في الانقلاب الأول و الثاني و هو الذي أتى بمحمد ولد الشيخ عبد الله من النيجر، حيث كان يشتغل خبيرا في صندوق الاستثمار الكويتي للتنمية في إفريقيا و هو الذي عبأ القبائل و الأحزاب و المجتمع المدني لصالحه في الانتخابات السابقة، فرئيس المجلس العسكري الحاكم معروف بزهده و استقامته و صرامته وشعبيته في صفوف الجيش، فعندما انحرف الرئيس المنتخب عن الدستور و انقلب على الحزب الذي رشحه، وقع ما وقع في 6 غشت 2008، فموريتانيا الإسلامية الحالية ترفض حكم الإسلاميين المتعاطفين مع فكر السلفية الجهادية كما ترفض أطماع كل الجيران و هي تسعى إلى البقاء على الحياد في النزاع المغربي الجزائري حول الصحراء المغربية. الغريب في الأمر أن الجماعة العسكرية التي قامت بالانقلاب ضد معاوية ولد سيدي احمد الطايع في 3 غشت 2006 هي نفس الجماعة التي أطاحت بولد الشيخ عبد الله في 6 غشت 2008 إن الجزائر كانت تعرف جيدا الانقلابيين الذين استقبلوا في الجزائر عدة مرات بحفاوة و تقدير كبيرين، كما تعرف أن لهم علاقات عائلية و قبلية مع المغرب، فماذا جرى هذه المرة يا ترى حتى تغير الجزائر موقفها من المجلس الأعلى للدولة الجديد في موريتانيا، داعية إلى مقاطعته سياسيا و اقتصاديا وثقافيا، و ساعية في الظاهر و الخفاء إلى الإطاحة به ونشر الإشاعات المغرضة عليه لتدميره، ولو على حساب إشعال حرب أهلية !؟. *موقف تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي من المجلس العسكري الأعلى الموريتاني الحاكم أعلن الجنرال ولد عبد العزيز، رئيس المجلس العسكري الموريتاني، مباشرة بعد الإطاحة بالرئيس الشيخ ولد عبد الله، عزمه على مكافحة الإرهاب و التصدي للسلفية الجهادية و القاعدة بعزم وثبات، الأمر الذي دفع أمير الجماعة السلفية للدعوة و القتال الجزائرية، عبد المصعب عبد الودود، إلى إصدار بيان يوم 10 غشت 2008 يعد فيه موريتانيا بحرب قريبة شاملة، معتبرا المسؤولين الجدد عملاء للأمريكان و الفرنسيين و الصهاينة، كما وصف الانقلابيين بالمرتدين عن الإسلام. و طالب بإطلاق سراح الرئيس المخلوع و كل القيادات الإسلامية الموريتانية المسجونة. إن موقف تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي الذي تقاطع وتطابق وتزامن ولأول مرة مع موقف الجنرالات في الجزائر هو أمر مستغرب جدا. إن أمير القاعدة في المغرب الإسلامي الذي يطبق دليل أستاذه عبد المصعب السوري، المعتقل في الولاياتالمتحدةالأمريكية، انتبه إلى الحلقة الضعيفة في المنطقة، بعد فشله في الانتشار نحو الغرب أو الشرق، مطبقا "نظرية العدو القريب و الضعيف"، و مستغلا الأحداث السياسية الداخلية من اجل صوملة موريتانيا، وهذا المشروع لا قدر الله هو ما تطمح إليه أطراف أخرى. فاعلان الجهاد الشامل و الكبير على موريتانيا، كان هدفه احتلال مدينة الزويرات، المركز الاستراتيجي و الأساسي لاقتصاد البلاد، واختطاف العديد من الأجانب العاملين في المدينة وخاصة، العسكريين و الأجانب الذين يعتقد أنهم سيكونون موضوع عملية تبادل مع الخاطفين خلال الأسابيع القادمة، حسب رواية جريدة الشروق الجزائرية، المقربة من دوائر الاستخبارات. -انظروا كيف أنهم يعلمون حتى نوايا المهاجمين على جبل تورين !- . أطروحة تشك الدوائر العسكرية والأمنية المختصة في المنطقة بمصداقيتها، فإستراتيجية عبد المالك درودكال، الملقب بابي مصعب عبد الودود، أبرزت انتقال التنظيم من شمال الجزائر، القاعدة الأساسية، إلى الصحراء الكبرى وإعادة انتشاره في المنطقة الممتدة من النيجر إلى نواكشوط. فلقد استطاع المختار بلمختار المدعو بالأعور، أمير كتيبة الملثمين، التي تتحرك بمساعدة قبيلة عربية مالية في دول الساحل، إقامة شبكات متعددة في شمال موريتانيا و جنوبالجزائر و مالي و في المنطقة العازلة بين المغرب و الجزائر، شبكات يختلط فيها الإرهاب بالتهريب المنظم. أما يحي ابن عمار، المسؤول العسكري لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، فقد كلف بالإشراف شخصيا على العمليات في الصحراء الكبرى، انطلاقا من كاو و كيدال في مالي، وأدرار وعين صالح وتيميمون واليزي و الهوكار في جنوبالجزائر، تاركا لأبي مصعب عبد الودود تدبير العمليات الانتحارية في الشمال، قصد إرباك الجيش الجزائري المنشغل في جبال الأوراس والشاوية، و متابعة ما يجري على الساحة الموريتانية. فخطة القاعدة واضحة و لا تحتاج إلى توضيح، هو إقامة إمارة إسلامية أو دولة الخلافة الراشدة في الشمال الموريتاني ، المنطقة المعروفة بممر واحد داخل الجبل، والتي استعملت في السابق، من طرف القاعديين الصحراويين والمهربين، وجماعة البوليساريو الانفصالية في اتجاه العاصمة الموريتانية نواكشوط. *جغرافية معركة تورين و الروايات الملغومة الجزائرية إن الروايات الجزائرية المسربة للإعلام المحلي، تفيد أن الهجوم الأخير على جبل تورين الواقع شمال موريتانيا و القريب من الحدود المغربية الموريتانية كان كبيرا و عنيفا و دام أكثر من 36 ساعة ! و قتل أثناءه أكثر من 12 جنديا موريتانيا وجرح و اختطف العديد منهم، كما غنمت القاعدة قدرا كبيرا من الأسلحة الخفيفة و المتوسطة و المركبات، معلومات دقيقة توصل بها الإعلام الجزائري مباشرة بعد الهجوم على الدورية الموريتانية، بغية التشويش على الحكام الجدد في موريتانيا، هذا البلد الذي صادق نوابه في البرلمان مؤخرا على خريطة طريق لتطبيع الوضع السياسي الداخلي. أما القصة التي جاءت بها جريدة ليبرتي الجزائرية (liberté)، قائلة أن المعركة التي دبرتها جماعة الدعوة و القتال الجزائرية، العمود الفقري لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، كانت انطلاقا من أراضي الصحراء المغربية، هي خبر ملغوم و مشبوه و يطبعه التدليس الإعلامي، مثلها مثل حكاية "الضباط الاحرار الخياليين الذين، حسب اليومية الجزائرية، اتهموا رئاسة أركان الجيش الموريتاني بتدبير الهجوم لتلميع صورتها أمام الغرب". إشاعات مسمومة يراد منها حسب المحللين الأمنيين، زرع الشكوك في أوساط الساحة الدولية و الإقليمية، وتخويف المستثمرين الأجانب والسياح، وذلك عن طريق فبركة الأخبار و تحريفها حتى لا تعكس الحقيقة على الأرض، بل تظهر سوء نية تلك المنابر الإعلامية. فالحدود الجنوبيةالجزائرية المحادية لموريتانيا والمغرب، توجد تحت سيطرة ألوية من الجيش الجزائري المسماة بالقبعات السوداء ( جيش النخبة)، و تخضع لمراقبة الكترونية كبيرة ردارات و آليات اتصال متطورة و منتشرة على جميع تخوم الجزائر من السعيدية إلى تيرس زمور. فالجزائر قد خصصت 1.5 مليار من اجل حماية حدودها البرية. أما من الجانب المغربي، فإضافة إلى جدار امني علوه 3 أمتار محصن تحصينا الكترونيا حديثا، ووحدات المسيرة المتحركة على طول الحدود مع الجزائر و موريتانيا، فلا نجد في هذه المنطقة المراقبة إلا كتائب البوليساريو التي تتحرك بحرية في المنطقة العازلة بين الجزائر و المغرب و تحت أنظار الأممالمتحدة، فمن أين أتى المهاجمون إذن؟. يعتقد المراقبون العسكريون في الآونة الأخيرة، أن القاعدة تمكنت من تجنيد العديد من الشبان الصحراويين المحتجزين في تندوف وجلبهم الى صفوفها، و لقد أشارت المنورسو في تقاريرها السرية إلى ظهور تيار سلفي جهادي في مخيمات لحمادة، يشبه تيار شاكر العبسي في مخيم نهر البارد، او تنظيم جند الإسلام في مخيم عين الحلوة في لبنان. انطلاقا من هذه الحقيقة المؤلمة، فان القسم الإسلاموي في البوليساريو، خاصة الشباب الذين لهم تكوين عسكري عال، تلقوه في كوبا و الجزائر، قد تم إغراءهم بالمال و بامتيازات مختلفة من اجل الانخراط مع كتائب الملثمين أو الفاتحين، و ثبت هذا في شهادات تخص الجرحى المعتقلين من طرف الجيش الجزائري في مناطق ادرار واليزي و تميمون جنوبالجزائر. فالخبراء العسكريون الغربيون، في "قاعدة اظهر" في شمال موريتانيا، قد رصدوا بأقمارهم الاصطناعية و شبكات تصنتهم، هجوم القاعدة على جبل تورين الذي يبعد 80 كلم عن الزويرات، ولا شك أنهم تأكدوا أن العملية هي هجوم منظم ومشبوه و غامض، وهم ما يزالون يحققون في ذلك، فتشويه وتحريف ما جرى في تورين، إنما هو رسالة سياسية و عسكرية أرسلها البوليساريو و من ينوب عنه، في ثياب القاعدة إلى الجنرال ولد عبد العزيز و رفاقه. إن القاعدة التي ساعدت عناصر من السلفية الجهادية في إنشاء خلية صحراوية موريتانية، يرأسها أمير يدعي الخديم ولد عثمان، خلية أعلنت الجهاد من السجن على الحكام الجدد، وأكدت تحالفها مع عبد المصعب عبد الودود أمير القاعدة في المغرب الإسلامي، قصد إقامة "الخلافة الراشدة" في هذا البلد العربي "بلد مليون شاعر" !!. يبقى أن نشير أن مواقف الدولة الجزائرية الغامضة من الهجوم الأخير على موريتانيا، توافقت مع مصالح البوليساريو و القاعدة في رفض التصحيح الديمقراطي الذي قام به العسكر ،وهذا يفسر تطابق المصالح في زعزعة استقرار وأمن هذا البلد المغاربي، الشيء الذي سوف يدفع الغرب و إفريقيا إلى مراجعة حساباتهما من انقلاب 6 غشت 2008، وتكون الجزائر إذ ذاك هي الخاسر الكبير امنيا واقتصاديا إن ثبت تورطها المباشر أو غير المباشر في هذا المخطط. إن المعلومات المفصلة حول الهجوم على منطقة الزويرات التي توصلت بها بعض الصحف الجزائرية المدجنة، أثارت وتثير تساؤلات خطيرة و كثيرة في الموضوع، فتفاصيل العملية التي حدثت في ظلام دامس و في جهة صحراوية وعرة، تعني أن الجيش الجزائري كان يراقب الوضع من قريب بوسائله الالكترونية المتطورة المشتراة مؤخرا، و لم يتدخل لمساعدة و لمساندة الدورية العسكرية الموريتانية (non assistance à personnes en danger) التي كانت تواجه كمينا دمويا مدروسا. التساؤل الذي أثار الشكوك في الدوائر المختصة في العالم هو نشر بعض وسائل الإعلام الجزائرية، المعروفة بولائها للمؤسسة العسكرية الجزائرية، خبر تسرب عناصر من القاعدة إلى العاصمة نواكشوط لتفجير سيارات مفخخة، إضافة لأكذوبة الضباط الأحرار الذين يتهمون القيادة الجديدة الموريتانية بافتعال الهجوم. هذه الإشاعات و الأخبار المسمومة و المدسوسة الغرض من نشرها هو زرع البلبلة و الخوف في الأوساط الشعبية الموريتانية، و ضرب اللحمة التي بدأت تتكون بين الجيش و الشعب في وقت طرحت فيه ورقة طريق لإخراج موريتانيا من الأزمة السياسية بمساعدة مغربية مباشرة، إضافة إلى ضرب وحدة الجيش الموريتاني. معلومة مشبوهة أخرى، جاءت بها إحدى الجرائد الجزائرية التي تدعي المصداقية و النزاهة العلمية، هي أن "الأمريكيين قد حذروا القيادة الموريتانية بهجوم وشيك للقاعدة، و أنهم، أي القيادة الموريتانية الجديدة، لم تأخذه بعين الاعتبار، لكون الجيش في موريتانيا كان منشغلا في الحراك السياسي الداخلي"، و في نفس الوقت، لم تتكلم هذه الجريدة، عن نفس التحذير الذي يكون قد وجه إلى الجيشين المغربي و الجزائري، المتواجدين بكثافة في المنطقة . يبدو أن كل المعطيات المتضاربة و المتناقضة، الواردة في الصحافة الجزائرية، تسعى إلى محاولة التغطية عن الفاعل الحقيقي، المنظم للهجوم، و المكان الذي انطلق منه، فنحن أمام فرضيتين اثنتين لا ثالث لهما : - الفرضية الأولى، هي أن جناح السلفية الجهادية، المقيم في مخيمات لحمادة، و المؤلف من عناصر البوليساريو المكون عسكريا و القريب من فكر القاعدة المتحالف مع كتيبة الملثمين كان وراء الهجوم على جبل تورين انطلاقا من المنطقة العازلة بين المغرب و الجزائر. - الفرضية الثانية، تكمن في كون العملية الهجومية كانت ذات طبيعة مركبة و مخدومة بشكل جيد، وعلى أعلى مستوى، بين البوليساريو المتخفي في ثوب أفغاني و بين بعض عصابات المهربين. فإذا ثبت الطرح الثاني، فان الجزائر تكون قد خرقت كل التفاهمات و الاتفاقيات، التي تجمعها مع عدة أطراف ومنها "الناتو" في مسألة مكافحة الإرهاب، فلا يعقل إذن أن تشير جريدة الشروق إلى القاعدة الأمريكية العاملة في منطقة " اظهر" بموريتانيا بدون إعطاء معلومات مؤكدة حول المنطقة التي انطلق منها القاعديون، فالكل يعلم أن الجزائر هي القاعدة الأساسية لتنظيم أبي مصعب عبد الودود الذي يطمح في الانتشار في الدول المجاورة و الآمنة. فتحريف الحقائق لا يخدم استقرار المنطقة بل يساعد القاعدة على الإستقواء، انه وضع قد يلحق الضرر بالجميع. إن أسلوب الافتراء الذي نهجته بعض وسائل الإعلام الجزائرية في موضوع جبل تورين الموريتاني، اعتقد أن له مقاصد أخرى، سوف تنكشف للرأي العام في المستقبل القريب، منها الترويج لأطروحة تواجد القاعدة في الصحراء المغربية التي تحولت، حسب الدعاية الجزائرية، إلى بؤرة للإرهاب، مما يستدعي توسيع صلاحيات قوات الأممالمتحدة في الإقليم، وإدراج المفاوضات بين الأطراف المعنية تحت البند السابع، باعتبار أن الإقليم أصبح يشكل خطرا على السلم و الأمن الدوليين، فلا ينفع التمويه وخلط الأوراق في هذا المجال، لان الأمر وقع في موريتانيا وانطلاقا إما من الأراضي الجزائرية كما هو شائع دائما او من المنطقة العازلة بين الدول الثلاثة. ختاما، إن الحرب النفسية و الدبلوماسية و الاقتصادية و الإعلامية التي أعلنت على موريتانيا من طرف الجزائر و القاعدة و البوليساريو في وقت واحد، سوف تؤدي بهذا البلد الفقير إلى الصوملة و التفكك و الانفجار لا قدر الله . وفي انتظار بيان تنظيم قاعدة المغرب الإسلامي مدعوما بالصوت و الصورة، بغية معرفة المزيد من الحقائق عن قضية جبل تورين، أطالب من حلف الشمال الأطلسي نشر نتائج تحقيقاته لتحديد مسؤوليات الأطراف المتورطة في الموضوع، والى ذلكم الحين، دعوني أتابع الدراما الجزائرية " الحاج لخضر مول العمارة " و رمضان كريم. ذ.عبد الرحمن مكاوي أستاذ العلاقات الدولية وخبير في الشؤون العسكرية والأمنية [email protected]